تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    الحكومة تصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    البيت الأبيض يرفض قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت    تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية بداخل القاعدة الجوية ببنسليمان    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    دراسة تؤكد انقراض طائر الكروان رفيع المنقار، الذي تم رصده للمرة الأخيرة في المغرب    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص        ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسلاميو المغرب.. مساحات الظل المسكوت عنها
نشر في هسبريس يوم 17 - 04 - 2009

بعد تفجيرات 16 مايو 2003 في المغرب التي جاءت على حين غرة سقطت المسلمة السائدة حول "المملكة الآمنة المطمئنة"!! وتصاعدت وتيرة الأسئلة عن الإسلاميين المغاربة: ماهيتهم، وأهدافهم، ووسائل اشتغالهم، وطرق تنظيمهم، وأساليب استقطابهم، وشبكة علاقاتهم، وبرامجهم، ومواقفهم؛ بل أصبح الموضوع مادة دسمة للإعلام ومراكز البحث والدراسات، والأكيد أن هذه الأسئلة ستتكرر وتتوالد أكثر كلما جد جديد مماثل، لا قدر الله، أو سطع نجم حركة إسلامية. ""
قد قيل في الإجابة عن هذه الأسئلة الكثير، وليس هدفنا إعادة ما قيل، أو تكرار ما كتب، أو استنساخ ما نشر، ولكن الملاحظ على الكثير مما سبق أن هناك من وضع الإسلاميين جميعا في سلة واحدة، وصنفهم في خانة وحيدة، ورتب على ذلك حكما وأسلوب عمل وتعامل.
في هذا التحقيق نسلط الضوء على زاوية لم تحظ بالاهتمام بعد، ولا يهم إن كان بقصد أو بغير قصد، ويتعلق الأمر هنا بجوانب الاختلاف بين مكونات التيار الإسلامي، ولذلك يلزم أن نحقق في جوانب الاتفاق والاختلاف بين هؤلاء للإجابة عن سؤال: ماذا يفرق الإسلاميين المغاربة؟ أو بشكل أدق: حول ماذا يختلفون؟
سيكتشف القارئ بعد هذا التحقيق أن جوانب الاختلاف كثيرة، تجعل المتعاطي مع الملف الإسلامي ينزلق كلما سلك مسلك التعميم الذي لن يقوده إلا إلى التسطيح، والعكس صحيح.
حسبنا إثارة الموضوع وكشف بعض الجوانب الخفية التي شكلت إلى مدة غير قصيرة مناطق ظل، وسيبقى الموضوع، حتما، مفتوحا للمزيد من التعمق.
ويركز هذا التحقيق علىمواقف إسلاميي المغرب من القضايا التالية:
الإسلامي والمسلم
النظرة للمجتمع
التعامل مع الحكام
المرجعية الإسلامية
العلاقة مع الغير
الدعوي والسياسي
الموقف من الديمقراطية
الإسلامي والمسلم
أول ما يصادف القارئ هو ركام المفاهيم المستعملة في هذا الحقل المعرفي، حتى يخال له أنها كلها أسماء لمسمى واحد، ولابد من تحقيق النظر في هذا الأمر.
المسلم هو الذي يعمل بالإسلام، والإسلامي يتجاوز العمل بالإسلام إلى العمل للإسلام.
هذا ما يذهب إليه جل الباحثين والمهتمين بالتيارات الإسلامية، والذين يعملون للإسلام كثر منهم: أفراد وجماعات، ووعاظ وخطباء، ومفكرون ومثقفون، وجمعيات ثقافية وأحزاب سياسية، وزوايا صوفية ومؤسسات دينية.
ولذلك فالإسلاميون لفظ عام يشمل كل العاملين للإسلام، والحركات الإسلامية، في شكلها المعاصر -كما عرفت- بعد تأسيس الإخوان المسلمين سنة 1928، ليست إلا جزءا من هذا الكل.
للوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن أن الإسلاميين كتلة واحدة منسجمة، ولكنهم في الحقيقة مكونات عديدة، لا يكاد أحيانا يجمعها إلا الاسم أو الهدف العام: الدعوة للإسلام.
ماذا يفرق الإسلاميين؟ أو بالأحرى: حول ماذا يختلفون؟ سؤال حملناه إلى أكثر من باحث وطرحناه على أكثر من تيار فخلصنا إلى تباينات كثيرة نسوقها للقارئ في هذا التحقيق.
