لا تختلف نتائج هذه الورقة عن سابقتها، وإن كانت هذه توسع مجال الدراسة وتحاول أن تعمم تقييمها لواقع المشاركة السياسية على جميع الإسلاميين باختلاف الشروط السياسية التي تندرج فيها عملية المشاركة (ما أسمته الورقة بالمشاركة في ظروف طبيعية، والمشاركة في ظروف الحصار) وباختلاف أطياف الفاعلين الحركيين (بما فيها تلك التي تحتفظ بجناح مسلح حالة حماس نموذجا)، وهكذا خلصت الورقة إلى ضرورة مساءلة واقع هذه المشاركة في ضوء النتائج التي جنتها الحركات الإسلامية منها، وانتهت في عملية تقييمها لهذه النتائج إلى أن: تأثير الإسلاميون المشاركون في العملية السياسية محدود على بلدانهم في الوقت الذي يعتبرون فيه في كل مكان العناصر الأقوى في المعارضة الضعيفة. إذ على الرغم من أنهم ناضلوا من أجل ممارسة بعض النفوذ السياسي إلا أن دورهم في صياغة السياسات الجديدة كان متواضعا وهو ما دفع بعض الحركات الإسلامية خ حسب الورقة خ إلى حالة من الأزمة بسبب طرح السؤال من جدوى المشاركة. - على الرغم من أن الإسلاميين قاموا بإدخال تغييرات إيديولوجية على مواقفهم وأبرموا تسويات مهمة إلا أن النتائج المرجوة من مشاركتهم السياسية كانت محدودة. - تراجعت مقولة القوة الصاعدة للإسلاميين بسبب التراجع الذي بدأ يحصل على مستوى نتائجها في الانتخابات في العديد من البلدان. - لم يتمكن الإسلاميون من اختراق عوائق التعددية السياسية المقيدة ولم يجلبوا الإصلاح الحقيقي المتمثل في إعادة توزيع السلطة بين المؤسسات الحاكمة والحركات المعارضة، وعلى الرغم من الضغط الذي مارسوه من أجل إجراء تعديلات دستورية وتشريعية إلى زيادة سلطات البرلمانات في مواجهة السلطة التنفيذية وفصل حقيقي للسلط إلا أنهم فشلوا في ذلك. - فشل طرف كبير من الإسلاميين الذين راهنوا على تذويب جليد الصراع مع العلمانيين وتشكيل تحالفات مرنة بهدف التصدي للمعضلة السياسية في البلاد، إلا أن هذا المسعى لم يثمر أي شيء على الأرض. - فشلت الحركة الإسلامية في مهمة توسيع نطاق الدين في الفضاء العام وإقامة رابط بين أسلمة المجتمع وبين مشاركتها السياسية، وهو ما أدى حسب الورقة من جهة إلى أن قطعت الأنظمة الحاكمة علاقة الحركة الإسلامية المشاركة بالأنشطة الدعوية والخيرية التي تعتبر العمق الاستقطابي لهذه الحركة، والدعامة الأساسية لواعدها الشعبية والانتخابية، وأدى من جهة أخرى إلى تعرض هذه الحركات إلى هجمات من جانب إسلاميين غير مشاركين يتهمونها بالنفعية وأحيانا وإن بشكل ضمني بالضلال عن الدين والانحراف عن الشريعة. ملاحظات منهجية على هامش الورقتين بغض النظر عن الأساس الذي انطلقت منه الورقتين معا في تقييم المشاركة السياسية للإسلاميين بالنظر إلى أثرها على الأوضاع الداخلية لهذه الحركات وعلى البيئة السياسية، والذي يحتاج إلى نقاش مطول بحكم أن المشاركة السياسية للإسلاميين تقاس بالنظر إلى الأهداف التي أعلنتها منها وليس بالنظر إلى ما يطلب نظريا من أهداف من عملية المشاركة، فعلى الرغم من ذلك، فإن التحديات التي طرحتها الورقة الثانية، والتي هي عبارة عن أفق رسمته الورقة الثانية لتجاوز ما أسمته حالة الأزمة الناتجة عن محدودية الدور الذي لعبته المشاركة، هي نفسها مستلهمة من تجربة إحدى الحركات الإسلامية، وهي تجربة العدالة والتنمية نموذجا، بدليل أن جل الشواهد التي اندرجت تحت كل تحد على حدة هي بالضرورة مستوحاة من تجربته، فإذا نظرنا إلى التحدي الأول المتعلق بصياغة أفكار جديدة حول جدوى المشاركة على المستوى الاستراتيجي لإقناع القواعد بفاعلية خيار المشاركة وجدواه، فقد كان هذا جزءا من