تنتهي يوم الثللاثاء 9 نونبر 2010 الجولة الثالثة من المفاوضات غير الرسمية حول الصحراء بين المغرب والبوليساريو، التي دعت إليها الأممالمتحدة بعد توقف دام أزيد من 10 أشهر. شهدت فيها القضية عدة تطورات، لكنها لم تمس المواقف الجوهرية للأطراف، وأكدت في بلاغات سابقة أن الملف ولج طريقا مسدودا، بعدما لاحت بوادر فشل كريستوفر روس في مهمته. مفاوضات الطريق المسدود قطعت مسيرة التفاوض منذ أن تقدّم المغرب بمشروع الحكم الذاتي في سنة 2007 نحو ثلاث سنوات. تم خلالها انعقاد أربع جولات من التفاوض تحت إشراف المبعوث الأممي السابق بيتر فان فالسوم، انتهت إلى استقالته بسبب موقفه. لقد أكد فالسوم أن النزاع يحتاج إلى حلّ سياسي، مفاده أن تتخلى البوليساريو عن مطلب الاستقلال، لأنه ''خيار غير واقعي''، ولأن تقرير المصير لا يعني الاستفتاء بالضرورة. وهي الخلاصة التي ضمّنها التقرير الذي قدّمه لمجلس الأمن الدولي في أبريل ,2008 وأثار احتجاج كل من البوليساريو والجزائر، اللتين اعتبرتا أن التقرير منحاز للمغرب، وطالبتا باستقالة المبعوث الأممي فالسوم. وفي مطلع سنة ,2009 تم تعيين المبعوث الحالي، الدبلوماسي الأمريكي كريستوفر روس، الذي طرح فكرة تقضي بعقد اجتماعات غير رسمية، انعقدت منها لحد الآن اثنتان، وتنعقد الثالثة يومي 8 و9 نونبر الجاري، لكنه لم يستطع تحقيق أي تقدم يذكر في مسار التفاوض، وهي الخلاصة التي ضمّنها رسالته التي وجهها إلى الدول الخمس الصديقة للصحراء في يونيو ,2010 وتم تسريبها بعد ذلك إلى الصحافة. بل اعتبر في تصريح صحفي، في جولته الثالثة إلى المنطقة، أن المفاوضات بين أطراف النزاع هي في طريق مسدود. ورغم خلاصته تلك، قام روس بجولة رابعة في أكتوبر الماضي إلى المنطقة، وبناء على التصريحات التي أدلى بها، لا يبدو أن الجولة المقبلة ستشهد جديدا، خاصة وأن الأطراف المعنية بالتفاوض متشبثة بمواقفها. فإذا كانت البوليساريو ومعها الجزائر تؤكد على مطلب الاستفتاء كخيار لإنهاء النزاع، وهو مطلب لم تطرأ عليه أية تغييرات منذ أن تشكلت هذه الجبهة في أوائل السبعينات، فإن المغرب يرى في مشروع الحكم الذاتي أقصى ما يمكن أن يقدمه لإنهاء المشكلة، ولذا يرى أن الاستفتاء المتعدد الخيارات مستبعد كليا. وهما الموقفين اللذين استمعا إليهما روس بدون شك، ويدرك كل متتبع للنزاع صعوبة التوفيق بينهما، إلا بتخلي البوليساريو عن مطلب الانفصال. ولأن ذلك مستبعد على الأقل في الوقت الراهن، فإن التساؤل حول مستقبل المفاوضات بإشراف المبعوث الأممي الحالي مطروح أكثر من جهة؟ مستقبل روس والحكم الذاتي بالرجوع إلى رسالة روس إلى الدول الصديقة للصحراء، ثمة من يقرأ بين سطورها وجود معالم خطة بديلة قد يطرحها المبعوث الأممي، وذلك حين أكد أنه سيبحث في الجولة الثالثة غير الرسمية كيفية ''جذب كل طرف بعيدا عن الحدود الضيقة لمقترحه''، ودفع الأطراف إلى ''بلورة تصور مشترك حول الحكم الداخلي للصحراء''، على أساس ''إرجاء النقاش حول الوضع النهائي'' إلى مرحلة لاحقة. هذا التصور غير واضح تماما، حسب مراقبين، ولا يجيب حتى على ما جاء في الرسالة نفسها بخصوص تصلب مواقف الطرفين، ورفض مناقشة كل منهما لاقتراح الطرف الآخر، بل وامتناع الجزائر في الجولات السابقة من المفاوضات عن لعب دور بنّاء من أجل إحراز تقدم، خاصة وأن روس مدرك أن النزاع الحقيقي هو بين المغرب والجزائر. ما يستفاد من رسالة روس، هو أنه يريد أن يدفع المغرب للعودة إلى الوراء، بدل البناء على الخلاصات التي كان قد توصل إليها سلفه بيتر فان فالسوم، وهو خيار يعتبره عبد اللطيف تريدانو، أستاذ العلاقات الدولية، غير ممكن، ولا يمكن للمغرب القبول به. بل إن سعد الركراكي، أستاذ القانون الدولي، يرى، انطلاقا منه، أن الجولة القادمة لن تحقق أي تقدم يذكر. خاصة وأن الدول الكبرى تساند المغرب في الوصول إلى حلّ سياسي، وترى في مبادرة الحكم الذاتي خطوة جادة وذات مصداقية. عدم البناء على خلاصات فالسوم تشكل إذن بداية الفشل للمبعوث الحالي، خاصة وأن أمريكا تستبعد - حسب تصريحات جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأمريكية المكلف بالشرق الأوسط في أكتوبر الماضي- العودة إلى مخطط بيكر الثاني الذي يتضمن الاستفتاء، وهو نفسه الموقف الفرنسي الداعم للحكم الذاتي، الأمر الذي يوجب على المغرب التعجيل بتنزيل مشروعه بدل انتظار البوليساريو، ومما يعزز هذا الخيار حدثين اثنين: أولها النزيف المتواصل لأفواج الصحراويين العائدين إلى المغرب من تندوف، والذين وصل عددهم خلال 2010 فقط 1600 شخص، والثاني حدث مصطفى سلمة ولد سيدي مولود، الذي زعزع الجمود في المخيمات، ودشن بشكل ملموس بداية التفاعل الإيجابي مع المبادرة المغربية، التي سيزيد مفعولها تأثيرا مع الزمن وسط المخميات.