مع اقتراب موعد الإفراج عن اثني عشر معتقلا من جماعة العدل والإحسان، تستعد الجماعة للاحتفال بهذا الحدث المهم، وبموازاة مع ذلك، انعقدت الدورة الرابعة عشر للمجلس القطري للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان يوم 25 و 26 أكتوبر، والتي أطلقت عليها اسم دورة المعتقل، وقد أصدرت الجماعة بالمناسبة تقريرا سياسيا، توصلت التجديد بملخصه، وتفاعلا مع الحدث، يأتي هذا الملف الذي يضم نشر دراسة غربية عن جماعة العدل والإحسان، تتناول الخط السياسي للجماعة والذي يجمع بين رفض العنف كأسلوب لتغيير النظام وبين رفض المشاركة السياسية، كما يضم هذا الملف رأي أحد الباحثين حول ما تضمنه التقرير السياسي للجماعة. العدل والإحسان..لا مشاركة ولا ثورة تكمن أهمية هذه الدراسة التي أعدها فرانسيسكو كافاتورطا الأستاذ جامعة دبلن بإيرلندا ونشرت في مجلة Mediterranean Politics في كونها تدعو إلى تجاوز الدراسات التبسيطية التي تضع الحركات الإسلامية كلها في سلة واحدة، ولا تقيم أي تمايزات بينها كما ولو كانت تحمل فكرا واحدا، بحيث تقترح نموذجا للتعامل مع الحركات الإسلامية باعتبارها فاعلا سياسيا عقلانيا، وقد اختارت دراسة حالة جماعة العدل والإحسان في المغرب، والوقوق عند اختيارها السياسي الذي يتراوح بين رفض العنف وفي نفس الوقت رفض المشاركة (لا مشاركة ولا ثورة) بحيث اعتبرت الجمع بين هذين الخيارين مؤشرا على الطابع العقلاني الذي تتميز به الحركات الإسلامية، وأنه لهذا السبب، ينبغي التعامل مع الحركات الإسلامية باعتبارها فاعلا سياسيا عقلانيا يتحرك ضمن محيطه السياسي وينتج نظريته في العمل السياسي ويعتمد آليات العمل السياسي السلمي، وليس باعتبارها حركة إيديولوجية تتبنى العنف لفرض نموذجها المجتمعي وقلب نظام الحكم وإقامة الدولة الإسلامية. وتسجل الدراسة تعدد المقاربات بخصوص دراسة الحركة الإسلامية، لكنها تؤكد بعد تعرجيها على هذه المقاربات على اختلاف الحركات الإسلامية على مستوى تصورها الإيديولوجي وطرق اشتغالها. وتؤكد في هذا الصدد على أن الحركات الرادياكلية على ثلاث أقسام: حركات مثل حماس وحزب الله وهي حركات تعبر عن تطلعات اجتماعية وسياسية وحركات تحرر وطني، وحركات سلفية جهادية تؤمن باستعمال العنف لتحقيق أهدافها السياسية، وقسم ثالث لا يتبنى العنف ولا يدخل إلى العملية السياسية ويشترط لاندماجه السياسي وانخرطاه في العملية السياسية شروطا يقدر أنها لم تتوفر في البيئة السياسية القائمة. وترى الدراسة أن هذا النوع الثالث بسبب فاردة الاختيار السياسي الذي انتهجته ينال اهتمام كثير من الباحثين. وفي سياق هذا الاهتمام، قدمت الورقة بإيجاز كيف يتعامل النظام السياسي مع جماعة العدل والاحسان وكيف يتعايش معها في الداخل، ثم عرضت بشكل ملخص لمسار الجماعة وأساليب عملها وبنيتها التنظيمية وبرنامجها السياسي ، ثم ركزت على القيود المفروضة على البيئية السياسية والتي تفسر لماذا اختارت جماعة العدل والإحسان ما أسمته الدراسة ب الطريق الثالث . بين رفض المشاركة ورفض العنف كأسلوب لتغيير النظام السياسي ترى الدراسة أن الشيخ عبد السلام ياسين ، المفكر الإسلامي ، ومفتش التربوي، برز عام 1974 بسبب انتقاده العلني لسياسات الملك الحسن الثاني ، وأن هذه الفترة كانت تعرف حدة الانتقادات الموجهة إلى النظام الملكي من قبل جانب قطاعات كبيرة من المجتمع ، ولاسيما المكونات اليسارية التي تشكل قوة معارضة حقيقية ناهيك عن أن هذه الفترة نجا فيها الملك الحسن الثاني من الانقلابات العسكرية. لكن انتقادات الشيخ ياسين خ حسب الدراسة خ كانت مختلفة، إذ ركزت على الشرعية الدينية وما تتطلبه مقتضيات في الحكم، كما ركزت على قضية النسب النبوي ومتطلباته، وكان جوهر الانتقادات التي وجهها ياسين في رسالته المفتوحة التي تحمل عنوان الإسلام أو الطوفان توجيه اللوم للملك ودعوته إلى التمسك بحزم بالتعاليم الإسلامية والتخلي عن السياسات