النظرة للمجتمع
كيف يرى الإسلاميون المجتمعات القائمة؟
سؤال طرحناه على "العدل والإحسان"، باعتبارها أكثر التنظيمات الإسلامية انتشارا، وأكبرها عددا، فكان الجواب التالي "الفتنة هي أدق وصف يطلق على واقع المسلمين"، ولكن لماذا هذا التوصيف وما معناه؟ "هي مصطلح نبوي أوسع دلالة وأشمل مضمونا، وتشمل كذلك معاني التخلف والأزمة وعدم الاستقرار، كما تتضمن معاني الابتلاء والامتحان والاختبار".
وعن سؤال ماذا يترتب على هذا التوصيف؟ تجيب "العدل والإحسان" بأن في هذا التوصيف "استبشار وحسن ظن بالأمة التي لا يعدم منها الخير؛ لأن الفتنة اختلاط الحق بالباطل، وفيها كذلك رحمة ورفق بالأمة"، من هذا المنطلق يأتي رفض "العدل والإحسان" للعنف ودعوتها لحقن الدماء وضبط النفس، وهو منطلق شرعي وسياسي وواقعي في الآن نفسه.
توصيف قريب من "العدل والإحسان" تحمله حركة "التوحيد والإصلاح" التي تعتبر المغرب "مجتمعا مسلما، ولكن في أفراده ومؤسساته جوانب من التقصير والاختلال والضعف والتخلف"، ولذلك فهذه المظاهر غير الصحية تحتاج في نظر الحركة إلى "معالجة وإصلاح، كما تحتاج إلى تضافر الجهود، ومساهمة الجميع".
بل إن إسلامية المغرب عند حركة التوحيد والإصلاح لا تقتصر فقط على الشعب، ولكن حتى الدولة "المغرب بلد مسلم دولة وشعبا، تلك حقيقة مقررة عند حركتنا، يؤكدها التاريخ والواقع (..) وهي حقيقة لا يؤثر فيها ولا ينقص منها ما يظهر من فتور وضعف واختلال في التدين الجماعي أو الفردي".
لكن على عكس "العدل والإحسان" لا تحبذ "التوحيد والإصلاح" إطلاق لفظ محدد على طبيعة المجتمع "لسنا ملزمين أن نختار لفظا نحكم به على هذا الواقع، فالكلمات المتداولة تصف ما آل إليه حال الأمة باعتبارات مختلفة".
وحسب "التوحيد والإصلاح" فإن في المجتمعات الإسلامية اليوم إسلام واستقامة وصلاح والتزام، وفيها أيضا كفر وفسوق وفساد وجهل وانحلال، يغلب هذا وذاك على مستوى الأفراد، ولكن الغالب على مستوى الأمة هو الصفات السلبية، مع بقاء الاستعداد كبيرا للاستجابة لجهود الإصلاح.
ولتأكيد الاختلاف تنص الحركة في أدبياتها على أن كل من رصد واقع الأمة اختار مصطلحا واستعمله في وصف الحال، "فمنهم من اختار الجاهلية (..) ومنهم من اختار الفتنة (..) ومنهم من اختار لفظ الانحراف (..) ولا شك أن لكل مصطلح ما يصدقه في الواقع، ونحن نقول إن مجتمعاتنا الحالية مجتمعات إسلامية، وفيها فتن وانحراف".
تردد في هذا الكلام لفظ الجاهلية، فمن يقول بجاهلية المجتمع؟ سؤال نقلناه إلى أكثر من باحث، والكل أحالنا إلى تيارات تكفيرية كانت نشأتها خارج المغرب، وبالضبط في مصر، وهي ما يطلق عليه "جماعة المسلمين" أو ما يصطلح عليه إعلاميا جماعة "التكفير والهجرة".
في تسمية "جماعة المسلمين" احتكار للصفة الإسلامية، وإخراج لغير المنتمين للجماعة من الإسلام، ويترتب على ذلك التكفير هجران واستحلال للأموال والدماء، وعدم الاعتراف بالمجتمع وقوانينه وأعرافه وقيمه.
ولذلك لا تفتأ التيارات الإسلامية غير التكفيرية، وهي عموما الحركات الإسلامية والزوايا الصوفية، تؤكد بأنها جماعة من المسلمين، أي أنها لا تخرج غير المنتمين عنها من الإسلام.
بدأ التباين يتضح الآن أكثر، وربما اتضح أكثر فأكثر، ما يترتب عن هذا التباين في التوصيف من أساليب عمل وطرق تعامل ومواقف تجاه الغير.
