أي دروس يمكن لتيار المشاركة السياسية الإسلامية الوقوف عندها بعد انتهاء عمليات تشكيل مكاتب مجالس المدن والجماعات؟ لاشك أن الدروس كثيرة، منها ما يهم طبيعة الخريطة الحزبية الجديدة، ومنها ما يهم التحديات السياسية التي ترهن مستقبل الديموقراطية في البلد، ومنها ما يهم التحالفات والعلاقات القائمة بين مكونات الحياة السياسية، وفي هذه الافتتاحية نتوقف عند درسين. أول هذه الدروس هو انكشاف حقيقة المشروع السلطوي الجديد الذي يستهدف المشاركة السياسية للحركة الإسلامية، والذي سعى من خلال هذه الانتخابات إلى تهميش حزب العدالة والتنمية وإقصائه من المشاركة في تسيير الشأن المحلي، وعزله عن المحيط السياسي والحزبي، فضلا عن استغلال ذلك لإضعافه وتأزيمه من الداخل، وبالرغم من تعرض هذه الاستراتيجية للفشل الذريع في هذه المحطة الانتخابية، وكذا انكشاف محدودية وهشاشة الآلية السلطوية التي وظفت بدرجة أولى حزب الأصالة والمعاصرة، وبعده جهات من حزب الاستقلال في تطبيقها، فإن ذلك لم يعلن نهايتها كمشروع سياسي إقصائي ومدمر لمجموع المكتسبات الديموقراطية للبلد، وهو ما يعني أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة تدافع مصيري في مواجهة هذا المشروع، وما يحمله للمغرب من مخاطر استنساخ نموذج هجين في التعامل مع الحركة الإسلامية يجمع بين إقصائية النموذج المصري واستئصالية النموذج التونسي، ولم ينتج في كلتا الحالتين سوى الاستقرار الهش والمكانة السيئة في العالم. أما الدرس الثاني، فيهم التطور المقدر الذي عرفه المغرب في مجال تدبير التحالفات الحزبية، خاصة في حالتي حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب العدالة والتنمية، أما حزب الاستقلال، والذي كان مطروحا في البداية أن يكون فعالا في هذا المسار، فقد سقط ليوظف كأداة في المشروع السلطوي المناهض لحزب العدالة والتنمية، وخاصة في كل من البيضاءوالرباط وبدرجة أقل في سلا، حيث إن لغة التعليمات السامية التي أشهرت من قبل جهات في الأصالة والمعاصرة في البيضاء ضد وجود حزب العدالة والتنمية في التحالف المسير وازتها لغة التوجيهات العليا من قبل حزب الاستقلال ضد تحمل حزب العدالة والتنمية لرئاسة مجلس مدينة الرباط، أما في سلا فقد حصل ما يشبه الانشقاق العمودي في حزب الاستقلال لمصلحة تحالف جزء منه مع مناهضي التحالف المسير، والذي يقوده العدالة والتنمية، وفي كلتا الحالتين أدت القدرة التفاوضية والميدانية للحزب إلى احتواء مناورات الخصوم وضمان حضور سياسي فعال، ولهذا في الوقت الذي خرج فيه التقارب بين العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي أكثر قوة من الماضي؛ خرج فيه التقارب مع حزب الاستقلال أكثر ضعفا من الماضي، بل إن هذا الأخير تمكن من تحقيق نتائج سياسية حقيقية عند تقاربه الفعلي مع حزب العدالة والتنمية مثل ما حصل في القنيطرة، أو قبوله المتردد بترشيح الحزب للقيادي الاتحادي فتح الله ولعلو لمنصب العمدة بالرباط، حيث حاز الحزب على منصب النائب الأول للعمدة، ولهذا فإن التوجه لتدقيق التحالفات السياسية في المرحلة القادمة سيمثل أحد التحديات الكبرى التي لا تقل أهمية عن الموقف المطلوب من مواجهة خيار الإقصاء السياسي الجديد. ما سبق يفيد بأن المشروع السياسي لحزب العدالة والتنمية مطالب بالانخراط في تأسيس شروط مرحلة سياسية جديدة بالبلاد ترتكز على التحديات الآنفة وعلى المكتسبات المحققة؛ سواء من حيث تقوية الوجود الحزبي في المدن ومحيطها القروي، أو من حيث تعزيز تحالفاته الحزبية.