كيفية تثبيت تطبيق الهاتف المحمول MelBet: سهولة التثبيت والعديد من الخيارات    والي بنك المغرب يعلن الانتهاء من إعداد مشروع قانون "العملات الرقمية"    "هيئة تحرير الشام" تخطط للمستقبل    8 قتلى في حادثتين بالحوز ومراكش    27 قتيلا و2502 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    فينيسيوس أفضل لاعب في العالم وأنشيلوتي أحسن مدرب    قطاع الطيران... انطلاق أشغال بناء المصنع الجديد لتريلبورغ    بنك المغرب يخفض سعر فائدته الرئيسي إلى 2,5 في المائة    جوائز "الأفضل" للفيفا.. البرازيلي فينيسيوس يتوج بلقب عام 2024    تشييع رسمي لجثمان شهيد الواجب بمسقط رأسه في أبي الجعد    المغرب والسعودية يوقعان بالرياض مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجالات التحول الرقمي الحكومي    القنيطرة.. افتتاح معرض لإشاعة ثقافة التهادي بمنتوجات الصناعة التقليدية    الرباط.. انعقاد اجتماع لجنة تتبع مصيدة الأخطبوط    إحصاء 2024: الدارجة تستعمل أكثر من الريفية في الناظور    صحيفة 'لوفيغارو': المغرب يتموقع كوجهة رئيسية للسياحة العالمية    العام الثقافي 'قطر-المغرب 2024': الأميرة للا حسناء وسعادة الشيخة سارة تترأسان بالدوحة عرضا لفن التبوريدة        رسمياً.. المغرب يصوت لأول مرة بالأمم المتحدة على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام    المغرب "شريك أساسي وموثوق" للاتحاد الأوروبي (مفوضة أوروبية)    مجلس الشيوخ الشيلي يدعم مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية (سيناتور شيلي)    كلمة الأستاذ إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خلال اجتماع اللجنة الإفريقية للأممية الاشتراكية    فيفا ينظم بيع تذاكر كأس العالم للأندية‬    بنعلي: رفع القدرة التخزينية للمواد البترولية ب 1,8 مليون متر مكعب في أفق 2030    ردود فعل غاضبة من نشطاء الحركة الأمازيغية تُشكك في نتائج بنموسى حول نسبة الناطقين بالأمازيغية    84% من المغاربة يتوفرون على هاتف شخصي و70 % يستعملون الأنترنيت في الحواضر حسب الإحصاء العام    لماذا لا تريد موريتانيا تصفية نزاع الصحراء المفتعل؟    الأميرة للا حسناء تترأس عرض التبوريدة    دفاع الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال يؤكد أن وضعه الصحي في خطر    النظام الأساسي لموظفي إدارة السجون على طاولة مجلس الحكومة    تحقيق قضائي لتحديد دوافع انتحار ضابط شرطة في الدار البيضاء    ارتفاع معدل البطالة بالمغرب إلى 21% مع تسجيل ضعف في نسبة مشاركة النساء بسوق الشغل    مراكش.. توقيع اتفاقية لإحداث مكتب للاتحاد الدولي لكرة القدم في إفريقيا بالمغرب    كنزي كسّاب من عالم الجمال إلى عالم التمثيل    حاتم عمور يطلب من جمهوره عدم التصويت له في "عراق أواردز"        ضابط شرطة يضع حدّاً لحياته داخل منزله بالبيضاء..