في الصورة عبد الإله بنكيران الأمين العام للعدالة والتنمية أثناء افتتاح الدورة الأولى من السنةالتشريعية الثانية تميزت علاقة الإسلاميين المغاربة بباقي القوى السياسية والحزبية باجتيازها لمرحلتين: الأولى هي: مرحلة الانكفاء على الذات، وقد طبعت غياب التجانس بينهم وبين باقي القوى السياسية، خاصة اليسارية. "" أما الثانية فهي: مرحلة الوعي بضرورة عقد تحالفات وشراكات؛ لتدعيم الإدماج، ولتوسيع النفوذ السياسي. وجاءت الإشارات السياسية الأخيرة بين حزبي الاتحاد الاشتراكي وحزب العدالة والتنمية فرصة لتبين مسار التحول لدى الفاعل السياسي الإسلامي ومحددات تحالفه مع خصم سياسي لا يقاسمه البعد الأيديولوجي والنضال التاريخي. مرحلة الانكفاء على الذات أثّر عدم اكتراث القوى الحزبية والسياسية لمطالب الإسلاميين عند بداية محاولاتهم تأسيس تجربتهم السياسية الخاصة، الرامية إلى تأسيس حزب سياسي، أو دعمهم على الأقل أثناء سعيهم للولوج للحقل السياسي، سواء الأحزاب التي كانت تتحمل المسئولية الحكومية أو التي عملت في إطار المعارضة، أثّر ذلك سلبيا فولد لدى الإسلاميين موقفا أيديولوجيا يجنح نحو السلبية السياسية تجاه النخبة السياسية عموما واليسارية على وجه التخصيص، وقد حكم هذاالسلوك دافعان سياسيان: الأول هو سلبية الفاعلين السياسيين لرغبات الإسلاميين قبل دخولهم للحقل العمومي، ومحاولة بعض الأحزاب السياسية احتواءهم عبر إذابتهم كليا داخلها، والسعي للاستفادة فقط من قدراتهم في التعبئة الشعبية والانتخابية دون منحهم حق المحافظة على هويتهم الأيديولوجية، مما ولد نوعا من خيبة أمل عند الإسلاميين وأثّر على علاقاتهم مع هذه القوى السياسية بعد خوضهم لتجربتهم السياسية. أما الدافع الثاني فقد تولد لدى الإسلاميين كرد فعل نزعة أيديولوجية تسعى للحفاظ على نقائهم السياسي وتفردهم الأيديولوجي، وابتعادهم عن كل ما من شأنه أن يلطخ "ماضيهم النظيف" أو يؤثر سلبا على مستقبلهم، كما أفرزوا نوعا من السلوك السياسي، الذي ينزع نحو الانكفاء على الذات، والرهان على البيت الحركي الداخلي، عبر إصلاحه وترميمه وإعادة ترتيبه كمحدد حاسم في تشكيل قوة الإسلاميين داخل المعترك الانتخابي. موقف التشكيك من الوافد الإسلامي وبالمقابل كانت العلاقة مع باقي القوى السياسية -التي كانت تقاسم الإسلاميين موقع المعارضة -محدودة وضيقة لا تتعدى المجاملات أو التنسيقات الكلامية، رغم خطابات حسن النية التي ما فتئ يبعثها الإسلاميون كرسائل تطمينية إلى مختلف الفرقاء السياسيين؛ ولذا انبنى موقف النخبة السياسية من الإسلاميين بعد تجربتهم السياسية التأسيسية (1997-2002)، على هاجس التخوف من التحاقهم كوافد جديد ضمن النخبة السياسية الرسمية، ما من شأنه إثارة مخاوفهم أمام احتدام المنافسة الانتخابية. وكان موقف جزء كبير من النخبة السياسية متشككا في قدرة الإسلاميين على الاندماج في اللعبة السياسية ومتخوفا من حقيقة نواياهم، وما قد يترتب عن هذا المعطى الجديد من تأثيرات على الحقل السياسي، عبر طرحهم لثلاث صيغ ممكنة: إما الانقلاب على الشرعية السياسية والمشروعية القانونية، وإما تحقيق الاكتساح وإعادة سيناريو