بسبب السرية التي يشتغل بها هذا التيار وصعوبة الحصول على تصريحات رسمية منهم حاولنا الاقتراب من شاب متحمس لهذا الخط واسمه (س.ن) –لم نذكر اسمه الكامل احتراما لرغبته- وهو طالب مجاز في الأدب الإنجليزي كان يعيش، حسب تعبيره، حياة المجون ثم اهتدى إلى طريق الله، ومنذئذ قرر ألا يتحدث بلغة أجنبية.. نسي هذا الشاب كل ما حصل في الجامعة، بل إنه شديد الحرص على ألا يتحدث إلا بعربية فصيحة وبلكنة قريبة من المشارقة، ومنظر لباسه يوحي بذلك (طربوش باكستاني، فوقية سعودية، كوفية عراقية، ساعة يابانية يضعها في يده اليمنى).. سألناه عن سر امتهانه لبيع الكتب أمام المسجد فأجاب، وهو يحاول إقناعنا بسلامة اختياره، بأن تسلم وظيفة في دولة جاهلية إثم ومشاركة في منكر، وأكثر من هذا فهو و"إخوانه" لا يعترفون بالأوراق الثبوتية (عقد الزواج، وبطاقة التعريف و...) ولا يمتهنون إلا التجارة (بيع الملابس والعطور والكتب والمرطبات...).
تيار "التكفير والهجرة" يكفر كل الخارجين عنه، والتكفير عنصر أساسي في أفكارهم ومعتقداتهم، ولا يخالطون الناس في المساجد والأسواق والمنتديات، وهو موجودون عادة في المغرب بغير هذا الاسم، وينتشرون في جل المناطق، خاصة الضواحي الفقيرة للمدن الكبرى، ويستقطبون بالأساس شبابا يافعا متحمسا، متوسط التعليم أو أقرب إلى الأمية، وحتى إن وجدوا في طبقات اجتماعية راقية فهم يتجاوبون مع مقتضيات هذا الانتماء الطبقي بنوع من المرونة.
أمام الضربات التي يتلقاها هذا التيار، والعزلة التي يعيشها، وصعوبة الالتزام بتعاليمه من قبل الأتباع غالبا ما تنقص حدة حكمهم التكفيري، فيتنازلون عن تكفير المجتمع، ولكنهم أبدا لا يتنازلون عن تكفير الحاكم، وشعارهم في ذلك الحديث النبوي: "الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم".
التقينا أحد قيادات هذا التيار، وهو كذلك رفض نشر اسمه لأسباب أمنية، فأسهب في تغليط المكفراتية –كما سماهم- وفي تسفيه نظرة الحركات الإسلامية للمجتمع، واستشهد لذلك بآيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة كلها تكفير للحكام ومن يوالونهم، وتبرئة للمغلوبين على أمرهم من عامة الناس والمكرهين.
وهذه رؤية أخرى للمجتمع من قبل تيار إسلامي بدأ يتنامى في المجتمع أكثر فأكثر منذ أحداث 11 سبتمبر، ويجد في فكر القاعدة بغيته.
التعامل مع الحكام
مجال آخر من مجالات الاختلاف الذي يصل إلى حد التناقض بين الإسلاميين.
"السلفيون" تيار عريض في المجتمع ينصب اهتمامه، كما يؤكد أحد قادته الذين حاورناهم، "على العقيدة؛ بهدف تصفيتها مما علق بها من دخائل، وعلى الفقه؛ لتصفيته من الآراء الشاذة، والأحاديث النبوية؛ بهدف تخليصها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة".
سموا بالسلفيين؛ لأن نموذجهم السلف الصالح، أي من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين الذين ورد في حديث نبوي ذكر أفضليتهم "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم "، يستغرقون عملهم في هذه الأمور، ولا يتدخلون في السياسة، وموقفهم السياسي الرسمي هو الولاء للحاكم السائد كيفما كان.
زعيم هذا التيار، أو أبرز زعيم، هو محمد المغراوي رئيس جمعية "الدعوة إلى القرآن والسنة" التي أسسها في 1976 بمراكش يقول بأن "الاشتغال بالسياسة باب للفتنة"، ومما يؤثر عنه قوله "من السياسة ترك السياسة"، ويعقب على الجماعات الإسلامية الأخرى بأن لهم "استعداد مبدئي للاشتغال في السياسة، والانخراط في التوفيق العلمي؛ مما أحدث عندهم خللا في المنهج والعمل، ولذلك غاب عنهم المبدأ الموجه".
المغراوي لا يكتفي بنقد خصومه الإسلاميين، ولكنه في مقابل ذلك لا يفتأ يشيد بالنظام القائم "لا شك أن جلالة الملك هو مظنة للعدل والإنصاف، بل هما عنوان دولته"، بل إنه يمنع أعضاء جمعيته من التعاطي مع السياسة إيجابا أو سلبا، ومن أن يكونوا ناخبين أو منتخبين، ولا يتردد حتى في التبليغ عن المخالف إلى دوائر الشرطة، وهذا ما قاد إلى تطبيع سياسي مع السلطة فتح له الباب ليؤسس عدة جمعيات، ويتحرك في مختلف المناطق في المغرب، حتى وصل عدد المراكز في مراكش وحدها إلى عشرة، ولكنه مقابل ذلك شن الحرب على الحركات الإسلامية الأخرى، وخصوصا "العدل والإحسان"، مركزا على الانحرافات الفقهية والعقائدية والسياسية والمعاملاتية التي تتخبط فيها، حسب رأيه.
