تعرضت ورقة الإسلاميون والسياسية وورقة حزب العدالة والتنمية التي أصدرتها مؤسسة كارنيجي لانتقادات عديدة بسبب تعميمها لبعض الاستنتاجات المسجلة عن تجربة الحركات الإسلامية في المشرق العربي على الحالة المغربية، ومنها ما يتعلق بنقاش ما بعد المشاركة السياسية للإسلاميين والتحديات الخمسة التي باتت تطرح على الحركة الإسلامية بسبب المردودية الضعيفة لمشاركتها السياسية، وقد استثمرت التجديد فرصة حلول مركز كارنيجي للشرق الأوسط بالمغرب في إطار فعاليات بحثية وعلمية، لتطرح على كبير باحثي المركز الدكتور عمرو حمزاوي هذه الانتقادات والملاحظات التي استقبلت بها الورقتين خاصة الورقة الأخيرة التي ناقشت ديناميات المشاركة عند الإسلاميين. تبدي مؤسسة كارنيجي اهتماما كبيرا بالحالة الحركية الإسلامية بالمغرب إلى درجة أنها أصدرت أكثر من ورقة في الموضوع، بعضها تناول بشكل خاص تجربة العدالة والتنمية، وبعضها الآخر تناول حصيلة المشاركة وأسئلة ما بعد المشاركة، في نظركم ما هي الدوافع التي تجعلكم مهتمين أكثر بالحالة المغربية؟ في واقع الأمر هناك دافعان: ـ الأول، هو أن المؤسسة بشكل عام تهتم بالحالة الإسلامية في العالم العربي، وكما تعلم فيما يخص هذه الحالة، فنحن أمام ستة أو سبعة دول فيها حركات أو أحزاب أو جمعيات إسلامية فاعلة تشارك في الحياة السياسية بصيغ مختلفة، ونحن نعمل على دراسة هذه الحركات في المغرب والجزائر ومصر والأردن والكويت والبحرين. هذه هي الدول التي تشارك فيها الحركات الإسلامية، وتلعب أدوار معينة في التأثير على صناعة السياسات العامة في هذه البلدان مع تقدير الاختلاف في تجارب هذه الحركات، وفي هذا الإطار يندرج اهتمامنا بحزب العدالة والتنمية بالمغرب. ـ أما الدافع الثاني، فنحن نهتم بتجربة العدالة والتنمية المغربي، بصورة خاصة، لأن هذه التجربة، إذا ما قورنت ببقية تجارب المشاركة السياسية للإسلاميين، نجدها تقدم نمودجا متقدما على مستويات ثلاثة: مستوى الصيغة التنظيمية: فسواء نظرت إلى معايير التنظيم الداخلي، أو إلى الديمقراطية الداخلية، أو التداول على المسؤولية داخل الحزب، ودورية الانتخابات فيه، أو إلى العلاقات بين الأطر القيادية وبرلمان الحزب (المجلس الوطني)، أو العلاقة بين الأطر القيادية والقواعد الناخبة، وأيضا العلاقة بين الدعوي والسياسي، والصيغة المتقدمة التي اختارها الحزب لتنظيم علاقته بالحركة والتي لا يوجد لها مثيل عند الحركات الإسلامية في بقية العالم العربي، ففي كل هذه القضايا فأنت تقف حقيقة على صيغة تنظيمية متميزة جديرة بالرصد والدراسة. المستوى الثاني، يتعلق بالشأن التدبيري، فالحزب في مقاربته لهذا الشأن قدم برامج متقدمة، والمقارنة بين برنامجه الانتخابي لسنة 2002 وبرنامجه لسنة 2007 تظهر مدى التميز في تناوله للسياسات العامة بالمقارنة مع برامج بقية الأحزاب والحركات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين في مصر مثلا، أو جبهة العمل الإسلامي الأردنية، وتظهر هذه المقارنة أيضا موقع الشأن التدبيري في اهتمامات الحزب، المستوى الثالث والأخير، وهو أن الحزب يقدم تجربة