النموذج الجزائري المأساوي، وإما تعذر الاندماج داخل اللعبة السياسية ذات القواعد التي يصعب على الإسلاميين التأقلم معها. هذا الموقف المتشكك من المشاركة السياسية للإسلاميين كان الصفة الغالبة على الرؤية السياسية للتيارات اليسارية المعتدلة منها والمتشددة، لمرحلة ما قبل وبعد ولوج الإسلاميين لمعترك السياسة. أما باقي الأحزاب المسماة بأحزاب "الأغلبية" أو "الإدارية" فإن موقفها كان غير واضح بخصوص إدماج الإسلاميين، وطبيعة عملهم البرلماني، إن لم نقل إنهم غير آبهين لوجودهم من عدمه، فما يهمهم هو النظرة البرغماتية للسياسة وما سيجنونه منها من مزايا وأرباح، فهم لا يبنون تحالفاتهم على أساس برامج أو مشاريع، بقدر ما يراهنون على وضع أنفسهم في خدمة السلطة، وإكمال أغلبياتها، وترسيخ التوافقات التي تقتضيها طبيعة المراحل السياسية والاستفادة السياسية من هذه العملية. وقد كرس فوز الإسلاميين بعدد كبير من المقاعد 42 مقعدا بعد الاستحقاقات التشريعية ل 2002 وفعلهم السياسي خلال الولاية التشريعية الثانية لهم 2002-2007 (الولاية التشريعية السابعة من تاريخ المغرب)، بداية احتدام النزاع بين الإسلاميين والنخبة السياسية الحداثية المنافسة على الكتلة الناخبة، مما طرح سؤالا كبيرا حول مبررات احتدام المنافسة السياسية بينها وبين القوى السياسية الأخرى، التي تخالفها الأيديولوجية السياسية. محددات الموقف اليساري منالإسلامي ترى التيارات السياسية اليسارية أحقيتها في تولي المسئولية الحكومية؛ نظرا لما قدمته من تضحيات لصالح شعبها وبلدها، لذلك فإن قدوم فاعل سياسي إسلامي جديد ليلعب دور المنافسة لها لم يستسغ من طرف هذه القوى، التي كانت تؤطر الجماهير الشعبية وتوجهها طيلة عقود من العمل السياسي المضني في إطار المعارضة السياسية للراحل الحسن الثاني، وأهم المرتكزات الأيديولوجية والسياسية التي تدعم بها هذه القوى طرحها ما يلي: محددات الموقف السياسي للإسلاميين وبالمقابل، يرى الإسلاميون أن ماضيهم النضالي، وعلاقتهم بالشعب الذي صوت لصالحهم خلال الاستحقاقات الانتخابية، هو مكافأة لهم على صدق نضالهم، وتعبيرهم عن قناعات الشعب الذي فقد المصداقية والثقة في مناضلي الأمس الذين باعوه اليوم بثمن بخس، فتخلوا عن مبادئهم ومرجعياتهم التي كانت تحكم عملهم ونضالهم. ومن جهة ثانية، فإن النتائج المتقدمة تؤشر في نظر الإسلاميين على وضوح مشروعهم وإفلاس مشروع اليسار التاريخي نحو الاشتراكية، التي اعتبرها اندثرت مع انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وأن عجز هذه الأحزاب عن إيجاد مرجعية فكرية بديلة هو سبب فشلهم؛ لأنهم أضحوا يعتمدون على الذرائعية والبراغماتية كفلسفة على حساب قيم الشعب الأصيلة وثقافته، فعاقبهم في الاستحقاقات الانتخابية؛ حيث حصل الإسلاميون على موقع متقدم خلال الاستحقاقات التشريعية ل2002 وبحصدهم ل42 مقعدا نيابيا؛ مما بوأهم المرتبة الثانية خلال استحقاق السابع من سبتمبر 2007 بالحصول على 46 مقعدا. ولوعيهم بأهمية التحالفات لتثبيت قدمهم في المشهد السياسي بالمغرب، عقد الإسلاميون تحالفا مع حزب القوات المواطنة، بزعامة أحد زعماء الباطرونا السابقين