والأمن يفتح تحقيقاً    ألمانيا تتجه لانتخابات مبكرة بعد سحب الثقة من شولتس    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    السينما الإسبانية تُودّع أيقونتها ماريسا باريديس عن 78 عامًا    سرطان المرارة .. مرض نادر يُشخّص في المراحل المتقدمة    كيوسك الثلاثاء | حملة توظيف جديدة للعاملات المغربيات بقطاع الفواكه الحمراء بإسبانيا    زلزال عنيف يضرب أرخبيل فانواتو بالمحيط الهادي    شوارع المغرب في 2024.. لا صوت يعلو الدعم لغزة    الصين تعارض زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على المنتجات الصينية    ماكرون سيعلن الحداد الوطني بعد إعصار شيدو المدمر في أرخبيل مايوت    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    أفضل لاعب بإفريقيا يحزن المغاربة    لماذا لا يستطيع التابع أن يتحرر؟    عن العُرس الرّيفي والتطريّة والفارس المغوار    علماء يكتشفون فصيلة "خارقة" من البشر لا يحتاجون للنوم لساعات طويلة    بريطاني أدمن "المراهنات الرياضية" بسبب تناول دواء    دراسة: الاكتئاب مرتبط بأمراض القلب عند النساء    باحثون يابانيون يختبرون عقارا رائدا يجعل الأسنان تنمو من جديد    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجديد تقدم دراسة "كارنيغي" حول:حزب العدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح.. المشاركة ومعضلاتها
نشر في التجديد يوم 28 - 10 - 2008


نقدم في هذا العدد الدراسة الغنية لمؤسسة كارنيغي حول تجربة حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، والتي قدمت معطيات وقراءات مثيرة ولافتة لقضايا إشكالية في راهن الإسلامي المغربي، نحصرها في قضايا الديمومقراطية وموقف الإسلاميين، والعلاقة بين الحركة الدعوية والحزب السياسي المنبثق عنها وفعالية الصيغة المغربية مقارنة مع غيرها، والتطور المسجل في البرنامج الانتخابي للإسلاميين، وعلاقة ذلك بتفسير النتائج الانتخابية للحزب في شتنبر .2007 وبرغم عدم الاتفاق مع الدراسة في تركيزها على عامل تطور خطاب الحزب في قضايا الهوية وتركيزه أكثر على قضايا الشأن العام كمحدد لتفسير نتائج الحزب في الانتخابات، خاصة وأن الدراسة لم تعط تقديرا أكبر لعوامل الإفساد الانتخابي وضعف المشاركة والعوامل الذاتية الأخرى للحزب، وهي عوامل تضعف من البقوة التفسيرة للنموذج الذي يقترحه معد الدراسة عمرو حمزاوي. الدراسة صدرت بداية غشت المنصرم في صيغتها الإنجليزية ثم في صيغة عربية هذا الشهر، والتجديد تقدم أهم مقاطعها. مُلخّص في وقت آثر فيه التيار الرئيس في الحركات الإسلامية بالعالم العربي المشاركة في الحياةالسياسية، طُرحت تساؤلات حول طبيعة هذه المشاركة وتأثيراتها على الحياة السياسية، كماعلى هذه الحركات نفسها. في خضم هذه العملية، مثّل حزب العدالة والتنمية حالة مثيرة للاهتمام.