قادت المعلومات، التي تجمعت للأجهزة الأمنية المغربية، إلى الكشف عن وجود جيل جديد من الإرهابيين التابعين لتنظيم "القاعدة"، الذي يتزعمه أسامة بن لادن، يخططون لضرب استقرار المملكة من خلال الإعداد لاعتداءات إرهابية خطرة تستهدف مؤسسات أمنية واقتصادية وسياحية مهمة. ويتسم هذه الجيل، حسب ما أفادت مصادر أمنية ، بربط صلات بأشخاص ومنظمات متطرفة خارج الحدود، كما أنه يتكون من شباب استفادوا بشكل كبير من التقدم التكنولوجي، سواء على صعيد الاتصالات عبر الإنترنت أم سهولة الحصول على الأسلحة أم تقنية تصنيع المتفجرات التي باتت توفرها عدد من المواقع المحظورة. "" وعلى الرغم من أن بعض هذه العناصر المتطرفة محلية النشأة، إلا أن أهدافها تجاوزت الحدود المحلية بعد تأثرها بالأحداث الإقليمية كالوضع في العراق والأراضي الفلسطينية. واتضحت ملامح هذا الجيل الثاني من الإرهابيين في نبرة الوزير المنتدب بالداخلية فؤاد عالي الهمة، الذي أكد، في لقاء مع وسائل الإعلام عقد يوم الخميس الماضي، أن المشروع الديمقراطي المغربي، ومكانة المملكة المرموقة بين الأمم والقيم الكونية التي تؤمن بها مع تشبثها الراسخ بأصالتها، تجعل من المغرب هدفًا لتنظيم "القاعدة" والمجموعات المتطرفة التي تتبنى أفكاره، لافتًا إلى أن الأمر يتعلق بشكل جديد من الإرهاب يتبناه جيل جديد من المتطرفين يستعمل تكنولوجيا متطورة. وقال الوزير المنتدب بالداخلية إن مصالح الأمن تمكنت من تحديد طبيعة مختلف الأخطار التي قد تتربص في المملكة، مضيفًا أن الهدوء والثقة بالنفس يميّزان عمل الأجهزة المغربية. وأشار إلى أن "القاعدة تسعى إلى الانتقام من المغرب من خلال تنفيذ عمليات إرهابية فوق أراضيه لأنها لم تستطع أن تستقطب إليها أشخاصًا لتنفيذ أهدافها"، موضحًا أنها استطاعت أن تجند مغاربة لاستهداف المصالح الأجنبية في الخارج. وذكر بأن العمليات التي نفذتها السلطات الأمنية أسفرت عن الحد من استقطاب مقاتلين مغاربة من طرف الشبكات الإرهابية وإرسالهم إلى بؤر التوتر، خاصة في العراق. ولم يأتِ اكتساب هؤلاء هذه المهارات الاجتماعية والعسكرية من فراغ، فالشبكة العنكبوتية فتحت أمامه قنوات التواصل مع عدد من التنظيمات، التي توجد في مواقع التوتر، للاستفادة من أساليبها وأدواتها وطرق تنفيذ عملياتها، وهو ما تبين من خلال التحقيقات مع الخلية المفككة، قبل أسابيع، في تيط مليل والحي المحمدي بالدارالبيضاء، إذ إنهم كانوا يواظبون على ولوج المواقع الخاصة ب "القاعدة في بلاد المغرب العربي"، للبحث عن طرق الوصول إلى معسكرات التداريب التابعة لهذا التنظيم. وتمكنت بعض هذه العناصر من التسلل إلى التراب الجزائري مشيًا على الأقدام، خلال شهر أيار/مايو 2007، وجرى إيقافهم وترحيلهم إلى أرض الوطن بعد محاكمتهم بتهمة الهجرة السرية. ويعتمد عناصر هذا الجيل فتاوى منظري الإرهاب الدولي لتطبيقها في حياتهم اليومية، وهو ما أظهرته التفجيرات الانتحارية، في 11 (مارس) و10 و14 (سبتمبر)، إذ تبين أن الإرهابين الذين فجروا أنفسهم ساروا على "وصية" الرجال الثاني في القاعدة أيمن الظواهري، التي دعا فيها أنصاره إلى التحرك بأحزمة ناسفة لتفجيرها كلما أحسوا بأنهم سيسقطون في قبضة الأمن حتى لا يدلوا بمعلومات تضر ب "إخوانهم". وأفرز هذا التواصل أساليب جديدة في التخطيط والتنفيذ والإفلات من المراقبة الأمنية، كما أنه مكّن مجموعات كبيرة من خلق منافذ إلى معسكرات "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وهي التمسية الجديدة للجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، بهدف تلقي تداريب متطورة جدًا، وصلت إلى حد تعلم تقنيات "حرب العصابات". وتكمن خطورة هذا الجيل في قدرته على تفخيخ السيارات ووضع خطط دقيقة للمواقع المستهدفة، إلى جانب الاستفادة من أساليب أباطرة المخدرات وشبكات الهجرة السرية، في تهريب السلع والبشر، للدخول والخروج من المغرب، دون إثارة انتباه الأجهزة الأمنية. وهذا الأمر، كما تشير التحريات الأولية، قد تحقق فعلاً، بعد تمكن مجموعة من المتطرفين من جنسيات مختلفة من التسلل إلى المملكة، فيما عمدت جهات متطرفة إلى إدخال