كما لا يتردد في استعمال سلاح التبديع، من البدعة، والتكفير تجاه هذه الحركات التي تتهمه، بالمقابل، بالعمالة للنظام القائم وتبعيته لأنظمة النفط، وتلقيه دعما ماديا ومعنويا منها يصل إلى حد حمايته، كما تتهمه بنشر أفكار الغلو والتشدد وسط الشباب، بل إنها تحمله، والدولة معه، مسئولية معنوية عن التفجيرات التي عرفها المغرب، والتي أودت بحياة العشرات من الأبرياء بدون مسوغ شرعي.
أفكار هذا التيار شكلت عاملا وظف لإضعاف الحركات الإسلامية. ويكفي أن نستدل بأن حزب العدالة والتنمية، مثلا، لم يحصل على أي مقعد من المقاعد الثلاثة في الانتخابات التشريعية الأخيرة بمدينة مراكش؛ لأنه حرم من قاعدة انتخابية عريضة معبأة ضد العمل السياسي، والمشاركة في الانتخابات، والتفاعل مع الشأن العام.
لهذا التيار زعماء كثر، وليس المغراوي إلا واحدا منهم، وإن كان انتهى به المطاف أن يصفه بيان للمجلس العلمي الأعلى بأنه "شخص معروف بالشغب والتشويش على ثوابت الأمة ومذهبها"، كرد على إباحته زواج ابنة تسع سنوات على غير ما تنص عليه مدونة الأسرة، ويمكن أن نطلق عليهم تجاوزا: "السلفية العقائدية"، أو "السلفية العلمية" لاهتمامهم فقط بموضوع العقيدة والحديث والفقه.
ومسمى السلفية يجد جذوره في المدرسة النجدية ذات المذهب الحنبلي، أسسها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولهذا ينعتها خصومها من الحركات الإسلامية، والزوايا الصوفية بالوهابية، وهي التسمية التي يرفضها المغراوي "مصطلح الوهابية من اختراع علماء السوء في كل مكان ممن يحقدون على دعوة التوحيد والسنة".
هؤلاء يعتبرون أنفسهم حراس العقيدة الصحيحة، وممثلو الإسلام الصافي، والسمة المميزة لهؤلاء التركيز على المظهر (اللباس، واللحية، وعود الأراك...)، والتطاول والعداء للمخالف، والارتباط بالفتوى المشرقية – نسبة إلى بلدان المشرق، وخاصة السعودية.
من رحم هذه السلفية برز في بداية التسعينيات تيار صار يصطلح عليه إعلاميا "السلفية الجهادية"، وهو تيار برز بعد حرب الخليج واستيطان الأمريكان في أرض الحجاز، حيث برز علماء في السعودية رفضوا الوجود الأمريكي الصليبي، وتطور موقف بعضهم إلى حد العداء والمواجهة مع النظام، وهذا الأمر انتقل إلى خارج السعودية، ومن أبرز هؤلاء أسامة بن لادن.
أبرز السلفيين المغاربة غير المهادنين للنظام القائم هم ما صار يصطلح عليهم إعلاميا بشيوخ السلفية الجهادية في السجون، وإن كانوا يرفضون هذه التسمية، ومنهم أبو حفص رفيقي الذي اعتقل مباشرة بعد تفجيرات 16 مايو 2003، وهو على عكس المغراوي "حافظ على شعرة الوصل مع الحركات الإسلامية"، كما يؤكد ذلك الباحث بلال التليدي، المتخصص في شئون الجماعات الإسلامية، وقد كان لحدث 11 سبتمبر تأثير في خطبه؛ حيث كان يشيد بمنفذيها، ويدعو على المنبر للقاعدة، ولأسامة بن لادن.
السلفية الجهادية ليست تنظيما ولا أطروحة فكرية، ولكنه موقف سياسي يتبنى الكثير من أفكار السلفية العقائدية والعلمية، ولا يختلف عنها إلا في الموقف من الحكام.
