هنأ الملك محمد السادس عبد الإله بنكيران صباح أمس بمناسبة انتخابه أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، وهنأ الحزب بدوره بنجاح أشغال مؤتمره السادس، كما طلب الملك من بنكيران تبليغ سلامه إلى سعد الدين العثماني الأمين العام السابق للحزب. وكان فحوى المكالمة الهاتفية القصيرة التي جمعت بين الملك محمد السادس وبين الزعيم الجديد لأكبر أحزاب المعارضة محط نقاش في أول دورة ينعقد فيها المجلس الوطني الجديد للعدالة والتنمية بعد انتخابه في أشغال المؤتمر السادس للحزب، حيث اعتبر العديد من أعضاء برلمان الحزب أن التهنئة الملكية تحمل بين طياتها إشارات إيجابية بخصوص علاقة العدالة والتنمية بالقصر الملكي. وكشف بنكيران، في كلمته أمام المجلس الوطني الذي شرع في أشغاله صباح يوم أمس، أنه لن يختار أعضاء الأمانة العامة الجديدة من صفوف المقربين منه، بقدر ما سيختارهم من بين من وصفهم بالأقوياء. وقال إنه يفضل هؤلاء وإن أتعبوه -على حد تعبيره- بدل أن يشتغل مع من هم أقل كفاءة منهم وإن أراحوه. وركز الأمين العام الجديد للعدالة والتنمية، في معرض حديثه أمام أعضاء برلمان حزبه، على اعتزازه بالمرجعية الإسلامية التي يعتمدها حزبه، قائلا إن من يمارس السياسة هو أحوج إلى الدين من غيره. وكان القيادي الإسلامي المعروف بدفاعه عن القصر والسلطات الواسعة للملكية قد صرح للمؤتمرين، مباشرة بعد انتخابه في منصبه الجديد، بأنه ينتمي إلى مدرسة «لا تحرص على تحمل المسؤولية»، وقال في حق سعد الدين العثماني، الأمين العام السابق للحزب، إنه «رجل تحمل المسؤولية في وقت شديد، واستطاع أن يخلص الحزب من كثير من الأشواك والعوائق بلباقة كنت أعجب بها، وقد جمعتنا فيما قبل محبة الله والعمل في السياسة والدعوة، وكل الإشكالات المرتبطة بالعمل السياسي والدعوي داخل هذا الوطن»، وفي معرض حديثه عن برنامجه المستقبلي، وعد بنكيران بإطلاق المبادرات وفتح الأبواب للنساء والشباب، وشكر الدكتور الخطيب على ما قام به تجاه أعضاء الحزب الوافدين من الحركة الإسلامية، حينما فتح لهم بيته وصدره وحزبه، حتى كان –حسب قوله- هذا الحضور المقدر للحزب وطنيا ودوليا. أما سعد الدين العثماني، الذي ظل صامتا طيلة جلسة التداول في الأشخاص المرشحين لشغل منصب الأمين العام، فقد صرح قائلا بعد إعلان نتائج الاقتراع: «التداول كان راقيا وصريحا، عبر فيه أعضاء الحزب عن أدب راق جدا في التداول»، وأضاف: «إننا جئنا لنخدم مشروعنا في أي موقع نحتله، وأنا متفائل بشأن مستقبل الحزب». وكانت رئاسة المؤتمر قد منعت الصحافة من حضور جلسة التداول الخاصة بالمرشحين لمنصب الأمين العام، وهي المحطة التي اعتبرت حاسمة في اختيار بنكيران لقيادة الحزب. وعلمت «المساء» أن عدد المتدخلين في هذه الجلسة بلغ 50 متدخلا، بينهم أعضاء بالأمانة العامة وأعضاء بالمجلس الوطني القديم والجديد. الأخطاء التي أطاحت بالعثماني من قيادة الحزب > التردد في اتخاذ القرارات وعدم الحسم في القضايا الخلافية التي كانت تثار وسط الحزب وبين تياريه المتصارعين «الرميد - بن كيران»، حيث كان العثماني يظل في الوسط، مما كان يعطل اتخاذ القرار. > غموض الأمين العام للحزب حول الكثير من القضايا الحساسة التي تعرض على الحزب. فبقدر ما كان العثماني يستفيد من الوقوف في الوسط، بقدر ما جعله هذا الموقف قائدا بلا رأي معروف وحاسم في الكثير من الموضوعات، فمثلا كان العثماني يتحدث بلغة سياسية لا يفهم من خلالها ما