كميات من المتفجرات، إضافة إلى سيارات ذات دفع رباعي بهدف تفخيخها. وتعتمد هذه الخلايا الإرهابية على عنصرين أساسيين: السرية والتكتم، إذ إن اعتداءات 16 (مايو) 2003 في الدارالبيضاء تميزت بأن عدد أعضاء كل خلية يتراوح بين 3 و5، ومن 2003 إلى الآن تقلص أعضاء كل خلية لدوافع أمنية تتعلق بالحيطة والحذر بمعنى أن أعضاء الخلية الواحدة الآن لا يتجاوز اثني 16مايو... جيل جمعهم قاسم الأمية اكتسب الجيل الجديد تقنيات ومهارات لم يكن تعرفها الجماعات التقليدية السابقة المحسوبة على تيار السلفية الجهادية، المتهمة بالوقوف وراء اعتداءات 16 مايو، والتي هزت خمسة مواقع. فجيل 16 ماي لم يصل به التنظيم والتمويل إلى التنظيمات المتطرفة التي أعطت للإرهاب أبعادًا دولية، كما أن عناصره تلقوا تدريباتهم داخل المغرب وعلى يد أشخاص لم يسبق لهم أن كانوا في معسكرات تابعة لتنظيمات خارجية. وكشفت التحقيقات أن عددًا من المتورطين في الاعتداءات، تشبعوا، بالخصوص، بأفكار جماعة الصراط المستقيم التي نبتت في حي سيدي مومن، وهو الحي الذي تخرج منه الانتحاريون ونشط فيه الميلودي زكريا، الذي قضى في السجن، وروج فيه لأفكاره، بمساعدة عدد من المتشددين الذين نجحوا في استقطاب عدد من الشباب الذين يجمعهم قاسم الأمية. وتعتبر الجماعة، من منظور زكريا، أن كل من اعتقد العلمانية كافر "وكل كافر مهدر الدم ولا حرمة له، وهذا لا نقول به نحن بل دين الله هو الذي يقره، وكل من رفض حكم القرآن فهو كافر شرعًا". كما تعتبر "القوميين سواء كانوا عربًا أم أمازيغًا أم غيرهم، وسواء أعلنوا العلمانية أم انتسبوا إلى الإسلام وأمته احتيالاً لتحقيق أهدافهم، هم كفار مرتدون خارجون عن الملة الحنيفة والأمة الإسلامية، ويعتبر استعمال العنف في حقهم واجبا شرعيا". وكانت القناعة الراسخة لدة المنتمين لتيار السلفية الجهادية هي أن العمل بمؤسسات الدولة فسق وأن الأموال المتحصل منها حرام، وأن التجارة من السنة، لهذا كانوا يلجؤون إلى احتراف مهن قد تبدو بسيطة في عمقها ولكنها كانت تنطوي على خلفيات متعددة، على اعتبار أن مدبري تلك الجماعات كانوا يفرضون على أتباعهم وضع مبالغ مالية محددة تتراوح بين 10 و 15 دولار في اليوم في صندوق يسمى "صندوق الجماعة". وكانت تلك الأموال رأسمالاً يساعد في استقطاب العديد من البسطاء والعاطلين، حيث كانت الجماعة تتكلف بشراء العربة والسلع التي تساعد على انتشال تابعين لهم من البطالة، وهي استراتيجية مكنت من تكوين خلايا نجحت في استقطاب عدد من العناصر التي ستتغذى بأفكار التطرف والتشدد، وتتحول إلى قنابل بشرية متحركة. وبعد تنفيذ اعتداءات الدارالبيضاء، خلق مجموعة منهم منافذ إلى المناطق التي تشهد توترات، قبل العودة بتقنيات جديدة استغلت في عمليات الاستقطاب والتدريب. وظهرت أولى ملامح هذا التغيير على بعض عناصر جيل 16 أيار، من خلال سعد الحسيني، مسؤول اللجنة العسكرية في الجماعة المغربية المقاتلة، الذي أسفر التحقيق معه، بعد أن استمر البحث عنه لأزيد من أربع سنوات قبل إيقافه، عن كشف وقوفه وراء إرسال عدد من المقاتلين للعراق، كما أنه شكل خلايا متفرقة داخل المملكة. واعتبر سعد من أهم مساعدي محمد الكربوزي، الأصولي المغربي المقيم في بريطانيا، بحيث كان على اتصال به بوساطة الهاتف أو الإنترنت. وكانت بدايته مرتبطة بعلاقته مع عماد الدين جركس، زعيم خلية القاعدة في إسبانيا، الذي تمكن من استقطاب العديد من المغاربة الذين مروا من مدريد، وكان حلقة وصل بين بعضهم كالأخوين صلاح الدين وعبد العزيز بنيعيش ومصطفى ميموني بأندونيسيا وعبد اللطيف مرافق في تركيا. وأثناء وجوده بإسبانيا، استقر سعد الحسيني في برشلونة، التي قضى فيها مدة طويلة ومنها تسلم جواز سفره سنة 1996، وظل قريبًا من أبي الدحداح الذي التف حول العديد من المغاربة، سواء المقيمين في إسبانيا أم العابرين منها إلى بلجيكا وفرنسا وهولاندا، التي اعتقل فيها أحد المتهمين الذين يحملون الجنسية البلجيكية من أصول مغربية، واتهم بكونه وراء تمويل إرهابيي 16 ماي، وهو يبلغ من العمر حوالى 27 سنة وقد طالب المغرب بترحيله دون الإعلان عن هويته. عن إيلاف