مفيدة فيما يتعلق بصعوبات وتحديات المشاركة السياسية عندما تستقر، لأنها مشاركة سياسية في نهاية الأمر تبقى مقيدة ومحدودة تضبطها القوى المتحكمة في النظام السياسي المغربي، وهو نفس الأمر الذي يبدو ظاهرا في كل أنظمة الحكم العربية، ولكن في الحالة المغربية هناك استقرار في المشاركة السياسية، فالحزب بدأ في المشاركة في الانتخابات منذ أواسط التسعينيات، قد تتغير نسبة المشاركة وقد تتغير النتائج، وقد تتغير مفردات ومضامين المشاركة، لكن ليست هناك تغيرات كبرى تسمح بإشراك الحزب مرة واستبعاده مرة أخرى لا من جهة النظام السياسي ولا من جهة الحزب نفسه، بخلاف الحالة المصرية والأردنية مثلا، فهناك صعوبات حقيقية بخصوص استقرار المشاركة السياسية. فهذه باختصار هي الأسباب التي تدفعنا إلى الاهتمام بتجربة العدالة والتنمية المغربي. في ورقة خاصة، قيمتم أداء وتجربة العدالة والتنمية وحصيلة مشاركته ووقفتم على ما أسميتموه التحديات التي تطرحها مشاركته السياسية، لكن إلى أي حد يمكن اعتبار التحديات التي ذكرتموها منطبقة على الحالة المغربية أخذا بعين الاعتبار أن الحزب كان بصدد تأسيس خطه السياسي الذي عبرت عنه أطروحة النضال الديمقراطي التي تم المصادقة عليها في المؤتمر السادس، والتي تجيب عن الأسئلة التي طرحتموها في شكل تحديات؟ كما لا يخفى، فالورقة التي أنجزتها أصدرت قبل أن ينتهي حزب العدالة والتنمية من إعداد أطروحته السياسية، وقبل أن يعقد المؤتمر السادس للحزب. ما انتهيت إليه من خلاصات في هذه الورقة، هو أن الحزب يواجه تحديات أربعة، التحدي الأول يتعلق بصعوبات المشاركة في ظل تعددية سياسية مقيدة ومحدودة، وهي الإشكالية الكبرى التي تبقى مطروحة سواء على العدالة والتنمية أو غيره من الأحزاب السياسية المغربية، ذلك أن الأحزاب المعارضة لا تملك في هذا الإطار أن تؤثر على السياسات العامة، وبالتالي يتم تصدير الأزمة إليها، إذ لا تنفتح الحياة السياسية بصورة متصاعدة، ولا يتم أي تداول فعلي على السلطة، والمنافسة السياسية تبدو مقيدة. التحدي الثاني مرتبط بقضية المرجعية داخل العدالة والتنمية، فإذا ألقينا نظرة على أداء حزب العدالة والتنمية من الفترة الممتدة ما بين انتخابات 2002 وانتخابات ,2007 نجد أن الحزب ركز اهتمامه بشكل كبير على السياسات العامة وعلى الشأن التدبيري، وفي المقابل همش إلى حد كبير قضايا المرجعية إلى درجة أن المرجعية في خطاب وسلوك العدالة والتنمية السياسي تراجعت وأصبحت عبارة عن يافطة شديدة العمومية لا تعلم قواعد الحزب الناخبة ما المقصود بها، وهو التحدي الذي أنشأ مساحة من التوتر والقلاقل داخل القواعد الناخبة للحزب، وربما قلل من إقبالها على المشاركة في الانتخابات سواء منها القواعد الناخبة المحسوبة على رصيده أو التي كان ينوي الانفتاح عليها، ويرتبط بهذا التحدي، تحد ثالث يتعلق بمسألة تميز الحزب، فحين يركز العدالة والتنمية على قضايا الشأن العام السياسية والاقتصادية والاجتماعية. من الطبيعي أن يسأل من قبل القواعد الناخبة عن مصادر تميزه، وما هي القيمة المضافة التي يتفرد بها هذا الحزب عن غيره من الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية المغربية، فالعدالة والتنمية، خلق تميزه لدى القواعد الناخبة في الفترة السابقة لانتخابات 2002 لأنه كان يطرح قضايا المرجعية ويركز عليها، لكن بعد انعطاف الحزب لقضايا التدبير يبقى سؤال التأسيس لتميز جديد تحديا مطروحا على تجربته ، أما التحدي الرابع الذي ناقشته في الورقة، وهو أني لاحظت في الفترة الممتدة ما بين 2002 و 2007 أن الحزب همش الاهتمام بقضية الإصلاح الدستوري وهي القضية المركزية في الإصلاح السياسي، بينما كان اهتمامه بالقضايا الصغيرة في الشأن التدبيري، إذ لم يتعرض لقضية الإصلاحات الدستورية والتعديلات التي ينبغي إدخالها على النظام السياسي المغربي، ولذلك كانت حصيلة الحزب على مستوى طرح هذه القضية محدودا. أعتقد أن الحزب بعد المؤتمر السادس، وبعد أطروحته السياسية الجديدة، أعاد قضية الإصلاح السياسي والدستوري لواجهة اهتمامات الحزب، لكننا كمراقبين علينا أن ننتظر، فهناك محطات للاختبار قادمة، هناك الانتخابات الجماعية، وهناك حصيلة أداء الحزب في هذه الفترة البرلمانية، وهناك الانتخابات التشريعية القادمة، ولعل هذه المحطات ستسمح لنا بتقديم تقييم موضوعي بخصوص هذا التحدي. تعرضت ورقة الإسلاميون والسياسة لانتقادات كبيرة من قبل قيادات وأطر فكرية داخل الحركة الإسلامية المغربية، كتب الأستاذ محمد يتيم ينتقد منطق هذه الورقة الذي يقيس جدوى المشاركة بمقولة تأسيس الدولة الإسلامية والتغيير السياسي ، وهي مقولات تم مراجعتها في التجربة المغربية لأن المشاركة في الحالة المغربية بنيت على أهداف أخرى مثل تعزيز مواقع المرجعية والمساهمة في الإصلاح وغيرها من المقولات التي اصطلحتم عليها في ورقتكم بالمقولات الجديدة، ما هو تعليقكم على هذه الانتقادات؟ هذا سؤال في غاية الأهمية، ويمكن التعامل معه من خلال ثلاث مستويات: ـ المستوى الأول، وهو أن ورقة الإسلاميون والسياسية كانت تنطلق من حقيقة واضحة وهي أن الحركات والأحزاب الإسلامية في المشرق والمغرب انفتحت على خيار المشاركة كخيار استراتيجي، ولم تعبر عن رغبتها في الوصول إلى الحكم أو إقامة الدولة الإسلامية، فهذه أهداف قديمة تم تجاوزها ومراجعتها داخل هذه الحركات، ولم تكن تؤطر مركز تفكيرنا في ورقة الإسلاميون والسياسية، فالحركات الإسلامية التي تحدثنا عنها في هذه الورقة تجاوزت هذه الأهداف وتبنت قضية المشاركة السياسية كخيار استراتيجي من أجل الإصلاح السياسي والمجتمعي ورغبت في المشاركة في الشأن العام، وقلنا في هذه الورقة إن هذه الحقيقة الرئيسية التي هي المشاركة السياسية، ليس هو أن يتم إعادة النظر فيها والجدوى منها الآن، فهذا التزام استراتيجي لا يتغير. ما طرحناه في الورقة هو تقييم هذه المشاركة ومردودها، وهل استطاعت هذه الحركات الإسلامية أن تصلح وأن تغير وأن تؤثر في السياسات العامة أم أن مساحات التغيير والإصلاح محدودة، والذي انتهيت إليه أنا وزميلتي مارينا أوطاوا أن مساحات التأثير محدودة وأن هذا يدفع إلى نقاشات داخل الحركة الإسلامية كل ما قمنا به هو محاولة لحصرها، ولم نتحدث عن توجهات سياسية كبيرة قادمة