أعادت رسالة التهنئة التي بعث بها رئيس حركة التوحيد والإصلاح محمد الحمداوي إلى حزب العدالة والتنمية عند بعض الأوساط الجدل حول علاقة الحركة بالحزب، وعلاقة الدعوي بالسياسي، إلى الحد الذي ذهبت به استنتاجات البعض إلى الاعتقاد بأن هذه الرسالة جاءت دليلا يؤكد أن طبيعة العلاقة العضوية والتنيظيمية بين الإطارين، وأن حزب العدالة والتنمية ليس إلا الجناح السياسي لحركة التوحيد والإصلاح (أوجوردوي لوماروك لعدد الثلاثاء7 يوليوز2009)، فيما ذهبت استنتاجات البعض الآخر إلى اعتبار الرسالة دليلا مؤكد لما شاع في وسائل الإعلام من تدخل الحركة المباشر في تحديد المرشحين واختيارالهيئات المسؤولة بالحزب (سعيد لكحل أخبار اليوم عدد 8 يوليوز 2009)، فيما ذهب محمد ضريف في نفس العدد في تعليقه على الرسالة إلى أنه من الصعب إيجاد حدود فاصلة أو على الأقل واضحة بين الدعوي والسياسي بالنسبة إلى التنظيمين. وكان أحمد بنجلون قد كتب مقالا بـ ليكونومسيت في عز الحملة الانتخابية، ذهب فيه إلى أن الحركة احتوت الحزب، بل إنه ذهب إلى حد مطالبة الدولة بعدم الحياد، وأن أي وصول للإسلاميين إلى جزء من السلطة يعني مقدمة للاستيلاء على ما تبقى من السلطة، والانتهاء إلى إقامة الدولة الإسلامية ذات الحزب الوحيد!! العلاقة بين الحركة والحزب من الإيديولوجيا إلى سؤال البحث العلمي يفترض فيمن يحترم منهجية البحث العلمي أن يضع رسالة الحمداوي ضمن سياقها، فهذه الرسالة ليست هي الرسالة الأولى التي يتوجه بها رئيس الحركة إلى حزب العدالة والتنمية، وليست هي الرسالة الوحيدة التي يهنئ فيها رئيس الحركة هيئة سياسية على نجاحها في العملية الانتخابية، فقد سبق للحركة أن أرسلت رسالة تهنئة إلى الحزب بعد انتخابات السابع من شتنبر 2007 وسبق أن وجهت رسائل تهنئة إلى بعض الحركات الإسلامية المشاركة في العملية الانتخابية مثل حزب تواصل الموريتاني، والإخوان المسلمون في مصر، وحماس في فلسطين، وقد أصدرت بلاغا سنة 2005 بشأن سير الانتخابات المصرية أشادت فيه بجميع الأطراف التي أسهمت في الدفع إلى الأمام بالإصلاح السياسي والبناء الديمقراطي السلمي، كما أشادت فيه بشكل خاص بقضاة مصر الذين سهروا على بناء مؤسسات شرعية سليمة تشرف بلدهم وأمتهم، مناشدة الجميع من أجل الحرص على نجاح مسيرة التجربة الإصلاحية الديمقراطية، وخدمة المصالح العليا والمستقبل الواعد للأمة، وتجنب أي انزلاق نحو تكريس التخلف والتمزق الداخلي. كما أنها، وانسجاما مع منهجها القائم على دعم خيار المشاركة، تصدر عند أي استحقاق انتخابي، بلاغا تنبه فيه إلى أهمية مشاركة المواطنين في العملية الانتخابية لدعم خيار الإصلاح ومدافعة الفساد، وبث الأمل ومحاربة ثقافة اليأس والإحباط (أنظر بلاغ 13 يناير 2009). ضمن هذا السياق تتنزل الرسالة، ضمن رؤية واضحة تنطلق من ثلاث منطلقات أساسية: - المنطلق الأول: إن العلاقة مع حزب العدالة والتنمية هي علاقة شراكة استراتيجية ضمن مشروع الإصلاح الذي تتعدد مداخله وتتمايز فيه وظائف كل من الحركة والحزب، إذ تحتفظ فيه الحركة بالدور التربوي والدعوي ( الوظائف الثلاثة: التربية والدعوة والتكوين)، ويقوم الحزب فيه بالاهتمام بالسياسات العامة وإصلاح الشأن العام، وقد شرح المهندس محمد الحمداوي هذه الفلسفة بوضوح في كتابه الرسالية في العمل الإسلامي، والتي تقوم فكريا على قاعدة وحدة المشروع وتعدد التنظيم وترتكز تنظيميا على قاعدة فلسفة التخصصات، وهي الصيغة التي رسمت للحركة