لتحقيق عدة أهداف، أولها: تطمين النخبة الاقتصادية بعدم تهديد الإسلاميين لمصالحهم، وثانيا أن التعاون مع الحزب والتنسيق معه يظهر الإسلاميين بالاهتمام بالجوانب الاقتصادية؛ محاولة منهم لتفنيد الاتهامات الموجهة إليهم بأن اهتماماتهم تنحصر حول ما هو أيديولوجي وأخلاقي، دون القدرة على اقتحام واقتراح بدائل ملموسة لإخراج البلاد من الأزمة. مرحلة الوعي بضرورة عقد التحالفات ولدت المواقف المتأرجحة بين الإيجابية والسلبية، رغم أن حدتها في العلاقة مع الآخر كانت تخف وتتصاعد من مرحلة لأخرى (قرب الاستحقاقات الانتخابية أو بعدها)، إلا أنها كانت موحدة في عدم تقديم الدعم السياسي للمبادرة، فكان هناك إقرار واقعي بوجود الإسلاميين كمعطى موضوعي سياسي داخل الحقل السياسي وتجاهله سياسيا. ولذا تميزت مواقف باقي القوى السياسية والاجتماعية المنافسة بكونها ظلت محكومة بالصمت الذي يستشف منه التأييد لا الشجب، فهي وإن كانت تعكس ركونا إلى سلوك انتظاري إلا أنه ذو فائدة بالنسبة لها، فأي تحجيم للإسلاميين سيكون غنيمة تنتظرهم في طابق من ذهب. وبمنظور الواقعية السياسية، التي ميزت نظرة الإسلاميين، فإن خيار التحجيم الممنهج كان أكثر واقعية ونجاعة من خيار اللفظ والإقصاء الذي تبقى عواقبه وتأثيراته سلبية كليا على كل من الإسلاميين والنظام السياسي بالمغرب. تكلفة الإدماج السياسي للإسلاميين إن أطروحة توقيف تجربة إدماج الإسلاميين على المستوى الافتراضي تفوق تكلفتها السياسية والاجتماعية الداخلية والخارجية مبادرة الاستمرارية في مسلسل الإدماج، فعدم الإصغاء للطروحات الداعية لحل الحزب بعد أحداث 16 مايو الدامية بالدارالبيضاء كانت محكومة بالتنافس السياسي بين القوى اليسارية والإسلامية إثر قرب الانتخابات الجماعية ل2003، والرهان بعد ذلك على الاستحقاقات التشريعية ل2007. من جانب آخر، تمحور هاجس المؤسسة الملكية في المحافظة على الاستقرار السياسي، والاستمرارية في الاضطلاع بالأدوار السياسية والدينية للملك، فهو الحكم بين الفرقاء السياسيين حينما يتعذر التوصل إلى توافق سياسي فيما بينهم، وهو أمير المؤمنين المتموقع فوق الصراعات السياسية والخلافات الحزبية والسياسية. وكان من نتائج مرحلة ما بعد تفجيرات الدارالبيضاء تدعيم الأدوار السياسية للمؤسسة الملكية، التي تعطيها الريادة في تدبير الحقل السياسي وتدبير الخلافات بين اللاعبين السياسيين بنوع من المرونة، أما على الصعيد الديني فإعادة تأكيد الوظائف الدينية للملك كأمير المؤمنين من طرف الإسلاميين. وشكل مخطط السلطة الرامي إلى تحجيم الإسلاميين سياسيا، والحد من امتداداتهم الشعبية، وإثارة نوع من التوجس وعدم الثقة بينهم وبين المتعاطفين معهم، مرحلة أولية للحصول على المزيد من التنازلات السياسية من الفاعل الإسلامي، وحثه على تليين مواقفه السياسية، سواء على مستوى تخفيض حجم مشاركته السياسية وضرورة الحسم في جدلية السياسي والديني، أو إبعاد العناصر المتصلبة في مواقفها من النظام السياسي من المواقع القيادية، ثم محاولة الحد من ازدواجية خطاب الإسلاميين ما بين المواقف الرسمية للحزب، ومواقف بعض قياداته ورموزه، وهو ما يتنافى