من قبيل الانسحاب من الحياة السياسية أو ما شابه ذلك. ـ المستوى الثاني، وهو أننا قلنا إن هذه النقاشات تتم حول العديد من الملفات كالعلاقة بين الدعوي والسياسي، وتأرجح الأداء السياسي للحركات الإسلامية بين القضايا الكبرى للإصلاح وبين القضايا التدبيرية محدودة النطاق، وطرحنا قضية العلاقة في أداء الحركات الإسلامية بين قضايا المرجعية وقضايا التدبير والعلاقة مع القواعد الناخبة وعموم المشهد المجتمعي، ثم صياغة العلاقة بين الحركات الإسلامية وبين النخب الحاكمة من جهة ونخب المعارضة غير الدينية من جهة أخرى. هذه هي أهم القضايا التي رصدناها والتي يدور حولها نقاش ما بعد المشاركة داخل الحركة الإسلامية مع اختلاف في المستويات بين حالاتها في الوطن العربي. فالورقة لم تنطلق من تقييم المشاركة بالقياس إلى هدف إقامة الدولة الإسلامية، ولكن بناء على قدرة هذه الحركات الإسلامية في ترجمة أهدافها في الإصلاح السياسي والمجتمعي، وهو الأمر الذي بدا مردود الحركات الإسلامية فيه ضعيفا مع استثناء نسبي للحالة المغربية إذ قطعت الحركة الإسلامية أشواطا أطول وأعمق من الحالات الأخرى. لكن، كيف يمكن سحب مثل هذه الخلاصات على الحالة المغربية، والعديد من المحللين السياسيين في الداخل المغربي يراقبون كيف يتم الترتيب لخريطة سياسية بإضعاف حزب العدالة والتنمية ودعم الوافد الجديد، وذلك في إطار استدراك اختلال التوازن السياسي الذي أحدثه الحضور السياسي الوازن لحزب العدالة والتنمية؟ ألا يعتبر هذا جزءا من رصيد المشاركة ومردوديتها ودورها في تعزيز مواقع الحزب؟ من الضروري أن نميز في تقييمنا لرصيد المشاركة بين مستويات مختلفة، فهناك، مستوى يتعلق بالتغير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إن كان هذا التغير الذي تم ، إن تم حقيقة، أتى وفقا لرؤية هذا الحزب أو ذلك، هنا مستوى رئيسي لرصد قدرة الحزب على التأثير في صنع السياسات العامة ودفع الحالة المجتمعية والمشهد السياسي في الدولة إلى تغيرات يراها الحزب وتراها قياداته وكوادره لازمة للتقدم إلى الأمام، على هذا المستوى، وبالنظر إلى المغرب وعموم الحالة العربية، لم تصل الحركات الإسلامية إلى الشيء الكثير، ولا زالت النخب الحاكمة هي الماسكة على مفاصل الحياة السياسية وعلى مقاليد الأمور ولا زالت تدفع في اتجاهات تغييرية وفقا لرؤيتها دون أن يشترك معها في صنع السياسات العامة بصورة فاعلة أي فصيل معارض إسلاميا كان أم غير إسلامي، وهناك مستوى ثان، وهو مستوى الحركية والدينامية السياسية التي تنتجها المشاركة في تعدديات سياسية مقيدة، وهنا نسجل أن الحركات الإسلامية في المغرب ومصر والأردن تراها النخب الحاكمة مصدر التهديد الحقيقي لها والإزعاج الأكبر لمواقعها ومصالحها، وإن سعت الحركات الإسلامية إلى إظهار تطلعاتها للتوافق مع هذه النخب، وهذه الديناميات السياسية هي التي تدفع النخب الحاكمة إلى إنتاج سياسات وترتيب مشاهد سياسية لمحاصرة الحركة الإسلامية أو احتوائها أو تجريدها من جميع أدواتها بتكتيكات مختلفة بحسب السياقات السياسية لكل حالة. مصر على سبيل المثال، تم اللجوء إلى