اللاإسلامية التي ينتهجها. وتعتبر الدراسة أن الإسلاميين في ذلك الوقت 1974 لم يكونوا يشكلون قوة سياسية ضاغطة ، حيث إن النظام السياسي كان مشغلا بمواجهة اليسار، ومع ذلك كان لهذه الرسالة التحدي المفتوح تأثير كبير على نشأة الجماعة إذ بعد وضع الشيخ ياسين في مصحة عقلية صارت تتبلور فكرة الجماعة إلى أن تأسست سنة 1981 وأن الجماعة استفادت كثيرا من المضايقات التي تعرضت لها منذ رفع التحدي لتقوية ذاتها وتوسيع بنيتها التنظيمية إذ تحولت الجماعة بين اعتقال مجلس الإرشاد سنة 1989 إلى مرور عشر سنوات على هذا التاريخ إلى أكبر قوة سياسية في المغرب ، إذ تمكنت من توسيع نطاق أنشطتها وعضويتها ، إلى درجة أن جون إنتليس (2002 ) أكدت أن جماعة العدل والإحسان هي الآن الجماعة الإسلامية الأكثر شعبي في البلاد. وترى الدراسة أن الجماعة تأسست في الأصل لنشر فكرة المشيخة والتصوف وأنه لم يكن لها في البدء بنية واضحة، لكن مع تزايد عدد أعضائها توسع خدماتها الاجتماعية أصبح من الضروري أن تساير الجماعة هذه التحولات وأن تؤسس هيكلا أكثر وضوحا، وأنه في هذا السياق تنوعت هياكل الجماعة بحسب الوظائف التي تمارسها، وتوسعت الجلسات التربوية التي تستقطب المزيد من المتعاطفين، وتأسست بنيات تنظيمية تساير التحولات التي عرفتها الجماعة، وأسست الجماعة الإطار السياسي (الدائرة السياسية) الذي يوجه إستراتيجية وخياراتها المرحلية بشكل لا يتناقض مع تعاليم الشيخ حسب ما تقتضيه التقاليد الصوفية وتعتبر الدراسة أن الدائرة السياسية هي قلب الجماعة وهي المسؤول عن تأكيد الصلات مع الجهات السياسية الفاعلة الأخرى على الساحة المغربية وكذلك هي المكلفة بتحديد المشروع المجتمعي والبرنامج السياسي للجماعة. وتسجل الدراسة أن البرنامج السياسي لجماعة العدل والإحسان لا يخرج عن كتابات الشيخ والتصريحات من أعضاء قياديين، ولذلك، فهو لا يشتغل كثيرا بتحديد التفاصيل كما هو شأن الأحزاب السياسية الأخرى غنما يركز بشكل أساسي على فكرة ضرورة إحداث تحول جذري في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، بما يؤدي إلى إقامة الدولة الإسلامية (الخلافة على منهاج النبوة) وتطبيق الشريعة الإسلامية، وبناء نظام سياسي قائم على العدل والإحسان بلا من التركيز على الحداثة الغربية ومن وجهة نظر مؤسسية حسب الدراسة فجماعة العدل والإحسان ترى أن الشروط غير مواتية لإقامة ديمقراطية حقيقية، أن الانتخابات التي تجري لا تؤدي إلى إقامة مؤسسات ذات مصداقية تضمن محاسبة المسؤولين، وأن أية ديمقراطية حقيقية لا يمك أن تتأسس إلا في إطار دستور جديد يحد من صلاحيات النظام الملكي أما بخصوص السياسة الخارجية للجماعة فهي تتميز كثيرا عن بقية المنظمات الإسلامية وبعض أجنحة اليسار لاسيما فيما يخص المناهضة للغرب والمناهضة لإسرائيل . بين عدم المشاركة ورفض العنف تعتبر الدراسة أ اختيار الجماعة الصيغة التي تمزج بين رفض المشاركة في النظام السياسي وفي نفس الوقت رفض استخدام العنف لقلبه، تحد من قدرتها على الوصول إلى أهدافها كما تعرضها على المدى البعيد للعزلة السياسية. وتحاول الدراسة الوقف عند الأسباب الحقيقية التي تدفعها إلى تبني هذه الإستراتيجية، فتنطلق أولا من الفرضية الإيديولوجية، أي أن تكون هذه الرؤية نتاج الأفكار الدينية التي تتلقاها الجماعة من كتابات الشيخ ياسين، وان الدعوة سوف تؤدي في النهاية إلى بناء الدولة الإسلامية دو الحاجة إلى مشاركة سياسية إلى جانب التشكيلات السياسية الأخرى، لكنها ترفض هذه الفرضية، وتعتبر أن إنشاء الدائرة السياسية وكذا التصريحات السياسية لقادة الجماعة والتي تدل على انشغال كبير بالأحداث السياسية الحالية كل ذلك يؤكد بأن العقائد الإيديولوجية ليست مفيدة في تحليل كيف يمكن للجماعة العدل والإحسان أن تعمل بوصفها فاعلا سياسيا ، ولذلك تقترح الدراسة النظر إلى كيفية تأثير العوامل المؤسسية وغيرها من الجهات السياسية في الدفع