يكشف التصريح الأخير لرشيد الطالبي العلمي، خلال مشاركته في برنامج تيارات في مواجهة العدالة والتنمية عن الورقة التي يوظفها المشروع الاستئصالي لاستدراج المغرب نحو استنساخ النموذج التونسي، والتي وظفت بشراسة في الانتخابات الجماعية إلا أنها فشلت، وبشكل ذريع، في معظم المناطق إلا من استثناءات محدودة كطنجة ووجدة، وهي اليوم تبدو غير مرتبطة بحزب واحد، بل يراد لها أن تصبح المدخل لتقسيم سياسي وحزبي في البلاد على شاكلة النموذج الأمريكي للمحافظين الجدد إما معي أو ضدي. ليس هنا مجال النقاش حول من صدر عنه التصريح، بعد أن أصبحت الانتهازية السياسية العملة الرائجة في الفترة الأخيرة، بل المطلوب هو الانتباه للمنطق الكامن وراء هذا التصريح الذي سبق للبعض الدوائر الأمنية أن استعملته في قضية وجدة لتكسير التحالف. باختصار إنه منطق يذكر المغرب بما حصل في تونس، عندما دعا خصوم التيار الإسلامي هناك لتأجيل موضوع الاستبداد والديموقراطية إلى حين الانتهاء من ملف الإسلاميين، وهو المنطق الذي ردده أحد قيادي الأصالة والمعاصرة بمفردات شبيهة في كلمة له الأسبوع الماضي في مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد عندما اعتبر أن على كل قوى الحداثة أن تصطف لمواجهة القوى المحافظة التي تستغل الدين لكسب سياسي. لكن ماذا كانت النتيجة في تونس؟ الجواب يختصر في كلمة واحدة: تغول الاستبداد الذي لم تستطع تونس الخروج منه إلى غاية اليوم، في الوقت الذي لا يوجد المغرب حاليا في وضع استبداد مطلق، لكن يراد جره إليه باستعمال وهم الخطر الإسلامي على مشروع حداثي هو الآخر موهوم مادام أن الثمن هو تصفية المسار الديموقراطي. لكن خارج الرد على هذا الطرح بمآل التجربة التونسية؟ ثمة أسئلة لا بد من طرحها، وفي غياب الجواب عنها، فإن المشروع الاستئصالي اليوم يدفع بالمغرب نحو مغامرة سياسية تتجاوز من حيث آثارها استهداف تيار المشاركة السياسية الإسلامية، إلى الإضعاف الكلي للبلد وإعاقة قدرته على مواجهة التحديات التي تستهدف وحدته واستقراره وأمنه وأوراش التنمية، فمن جهة وعلى خلاف حالات الانحراف الاستئصالي الاستبدادي حيث كان الدولة ومعها المجتمع موسومة بطابع نمطي أحادي، فإن بنية الدولة والمجتمع في المغرب توجد على النقيض من ذلك، باعتبارها التعددية العميقة للمجتمع، والدور التوحيدي والتحكيمي للدولة في تأطير هذا التعدد، مما حال في عقود الستينات وما تلاها دون نجاح مشاريع الانحراف الاستبدادي في البلد. ومن جهة أخرى فإن مسار الإصلاحات السياسية التي انخرط فيها المغرب وانتهت حاليا بمشروع الجهوية الموسعة ومعها دينامية استحقاقات الوضع المتقدم في العلاقة مع الاتحاد الأوربي، أي أن كل انحراف سلطوي هو بمثابة مسار مضاد لهذه الدينامية الحيوية والمصيرية للبلد في القرن الواحد والعشرين.