بعد أن غصنا في عالم السلفيين وهم يستحقون أكثر مما قيل؛ لأنهم يشغلون في الآونة الأخيرة الرأي العام الوطني والدولي، ننتقل إلى شق آخر من الإسلاميين، وبالضبط حركة "التوحيد والإصلاح" التي ترى على النقيض من التيار السابق أن "إمارة المؤمنين باعتبارها من المرتكزات التي يقوم عليها بناء الدولة المغربية هي رمز لهذه الحقيقة وضمان لحفظها واستمرارها"، بل إن الحركة تذهب إلى أبعد من ذلك حين تعتبر نفسها "سندا وعنصرا من عناصر دعم هذه الحقيقة، ووسيلة من وسائل تقوية هذا الأساس المتين للدولة المغربية"، وخير دليل على ذلك أنها "بادرت إلى مبايعة أمير المؤمنين محمد السادس".
أما فيما يتعلق بالشق الآخر من النظام السياسي، أي الملكية، فالحركة لا تفتأ تؤكد أن "النظام الملكي من أهم مكونات الواقع السياسي، وأن تبني الحركة العمل في إطار نظام الملكية الدستورية "ينسجم مع تصورنا للإصلاح".
لا تتفق "العدل والإحسان" مع هذا التحليل ولا ذاك وتدعو في منهاجها السياسي إلى العصيان المدني: "نعصي الحكام لأنهم خرجوا عن الإسلام، وخربوا الدين، وارتضوا أنصاف الحلول، وباعوا الأمة لأعدائها، ولا ندعو إلى عنف أبدا لاقتناعنا أن ما بني على عنف لا يجنى منه خير، ولأننا أمرنا بالرفق والرحمة وحقن الدماء في زمن الفتنة، ولأن الذين يعوزهم الإقناع بالحجة والدليل هم الذين يلجئون إلى أساليب الإرهاب والعنف".
أما عن الحكام فتؤكد "العدل والإحسان" على أن "بصلاحهم يتحقق شطر كبير من صلاح الأمة وبفسادهم تفسد، نطيعهم ما أطاعوا الله في شعوبهم ونعصيهم ما خالفوا ذلك، لا نألو جهدا في النصح لهم ولا نخشى تبعات ذلك"، ولهذا عرفت "العدل والإحسان" برسائلها الناصحة، وقد كان نصيب الحسن الثاني اثنتين منها وهما: "الإسلام أو الطوفان"، و"رسالة القرن الملكية في ميزان الإسلام"، بينما كان نصيب محمد السادس واحدة وهي "إلى من يهمه الأمر".
وتفصيلا لسبب العصيان تنص "العدل والإحسان" على أن "كل نظام حكم لا يجعل من الشورى والعدل ركيزتيه، وكل نظام حكم يسخر إمكانات البلاد لقضاء مصالحه ومصالح بطانته فاسد مفسد ليس له منا إلا العصيان".
البديل الحضاري حركة إسلامية أخرى تحولت سنة 2004 إلى حزب سياسي بعد سنتين من تردد السلطة في الاعتراف به، ولكن سرعان ما تم حله سنة 2008 بدعوى تورط قيادته في التخطيط لأعمال إرهابية، حسب رواية السلطات الرسمية، وهو ما تنفيه قيادة الحزب جملة وتفصيلا.
الناطق باسم الحزب محمد الأمين الركالة يؤكد موقف الحزب من الملكية فيقول "اعتبرنا في حزب البديل الحضاري أننا بحاجة إلى ملكية قوية، وإلى ضوابط للأداء السياسي واضحة، وإلى تعاقد متجدد بين المؤسسة الملكية والشعب؛ لنصل إلى حالة مثلى تتمثل في ملكية ليست عنوانا لوحدة نظام فقط، بل أداة رئيسية في بناء الدولة المدنية، وتكريس السيادة الوطنية، وتوفير شروط التحول الديمقراطي، ملكية للجميع ومتعالية على كل الصراعات".
وعن الموقف من إمارة المؤمنين يجيب: "نحن بحاجة اليوم إلى ملك يقوم بدوره كاملا في المجال الديني والمجال الدنيوي على حد سواء، ويقود بلاده نحو بر الأمان؛ لأنه ليس هناك من هو مؤهل اليوم ببلادنا للقيام بذلك أكثر منه، وإننا لسنا بحاجة إلى الملك فقط بصفته أميرا للمؤمنين، بل نحن بحاجة إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى بصفته قائدا ثوريا؛ لأن بلادنا اليوم بحاجة إلى ثورة جديدة للملك والشعب حتى يمكن لنا أن نتصدى للفساد المستشري في كل المجالات، ونحول دون تشرذم هذا الوطن، ونحافظ على وحدته، ونحرر ما تبقى من أراضيه المستعمرة، ونعيد الاعتبار للإنسان المغربي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا".
هكذا نصل إلى أن الاختلاف في هذا المجال بين الإسلاميين يصل إلى حد التناقض؛ بين مكفر، ومقاطع، وعاص، ومعارض، ومؤيد.