بالجماعة إلى هذا الاختيار خاصة وأن ما توجهت إليه الجماعة يسير بخلاف توجهات العديد من الحركات الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي وحتى في المغرب في حد ذاته التي اختارت المشاركة السياسية في ظل النظم السياسية القائمة. وضمن التفسير المؤسسي، ترى الدراسة أن الجماعة تحرك بعض قناعاتها الدينية فيما يخص إمارة المؤمنين لرفض تزكية السياسات التي تتعارض مع التعاليم الإسلامية، لكن الجانب المؤسسي غير مغيب في الخط السياسي للجماعة إذ أنها ترفض الجلوس في طاولة واحدة مع بقية الشركاء السياسيين حيث يكون جدول أعمالها تزكية شروط اللعبة السياسة وأنه ليس هناك شئ من المكاسب السياسية التي يمكن أن تجنيها الجماعة من المشاركة في ظل هيمنة المؤسسة الملكية على الحياة السياسية وأن الجماعة إذا ما أقبلت على المشاركة السياسية فإن ذلك سيعرض قواعدها وأتباعها للشعور بالإحباط لاسيما وأن هذه المشاركة تقتضي تقديم تنازلات أعلنت الجماعة تاريخيا أنها لن تقدمها وعلى أساس هذه المواقف تم تنشئة أعضائها وأن أي تراجع في موقفها من المشاركة سيدفع نشطاءها ومناضليها إلى التشكيك في مصداقيتها ، ولذلك تدفع العدل والإحسان تكلفة عدم المشاركة وهي التهميش والعزلة السياسية لا سيما في حالة إجراء إصلاحات ديمقراطية حقيقية ، إذ سوف تصبح الجماعة فاعلا غير معني وسيكون أكبر مستفيد من هذه الإصلاحات هو حزب العدالة والتنمية الذي سيسحب منها دعم العديد من القواعد الإسلامية. خلاصات الدراسة انتهت إلى جملة من الخلاصات نركزها فيما يلي: 1 أن السلوك السياسي لجماعة العدل والإحسان والذي يجمع بين خيارين نبذ العنف ورفض المشاركة السياسية في ظل الشروط القائمة والقيود المفروضة على البيئة السياسية يدعو إلى إعادة النظر في الدراسات البحثية التي تتعامل مع الحركات الإسلامية كما ولو كانت فعلا غير عقلاني، كما يدعو إلى دراسة هذه الحركات في سياقها السياسي. 2 أن الجمع بين رفض الثورة ورفض المشاركة يفسح المجال يعبر عن تطور في الفكر السياسي لدى الحركة الإسلامية وأنها تنحو في تفكيرها منحى عقلانيا. 3 أن سلوك الإسلاميين السياسي لا يمكن فهمه إلا في سياق البيئة السياسية التي يشتغلون في إطارها وفي علاقة بباقي الفاعلين السياسي وبخاصة النظام السياسي القائم. 4 السلوك السياسي لجماعة العدل والإحسان والذي يجمع بين رفض الثورة ورفض المشاركة في آن واحد لا يعكس فقط الاستجابة للاعتبارات الدعوية والاجتماعية، ولكنه ايضا ناتج عن واقع سياسة فرق تسد التي يستعملها النظام السياسي لضمان هيمنته واحتكاره للسلطة. 5 أن السلوك السياسي لجماعة العدل والإحسان تحكمه اعتبارات الربح والخسارة والكلفة السياسية التي ستتحملها الجماعة من خلال علاقاتها مع النظام الملكي ومع الأحزاب السياسية الأخرى ومع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني في ظل التحديات التي تواجهها البلاد على أكثر من مستوى. 6 أن جماعة العدل والاحسان توصلت إلى استنتاج بأن الديمقراطية هي الطريق إلى الإصلاح والتغيير في المغرب، لكنها تريد قبل الانخراط في العملية السياسية تغيير قواعد اللعبة السياسة، وأنها تهدف بذلك إلى تعزيز موقفها التفاوضي، وإخضاع النظام السياسي لشروطها مما سيؤدي في المستقبل إلى لكسر هيمنته السياسية وتغيير المجتمع جذريا. 7 أنه في الوقت الذي يعتقد فيه كثير من الدارسين أن الدين هو الإيديولوجيا التي تحدد التوجه السياسي للجركات الإسلامية يتضح من خلال حالة العدل والإحسان في المغرب أن البيئة السياسية والسياق السياسي هي التي تحدد طبيعة الاختيار السياسي الذي تعتمده الحركة الإسلامية وأنها تنتج تفكيرها السياسي بشكل عقلاني في علاقاتها ببقية الفاعلين السياسيين، وأنه لهذا الغرض ينبغي أن يلزم صناع الرقار السياسي في الغرب إلى إعادة تقييم الموقف من الحركة الإسلامية وأن تأخذ فرصتها للتفكير في الانفتاح على بعض الجماعات الإسلامية.