تعديلات دستورية لا تخفى مضامينها على القارئ، في الحالة الأردنية، تم اللجوء أولا إلى ضرب الحركة الدعوية ثم بعدها تم ضرب الحركة السياسية، في المغرب، هناك نظام انتخابي لا يسمح لعدالة والتنمية ولا لغيرها من الأحزاب المعارضة أن تشكل أغلبية، وهناك دائما محاولة للحصار من خلال اللجوء إلى فاعلين سياسيين آخرين، فهذه التكتيكات التي تندرج ضمن ديناميات المشاركة أعتقد أنها لا يمكن أن تحسب على رصيد مشاركة الحزب، ولكنها تقرأ في سياق الدينامية السياسية المرتبطة بالمشاركة والتحديات الجزئية التي تطرحها على نخبة الحكم المعنية. لكن هناك انتقادات أخرى لهذه الورقة ترى أن العدالة والتنمية حقق من خلال مشاركته السياسية مجموعة من المكاسب المحسوبة على مردودية هذه المشاركة من قبيل تعزيز مواقع المرجعية في المغرب، وإيقاف مجموعة من المشاريع التي كانت ذات آثار خطيرة على المستوى القيمي والمرجعي، وأنه بديناميته السياسية أوقف العديد من مشاريع القوانين التي كان لها مفعول سلبي على الجانب الاجتماعي والاقتصادي للمواطن فضلا عن الأداء البارز في مواجهة الفساد والذي كان له دور في إيقاف تطلعات الفاسدين في العديد من المحطات؟ ألا يمكن أن نعتبر هذا من رصيد مشاركته السياسية؟ بكل تأكيد، وأنت محق في سردك لهذه المكاسب التي حققها حزب العدالة والتنمية، وهو ما يدفعنا للحديث عن مستوى ثالث يتعلق بالإنجاز المتحقق في العديد من حالات مشاركة الإسلاميين في السياسة العربية الرسمية بخصوص وجهة وحصاد العملية التشريعية، وعلى سبيل المثال، ففي الحالة الكويتية، مشاركة الإسلاميين بفصائلهم المتعددة ( تيار الإخوان المسلمين أو الحركة الدستورية أو السلفية أو الشيعة) فهذا النشاط في الدينامية التشريعية سبب في تأكيد العديد من المناحي التي تمارس بها المسؤولية والمحاسبة بصورة دقيقة من خلال الاستجوابات التي تتم بصورة متتالية لرئيس الوزراء الكويتي وكيف يتم الضغط من خلالها على الحكومة الكويتية ومن خلالها على الأسرة الحاكمة لاعتماد معايير أفضل في المسؤولية والمحاسبة، وتم التأثير أيضا على حصاد العملية التشريعية، في حالة مصر، كتلة الإخوان حاليا أيضا استطاعت أن تفرض من خلال طرحها لما يعرف بقضية الناخب الغائب على نواب الأغلبية الحضور مجلس الشعب، في الحالة المغربية، نفس الأمر وربما بتميز واضح، وقد رصدت هذا في الورقة، إذ أشرت إلى أن الحزب كان له تأثير كبير على هوية العديد من السياسات والقوانين التي يتعلق بعضها بقضايا المرجعية وبعضها الآخر بقضايا أخلاقية، وبعضها يتعلق بالسياسات العامة حيث أسهم الحزب بمناقشات جد هامة في قانون المالية خاصة ما يتعلق بالجوانب الضريبية وقضايا الاستثمار والمنافسة، فالحزب من هذه الجهة كان له تأثير واضح لا يمكن لأحد أن ينكره، وأنا لا أقول أنه لم يكن له تأثير على واجهة الحصاد التشريعي، لكن الورقة ركزت بشكل كبير على الجانب البنيوي المتعلق بالنظام السياسي والعلاقة مع نخب الحكم، وهو الجانب الذي كشفنا فيه ضعف مردودية المشاركة، أما ما يتعلق بديناميات المشاركة والتكتيكيات التي يعتمدها هذا الحزب أو ذاك، أو ما يتعلق بدينامية الأداء التشريعي، فهذان جانبان آخران تحدثنا عنهما في الورقة، لكن ما وقع التركيز عليه بشكل أكبر هو الجانب البنيوي المتعلق بجوهر النظام السياسي ومحدودية الدور السياسي الذي تقوم به المعارضة السياسية في ظله. بالنسبة إليكم، كيف نظرتم إلى تغير القيادة في العدالة والتنمية أخذا بعين الاعتبار أن كثيرا من المراقبين لم يكونوا يتوقعون أن يحصل مثل هذا التغيير؟ أنا حقيقة لم أكن على علم بالحراك الداخلي في حزب العدالة والتنمية الذي دفع إلى هذا التغيير، لكني قرأت هذا التغيير في مضامين ثلاث: ـ الأول: هو أن هذا التغيير هو ظاهرة صحية، وهو على الأقل يعطي صورة مختلفة عن الحالة الموجودة في العالم العربي، بل وحتى في بعض الأحزاب المغربية التي يعتبر تغيير قياداتها أمرا في غاية الصعوبة وبعيد المنال ولا يحدث، فأن ترى حزبا يغير قيادته بهذه السلاسة، فهذا مؤشر على الحيوية والديمقراطية الداخلية التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية بغض النظر عن المضامين السياسية والفكرية المرتبطة بهذا التغيير. ـ المضمون الثاني: وهو مؤشر إيجابي أيضا، ذلك أننا شاهدنا حزبا سياسيا يحاسب قيادته على مسار سياسي انتهى بانتخابات ,2007 بصورة راقية لا تخوين فيها ولا اتهامات، ولكن فيها لجوء إلى صندوق الاقتراع لتحديد القيادة الجديدة المؤهلة لقيادة الحزب في مسار سياسي جديد. ـ المضمون الثالث، وهنا أربط بين تغيير القيادة وبين النقاشات التي سبقت المؤتمر، فهذا الحزب في لحظة المؤتمر أعاد تقييم حصيلة أدائه وبرهن على دينامية عملية التقويم والترشيد والتصويب داخله، وهذه العملية عادة ما تصاحبها عملية موازية هي تغيير في القيادات وهو أمر طبيعي وعلامة صحية. بصورة عامة، أنا أرى أن حزب العدالة والتنمية يثبت للمراقب الخارجي أنه حزب سياسي طبيعي له صيرورة تتشابه مع أحزاب سياسية أخرى وله خصوصية ذات علاقة بالمرجعية الإسلامية وذات علاقة أيضا بالخصوصية السياسية المغربية، وهو دليل صحي في هذه المضامين الثلاثة. كيف تتوقعون مستقبل الأداء السياسي لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الجماعية في ظل مؤشرات على حملات تقوم بها الدولة لإضعافه؟ حملات محاصرة الحركات الإسلامية أصبحت أمرا مستقرا في السياسة الرسمية لأنظمة الحكم العربية، لكن في مثل هذه الحالات، يتوجب على حزب العدالة والتنمية أن يلتفت إلى أمرين: الأول: وهو تقوية التنظيم الداخلي وإظهار أعلى درجات التماسك الداخلي، والمستوى الثاني وهو يتعلق بالخطاب، إذ يطلب من العدالة والتنمية في ظل هذه الحملات أن يكون على مستوى خطابه في مستوى تفنيد الأقاويل والادعاءات التي تستهدف عذريته السياسية ليثبت لقواعده الناخبة سواء تلك التي تدور في فلكه أو التي ينوي الانفتاح عليها أن الحزب يتمتع بمصداقية كبيرة وأن له قدرة على الاهتمام بالشأن التدبيري ولا تحيط به وبأطره وقياداته شبهات بالفساد، ويمكن أن نضيف أمرا ثالثا يتعلق بالإجابات على الأسئلة والتحديات التي يطرحها الواقع المغربي، وأنا أعتقد أن في أطروحة الحزب السياسية جهدا مقدرا في هذا الاتجاه.