قرابة عقد من الزمان، أظهرت تقارير سنة 2008، أن الاختيارات السياسية والاقتصادية الاجتماعية، اختيارات فاشلة، فعجلت بحالة الموت السريري أو الإكلينيكي التي يعيشها المغرب، مع حالة غيبوبة أصحاب القرار. هذه الأيام صنعت وزارة العدل أهم الأحداث الوطنية حيث سجون المغرب فتحت أبوابها بأحكام قضائية في ملفات الفساد وملفات المخدرات وكذلك البراءة لرقية أبو علي، وليس أخيرا صدور العفو الملكي لشيخ المعتقلين السيد بوكرين و 17 من رفاقه والمهندس مرتضى ،وفي الأخير اغرب عملية فرار لتسعة من المعتقلين السلفيين، الذين عملوا بالمقولة كل الأنفاق تؤدي إلى خارج أسوار السجن،التي جعلت المغاربة بين مصدق ومكذب، في وقت سعت كل الجرائد الوطنية لنقل تفاصيل العملية ،فظهر أن مصادرها كانت تسخر من الجميع مقابل الشفافية وحق الأخبار وإشراك المواطن بالحصول على المعلومة الصحيحة. مع مرور الأيام أصبح الحديث من عملية الفرار و تحديد المسؤوليات ومحاسبة الدولة لأجهزتها،إلى الحديث عن الامتيازات التي يعيشها معتقلي السلفية الجهادية داخل السجون.. - من الحرب الاستباقية ضد الإرهاب إلى النجاة عبر الأنفاق جاءت عملية الفرار كفيصل بين مرحلتين و بين زمنين، في المرحلة الأولى وخصوصا قبل 16 مايو 2003عملت الفرقة الوطنية والمخابرات المدنية في حربها على الإرهاب والإرهابيين كمكتب لجمع المعلومات حول المغاربة الأفغان،فكان الاعتقال يهم الجهادي وتاجر السلاح ووسطاء في تزوير جوازات السفر وبيعها للمجاهدين وخلايا الاستقطاب للقاعدة وبعض الشيوخ المغاربة السلفيين، فكانت فترة حرب صامتة.وفي المرحلة الثانية بعد أحداث 16 مايو عرفت اعتقالات بالجملة وهمت كل خيوط التطرف، وكان الشعب المغربي تحث تأثير الصدمة. ومع توالي الأيام ابتكرت الأجهزة المغربية خطط أمنية بين الضربات الاستباقية وتجفيف منابع الإرهاب والتطرف،وفي كل مرة كانت تقدم الشبكات التي يتم اعتقالها بمخططات من تفجير وتقتيل وارتباطات مع الخارج،وجل ملفات الإرهاب كانت تقدم بأسماء حركية ومذهبية وسياسية، كالهجرة والتكفير وأهل الجماعة والسنة وشبكة التونسي والمسلمين الجدد وشبكة أنصار المهدي وشبكة بليرج....، وتتكون الشبكة من واحد إلى أكثر، وكان خطاب هذه المرحلة يتسم بالقوة والإدانة قبل استكمال البحث مع التشديد على أن المغرب حكومة وشعبا قد أعلن الحرب على الإرهاب بدون هوادة. جاءت عملية الفرار لتظهر أن المعتقل الإرهابي أصبح داخل السجن يعيش في محمية متسيبة كأنه يقضي عطلة مدفوعة الأجر لا فترة عقوبة سجنية، فصاغت وزارة العدل خبر فرار تسعة معتقلين محسوبين على التيار السلفي الجهادي من السجن بطريقة باردة كأن الأمر لا يعني معتقلين متهمين بتهم إرهابية و بأحكام ثقيلة. مع مرور الأيام تحاشت الجهات الرسمية عن تقديم معلومات عن العملية،بل اختفت الوجوه المعروفة للتنديد بالفارين أو تهديديهم أو وعيدهم في حالة إن فكروا في القيام بعملية إرهابية. بل كل المصالح اعتمدت السرية في عملها من هول المفاجأة وتبادل الاتهامات الصامتة ،وتسريب معلومة إلى الرأي العام مغلوطة. التضليل والتعتيم ضد قدسية الخبر و حق إشراك المواطن في أول عملية من نوعها، نرى أن المعنيين من خدام الدولة والأجهزة العلانية منها والسرية قد شمروا على سواعدهم وأقاموا الحواجز ونشروا صور الفارين بينهم أولا،وبعد أسبوع تقريبا بدأت تظهر صورهم عند أعوان الداخلية، ومع توالي الأيام لم اسمع بيانا يطلب من المواطنين التعبئة و مساعدة رجال الأمن في عملية البحث. وهذه أول الفرقعات لما يسمى الإرهاب في المغرب. وهذه هي نظرة المسؤولين لأبناء الشعب فليس هناك قنفذ أملس بيننا.....