المرجعية الإسلامية
للوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن أن المرجعية لا يمكن أن تكون مثار خلاف بين الإسلاميين، وهذا صحيح، لكن إن أمعنا النظر وطرحنا السؤال على كل مكون من مكونات التيار الإسلامي: أي إسلام تعني؟ سيتضح الفرق والاختلاف من خلال الجواب.
هناك السلفيون الذين يجمدون على النص الديني على تجربة زمنية يصفونها بالذهبية، ومطمحهم نسخها شكلا ومضمونا، ويرفضون عصرنتها أو إخضاعها لمنطق التطور.
وهناك دعاة الاجتهاد والتجديد بتفاوت، وفي هذا السياق يظهر رأي آخر وسط الحركات الإسلامية، إنه "البديل الحضاري" الذي يتحدث ناطقه الرسمي معرفا المرجعية الإسلامية: "بالنسبة لنا في حزب البديل الحضاري فإننا نقدر أنه ليس ثمة فصل بين شئون الدين وشئون الدنيا؛ لأننا نعتقد أن الإسلام هو المرجعية والإطار الضابط للتصورات والسلوك في كل مناحي الحياة على المستوى الفردي والجماعي؛ لأن سلوك المسلم، الفردي والجماعي، وفي كل المجالات هو تدين بالأساس.. أقول تدينا وليس دينا لأنه يعبر عن فهم وممارسة للدين وليس الدين نفسه مما ينفي عن هذا الوعي وهذه الممارسة أية قدسية"، ولا يفتأ الأمين الركالة يؤكد أن هذا الفهم يميز حزبه عن باقي التنظيمات الإسلامية المغربية التي "لا زالت تشتغل فكريا في مجال إعادة الإنتاج وأنا في هذه الحالة لا أستثني أي تنظيم، أما إذا كان الأمر يتعلق بمقارباتها ومعالجاتها للشأن اليومي فحقا هناك اختلاف كبير إن على مستوى التحليل أو مستوى المقاربة".
يضيف الركالة أن إشكالية الحركات الإسلامية تكمن في أنها "حركات تقليدية، ولم تستطع أن تصبح حركات تجديدية"؛ وسبب ذلك، حسبه دائما، راجع إلى مجموعة من الأسباب هي "أن بداياتها ارتبطت بإشكالات فقهية أو تنظيمية، ولم ترتبط بإشكالات فلسفية وتصورية، وأنها بقيت رهينة السؤال التأسيسي لمدرسة الإخوان المسلمين المرتبط بالخلافة والحكم، وأنها بقيت رهينة الإشكالات التي طرحتها الأحزاب السياسية غداة الاستقلال، ولم تستطع إحداث القطيعة معها".
وعن الاختلاف بينهم وبين العدالة والتنمية يقول "ننطلق من أرضية فلسفية لمقاربة إشكالات بلدنا وشعبنا، بينما ينطلق حزب العدالة والتنمية من أرضية فقهية".
"التوحيد والإصلاح" من جهتها تدعو إلى جعل الشريعة المصدر الأول والأسمى للتشريع بالمغرب، وهي في هذا لا تختلف عن غيرها من التنظيمات الإسلامية، ولكنها تتوسع في مفهوم الشريعة ليشمل "إصلاح العقيدة وإقامة العدل والتوزيع العادل للثروة، وإشاعة الاستقامة، وإشاعة الأمن، والإحسان للمخالفين من أهل الكتاب.. وكل ما استقر من معروف وخير عند عقلاء النوع البشري هو مما تأمر الشريعة بالأخذ به والعمل به"، وحتى الاقتداء بالسلف الذي تهدف الحركة إلى تحقيقه تدقق بأنه يختلف عن المنظور السلفي؛ حيث تؤكد أنه "دعوة إلى إعمال منهجهم لا إلى استنساخ تجربتهم".
"العدل والإحسان" تجعل من مفهوم التجديد منطلق تفكيرها، وتعني به"اجتهادا لجمع شتات العلم والعمل في بناء نسقي يقودنا إلى وحدة جهاد، ووحدة سلوك، ووحدة تصور، ووحدة إرادة، ولابد من منهاج علم وعمل، يجمع الشتات ويوحد الجهود ويؤسس لرؤية مستقبلية"، ولذلك وضعت منهاجا نصت أنه "آلة العلم ومرشد العمل، وهو الجسر بين الحق في كتاب الله وبين حياة المسلمين، وهو اكتشاف جديد للمحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو إذن فهم وعلم وعمل وطريق.
المنهاج هو الفقه الجامع يجمع القلوب على الله عز وجل، ويوحد الجهود لجهاد في سبيل الله، ويوحد العقول للفهم عن الله عز وجل، يجمع خلاص الفرد وخلاص الأمة في مشروع متكامل، يجمع العدل والإحسان، ويشمل الدنيا والآخرة، ويؤاخي بين الدعوة والدولة".
