شكلت مضامين مشروع دستور 2011 نقطة مفصلية في العديد من النقاط التي كانت عالقة أو محل جدل بين مختلف المكونات السياسية والمدنية والإيديولوجية المغربية. ومن بين القضايا الجدلية والمثيرة للنقاش في الحقل السياسي والاجتماعي المغربي قضايا المرأة والأسرة التي استأثرت بحيز مهم من النقاش والخلاف في مغرب القرن الواحد والعشرين. ولعله نقاشا كان متمركزا حول نقاط جوهرية وأساسية في اعتقادي تم الحسم في أهمها، وذلك بالأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية والحضارية الدينية والاجتماعية للمغرب، وذلك بتشبث ديباجة مشروع الدستور بالمرجعية الإسلامية ومبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا. وهنا يمكن أن نقول في هذا الصدد أنه يمكن الحديث الآن عن مأسسة قضايا المرأة والأسرة. فبخصوص المرأة في مشروع دستور 2011، وبعد أن ورد ذكر المرأة في الدستور الحالي، دستور 1996، ذكرها مرة واحدة في فصله الثامن الذي نص من خلاله على كون الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية. ولكل مواطن كان ذكرا أو أنثى الحق في أن يكون ناخبا إذا كان بالغا سن الرشد ومتمتعا بحقوقه المدنية والسياسية. وهو حق اقتصر على ما هو سياسي ومدني دون امتداده لباقي الحقوق والمجالات، وقد تم تدارك هذا الأمر في اعتقادي من خلال مسودة المشروع الدستور الحالي. ونشير أنه قد ورد ذكر المرأة و الأسرة في خمس فصول مستقلة، كما ركز في ديباجته على الالتزام بمجموعة من المقتضيات من بينها "حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو اي وضع شخصي مهما كان"، باعتباره مطلبا ناضلت من أجله الحركة النسائية المغربية بالاستناد إلى المرجعية الدولية في مجال محاربة جميع أشكال التمييز التي نصت عليها مجموعة من المواثيق الدولية. وفي الباب الثاني من المشروع المتعلق بمجال الحريات والحقوق الأساسية، فقد ورد في الفقرة الأولى من الفصل 19 منه على أن: "يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها." ومن خلال هذا الفصل امتدت كفالة حق المساواة إلى مجالات أخرى، بمعايير دولية في نطاق عدم المساس بثوابت الدولة المغربية، هذه الجملة الأخيرة التي جعلت من الفصل 19 من مشروع الدستور ذو قداسة وحرمة ومرجعية تذكرنا بالدلالة الرمزية للفصل 19 من دستور 1996 التي لازمتنا ذهنيا وفكريا طيلة الخمس عشر سنة الماضية. ثم ورد التفصيل في الإجراءات أو الضمانات التي تكفل بها الدولة تحقيق هذه المساواة، حيث أشار منطوق الفقرة الثانية من الفصل 19 على أنه: "تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ التكافؤ بين الرجال والنساء"، وكذا إحداث هيئة للتكافؤ ومكافحة كل أشكال التمييز من خلال منطوق الفقرة الثالثة من نفس الفصل. كما يحث الفصل 115 ويؤكد أثناء استعراضه لتشكيل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، على ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي، وهو ما يمكن اعتباره إنجازا وهو دسترة حقوق المرأة في الولوج لمناصب القرار وتمكينها من القيام بوظائف كانت في وقت ما حكرا على الذكور دون الإناث وربطها بشرط الكفاءة والاستحقاق. ويمكن القول أنه ولأول مرة في التاريخ الدستوري المغربي يتم التنصيص على مؤسسة الأسرة والطفل التي ظلت غائبة عنه في كل الدساتير السابقة، حيث ورد مفهوم الأسرة في الفصل 32 من مشروع الدستور، وتم التأكيد على كونها قائمة على علاقة الزواج الشرعي باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع، وعبارة القائمة على الزواج الشرعي تقطع الطريق أمام كل محاولة لتمييع مؤسسة الأسرة المقدسة، ومحاولة تغريبها وعولمتها، من قبيل الزواج المثلي ومبدأ المعاشرة...وغيرها من الأشكال التي يسميها البعض المعاصرة، كما أكد منطوق الفقرة الثانية والثالثة على مجموعة من الضمانات التي تكفل لها الحماية القانونية اللازمة لضمان استقرارها والحفاظ عليها، كما تم التنصيص على حقوق الطفل من خلاله، حيث نصت على أن: "تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها. و تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية." كما أكد الفصل على أهمية التعليم الأساسي باعتباره حقا للطفل وواجبا على الأسرة والدولة. وفي الفقرة الأخيرة منه، نص الفصل 32 على إحداث مجلس استشاري للأسرة والطفولة، والذي تم التفصيل فيه من خلال الفصل 169 من نفس المشروع، حيث حدد مهامه في تأمين وضعية الأسرة والطفولة، وإبداء آراء حول المخططات الوطنية المتعلقة بهذه الميادين وتنشيط النقاش العمومي حول السياسة العمومية الأسرية، وضمان تتبع وإنجاز البرامج الوطنية، المقدمة من قبل مختلف القطاعات والهياكل والأجهزة المختصة. كما ضمن المشروع الدستور حقوق وضمانات من أجل حماية حماية الفئات الهشة وذوي الاحتياجات الخاصة في الفصل 34 منه. ورغم أن منطوق المواد التي تطرقنا لها يبدو مثاليا، إلا أنها لا تزال تحتاج للمزيد من التدقيق والتفصيل في الإجراءات المنظمة له من أجل ضمان تنزيل سلس وقوي، وقبل كل ذلك إرادة سياسية قوية من طرف الرأي العام من خلال تصويته الايجابي في الاستفتاء المقبل، وكذلك الإرادة القوية للدولة المغربية من أجل تنزيل مواد هذا الدستور بالرؤية النموذجية التي استعرضت بها هذه المواد.