كما أن الأجهزة تعلم علم اليقين التعاطف الشعبي مع هذه الفئة من المعتقلين،وخصوصا المحكومين بتهمة الشبهة دون ذليل مادي. أما الصحف الوطنية التي حاولت التعامل مع الحدث ، كانت تعتمد على مصادر تستهزئ منها ومن خلالها على كل المواطنين المغاربة، فكل الجرائد وخلال أسبوع من عملية الفرار،نجد كل مصدر يعطي أبعادا مختلفة عن النفق المحفور وعن الأدوات المستعملة. حيث تراوح طول النفق من 30 متر وقطره واحد متر إلى 23 متر طولا.أما الأدوات المستعملة في الحفر بدأت بالأدوات الصغيرة من الملاعق إلى أواني المطبخ إلى الأدوات الثقيلة..... بل هناك من ذهب أن أدوات الحفر أخذت من مخزن يوجد داخل السجن. أما أثناء عملية الحفر تحدث البعض عن كون العملية تتم في الليل "وكانوا يطلقون أشرطة قرآنية وموسيقى دينية بصوت عال لتمويه الحراس". مع مرور الأيام، وجدت الصحافة نفسها غارقة في قضية اقرب إلى الخرافة وابعد ما تكون عن عملية مدروسة أو حدثت صدفة.فانقلبت بين ليلة وأخرى إلى الكلام عن انهيار سلطة الدولة داخل السجون،واستعمار السلفية الجهادية لها،وتكوين محميات داخلها وفرض قانونها على الدولة.وبقدرة قادر أصبح معتقلي السلفية الجهادية هم من يتحملون عملية فرار التسعة.وتزيد بعض الصحف الحديث عن الممنوعات التي احتجزت عندهم و... و... وهي عملية للهروب إلى الأمام، نسي أصحاب هذا الادعاء أن الامتيازات المتحدث عنها هي حقوق السجين ،وما زيد على ذلك هو تقصير من الإدارة والدولة في عملها لحاجة في نفس يعقوب لا اقل ولا أكثر. معتقلي الرأي والعقيدة استفادوا من الفساد المستشري في السجون ،التي تعتبر محمية المدراء يبيعون فيها ويشترون ، حيث كانت معاملة الحق العام تخضع لنزوات الموظفين وغيرهم،وكان معتقلي الحق العام سوق بشرية تزيد في أرباح بورصة السجن،كل شيء له ثمن حسب قانون العرض والطلب من الحقوق التي يمنحها القانون، إلى الامتيازات، إلى الممنوعات. لكن مع دخول السلفيين غيروا وجه الحياة ، أصبحوا يطالبون بحقوقهم كسجناء، طلبوا بالخلوة الشرعية كما يمنحها لهم القانون مقابل الانحرافات الجنسية التي يعرفها سجناء الحق العام من الشذوذ الجنسي إلى الاغتصاب الجماعي، طالبو بحصتهم في الأكل مقابل سرقة المواد من خضر ولحوم من داخل السجن أو بيعها بأثمان خيالية،نددوا بكل معاملة أللإنسانية،طالبو بتحقيق شروط النظافة مقابل الأمراض الجلدية. تحققت بعض الحقوق وغيرها، لكن هل تعلمون كيف ؟ . أحيانا بالإضراب عن الطعام وأحيانا أخرى بتهديد المدير وأعوانه بفضحهم في قضايا الفساد داخل المؤسسات السجينة. وبعبارة أخرى الامتيازات هي حقوق كانت مهضومة عند جل سجناء الحق العام. والكل يعلم هذا. أهذه هي الامتيازات؟. فمن تجب مساءلته ومحاسبته المشرفين على السجون أم المسجونين؟. تصريح السيد وزير العدل عبد الواحد الراضي أمام نواب الأمة، حيث كان الكل ينتظر تفسيرات معقولة لحدث الفرار، جاء وهو يحمل رواية الأحداث وتفسيرات تضحك منها الصبيان. وظهر في موقف لا يحسد عليه.حيث ظهر هو الأخر انه يجهل الكثير عن العملية بدعوى سرية البحث. ومرد عدم إفصاح المسؤولين لتفاصيل الفرار هو كون التقارير المنجزة من طرف أجهزة الدولة سبقتها أسئلة مهمة من طرف المواطن المغربي.