فهو بخوضه الانتخابات التشريعية منذ العام 1997 ، كسب بالتدريج مقاعد في البرلمان، فاحتل 9 من أصل 325 مقعداً في انتخابات 1997 ، و 42 مقعداً في 2002 ، و 46 مقعداً في 2007 . وهذا ما جعله متجذّراً في العملية السياسية المغربية، بحيث بات بالمستطاع القول إن إنجازاته الانتخابية الأخيرة ليست مجرد اختراق مؤقت. ومع ذلك، لايزال حزب العدالة والتنمية يجهد لإيجاد توازن عملي ذي ديمومة بين المستلزمات البراغماتية التي تفرضها المشاركة، وبين تلك التي يمليها الإطار المرجعي الإسلامي. والحال أن الحزب، وبسبب البيئة السياسية المقيّدة في المغرب ومعها جملة الشروط التي تفرضها المؤسسة الحاكمة، تبنّى مواقف معتدلة إزاء سائر القضايا الاجتماعية والسياسية، وفي الوقت ذاته، كان حريصاً على عدم تنفير قطاعات واسعة من قواعده التي انجذبت إليه أصلاً بسبب إطاره المرجعي الإسلامي. إطار الدراسة تحليل الدور السياسي الذي يضطلع به حزب العدالة والتنمية في المغرب، يسلِّط الضوء على الديناميات التي بموجبها يشارك الإسلاميون في السياسات العربية. هنا يبرز تباين حاد بين الهوية الثنائية للإسلاميين الناشطين في العراق ولبنان وفلسطين الذين يمارسون في آن واحد دور اللاعبين السياسيين وحركات المقاومة المسلحة، وبين حزب العدالة والتنمية الذي يُمثّل نموذجاً للإسلاميين الذين تبنّوا نهج المشاركة السياسية السلمية كخيار استراتيجي وحيد. في حين أدّت المواجهات المتواصلة في مصر والأردن بين الأنظمة الحاكمة وبين جماعة الإخوان المسلمين إلى زعزعة استقرار المشاركة السياسية للإسلاميين هناك، كان حزب العدالة والتنمية في المغرب يشارك في الحياة السياسية بشكل مستقر ويحاول ضخ مزيد من جرعات الانفتاح تدريجيا في جسم السياسات المغربية. إضافة إلى حزب العدالة والتنمية، ترفع أحزاب إسلامية أخرى مثله لواء >المشاركة أولاً<، وتنشط هذه الأحزاب في دول عربية عدة مثل الجزائر والكويت والبحرين. تتمتع هذه الحركات بسمة رئيسية تتمثل في تصميمها على احترام القواعد القانونية للعبة السياسية والتقيّد بشروطها، وأيضاً السعي لتحقيق إجماع حول كيفية تسيير الشؤون العامة. تعود هذه السمة جزئياً إلى محاولات ضبط النفس الذي تمارسها الأنظمة الحاكمة في هذه الدول حيال مسألة مشاركة الإسلاميين في السياسة، والذي يتجّسد في تجنّب اللجوء بشكل منهجي إلى إجراءات قمعية وإقصائية بحقهم. لم يشكك حزب العدالة والتنمية والحركات الإسلامية المماثلة، يوماً بشرعية الدولة- الأمة التي ينشطون في إطارها، فقد اعترفوا دوماً بالإطار السياسي للدولة على أنه الفضاء الشرعي الوحيد لممارساتهم ونشاطاتهم. كذلك، لم تشكك هذه الحركات بالطبيعة التنافسية للسياسة، وبما تفرضه هذه الطبيعة من حتميات التعددية. أسفر هذه التوجه، الذي تم تبنيه نصاً وروحاً، عن انحسار الخطاب الإقصائي المستند إلى الدين، سواء أكان موجّهاً نحو الأنظمة الحاكمة أو حركات المعارضة الليبرالية واليسارية، كما أدى أيضاً إلى التحول التدريجي للإسلاميين من نهج توجيه الانتقادات الإيديولوجية المريرة والأحكام القاطعة، نحو صياغة برامج سياسية عملية وواقعية، وبذل جهود بنّاءة للتأثير على السياسات العامة. النقطة الجوهرية هنا تتمثل في نجاح بعض هذه الحركات، وفي مقدمها حزب العدالة والتنمية، في تحقيق فصل وظيفي بين أنشطة الدعوة الإسلامية وبين ممارسة العمل السياسي، وبذلك حوّلت نفسها إلى منظمات سياسية