مجالها الحيوي الذي تشتغل عليه (الدعوة والتربية والتكوين)وأتاحت في نفس الوقت لحزب العدالة والتنمية الفرصة لإنتاج صيغة أخرى لتدبير العلاقة بين خطاب الهوية وخطاب التدبير، والتي تم التعبير عنها بوضوح في أدبيات الحزب ووثائقه، خاصة برنامج الحزب الانتخابي ,2007 وأطروحة الحزب السياسية التي صادق عليها المؤتمر السادس، والتي مضت في اتجاه القطع مع استعمال الخطاب الدعوي في قضايا حقل الممارسة السياسية. وكان يمكن للذين اعتبروا الرسالة اكتشافا جديدا أن يتابعوا مسار تطور العلاقة بين الحركة والحزب، والمآل الذي انتهت إليه، والذي عبر عنه بوضوح رئيس الحركة أربعة أشهر قبل العملية الانتخابية في حوار لتالتجديد، وضح فيه شروط الشراكة الاستراتيجية مع العدالة والتنمية قائلا: ما دام الحزب يشتغل على مقاومة الفساد، ويعمل على تخليق الحياة السياسية والحياة العامة، ويناضل من أجل الإصلاح، وما دام مشروعنا هو إصلاح المجتمع، فنحن نلتقي معه على هذا الأساس الذي يبقي على استمرار هذه الشراكة. - المنطلق الثاني: ويتعلق بحدود اشتباك الحركة بالعمل السياسي: وهو حاصل الصيغة التي انتهت إليها الحركة، والتي بمقتضاها تم تفويت تدبير الشأن العام لحزب العدالة والتنمية مع الإبقاء على الشراكة الاستراتيجية (وحدة المشروع وتعدد التنظيم)، والاحتفاظ ضمن المجال السياسي بوظيفة التدافع القيمي، أي أن الحركة فوتت لحزب العدالة والتنمية تخصص الاهتمام بالسياسات العامة، واحتفظت فقط بمتابعة ما له تأثير على القيم والمنظومة التربوية مما اعتبرته مجالها الحيوي (الموقف من السياحة الجنسية، الشذوذ الجنسي، القمار، الخمر، الدارجة والفرنكفونية، المهرجانات الثقافية والفنية، التعبيرات السينمائية، مواجهة التطبيع، العفة وكرامة المرأة المغربية....) وقد أوضح الحمداوي ذلك بتفصيل في كتابه، كما لخص فكرته بوضوح في نفس الحوار الذي أجراه مع التجديد حين شرح مضمون ورقة حول المشاركة السياسية والعلاقة بين الحركة والحزب، والتي صادق عليها مجلس الشورى سنة 2004 والتي حصرت وظائف الحركة الأساسية في الدعوة والتربية والتكوين، وفوتت للحزب مهمة العمل في السياسات العامة، لكنها حددت إطار اهتمام الحركة بالشأن السياسي ضمن ما يسمى حقل التدافع القيمي، أي القضايا الكبرى ذات الصلة بهوية البلاد والقضايا الوطنية وقضايا الأمة العربية والإسلامية. - المنطلق الثالث: وهو أن الحركة حددت هويتها باعتبارها فاعلا مجتمعيا مدنيا، وهي بهذه الصفة تحتفظ لنفسها بأن يكون لها رأي فيما يجري حولها، وأن تعبر عنه، شأنها في ذلك شأن كل الفاعلين في المجتمع المدني. - المنطلق الرابع: ويتعلق بشكل التعاطي مع الملف الانتخابي، إذ إن المتابع لأدبيات الحركة في تعاطيها مع هذا الشأن يجد خطابها يركز على ثلاث قضايا رئيسة: - دعم خيار المشاركة (بلاغات الدعوة إلى التسجيل في اللوائح الانتخابية ودعوة المواطنين وخاصة الشباب إلى المشاركة المكثفة في العملية الانتخابية) - دعم خيار الإصلاح ومحاربة الفساد. - بث ثقافة الأمل ومواجهة ثقافة التيئيس والإحباط. قراءة في مضمون الرسالة وباستقراء ما ورد في مضمون الرسالة المؤرخة بتاريخ 05 يوليوز 2009 نجدها لا تخرج عن هذه الأطر والمنطلقات السالفة: - فهي من جهة تبارك النتائج التي حققها شريك استراتيجي في عملية الإصلاح والتي تؤشر على تقدم في المشروع الإصلاحي (موضوع الشراكة الاستراتيجية). - وهي من جهة أخرى تعتبر هذه النتائج المتقدمة التي