بين الفينة والأخرى تثار مسألة العلاقة بين حركة التوحيد والإصلاح و حزب العدالة والتنمية، ويتم الحديث عن كون الحركة هي الجناح الدعوي للحزب، أو أن الحزب هو الذراع السياسي للحركة، ويسعى بعض خصوم الحركة تارة وخصوم العدالة والتنمية تارة أخرى إلى إثارة هذه القضية للنيل من إحدى الهيئتين..في هذا الحوار يكشف الأستاذ محمد الحمداوي حدود العلاقة بين حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية ويؤكد أنها علاقة شراكة حول أرضية مقاومة الفساد وتخليق الحياة العام بالبلاد. منبها إلى أن دعاوي تأثير الحركة في قرار الحزب أو العكس لا أساس له من الصحة، ولا تملك أدلة . وأكد الحمداوي أن الحركة منهجها استيعابي تتعاون فيه مع كل الجهات على الخير.. الأستاذ الحمداوي إذا تفضلتم لنبدأ بطبيعة العلاقة بين التنظيمين التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية، وما هي الفلسفة التي انبنت عليها في البداية؟ بسم الله الرحمن الرحيم، طبيعة العلاقة بين حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، هي طبيعة العلاقة بين مؤسستين مستقلتين، تشتغلان على تحقيق مشروع مجتمعي واحد ينطلق من نفس المرجعية، وبالنسبة لتجربتنا يمكن أن نشبهها بشجرتين تتغذيان من نفس التربة، التي هي نفس المرجعية ونفس المنطلقات، وبحكم أن الشجرتان متقاربتان فقد تكون بعض فروعهما متداخلة، ولكن لها فروع في الجهات الأخرى متمايزة عن بعضها البعض. كيف بدأت هذه العلاقة وكيف تطورت؟ لقد سعت كلا الحركتين المتوحدتين في إطار حركة التوحيد والإصلاح إلى تأسيس حزب سياسي، حتى قبل عملية الوحدة، لكن رفض السلطة دفع إلى البحث عن مداخل أخرى، انتهت بانضمام عدد من قيادات وأطر الحركة إلى قيادة حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية في مؤتمر استثنائي في يونيو .1996 فتم الاتفاق مع الدكتور الخطيب على انخراط أعضاء من الحركة في الحزب، وكانت شروطه ثلاثة: وهي المرجعية الإسلامية والعمل في إطار الملكية الدستورية ونبذ العنف. وبناء على ذلك أسهمت الحركة في تجديد هياكل الحزب، وفي إعادة بناء أطروحته، ثم حسمت في شكل العلاقة بين الحركة والحزب حيث قدم المكتب التنفيذي الانتقالي في البداية مشروع ورقة حول علاقة الحركة بالحزب أكد فيها أن كلا من الحركة والحزب هيئتان مستقلتان عن بعضهما البعض، استقلالا قانونيا وفعليا، وليس لأي منهما وصاية على الأخرى، ويجمعهما التشاور والتعاون والتنسيق. ثم بعد ذلك وفي نفس الإطار صادق مجلس الشورى في سنة 2004 على ورقة المشاركة السياسية والعلاقة بين الحركة والحزب وأكد فيها على أن العلاقة بين الهيئتين هي علاقة الشراكة الإستراتيجية، مع تأكيده على التمايز بينهما في الخطاب وفي مجالات العمل وفي القيادات والأطر. لقد كان هناك نقاش قديم داخل الهيئتين حول ثنائية الوصل والفصل، أين وصل هذا النقاش؟ حكاية الوصل أو الفصل لم تعد تطرح اليوم، والنقاش المطروح حاليا يدور حول خيار الشراكة الإستراتيجية، وشروط استمرارها، على أساس أن يلتزم الشريكان بالعمل في إطار المشروع المجتمعي الواحد، وعلى أساس وحدة المشروع بدل وحدة التنظيم. وما هي هذه الشروط بالنسبة للحركة؟ شروط استمرار العلاقة مع الحزب حددناها في ثلاثة: أن يكون رائدا في مجاله، أن يكون مصطحبا للبعد الدعوي و أن يكون مصطحبا للبعد التربوي. لذلك ما دام الحزب يشتغل على مقاومة الفساد، ويعمل على تخليق الحياة السياسية والحياة العامة، ويناضل من أجل الإصلاح، وما دام مشروعنا هو إصلاح المجتمع، فنحن نلتقي معه على هذا الأساس الذي يبقي على استمرار هذه الشراكة. تتحدثون عن المشروع الواحد هل تعنون بذلك وجود ما يحدد لكل طرف أدواره؟ الحزب كان قائما منذ سنة 1967م وليس وليد اليوم، وتاريخه يبين أنه تبنى منذ البداية توجها مدافعا عن المرجعية الإسلامية، ويظهر ذلك بشكل واضح حتى في مذكرته التاريخية التي تقدم بها في شخص أمينه العام آنذاك الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله، في أكتوبر ,1972 كما يظهر هذا الأمر في التوجه المكثف لهذا الحزب نحو دعم قضايا الشعوب الإسلامية، وهو ما أكد للطرفان أن هذا القدر من التقارب في المواقف المبدئية والسياسية، يشكل أرضية للعمل المشترك، إذن بالنسبة إلينا هو التقاء على أرضية مشتركة، أكثر منه تحديد أو تقاسم للأدوار بين الطرفين. هل نفهم من هذا أنه يمكن الالتقاء مع أي حزب آخر غير العدالة والتنمية ؟ مبدئيا ليس هناك ما يمنع، بل إن الحركة وقبل الالتقاء مع حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية سبق لها أن فتحت حوارات مع أحزاب أخرى. ونحن في هذه المرحلة نتكلم عن تحالف في إطار مشروع مجتمعي، وهذا المشروع المجتمعي، يحتاج في تنزيله إلى شركاء، وشريكنا في هذه المرحلة، في المجال السياسي الحزبي، هو حزب العدالة والتنمية. تقولون إن لديكم شريكا في المجال السياسي هو حزب العدالة والتنمية، ولكن الحركة ما زالت تصدر بيانات لها طابع سياسي. صحيح فورقة المشاركة السياسية والعلاقة بين الحركة والحزب، التي سبق لمجلس الشورى أن صادق عليها سنة 2004 نبهت إلى أن وظائف الحركة الأساسية هي الدعوة والتربية والتكوين، بينما يبقى مجال العمل السياسي بالنسبة لأعضاء الحركة هو الحزب السياسي، ولكنها نبهت أيضا إلى أنه يبقى للحركة اهتمام بالسياسة في إطارها العام أي الاهتمام بالقضايا الكبرى ذات الصلة بهوية البلاد والقضايا الوطنية وقضايا الأمة العربية والإسلامية، وممارسة السياسة بطريقة غير مباشرة كما تمارسها هيآت المجتمع المدنية غير الحزبية. وعموما فإن أي فاعل مجتمعي مطالب بأن يكون له رأي فيما يجري حوله، ومطالب بالتعبير عنه. تحدثتم عن تأكيد مجلس الشورى لسنة 2004 على التمايز بين الحركة والحزب هل نجحتم على هذا المستوى؟ التمايز على مستوى مجالات العمل نجحنا فيه بشكل جيد. والتمايز على مستوى الخطاب قطعنا فيه أشواطا كبيرة، فخطاب الحركة خطاب استيعابي يثمن كل أعمال الخير في المجتمع، ولذلك تجد مثلا جريدة التجديد التي هي جريدة الحركة ترصد المواقف الإيجابية خاصة ذات العلاقة بقضايا الهوية ومكافحة الفساد، الصادرة من كل الجهات المختلفة ومن مختلف الفاعلين في المجتمع، وتعمل على تثمينها والإشادة والتنويه بها، بدون أي تمـيــيـز، وهذا يعني أننا نركز على مساحات الاتفاق والالتقاء مع مختلف الفاعلين، ونسعى إلى توسيعها وتنميتها، ونحن لا نتوان في أن نقول لمن أحسن أحسنت، استجابة لتوجيه الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المائدة.8 وماذا على المستوى الثالث، مستوى التمايز في الرموز أوالأطر؟ على هذا المستوى يمكن القول أننا قطعنا أشواطا مهمة، ولكننا لا زلنا نطمح إلى أكثر من ذلك، فمثلا على مستوى القيادة، نجد أن المكتب التنفيذي للحركة والأمانة العامة للحزب، كانا في البداية يشتركان في خمسة أعضاء، واليوم نجدهما يشتركان فقط في عضوين، ونحن نطمح إلى أن يبلغ هذا التمايز مداه. هذه التجربة أو هذه الصيغة في العلاقة بين الحركة والحزب، كيف تنظر إليها بقية الحركات الإسلامية في الخارج؟ ينظرون إليها باهتمام وتقدير كبير، ويرغبون في الاطلاع عليها والتعرف على تفاصيلها، ومن ناحية أخرى يسألون كيفية تدبير العلاقة بين الدعوي والسياسي وعن مسألة الاستقلالية، وعن ضمانات استمرار الحزب على منهجه مع كل هذه الاستقلالية، و يكون جوابنا دائما أننا لم نجعل مسألة ضبط الحزب والتحكم فيه من اهتماماتنا وأهدافنا. وفي تقديري الأهم هو تقوية كل طرف للطرف الآخر من أجل مزيد من الانخراط في عملية الإصلاح ومقاومة الفساد. وكيف تقيمون حصيلة هذه التجربة وهذه العلاقة؟ آخر تقييم كان في ندوة عقدها مجلس الشورى السنة الماضية، واتضح من خلاله أن إيجابيات التجربة في تقديرنا كانت أكثر من سلبياتها. وما هي سلبياتها؟ حين اعتمدنا سياسة التخصصات قررنا أن نؤسس مجموعة من المؤسسات الموازية للحركة أو أن ينخرط بعض أعضائنا وأطرنا في مؤسسات قائمة مثل الحزب والنقابة، وهذا الأمر طبعا يحتاج، إلى مستوى من الموارد البشرية، يصل إلى أضعاف الجيل القيادي أو الكفاءات القيادية التي كانت لدينا، وحينما فتحت هذه الجبهات ظهر بعض الخصاص، حتم علينا الانتقال من الانتقاء الطبيعي في تدبير تلك الموارد البشرية إلى انتقاء معقلن ومدبر، وفي تقديري هذا شكل تحديا لهذه الشراكة كان ينبغي التغلب عليه. إذن سياسة التخصصات فرضت تحديات على مستوى الموارد البشرية، كيف تعملون لرفع هذا التحدي؟ نعمل على مسارين، الأول مضاعفة جهود الإعداد والتخريج والتأهيل، من خلال برامج مكثفة ومركزة لتأهيل قيادات جديدة من الشباب بالأساس. والثاني هو تشجيع التخصصات على الانفتاح أكثر على أوسع شرائح المجتمع، مع العمل على إدماجهم في برامج وفضاءات تؤهلهم لحمل المشروع. لأنه إذا كان الانتماء للحركة والعمل في إطارها يستدعي شروطا ومعايير قد لا تنطبق بنفس الدرجة على جميع المتعاطفين مع المشروع، فإن الأمر في هيئات التخصصات، لا يستدعي بالضرورة نفس المعايير وبنفس الدرجة. ولكن يبدو أن خيار الانفتاح أيضا يفرض تحديات أخرى تتمثل في الانسحابات التي رأيناها في الحزب. في تقديري الإشكال ليس في خيار الانفتاح في حد ذاته، على فعاليات المجتمع ولكن في أشكال وآليات الإدماج والإشراك بما يجعل الحزب السياسي مستوعبا لأهل الصلاح بشكل عام وأن تكون شروط الانخراط في حدودها الدنيا، ولكن على أن يتم الارتقاء بهؤلاء المنخرطين وبتأطيرهم وبإدماجهم وبتنمية مواهبهم وترسيخ قناعاتهم من خلال البرامج التكوينية والتربوية والتأهيلية المعتمدة. وكيف تفسرون الحديث عن تدخل الحركة في شؤون الحزب؟ الحديث عن تدخل الحركة في شؤون الحزب هو حديث لا يسنده أي دليل، بل كل الوثائق وكل الشواهد تؤكد على استقلالية الهيئتين، ولكن إذا كان هناك من يريد أن يسجل موقفا سلبيا، فإن هذا النوع من المبررات مرفوض ومردود على صاحبه وليس له أساس، لأننا نرفض رفضا باتا وقاطعا أي تكتل لأعضاء الحركة على شكل اتفاق أو تهييء لأي قرار بشكل مسبق يخص الحزب من داخل هيئات أو فضاءات أو مقرات الحركة، ويظهر ذلك بشكل واضح حينما يختلف أعضاء الحركة نفسها وأبناء نفس المدينة فيما بينهم في الرأي وفي التقدير وفي الرؤية داخل الحزب وفي محطات كثيرة، ولو كان هناك اتفاق بينهم خارج الحزب على رأي معين لكان الرأي والقرار موحدا ولما اختلفوا. في نفس السياق أيضا تثار مسألة أن أعضاء الحركة يشكلون الأغلبية داخل الحزب، كيف تردون؟ نحن نعتبر أن أحد معايير النجاح في كل مؤسسة أو هيئة متخصصة في مجالها، بالنسبة إلينا يكمن في مدى قدرتها على الانفتاح والتوسع، ويكون بالتالي أحد مؤشرات النجاح داخل الحزب هو مدى قدرته على توسيع دائرة الانتماء إليه من خارج أعضاء الحركة، علما أن المجتمع فيه كثير من أهل الخير والصلاح الراغبين في الاجتماع على برنامج الحزب، ومنهم من ليس مستعدا بالضرورة أن يكون عضوا في الحركة. ونحن لا نحرص على أن يكون أعضاء الحركة أغلبية في الحزب، بل حرصنا أكثر على انفتاحه على أوسع الشرائح في المجتمع، لأنه كلما انفتح أكثر كلما تمكنت الحركة من توفير موارد بشرية لوظائفها الأساسية ولدعم التخصصات الأخرى. هل تعتبرون التركيز على العلاقة بين الحزب والحركة، يندرج ضمن مشروع سياسي يستهدف التنظيمين؟ ينبغي أن نعلم أن العمل السياسي هو مجال للتنافس بامتياز، على مستوى البرامج من جهة، وعلى مستوى المصداقية والفعالية من جهة أخرى، والحركات الإسلامية حينما دخلت مجال العمل السياسي، حملت معها ميزات تنافسية متعددة كالمرجعية الإسلامية والمصداقية والفعالية، ومن هذه الميزات كذلك علاقة الشراكة الاستراتيجية بين الهيئتين، ولذلك فإن بعض الخصوم أو المنافسين، ولا أقول الكل، حينما يعجزون عن مسايرة التنافس على أساس هذه الميزات، يلجؤون إلى استهدافها أو التشكيك فيها والتشويش عليها. لكن هذا ربما أملته إكراهات المنافسة. كنت أتمنى أن يكون التنافس الحقيقي بين مشاريع مجتمعية حقيقية، وعلى مستوى البرامج بالأساس، وأن يتم التركيز على النتائج والمآلات، وليس على آليات الاشتغال أو وسائل العمل والتأطير، ولا على محاولة فرض تحالفات معينة بعينها ومنع أخرى، فالشرط الوحيد الذي يجب أن يكون على الآليات والوسائل هو ألا تخالف القانون وألا تعارض الدستور أو الأخلاق أو الشرع، أما ماعدا ذلك فالمجال يجب أن يبقى مفتوحا للإبداع والابتكار في إطار المنافسة الشريفة، ولا يعقل أن يتم التحجير على الفاعلين أو التحجير على آليات اشتغالهم ومحاولة تنميطها.