بحتة يديرها سياسيون محترفون، وإن كانت تستلهم إطاراً مرجعياً إسلامياً؛ تاركة أنشطة الدعوة في عهدة الحركات الاجتماعية الواسعة التي وُلدت هذه المنظمات من رحمها. يواجه حزب العدالة والتنمية والحركات الإسلامية الشبيهة به، تحديات جدّية في مقدمتها أن مشاركتهم في الحياة السياسية لم تُلبِّ حتى الآن الحدود الدنيا من توقعاتهم، مما أدى إلى فشلهم في تحقيق آمال قواعدهم الانتخابية وتطالعاتها. حاولت الحركات الإسلامية التي ترفع لواء المشاركة أولاً تجاوز القيود المفروضة على التعددية من قبل الأنظمة السياسية التي ينشطون في إطارها، بهدف تحقيق إصلاحات مجدية تعيد توزيع السلطة بين الأنظمة الحاكمةوالمعارضة، لكنهم لم يحققوا سوى النذر اليسير من النجاح. كان على رأس قائمة جدولأعمال البرامج الإسلامية، الضغط لإجراء إصلاحات دستورية وقانونية من شأنها توسيع الصلاحيات الرقابية المنوطة بالمؤسسات التشريعية والقضائية، في مواجهة الصلاحياتالواسعة التي تتمتع بها السلطات التنفيذية. لكن هنا أيضاً، فشل الإسلاميون في الاقتراب منهدف إقامة توازن صحي بين مختلف أفرع الحكومة، فمعظمهم أخفق في جهوده الحثيثةلمحاولة التغلب على تنافسه التاريخي مع المؤسسات الحاكمة وإقامة تحالفات براغماتية مع قوى المعارضة غير التقليدية. لازالت المعضلة الأكثر أهمية تتجسد فيما أثارته المحصلات الهزيلة لمشاركة الحركات الإسلامية في العمل السياسي من شكوك لدى قواعدها الانتخابيةحول مدى جدية الخيارات الرئيسية التي تطرحها هذه الحركات. بالإضافة إلى هذا، لم يسلمالإسلاميون من النقد نتيجة لقرارهم الفصل بين الدعوة وبين السياسة، ولتركيزهم على الشؤونالاجتماعية والاقتصادية بدلاً من القضايا الأخلاقية. وبالفعل، اتُهم الإسلاميون بأنّهم فرّطوابالتزاماتهم الدينية لصالح العملية السياسية. هذه كانت البيئة التي نشط في أحضانها حزب العدالة والتنمية منذ أن أبصر النور العام 1997 . تجدر الإشارة هنا إلى أنه في الوقت التي فضل فيه التيار الرئيسي للحركات الإسلامية بالعالمالعربي المشاركة في الحياة السياسية، برزت تساؤلات حول طبيعة هذه المشاركة وانعكاساتها على البيئة السياسية الأوسع، وأيضاً على هذه الحركات نفسها. وبسبب تنوّع المقاربات التي اعتمدها الإسلاميون حيال مسألة المشاركة السياسية، يتعّين على أي تحليل لهذه المسائل الابتعاد عن العموميات النابعة من الأحكام المسبقة الإيديولوجية المتحيّزة، أو من الاستشهاد بتجارب إسلامية سابقة منتقاة دون سواها، لأن هذه التجارب لا تكفي لاستيعاب تعقيدات هذه المسائل ولا لفهم التطورات التي تتكشّف بإستمرار في هذه البقعة من العالم. بالمثل المقاربة التبسيطية المتمثلة في وجهة النظر الاختزالية المطلّة على الإسلاميين بوصفهم جماعات إيديولوجية متعصبة، يكفي معها الاطلاع على خطابها اللغوي لفهم سلوكها السياسي. تهدف هذه الورقة للإجابة على أربعة أسئلة تتعلق بمشاركة حزب العدالة والتنمية في السياسات المغربية: - ما الظروف المؤسساتية والسياسية التي طبعت مشاركة الحزب؟ - ما المسائل التي تصدرت أولويات الحزب، لاسيما على صعيد المؤسسات التشريعية؟ - ما تأثير مشاركة الحزب على أوضاعه الداخلية، من جهة، وعلى البيئة السياسية الأوسع، من جهة اخرى؟ - وأخيراً، كيف استطاع الحزب التكيّف والاستجابة للتحديات التي فرضتها مشاركته في النظام السياسي شبه السلطوي في المغرب؟ الانتخابات ونقاشات ما بعد المشاركة كما أشرنا سابقاً، لم ينجح حزب العدالة والتنمية برغم الجهود التي بذلها في مواجهة التحديات البرلمانية، في التأثير على سياسة الحكومة. فلم يسهم في إصدار أي تشريع رئيس يحمل بصمته، هذا بالإضافة إلى معاناته المستمرة لإيجاد أرضية مشتركة مع مجموعات معارضة أخرى في البرلمان. ولعل هذا، برأي المحللين، كان أحد الأسباب الرئيسة وراء أدائه الضعيف في الانتخابات التشريعية للعام 2007 (...). مثلت نتائج حزب العدالة والتنمية المفاجأة الكبرى، فقبل الانتخابات، كانت هناك الكثير من توقعات بأن يحقق الإسلاميون نتائج كبرى، خاصة في ضوء استطلاعات الرأي الغربية والمحلية التي تكهنت بصعود لا يمكن وقفه للحزب. خلال المرحلة الأخيرة من الحملة الانتخابية، أبدت قيادة الحزب الكثير من التفاؤل وأعلنت جهاراً أنّها تستطيع الاستئثار ب 70 إلى 80 مقعداً ليشكل الحزب بذلك الكتلة الأقوى في البرلمان. وحين لم يضِف الحزب سوى أربعة مقاعد جديدة إلى المقاعد ال 42 التي حصدها العام 2002 ، شكّل ذلك صدمة لقيادته ولخصومه على حد سواء. ومن هنا كانت اللهجة الغاضبة والقاسية التي طغت على التصريحات الأولية التي أدلت بها شخصيات بارزة في الحزب والتي اتهمت أحزاباً أخرى بشراء الأصوات. بالرغم من تأكيد فرق المراقبة المحلية والدولية على أن الانتخابات جرت بطريقة عادلة وشفافة، إلا أنه وردت تقارير عدة حول وقوع مخالفات شملت شراء أصوات في كل من المدن والمناطق الريفية. الملفت هنا أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات هوت إلى أدنى مستوى تاريخي لها، فقد سجلت نسبة % 37 منحدرة عما كانت عليه عامي 1997 و 2002 حيث سجلت نسبة 58% و% 19 على التوالي (...). أدى استحسان الناخبين الإسلاميين لمفردات هذا الخطاب الأصولي الى فشل حزب العدالة والتنمية في تعبئة شرائح واسعة من المواطنين المحرومين، ووجد نفسه في وضعية جديدة يضطر معها دوماً إلى تبرير التزامه المتواصل بالمشاركة السياسية وتفرض عليه أن يراعي كلفة هذه الخطوة المرتفعة ومردودها المتدني، وتدفعه إلى ضرورة إقناع النخب الإسلامية بجدوى مشاركته وأهميتها كخيار استراتيجي. وفي ضوء الخطاب الراهن الذي يجاهر به حزب العدالة والتنمية، يبرز اتجاهان في النقاش: ـ الأول يقول إن المشاركة تتيح للحزب استخدام مختلف الأدوات المؤسسية لحماية نفسه من قمع النظام الحاكم، كما تمكّنه من الحفاظ على وجوده العلني، مما يساعده على المحافظة على تماسك قواعده وعلى إقامة روابط نابضة مع الناخبين. أما الاتجاه الثاني فيشير إلى المشاركة كسبيل يساعد الحزب على الاضطلاع بدور نشط في النضال لتحقيق إصلاح سياسي جدّي وتدريجي في المغرب. يسعى الحزب جاهداً لإعادة إرساء