إضافة إلى المعلومات التي أدلى بها السيد وزير العدل عن أبعاد النفق،بين عمق النفق في 2 أمتار وطوله في 22 متر وقطره 60سنتمتر. بعملية بسيطة سنجد كثلة الأتربة المستخرجة من النفق الرئيسي أزيد من 6 أمتار مكعبة، دون احتساب النفق العمودي، وكذلك النفق المتحدث عنه بين الزنزانتين. الأسئلة المشروعة حول عملية الهروب يقال إن استخدام المنطق في قضايا غير منطقية، كأنك تستخدم المنهج اللاعقلاني لدراسة المنطق. سنحاول طرح مجموعة من التساؤلات ليس للبحث لها عن أجوبة،فالسؤال هو جواب .وهي في مجملها أسئلة المواطنين المغاربة . قال السيد عبد الواحد الراضي وزير العدل في سرده للتفاصيل أن المعتقلين الفارين في الليلة الأخيرة أنهم طلبوا من الحراس الترخيص لهم بالنوم في الزنزانة. إذن لم يشاركوا جميعا في عملية الحفر؟ ومن جهة أخرى كيف أن الحراس يقومون بعملية فتح وإغلاق الزنا زن دون أن يلاحظوا الأتربة؟. أما الأبعاد للنفق التي قدمها السيد الوزير عن سمك النفق الذي قدره في 60 سنتيمتر.هل يعقل أن تتم عملية الحفر وجمع الأتربة وإخراجها في مساحة كهذه؟.لنسلم ان المجموعة اتفقت على الهرب من نفق تم حفره أو اكتشافه بالصدفة،كما يحدث في المغرب عند اعتقال مبحوثين لمدة طويلة حيث لاتسقط التهم بفعل التقادم، ولنسلم كذلك أن الاتفاق حصل بين أفراد لا تجمعهم وحدة تنظميه او انتماءهم لخلية واحدة، بينهم معتقلين مرحليين من عين برجة حوالي أربعة شهور ومنهم من كان معتقلا في نفس السجن مند مدة طويلة،تم الاتفاق خفية عن باقي السجناء،لدرجة أن احد الفارين لم يخبر أخاه وتركه في السجن. بسرية تامة كانوا ينفذون المخطط بعيدا عن المعتقلين والحراس والأجهزة السرية التي ترفع التقارير صباح مساء.حتى التراب فقد الرائحة التي تنبعث منه في غرف تعاني من الرطوبة.لنسلم أن المروحية في نفق كهذا تستعمل للتهوية، وإنها كانت بجانب الحفار أو أمامه أو وراءه في نفق قطره 60سنتميتر.ولنسلم أن المجموعة قامت بالحفر من تحث قنوات الصرف الصحي، حيث سطح النفق نتيجة التجويف المحدث وبفعل الجاذبية نتيجة التهوية والثقل لا ينهار على الحفار،وكذلك لا يصاب بالتصدع حيث استعانت المجموعة بطبليتي النفق مستعينة بكميات من الماء،ومن يدري ربما كان الماء هو أداة الحفر في طبقة الأرض الطينية. تابعت المجموعة الحفر حيث انعدم صوت الحركة في الليل، وبعد العمل تستحم المجموعة في حمامات الزنزانة، وتخرج في الصباح إلى الفسحة .وفي اليوم الأخير لا ندري كيف الحفار عرف طريقه إلى حديقة مدير السجن ؟،بل كيف صعد من عمق مترين بالحفر؟ ، هل نقل تراب حديقة السيد المدير إلى الزنزانة أم دفعه إلى سطح ارض الحديقة؟. هذه الحديقة التي كان يحرسها كلب المدير قبل عشرين يوما، حيث تم الاستغناء عن خدماته، حتى لا يزعج الإخوان الفارين من جنة النعيم.بهذا المعنى قدمت تفاصيل هذه الحكاية نفس الأسئلة العالقة التي طرحها المحققون، هي نفس الاستفهامات المستعصية في هذه القضية. وبما أن المعتقل الشطبي من بين الفارين والذي اعتقل قبل أحداث 16 مايو، وغيره كثير. تبقى هذه الاعتقالات قبل الكارثة الدموية، استفهاما كبيرا. إذ كيف يحشر معتقلين قبل أحداث 16 مايو بمتابعات قضائية لهذه الأحداث؟ بل كيف أن هذه الاعتقالات لم تجنب المغرب من كارثة هذه الأحداث الدموية؟. فأسرار النفق في عصر التكنولوجية الحديثة،يشبه تدبير ملف الإرهاب بنفس العقلية. وتبقى الرسالة التي نسبت إلى الفارين،و هي الذليل المادي على أنهم قاموا بعملية الهروب بطبيعة الحال من النفق حسب تصريحات المسؤولين،الذين احتفظوا لهم بهذه الوصية، وفعلا نفذوا ما جاء فيها بقراءة معكوسة ، حيث خضع معتقلي العقيدة والرأي لجلسات البحث من طرف الأجهزة داخل السجن، ومنهم من تم نقله إلى مقر المخابرات المدنية بتمارة. وأصبح الجميع يتحدث عن الامتيازات كخطوة للهروب إلى الأمام .وأغمض الجميع عينه عن كلمة الظلم التي جاءت في أول الرسالة. والظلم هنا قد يحمل معاني كثيرة من الظلم القانوني والإنساني والاجتماعي إلى الحرمان من محاكمة عادلة إلى التضييق، وتقابلها كلمة "سلكنا كل السبل وطرقنا كل الأبواب" وأخيرا الحل حسب الرسالة " نريد حريتنا ". إن إنكار حالات التعذيب التي تعرضوا لها أثناء اعتقالهم ومحاكماتهم وسنوات السجن ،سيسجلها التاريخ أمام طموحنا للسير نحو دولة ومجتمع ديمقراطي ونحن ننكر عنهم إنسانيتهم وكينونتهم ومواطنتهم (إلا إذا اعتبرنا كل متورط في قضية إرهابية منزوع المواطنة والحق في العيش ولو في جحر)، وما لحق بهم من تعذيب، وليس هم وحدهم بل كلنا معرضين للتعذيب في حالة زيارتنا من طرف زوار الليل. فهذا السيد مرتضى الذي غادر السجن بعفو ملكي يحكي عن معاناته مع المحققين حيث ذاق كل أنواع العذاب ، في حوار أجرته جريدة المشعل الأسبوعية العدد 160 بتاريخ 27مارس/2ابريل يقول"خلت جسمي أشلاء متناثرة من شدة الألم الذي أحدثته تلك السياط" ويضيف "تم هذا التعذيب الجسدي، وأنا على وضعيات مختلفة ( واقف، جالس،على ركبتي،ممدود على الأرض ...و...) خضعت للتعذيب بطريقة الكرسي ( الطيارة) ضربت على بطن رجلي، على الساقين، اليدين، الظهر، الوجه، و الرأس... و....). هذا نموذج من المعتقلين، ليس سلفي ولا إرهابي .فماذا يقول مناهضي التعذيب في مملكة المغرب؟ هل تغيرت العقلية أمام الشعارات الكاذبة؟.وأين نضع مجلس الذكريات للسيد احمد حرزني ومجلسه الاستشاري لحقوق الانسان؟. أم نقول ما قاله السيد نبيل بن عبد الله الناطق الرسمي في حكومة السيد إدريس جطو في حوار مع الجريدة الأسبوعية الأيام العدد 323، "هل تعتقد أن هناك ناطقا رسميا في العالم يمكنه أن يقول أن بلادنا تعرف العديد من الاختطافات والتعذيب." الحوار المعدوم مند 14 مايو2004 ، كان قد أعلن السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في ندوة صحفية أن الحوار مع معتقلي السلفية الجهادية من واجب العلماء ، لكونهم يمتلكون العلم الصحيح ، وأضاف وليس المعتقلين فقط بل كل من يشوش على الأمة سواء كان حرا. والى يومنا هذا لم نسمع عن علماء مغاربة حاولوا الاتصال بالمعتقلين أو محاورتهم ،بل الكثير منهم يمتنع إما تحت الضغط أو شيء أخر.ويبقى السؤال ما دور العلماء في المملكة أن لم يقوموا بنشر الدين الصحيح ومناظرة السلفيين ودحض أفكارهم ومحاورتهم وفق المنهج الصحيح؟. إن كانت عملية الفرار قد خلقت حدثا مسبوقا،نتمنى ان تكون نهاية الفرار بدون خسائر في الأرواح، ويبقى الجميع على قيد الحياة لأسرهم وعائلتهم ، ولتبقى رسالتهم مفتاح هذا الملف الشائك بعلانية المحاكمات، وإقامة حوار جاد .فالمقاربة الأمنية لوحدها لن تصلح العقول إلا بقتلهم، وسيد الموقف هنا هو الفكر، أما المقاربة الأمنية التي يعتبرها أصحاب القرار صمام الأمان، فإنها لم تجنبنا كارثة 16 مايو 2003، ولا تفجيرات11و17ابريل 2007.