مع التوجه العام للحزب وتصوراته من الإشكالات السياسية الكبرى؛ مما يولد حالة من الغموض، حاول الحزب دفعه بإعلان نوع الاستجابة لآليات الإدماج. إدراك أهمية التحالفات السياسية أمام واقع العزلة السياسية للإسلاميين، التي ميزت التجربة السياسية التأسيسية الأولى للفاعل السياسي الإسلامي بالمغرب، راهن حزب العدالة والتنمية على التفرد والتميز والخصوصية، وتركيزه على خلو ماضيه السياسي من أية شوائب سياسية، من قبيل ممارسته للسلطة مع الأغلبية أو غيرها، خاصة وأنه يمثل امتدادا لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، الذي يرجع تاريخ تأسيسه إلى سنة 1967، واعتماده على أطر شابة نشأت داخل محاضن الحركات الإسلامية. وإذا كان الإسلاميون قد انتهجوا سياسة المساندة النقدية للحكومة، إبان حكومة الاشتراكي عبدالرحمن اليوسفي لمدة سنتين، إلا أنها تمت بشكل فردي وبدون تنسيق مع باقي القوى السياسية الأخرى التي اضطلعت مكرهة بدور المعارضة السياسية. وتبقى المشكلة المطروحة هي تاريخ هذه المعارضة والتأثيرات السلبية التي قد يسببها أي تعامل أو تحالف معها، على مستقبل الحزب ومساره السياسي، الذي كان يراهن على نصاعته الأيديولوجية ونقائه السياسي. وأمام السجال السياسي والجدل الأيديولوجي الذي خلفته أحداث 16 مايو، بين المكون الحداثي من النخبة السياسية والإسلاميين، أدرك الإسلاميون أهمية التحالفات السياسية التي طالما غضوا الطرف عنها. فالواقعية السياسية تقتضي نوعا من النفاق السياسي، وقدرا من التريث والتمهل في إصدار المواقف وردود الفعل، ثم محاولة الدخول في أقطاب وشراكات مع النخبة السياسية القريبة من أطروحاتهم؛ إذ يمكن لهذه التحالفات أن تكون درعا واقيا للحزب في بعض الفترات السياسية العصيبة، وتعد هذه المسألة من أبرز الدروس المستفادة من مرحلة ما بعد 16 مايو. وهو جزء من منظور الحزب، الذي ضمنه في ورقته المذهبية بالتأكيد أن: "من علامات نضج الممارسة السياسية اتساع نطاق الأرضية المشتركة بين مختلف مكونات الساحة السياسية، والتقلص المتزايد لدائرة الخلافات المبنية على المصالح الذاتية والشخصية، بما يؤدي إلى إعادة هيكلة الحياة الحزبية على أسس مذهبية وسياسية واختيارات موضوعية، وذلك من مداخل إعادة الجدوى والمصداقية للحياة السياسية". وأمام تلميحات الاتحاد الاشتراكي، الغريم السياسي لحزب العدالة والتنمية، بإمكانية تشكيل جبهة موحدة للدفاع عن الديمقراطية أمام الاختراقات التي يدشنها زعيم حزب الأصالة والمعاصرة، يبقى لزاما على الفاعل السياسي الإسلامي التفكير في نوعية العلاقة التي تربطه مع باقي النخب السياسية، وطبيعة التحالفات التي يبرمونها مع حلفائهم وخصومهم، والسعي لتأسيس تحالفات تفصل بين التحالف وفق مرجعيات مشتركة وبرامج وتوجهات سياسية محددة، أو تحالفات ظرفية مؤقتة يكون الموجه لها هو النفعية والمصلحة والمال السياسي، وهو اختيار سياسي سيكون حاسما حول المغزى من العمل السياسي والماهية من وجوده، خاصة بالنسبة للفاعل السياسي الإسلامي، الذي يكون ملزما بتحصيل التوازن بين البعد الأيديولوجي والعملي في ممارسته للعمل السياسي. عن إسلام أونلاين.نت