توازن مستدام وعملي بين المطالب البراغماتية المنادية بالمشاركة وتلك التي تمليها المرجعية الإسلامية. وفي ظل البيئة السياسية المقيدة في المغرب والشروط المتعددة التي يفرضها النظام الحاكم، تبنّى الحزب مواقف معتدلة حول مسائل اجتماعية وسياسية متعددة، وفي الوقت نفسه، حرص على عدم استعداء شرائح كبيرة تميل إليه بسبب مرجعيته الدينية. لا شك أن تحقيق التوازن بين البراغماتية والالتزام الإيديولوجي يزداد صعوبة لاسيما في ضوء الإستياء الشعبي العارم من العملية السياسية وترسخ التيارات الإسلامية المعارضة. وعلينا أن نشير هنا إلى أنه في الآونة الحالية انزلق الحزب في نقاشات مستفيضة حول أولوياته مما قد يكلفه خسارة توجّهه الاستراتيجي. الفصل والتداخل مع حركة التوحيد والإصلاح كما أسلفنا، تأسست حركة التوحيد والإصلاح في العام 1996 وبرز حزب العدالة والتنمية العام 1998 . آنذاك، لم تكن العلاقة بين الدعوة والنشاط السياسي مسألة رئيسة أو ذات شأن. ثم جاءت الهجمات الإرهابية التي هزت الدار البيضاء في أيار/مايو 2003 لتسرِّع إعادة النظر في العلاقة بين الحركة والحزب، خصوصاً أن الأحزاب اليسارية والعلمانية كثفت هجماتها على الحركة وحمّلتها مسؤولية الإرهاب مما دفع بالحركة إلى الإسراع برسم خطوط فاصلة بينها وبين الحزب. العلاقات الوثيقة بين حركة التوحيد والإصلاح وجناحها السياسي، حزب العدالة والتنمية، غالباً ما كانت موضع نقد قاس من جانب المسؤولين المغاربة، فهم ينتقدون مشاركة الحزب في الحياة السياسية بموجب أحكام الدستور )الذي يحظِّر استغلال الدين لأغراض سياسية( نظرا للروابط مع حركة التوحيد الدينية التي تمارس الدعوة. من أشكال هذه الروابط، أن عدداً من كوادر الحزب ما زالوا يحتفظون بمواقعهم القيادية في المكتب التنفيذي ـ أعلى جهاز لصنع القرار في التوحيد خ بمن في ذلك محمد يتيم، العضو في الأمانة العامة، وعبد اله بها، نائب الأمين العام، وعبد الإله بنكيران العضو في الأمانة العامة. بالطبع، يرى أعضاء كثيرون في حركة التوحيد وحزب العدالة والتنمية ضرورة معالجة المسألة معالجة حاسمة بغية إسكات وتجنب النقاد والحفاظ على طابع الحركة الديني والاجتماعي؛ وهو الطابع الذي تزعزع بفعل نشاط الحزب السياسي. وقد أبدى محمد يتيم، أحد أبرز المنظّرين في الحركة، تخوّفه من مضاعفات مثل تلك الأنشطة التي مورست في السنوات الأخيرة، ففي نظره، تنطلق الحركة نظرياً من افتراض مفاده أن الإسلام دين شامل، لكن هذا لايعني أن الفصل بين بعض الأنشطة المتخصصة والعامة لهذه الحركة ليس ضرورياً. أما محمد الحمداوي، الرئيس الحالي للمكتب التنفيذي في التوحيد، فغالباً ما يصف العلاقة بين الحزب والحركة على أنها علاقة شراكة بين مؤسستين تعملان باستقلالية تامة سعياً لتحقيق الهدف المشترك نفسه. هذا فيما غالباً ما يتطرق أحمد الريسوني، رئيس المكتب التنفيذي سابقاً وعضوه حالياً، إلى التداخل والتقاطع بين أنشطة الحركة والحزب، مشدداً على أن مسؤوليات الحزب بصفة عامة تكمن في إصلاح مؤسسات الدولة وسياساتها، في حين