بعد انتخابات الكويت ستتجه الأنظار إلى كل من لبنان والمغرب لرؤية ما ستسفر عنه الانتخابات من نتائج قد تؤكد سلبا أو إيجابا دعوى التراجع الانتخابي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية.. وهل تحولت إلى حالة عامة في المنطقة العربية أم هي مجرد حالة خاصة ترتبط بخصوصيات وسياقات الفعل السياسي لكل بلد على حدة؟ قد يكون من الصعب المغامرة بجواب نهائي، لكن الوقوف عند تطورات الوضع هنا قد يساعد على تطوير أدوات تحليل السلوك الانتخابي للحركات الإسلامية وسبل الدراسة الاستشرافية له، خاصة أن طبيعة النظام الانتخابي القائم على المحاصصة في لبنان قد لا تساعد كثيراً في ذلك بالمقارنة مع الحالة المغربية. في الواقع ثمة ثلاث تحديات أمام حزب العدالة والتنمية وهو يخوض هذه الانتخابات، أولاها تحدي انتخابي يهم قاعدته الناخبة، وثانيها حزبي يخص تحالفاته وعلاقاته الحزبية، وثالثها سياسي يتعلق بموقعه في خريطة التدافع السياسي القائم بالبلاد. فمن جهة يجد الحزب نفسه مطالبا بصيانة مكتسبات انتخابات 2007 والتي أعطت تفوقا ملحوظا له في عدد من المدن، وخاصة التي ضاعف فيها عدد منتخبيه كالقنيطرة وسلا والرباط وطنجة والقصر الكبير، أو التي حافظ فيها على وجوده الانتخابي كفاس ومكناس والبيضاء وأكادير وتطوان ووجدة وبني ملال والراشدية، فضلا عن الاختراق الجزئي الذي أحدثه في العالم القروي، وهي النتائج التي مكنته من حيازة الموقع الأول من حيث عدد الأصوات، ولهذا بالرغم من الاختلاف بين الانتخابات التشريعية والبلدية، إلا أنها في حالة الحزب وبالنظر إلى طبيعة قاعدته الناخبة فإن الاختلاف يكون محدودا. وهنا ينبغي الانتباه إلى أن نتائج الحزب في انتخابات شتنبر 2003 يصعب أن تشكل مرجعية بالنظر إلى ما شهدته من عملية تحكم فوقي أدت إلى حصر مشاركته في 18 في المائة من الدوائر الانتخابية في ,2003 والأخطر من ذلك تقسيمها إلى النصف بخصوص المدن التي تعتمد نظام وحدة المدنية كسلا والرباط والبيضاء وفاس، حيث لم يشارك الحزب سوى في نصف مقاطعاتها فضلا عن كون مدينة طنجة لم تعرف أي مشاركة للحزب فيها، وهو الوضع الذي يختلف جذريا عن الوضع الراهن، لكن التحدي الكبير الذي يرهن كل ذلك هو أزمة المشاركة الشعبية، ومدى قدرة الحزب على تعبئة أنصاره للمشاركة المكثفة يوم الاقتراع، خاصة بعد أن ضاعف نسبة مشاركته لتصل إلى حوالي 36 في المائة من الدوائر، ولهذا سيقدم اقتراع يونيو 2009 مؤشرا على مدى قدرة الحزب على تجاوز الهزة المعنوية التي حصلت بعد انتخابات ,2007 ومدى قدرته على ترجمة الموقف الشعبي المؤيد له إلى مقاعد في المجالس الجماعية بما يمكن الحزب من مضاعفة وجوده البلدي، خاصة في المدن الكبرى وتقوية الامتداد في العالم القروي. في المقابل، ثمة تحد حزبي، يهم قدرة العدالة والتنمية على تجسيد الخطاب الإيجابي الذي وسم علاقاته مع عدد من القوى الحزبية وخاصة منها التي توجد في الأغلبية الحكومية الحالية مثل الاتحاد الاشتراكي، وذلك يما يساعد على تحويل نتائجه في الانتخابات إلى مكتسبات ذات أثر سياسي ملموس على مستوى تسيير الجماعات المحلية، وبما يتيح للحزب إرساء تحالفات ميدانية ومحلية قوية تتجاوز معضلة التحالفات الهشة وغير المريحة، والتي عرفتها مرحلة انتخابات ,2003 وللعلم فقد كانت تحالفات محكومة بتجاوز مأزق العزلة التي فرضت على الحزب بعد تفجيرات 16 ماي، وكشفت عن مرونة كبيرة عند القيادات المحلية للحزب لبناء تحالفات تراجعت فيها الحسابات السياسية والإديولوجية، لكن اليوم فإن الوضع مختلف والحزب مدعو إلى ترشيد تحالفاته لما بعد الانتخابات وفق قواعد تمكن من محاصرة تيار الفساد المتغول في تدبير الشأن العام وتساعد على بناء مشاريع قوية للنهوض بالجماعات المحلية، والواقع أن رفع العتبة إلى 6 في المائة سيكون ذا أثر كبير في خدمة هذا التوجه، بمعنى أن المغرب في حاجة لقيادات محلية منسجمة ومتجانسة في مواجهة معضلة الفساد السياسي والإداري والمالي، وهي الحاجة التي سيكون لقدرة الحزب على تحقيقها آثار مهمة على مغرب ما بعد 12 يونيو . على صعيد ثالث، يبرز تحد ثالث يرتبط بكون هذه الانتخابات ستكون محطة حسم جزئي للتدافع السياسي الذي انطلق منذ أشهر وخاصة بينه وبين مشروع حزب الأصالة والمعاصرة، وهو التدافع الذي توازى مع حملة ممنهجة استهدفت مصداقية الحزب وفعاليته في تدبير الشأن العام عبر تحريك سلسلة ملفات تهم تدبيره لمدينتي مكناس وتمارة أو عبر التضخيم الإعلامي لحوادث الاستقالات الجزئية من الحزب في عدد من المدن، محاولة نقلها لما يسمى بالنزيف، وهو ما يخدم توجهات تهيئة الرأي العام لتراجع انتخابي جديد للحزب في هذه الانتخابات. من هنا فانتخابات يونيو 2009 ستكون امتحانا سياسيا للحزب من جهة على مستوى إفشال مخططات تحجيمه السياسي وتشويهه الأخلاقي والتي تم انتهاجها طيلة الأشهر الماضية في استقواء مفضوح بالإدارة، ومن جهة أخرى على مستوى إنهاء الوهم المصطنع حول مشروع حزب الأصالة والمعاصرة، والإسهام في صيانة الحياة السياسية من العبث الناجم عن ذلك. ما سبق يدفع في تأكيد الآثار القوية لنتائج الانتخابات القادمة على مجمل العملية السياسية بالمغرب، وعلى موقع حزب العدالة والتنمية ضمنها.