حققها الحزب فوزا واضحا لخيار الوسطية والاعتدال وتقوية لمنهج المشاركة والانفتاح، وإضعافا لمواقف السلبية وخطاب التيئيس والانتظارية والعزوف، بحكم أن دراسات بحثية أكاديمية انتهت إلى أن ضعف الرهان على المشاركة السياسية يؤدي إلى تنامي التنظيمات الإسلامية الراديكالية. - وهي من جهة أخرى تؤكد على نجاح تجربة إدماج الإسلاميين في العملية السياسية وفشل خيار استئصالهم، وهي تزكية للتجربة المغربية في التعاطي مع الإسلاميين. - وهي أيضا تؤكد على القيم التي تدعمها الحركة (الصمود في مواجهة الفساد) (تعزيز الأمل في استرجاع جموع العازفين إلى صناديق الاقتراع) (حماية المكتسبات الديمقراطية، وإعادة الاعتبار للحياة السياسية المغربية). - ولم تنس الحركة أن تركز في رسالتها على قضايا استراتيجية لا زالت تشغل اهتمامها ويتعلق الأمر بثلاثة قضايا رئيسة 1تغليب المصلحة العليا للوطن على الحسابات السياسية الضيقة 2دعم الاستقرار والأمن في المغرب. 3 دعم خيار اندماج الحركة الإسلامية في الحياة الوطنية. بمقارنة مضمون هذه الرسالة بمواقف الحركة السابقة وقناعاتها التي ترسخت وعبرت عنها في أدبياتها لا نكاد نجد أي جديد في هذه الرسالة إلا التأكيد على نفس المضامين وبلغة أكثر وضوحا وشفافية. في خلفيات إثارة موضوع العلاقة بين الحركة والحزب فليس في الرسالة ما يوحي بأن الحركة قد غادرت مواقعها ووظائفها الأساسية، وليس فيها أي تغير في الموقف بالقياس إلى ما تم التعبير عنه سابقا في أدبياتها ومواقفها. ومن ثمة، فإثارة موضوع علاقة الحركة بالحزب على خلفية هذه الرسالة يحتمل أحد أمرين: - إما أن هناك جهلا كبيرا بأدبيات الحركة، يفسره عدم التتبع الدقيق لمواقفها، خاصة ما يتعلق الصيغة التي انتهت إليها في علاقتها بالحزب والأطر الفكرية والتنمية التي تترجم هذه الصيغة، وهو الأمر الذي نجده بوضوح في بعض الكتابات التي لا تكلف نفسها عناء البحث والتحري وقراءة المواقف في سياقها وضمن الرؤية العامة التي تؤطر مركز تفكير الحركة. - وإما أن الأمر يتعلق بافتعال مقصود غرضه تحريك بعض الضغوط على الحركة على الشاكلة التي مورست عليها بعد تداعيات 16 ماي ,2003 للتشويش وامتصاص النجاح والتقدم الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية لاسيما في الوسط الحضري.وفي الحالتين معا، يبدو أن الموقفين معا يتجهان في مسلك التشويش على صيغة متقدمة في ضبط العلاقة بين الدعوي والسياسي، والتي كانت ثمرة مراجعات فكرية وحركية عميقة، وانتهت إلى تدشين تجربة حركية إسلامية فريدة في العالم العربي تعتمد مبدأ التخصصات، وتبعد الخطاب الدعوي عن المجال السياسي، وتجعل وظيفة الحزب السياسي هي السياسات العامة وتدبير الشأن العام، وهي التجربة التي أشادت بها دراسات بحثية عديدة (كارنيجي نموذجا)، واعتبرها باحثون أوربيون قريبة من تجربة الأحزاب المسيحية الأوربية، في الوقت التي لا زالت حركات إسلامية في العالم العربي تعاني من أزمة تدبير العلاقة بين الدعوي والسياسي (نمودج الأردن أكثر وضوحا في هذا المجال)، ويحاول بعضها استلهام النموذج المغربي (موريتانيا نموذجا). يبدو أن بعض الجهات لا يهمها دعم هذه المراجعات المهمة التي أثمرت تجربة متميزة في تدبير العلاقة بين الدعوي والسياسي، وتحاول أن تبرر فشلها بتحريك بعض الأقلام لإعادة طرح النقاش حول العلاقة بين الحركة والحزب، وكأنها نقطة ضعف يعتبرها البعض قمينة بتميرير ما تم العجز عن تحقيقه بأداوات التدافع السلمي.