أما حزب الأمة، وهو التجسيد السياسي للحركة من أجل الأمة التي تأسست في أكتوبر 1998 بعد انشقاق عن البديل الحضاري، فيعتز باعتماده المرجعية الإسلامية، ولكنه اعتزاز يستند إلى "فهم وسطي ويعتمد قراءة مقاصدية وتجديدية للإسلام والتراث، وما يقتضيه ذلك من إعادة الاعتبار للعقل، وتوسيع مساحته في النظر والتنزيل، ومن انفتاح على المكتسبات الإيجابية للخبرة الحضارية الإنسانية، وهو بالنتيجة يقر بنسبية الاجتهاد".
العلاقة مع الغير
يشكل هذا المحور، كذلك، مجالا آخر للاختلاف بين الإسلاميين، بين رافض لنسج علاقات تعاون مع المخالف، إلى متحفظ، وإلى مشترط لشروط، وإلى منفتح بدون شروط.
يمثل السلفيون تيار الرفض، بينما يمثل "العدل والإحسان" التيار الذي يشترط شروطا لهذا التعاون، مع اقتناعه بوجوب التعاون مع الغير: "لا ندعي أننا وحدنا على صواب، ولا نسعى إلى إلغاء غيرنا، وشعارنا الدائم "نتعاون فيما اتفقنا عليه ونتحاور فيما اختلفنا فيه"، وشغلنا الشاغل مد جسور الحوار مع غيرنا لتعميق التعارف والتعاون على الخير، وتبادل وجهات النظر والتجارب، لاقتناعنا بأنه ليس في إمكان أحد أيا كان بمفرده أن يوجد حلولا لما نعيشه من مشاكل، وما نتخبط فيه من مآس، مهما بلغت قوته وكفاءته".
أما حركة "التوحيد والإصلاح" فترى أن "الأحزاب رغم ضعف تأطيرها السياسي للمواطنين تبقى من الأطراف المعتبرة في الواقع السياسي (...)، كما أن التوجهات العلمانية الضمنية لبعض الأحزاب لا تعني خلوها من مسلمين صالحين في أشخاصهم أو في تصوراتهم، ولذلك نرى أن على حركتنا الحرص على ربط علاقات مع الأحزاب المغربية".
ولكن الحركة تتميز بدعوتها إلى جبهة دينية تجمع كل "العاملين في ساحة العمل الإسلامي من جمعيات وجماعات إسلامية ومتدينين وعلماء ومؤسسات دينية ورسمية أو شعبية...".
وفي نفس هذه القضية ترى "العدل والإحسان" رأيا قريبا:"نجاحنا في الدعوة والدولة متوقف على قدرتنا وحكمتنا في تصريف الخلاف من خلال قنوات معارضة صادقة ومسئولة، وأملنا أن تكونَ لنا رابطتنا الإسلامية التي تضم تنظيمات الإسلاميين في جبهة إسلامية".
ولكنها تختلف عنها بأن محور اشتغال هذه الجبهة ليس بالضرورة مواجهة التيار العلماني.
لا يمكن أن نختم هذا المحور دون الحديث عن تجربة "البديل الحضاري" و"الحركة من أجل الأمة"؛ حيث سجلت خطوات عملية للتقارب مع اليسار تجلت في فتح حزب يساري مقره لهذين الحزبين لعقد مؤتمر تأسيسي لكل منهما.
فحزب البديل الحضاري عقد مؤتمره تحت شعار "من أجل مواطنة حقيقية" يوم 20 نوفمبر 2004 بالمقر المركزي لحزب اليسار الاشتراكي الموحد بالدار البيضاء، بعدما منعته السلطة من استعمال قاعة عمومية. أما حزب الأمة فعقد مؤتمره التأسيسي بمقر الحزب الاشتراكي الموحد بالدار البيضاء يوم 30 يونيو2007.
والجدير بالذكر أن كلا الحزبين عانى من رفض السلطات الترخيص له، فمثلا حزب البديل الحضاري تأسس سنة 2002، وحزب الأمة بدأ مسار تأسيسه منذ نوفمبر 2006، ورفضت السلطات التعامل معهما، وتشكلت هيئة للتضامن مع كل حزب على حدة، ولم يكن وراءها إلا فعاليات وتنظيمات وأحزاب يسارية إضافة إلى إسلاميين.