إن كان في المعارضة أم في الحكومة. > التدخل في جزئيات العمل الحزبي وعدم تفويض اختصاصاته كأمين عام للحزب إلى أحد، حيث كان يتدخل في كل كبيرة وصغيرة إلى درجة أن العاملين معه كانوا يعيبون عليه التعامل معهم «كأدوات للعمل وليس كشركاء في العمل». > إدارة الشأن الانتخابي من الأشياء التي تعاب على العثماني، حيث صرح بأرقام ومعطيات حول فوز الحزب في الانتخابات الأخيرة بحوالي 70 مقعدا، في حين كانت النتائج لا تتجاوز 45 مقعدا... ورغم أن لحسن الداودي، عضو الأمانة العامة السابقة، قد وصف بنكيران «بالجنرال الذي يصعب الاشتغال معه»، وقال إنه «رجل قوي أكثر من اللازم، والمرحلة المقبلة مرحلة دقيقة، تفرض علينا المحافظة على وحدة الصف الداخلي»، فإن تدخلات باقي أعضاء الأمانة العامة الذين طلبوا الكلمة كانت حاسمة في اتجاه إقناع المؤتمرين بترجيح كفة بنكيران على حساب العثماني. فقد انتقدت بسيمة الحقاوي، عضو الأمانة العامة السابقة، بشدة أداء الأمين العام السابق، حيث اعتبرت أنه لا يتوفر على رؤية واضحة، كما انتقد سليمان العمراني، الذي كان مكلفا بالجانب التنظيمي للحزب، إدارة الأمين العام السابق لهياكل العدالة والتنمية. أما عضوا الأمانة العامة اللذان تدخلا في آخر لحظة إلى جانب الداودي، وهما عبد العزيز رباح ومحمد الناجي، فقد دافعا بقوة عن ترشيح بنكيران، معتبرين أنه الأصلح لتسيير الحزب في المرحلة المقبلة. والمثير أن عبد العزيز أفتاتي -أحد أبرز صقور الحزب المعروفين بدفاعهم عن تعديل الدستور ومحاسبة المسؤولين- قد رجح بدوره كفة بنكيران في غياب الرميد الذي فضل الانسحاب من المنافسة على منصب الأمين العام. كما ركز بعض المتدخلين على ضرورة إعمال منطق التعاقد على أساس مشاريع عمل واضحة، بدل التركيز على انتقاد سياسة الأشخاص، فيما تشدد آخرون في مواصفات الأمين العام المقبل التي ينبغي أن تجمع في نظرهم بين «الحكمة والمرونة والشجاعة». وأكد المتحدثون، في معرض مناقشتهم لمستوى أداء الأمين العام السابق، أن مرحلة العثماني «شهدت غلبة منطق الترضيات، على حساب منطق الحسم في الموقف والمستجدات الطارئة»، كما تميزت –حسب المتدخلين- باهتمامه البالغ بالقضايا التنظيمية على حساب القضايا السياسية الكبرى، وعلى حساب الإبداع في أساليب التواصل وأشكال التوسع التنظيمي»، وعاتب المؤتمرون على العثماني عدم تفعيله للتفويضات التي منحها لأعضاء بالأمانة العامة. من جهته، قال عبد العالي حامي الدين إن «عهد الزعامات قد ولى، وحل محله عهد المؤسسات»، مشيرا إلى «أننا لا نريد قيادة إقصائية تحتقر الأعضاء، بقدر ما نريد قيادة تسهر على قيادة الحزب وتفوض سلطات حقيقية للآخرين، وقادرة على ربط علاقات مع الخارج والداخل، وتأمين العمل باللامركزية داخل الحزب»، دون أن يرجح صراحة كفة مرشح على حساب آخر. وارتباطا بالموضوع، عبر متدخلون آخرون عن عدم خشيتهم من غلبة الزعامات الخالدة وسيطرتها على المناصب القيادية داخل الحزب، باعتبار أن القانون المعتمد داخل الحزب لا يسمح بذلك، إذ يسمح القانون الأساسي الجديد للمجلس الوطني بإقالة الأمين العام أو أعضاء الأمانة العامة، كما انتقدوا طريقة اشتغال اللجان المركزية، وكثرة الخلافات بين أعضاء الأمانة العامة خلال المرحلة الماضية، وعدم قدرة العثماني على تجاوزها والحسم في عدد من القضايا الخلافية فيها، إضافة إلى انتقاد العضوية التي شهدت تراجعا كبيرا خلال المرحلة التي تولى فيها العثماني زمام المسؤولية.