التنظير الذي صاحب ورقة المشاركة السياسية حتى قبل أن تتدشن أي خطوة في هذا الاتجاه، وكان الوعي حاصلا لدى قادة الحركة الإسلامية وقواعدها أن هدف المشاركة ليس بالضرورة هو نفس الأهداف التي أعلنتها حركات إسلامية تتبنى خيار التغيير السياسي، وإنما كانت هناك أفكار وصياغات جديدة تتجاوز الطرح التقليدي الذي سيج عملية التأصيل للمشاركة السياسية، ولعل النماذج التي أوردتها الورقة لمثل هذه الأفكار الجديدة من قبيل التجدر في الحياة السياسية وتعزيز مفهوم المسؤولية السياسية ومفهوم الالتزام بالمشاركة السياسية مهما كانت الظروف، وتعززي موقع الحركة الإسلامية كثابت من ثوابت النسق السياسي الذي لا يمكن تجاوزه، وتعزيز مواقع التغيير السلمي والإصلاح التدريجي، بالإضافة إلى اعتبارات أخرى تدخل ضمن الاجتهادات الجديدة التي أوردتها الحركة الإسلامية في المغرب مما أغلفت ذكره هذه الورقة مثل تعزيز مواقع المرجعية الإسلامية، وإضعاف مواقع الفكرة العلمانية في معركة التدافع القيمي، وتحريك الفعالية المجتمعية في اتجاه الحفاظ على المكتسبات القيمية، وفضح الفساد وتعرية واقعه، ومواجهة أوجه التطبيع، وإفشال العديد من المناورات التي يراد منها إضعاف القيم الإسلامية على العديد من المستويات (التربوي والتعليمي والإعلامي على يبسل المثال)، والتصدي لبعض المناورات الحكومية التي يراد منها الإجهاز على المكتسبات القانونية الإسلامية (الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، التأويل الذي أريد لقرار رفع كل التحفظات عن اتفاقية التمييز ضد المرأة). أما على مستوى التحدي الثاني والتحدي الثالث والذي يمكن دمجه في تحد واحد بحكم أن التحديين معا يتعلقان بتدبير العلاقة بين الديني والسياسي أو بين الدعوي والسياسي، أو ما أسمته الورقة بالبراغماتي والإيديولوجي، فواضح أن الورقة الأولى أثنت على تجربة العدالة والتنمية من جهة إبداعه لصيغة التمييز بين الوظيفية السياسية والدعوية، وتأصيله لهذه الصيغة مقاصديا، وترجمته لها عمليا على مستوى مؤسسي، من خلال استقلال الحزب عن الحركة واختلاف وظائفهما وعدم تنازعهما على مستوى الانشغال بالسياسات العامة، ولعل هذه الملاحظة المنهجية تجعل من هذه الورقة متناقضة في بعض اعتباراتها وشواهدها فيما يخص تجربة العدالة والتنمية، خاصة ما يتعلق برد فعل قواعده وتقييمهم لواقع مشاركته، إذ أن كل الأحكام التي أوردتها الورقة بهذا الخصوص تفتقد إلى السند العلمي، خاصة وأن الانتقادات التي انطلقت داخل نخبة الحزب بعد انتخابات السابع من شتنبر ,2007 لم تكن تناقش مسألة الجدوى من المشاركة، وإنما كانت تناقش تدبير القيادة للمرحلة، وتقترح خطا جديدا عبرت عنه بوضوح أطروحة الحزب في مؤتمره السادس والمعنونة ب:أطرحة النضال الديمقراطي وهي الملاحظة التي كان ينبغي للورقة أن تأخذها بعين الاعتبار في نتائجها وخلاصاتها، بدلا من نسبة استياء القواعد إلى قضية الجدوى من المشاركة، لاسيما وأن أدبيات الحركة الإسلامية المشاركة في المغرب خاصة في الشق المتعلق بتأصيل المشاركة السياسية والمقاصد التي يتطلع الحزب إلى تحقيقها، لا تضع هدف تحول النظام السياسي المغربي من صيغته التنفيذية إلى الصيغة الديمقراطية كمعيار لتقييم هذه المشاركة. وعلى العموم، فالناظر إلى هذه التحديات الثلاثة، وإلى تنزيلاتها في الصورة المغربية، يخلص إلى أن كل الانتقادات ذات الصلة بضعف مردودية مشاركة الحركة الإسلامية، هي غير ذات بال، أو على الأقل لم تصل إلى مستوى خلق حالة أزمة داخل قواعد الحزب بسبب سؤال الجدوى من المشاركة السياسية. بلال التليدي