تهتم الحركة بالتربية والدعوة. وقد بدا أعضاء آخرون في الحركة أكثر تخوفا مما قد يخلفه الانخراط في العمل السياسي. ولهذا السبب استقال فريد الأنصاري من الحركة في العام 2000 ، ثم أصدر في العام 2007 كتاباً بعنوان >الأخطاء الستة للحركة الإسلامية< اعتبر فيه أنّ الانخراط في السياسة من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها قيادة الحركة. الأكثر من ذلك، أن العثماني نفسه رئيس حزب العدالة والتنمية اشار مؤخراً إلى أنّ >العلاقة الأفضل بين الدين والسياسة في الإسلام ليست هي الفصل القاطع، ولكن ليس أيضاً الاتحاد الكامل، بل علاقة وصل ولكن مع تمييز وتمايز< . تتعدد الأدلة التي تؤكد الاستقلالية المؤسسية للحركة والحزب. فمثلا ترتبط شروط العضوية في الحركة باعتبارات دينية وأخلاقية، في حين أن الالتحاق بالحزب لايفرض على الأعضاء إلاّمشاركة التنظيم فيما يتعلق بتوجّهه السياسي ومرجعيته العامة. إضافة إلى ذلك، أن قواعد الترقية داخل الحركة لاتستند إلى اعتبارات سياسية. كذلك، تختلف الإجراءات العقابية لدى كل من الحركة والحزب: فالعضو الذي يتم إقصاؤه من الحزب لأسباب سياسية، قد لايُستبعد بالضرورة من الحركة، والعكس صحيح. وبالإجمال، تخصص أنشطة التوحيد لأغراض الدعوة، في حين يُعهد إلى حزب العدالة والتنمية الشق السياسي في برنامج الحركة. الجدير بالملاحظة أن الحركة تتفاعل وتتواصل مع مجموعات إسلامية أخرى مثل العدل والإحسان بطريقة مختلفة عن مقاربة الحزب. فعلى سبيل المثال، غالباً ما يجاهر التوحيد بدعمه العدل حين تقمعه الحكومة. وفي المقابل، يلزم الحزب جانب الحذر في تفاعله مع مثل هذه المواجهات تجنباً لإثارة التوترات مع النظام. لذلك، وحين صرحت نادية ياسين، ابنة عبد السلام ياسين والناطقة غير الرسمية باسم العدل، في مقابلة أُجريت معها في العام 2005 ، أنّ النظام الملكي لايصلح للمغرب، سارعت قيادة الحزب إلى التنديد بملاحظتها . لايزال الفصل بين الحركة والحزب على مستوى العضوية مسألة جوهرية. فبالرغم من أن أعضاء الحركة يشكلون الغالبية الساحقة من أعضاء الحزب وقيادته. إلا أن هناك أنظمة عدة تمنع رئيس المكتب التنفيذي للحركة ونائبه من تبوؤ أي منصب في الحزب، لذلك استقال الحمداوي من حزب العدالة والتنمية فور انتخابه رئيساً للمكتب التنفيذي في الحركة. يرجع هذا التداخل إلى حقيقة أن حزب العدالة والتنمية حزب سياسي فتي نسبياً ويحتمل أن يعزز استقلاليته مع الوقت. إذ في نهاية المطاف، قد يتمكن الحزب، في ضوء نجاحاته الانتخابية وأنشطته البرلمانية، من استقطاب قواعد انتخابية جديدة لاتشترك مع حركة التوحيد والإصلاح في المواقف الدينية التي تتبناها. أولويات حزب العدالة والتنمية في البرلمان ارتفع عدد المقاعد البرلمانية التي نالها بوتيرة تدريجية، إذ حصد 9 مقاعد من أصل 325 مقعداً في الانتخابات البرلمانية العام 1997 ثم 42 مقعداً في العام 2002 وصولاً إلى 46 مقعداً في العام 2007 . وقد نشط برلمانيو الحزب في السنوات الأخيرة وانصبّت جهودهم التشريعية على قضايا اقتصادية واجتماعية