منذ مدة انطلق مسلسل سياسي قضائي، ارتبط بملف شبكة مخدرات أدت لسقوط برلماني سابق ومرشحة لتسقط رؤوسا آخرين من عالم السياسة والأمن والقضاء وامتد ليصل الحقل السياسي بعد التفاعلات التي عرفها ربط ملف البرلماني السابق بحزب التجمع الوطني للأحرار. المؤكد أن الربط غير بريء، وعكس مؤشرا سياسيا جديدا لحالة التداخل بين القضائي والسياسي في الحياة العامة، والتي تتيح تصريح صراعات سياسية وحزبية بأدوات أمنية وقضائية، وهي الوضعية التي تعكس نزوعا هيمنيا تحكميا في الحقل السياسي، ولا يتردد في اللجوء لمختلف الوسائل من أجل تحقيق انتصارات وهمية وعابرة مفتقدة للشرعية والمصداقية. والواقع أن رد الفعل الحاد والمناهض لما حصل والذي صدر عن قيادة حزب التجمع الوطني للاحرار يكشف عن أن ما استهدف حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الجماعية الاخيرة لم يكن تعبيرا عن سلوك استثنائي خاص به، وأن الأمر لن يتعداه لغيره من الأحزاب، بحيث نجد أنفسنا اليوم إزاء تجسيد عملي لمقولة أكلت يوم أكل الثور الأبيض، والذين عملوا على مناهضة التقارب الذي نشأ بين حزبي العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي تحت دعوى الخلاف الإيديولوجي، كانوا من الناحية الموضوعية يخدمون سياسة الاستفراد بكل حزب على حدة لمصلحة مشروع حزبي سلطوي تتجاوز إمكاناته بكثير أن تكون فقط مرتبطة بشخص مؤسسه أي الوزير المنتذب السابق في الداخلية، وهي السياسة التي وضعت المغرب في سياق تراجعي من الناحية الديموقراطية وظهرت بشكل صريح في التطورات الحالية لانتخابات مجالس العمالات والأقاليم والجهات، والتي لم يكن توظيف منتخبي المشور السعيد بالرباط في ترجيح كفة جهة على أخرى إلا تعبير فاضح لهذا السياق التراجعي. لكن هل حقق هذا المشروع ما سعى إليه؟ المعطيات الميدانية تكشف عن أمر آخر، فعزل حزب العدالة والتنمية تعرض لفشل ذريع والتحالفات التي تمكن من تأسيسها في الآونة الأخيرة لتقديم ترشيحاتها دالة في ذلك، كما أن تهميش القوى المناهضة لهذا المشروع السلطوي عن المشاركة الفعالة في تسيير الشأن المحلي فشلت في جل المدن الكبرى إلا من استثناءات محدودة أبرزها مدينة طنجة والتي وظفت فيها قدرات غير عادية لتحقيق هذه التهميش، أما فرض حالة من الصمت والتواطؤ على مختلف المكونات الحزبية باستعمال آليات التهديد بالقضاء وما يشبهها فهي الأخرى تعرضت لنكسة بهذه الصحوة التي ظهرت في مواقف قيادة التجمع الوطني للأحرار، والتي هي بمثابة رسالة لمختلف الذين اختاروا سياسة القبول بالأمر الواقع وكأنه قدر لا مفر منه. ما يجري يفرض أكثر من اي وقت مضى مزيدا من تحمل المسؤولية في المقاومة لما يجري ورفضه وعدم الاستسلام له.