كما أنه في يوم 11 يناير 2001 وجهت جمعية البديل الحضاري، لم تكن حزبا حينها، بمعية تنظيمات وفعاليات يسارية "نداء الديمقراطية"، وتوج هذا العمل يوم 24 مارس 2002 بتأسيس "القطب الديمقراطي" إلى جانب فعاليات من اليسار المغربي وفعاليات أمازيغية أغلبها ذات خلفيات يسارية، وغاب عن هذا القطب "العدالة والتنمية" و"العدل والإحسان"، بل إن حزب البديل الحضاري ذهب بعيدا في هذا التقارب مع اليسار حتى أثر ذلك على علاقاته مع الإسلاميين.
الدعوي والسياسي
في هذا الإطار اختار "البديل الحضاري" مسارا مخالفا يقضي برفض "المزاوجة بين الدعوة والسياسة، ليس من منطق الفصل العلماني، بل من منطق التخصص والتكامل بين مكونات المجتمع المغربي"، ولذلك اختار "البديل الحضاري" منذ أن أصبح حزبا تجميد العمل في جمعية البديل الحضاري، والفصل هنا مطلق.
على العكس من ذلك اختارت التوحيد والإصلاح واجهة مخالفة للعمل السياسي هي حزب "العدالة والتنمية"، على أن تبقى الحركة متخصصة في المجال الدعوي فقط، وتدعم بشكل غير مباشر مواقف الحزب وخطواته... ولم يسجل إلى الآن أنها اعترضت على موقف من مواقفه، والفصل هنا تنظيمي.
"العدل والإحسان" من جانبها اختارت أسلوبا آخر؛ حيث حافظت على نفس التنظيم، وأسست دائرة سياسية أوكلت لها التصدي لقضايا الشأن العام، بينما أبقت على مؤسسة وظيفية أخرى تتولى التصدي لقضايا الدعوة والتربية والتعليم. والفصل هنا وظيفي فقط؛ حيث الإشراف العام يجتمع في مجلس الإرشاد ومجلس الشورى الذي تتمثل فيه كل الأجهزة التخصصية.
الموقف من الديمقراطية
هنا مربط الفرس، وربما هنا تصب وتتجمع كل نقط الخلاف والاختلاف، فالتيارات السلفية بمختلف تشكيلاتها ترفض الديمقراطية شكلا ومضمونا، أما "العدل والإحسان" فتقبل آليات الديمقراطية وترفض فلسفتها اللائكية وتؤكد"ليس لنا معها نزاع فيما أنتجته من دروس في تنظيم الخلاف، وترتيب تعددية الآراء في نظام تعددية الأحزاب، وفيما تقره من حق للمعارضة أن تكون ضدا أو رقيبا أو ناقدا أو بديلا، وفيما تقترحه من حرية للشعب في اختيار حكامه وإقالتهم، وفيما تخطه من ضوابط لحسن سير البلاد مثل فصل السلطات، واحترام حقوق الإنسان، وحرية تعبير، وسيادة قانون، وتداول على السلطة، فالديمقراطية في بعض أهدافها شطر مما نسعى إلى تحقيقه، وطلبنا الذي لا بديل عنه إلا الاستبداد".
حركة "التوحيد والإصلاح" من جهتها تعتبر "الديمقراطية وحقوق الإنسان مكسبا للبشرية تبلور من خلال القيم الدينية الخالدة، ومن خلال كفاح الشعوب وزعمائها المصلحين ومفكريها المستنيرين، وهي ملتزمة بما تقرر منها في الإعلانات والمواثيق الدولية، باستثناء ما تعارض منها تعارضا بينا مع أحكام ديننا وشريعتنا".
إذن هو نفس موقف العدل والإحسان، أو هو أقرب منه، وخاصة حين تؤكد الحركة بأن تمسكها بالديمقراطية لا يجعلها تقبل "أن يكون بلدنا وشعبنا مجرد مقلد ومستهلك، بل نحن مؤهلون (...) لكي نضفي على الديمقراطية وحقوق الإنسان من أصالتنا واجتهادنا ما يجعلها أكثر غنى وأكثر ملاءمة لنا".
"البديل الحضاري"، و"الحركة من أجل الأمة" انخرطتا في مبادرة القطب الديمقراطي، ولا تبديان كثير تحفظ على الديمقراطية.
وأخيرا
هل اكتملت الآن الصورة؟ أم ما زالت بعض أجزائها ناقصة؟ وهل اتضحت الفروق بين الإسلاميين المغاربة؟ وهل يجوز وضعهم جميعا في سلة واحدة؟
لا شك أن ما رصدناه من نقاط الاختلاف ليس على سبيل الحصر، ولكن الأكيد أن هذه الاختلافات تلقي بثقلها على الإسلاميين، سواء على مستوى الخطاب والممارسة، أو التفكير والتقدير، أو البرامج والتدبير، أو المواقف والعلاقات.
إسلام أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.