مهمة مثل الفساد والبطالة والفقر. لكن الحزب واجه عدداً من المشاكل في ضوء سجله المتواضع في التمثيل البرلماني، الأمر الذي دفع الرأي العام إلى التشكيك في قدرة الحزب على ترجمة نشاطه المعارض إلى إجراءات وسياسات مجدية عن طريق المشاركة في الحياة السياسية، وهو التحدي عينه الذي واجه حركات المعارضة الإسلامية في العالم العربي. على الرغم من برنامج الحزب المعتدل، فما زال ينظر إليه بارتياب من جانب أصحاب القرار في داخل المغرب وخارجه، حتى أن الأحزاب السياسية اليسارية كانت تروّج بين الفينة والأخرى بأن هدف الحزب الرئيس هو نشر التطرف والتعصب في الحياة السياسية المغربية. (...) النشاط البرلماني الذي تجلى في دورة 2002- 2007 البرلمانية، يتباين مع ما يتبناه الحزب من التأكيد على المسائل الدينية والأخلاقية خلال دورة 1997-2002 . أثار نواب الحزب آنذاك مسائل منها الخدمات المصرفية غير الإسلامية، واستهلاك الكحول، والتربية الإسلامية والممارسات اللاأخلاقية لصناعة السياحة وإصلاح قطاع صناعة السينما لضمان تناغمها مع تعاليم الإسلام. تطرق العثماني إلى هذا التحوّل فقال في مقابلة معه: > في البداية ركّزنا على بلورة المبادئ العامة. ومع مرور الوقت أصبحنا أكثر خبرة وقدرة على تقييم السياسات الحكومية بطريقة مفصلة، وكذلك على إبرام صفقات سياسية. ونحن نتطلع إلى توسيع هذه الخبرات مستقبلاً< .... علينا أن نشير إلى أنه حين وضع الحزب القضايا الاقتصادية والاجتماعية في صلب برنامجه الانتخابي لعام 2007 رافعاً شعار +معاً نبني مغرب العدالة ؛، أظهر أنه ينتهج مسلكاً ثورياً فريداً من نوعه قياساً ببقية المشهد العربي الإسلامي. بالطبع، المجال الأول الذي يلفت الانتباه في هذا البرنامج هو مستوى التفصيل الذي يتضمنه، لاسيما ما يتعلق بالإجراءات الخاصة بالسياسة العامة والاقتصاد. إذ يتضمن البرنامج بيانات حول مؤشر التنمية، كما أنه يقارن بين أداء المغرب وأداء الدول العربية والنامية الأخرى، ليوضح إلى أي مدى يتلكأ المغرب وراء دول أخرى طبقا لهذا المؤشر، خاصة في مجالات معرفة القراءة والكتابة وعمالة الشباب والرعاية الصحية. كما يقيّم البرنامج ويستكشف بعمق الأفكار الجديدة لتعزيز الإصلاح الاقتصادي، فيحدِّد بداية المشاكل الأكثر إلحاحاً التي يواجهها الاقتصاد المغربي، ويستتبع ذلك برسم خريطة طريق مفصلة للغاية لتحقيق الإصلاح الاقتصادي. في الواقع لايتضمن برنامج الحزب أية مضامين تدل على أنه يهدف إلى تقويض النظام القائم برمته أو تثوير النموذج الاقتصادي من خلال تقديم قوانين وأنظمة تجعله أكثر إسلامية. أكثر من ذلك: لا تظهر أية إشارة إلى الشريعة الإسلامية على الإطلاق في باب السياسة الاقتصادية، فالبرنامج يعلن بوضوح أن هدف الحزب هو إرساء مداميك يعتد بها ليشاد فوقها صرح اقتصاد سليم، وتنافسي، ومنفتح، يكون قادراً على توفير فرص العمل. ما يثير الانتباه، أنه في الباب المتعلق بالحلول المقترحة، يحدد البرنامج الخطوط العامة لسياسات محددة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.