في محاولة منها لامتصاص الغضب الشعبي إثر تكرار حوادث سقوط مدنيين أفغان بقنابل الطائرات الأمريكية، اتخذت الحكومة الدمية في كابول بزعامة حامد كرزاي قراراً بعدم قيام قوات الناتو بشن أية غارات من دون التنسيق مع الجانب الأفغاني، لكأنها تحكم البلاد بالفعل، هي التي لا يخرج رئيسها من قصره حتى تفاجئه قنابل طالبان ورصاصها، بينما لا يمكنه بحال من الأحوال الاستغناء عن طاقم الحراسة الأمريكية! يأتي ذلك بعد شهور من التصعيد الاستثنائي في نشاط المقاومة الأفغانية التي تقودها حركة طالبان بحسب الإحصاءات الأمريكية، زادت عملياتها بنسبة 50 في المائة هذه السنة، الأمر الذي تجلى في سلسلة من العمليات الكبيرة التي أكدت أن عملية سجن قندهار المثيرة حررت الحركة من خلالها جميع السجناء، لم تكن بيضة الديك، بقدر ما كانت تعبيرا عن مستوى القوة الذي أخذت تتمتع به الحركة في العامين الأخيرين، وعلى نحو أكثر وضوحا وإثارة في الأسابيع الأخيرة. كانت الضربة التي تلقتها فرنسا كبيرة بكل المقاييس، بل هي الأكبر منذ 25 عاما كما قالت الصحف الفرنسية 10 قتلى و21 جريحا، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى السفر سريعا إلى كابول التي تمت العملية على مقربة منها، وليس في محيط قندهار، حيث المعاقل الأكثر وفاءً للحركة ذات الحضور بين البشتون، مع العلم أن أكثر دول الناتو ما زالت تهرب من المناطق الساخنة نحو المناطق الأخرى، الأمر الذي طالما أثار حفيظة الأمريكان ودفعهم إلى تهديد الحلفاء بأن مستقبل الحلف سيكون على المحك إذا تواصلت هذه السياسة. وفيما حاولت الحكومة الفرنسية البحث عن تفسيرات للضربة الموجعة من قبيل الحديث عن تنفيذها من قبل عناصر غير أفغانية، وعن تدويل الإرهابط وانتقال عناصره من العراق إلى أفغانستان بعد تحسن الوضع الأمني هناك حسب الاحتلال، فإن ذلك لم يقلل من حجم الهزيمة، ولا من وقعها، بقدر ما أضفى على الوضع مزيدا من التشاؤم، على اعتبار أن مصادر قوة جديدة أخذت تضاف إلى قوة طالبان. مما لفت الانتباه في تداعيات الضربة التي تلقتها القوات الفرنسية بروز أصوات داخلية تطالب بإعادة النظر في جدوى الوجود الفرنسي في أفغانستان، الأمر الذي عكسته بعض تعليقات الاشتراكيين المعارضين والصحف التي تدور في فلكهم، ما يعني إمكان تصاعد مثل هذه الأصوات بمرور الوقت وتكرار الخسائر، الأمر الذي تدركه طالبان وتشتغل عليه بذكاء. رئيس الوزراء البريطاني، وما إن وقعت الهزيمة الفرنسية حتى طار بدوره إلى أفغانستان لتفقد قواته، لاسيما أن وضعه الداخلي ليس مريحاً في ظل صعود المحافظين، ما يعني أن بضع ضربات لجنوده هناك قد تؤدي إلى مزيد من تدهور شعبيته، هو الذي ظل وفيا بقدر كبير لسياسات سلفه بلير في التحالف مع الولاياتالمتحدة، رغم محاولته تعديلها بعض الشيء، كما وقع في الحالة العراقية، وإن تم ذلك بالتنسيق مع الأمريكان. قبل ضربة القوات الفرنسية كان جيمس كونواي، القائد العام لقوات المارينز قد زار أفغانستان لعدة أيام، وأطلق تصريحات متشائمة، معتبرا أنه إذا لم يجر تعزيز قوات بلاده العاملة هناك، فإن الإنجازات التي تحققت ستتبدد، وفي الوقت ذاته الذي طالب فيه الدول الحليفة بإرسال مزيد من القوات، بخاصة إلى المناطق الساخنة، وما هي سوى أيام حتى تقرر سحب بعض القوات من مناطق الأنبار التي نقلت مهماتها الأمنية إلى العراقيين، ومن ثم نقلها إلى أفغانستان. صحيفة هيرالد تربيون قالت إن وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس، وبما يعكس إدراكه لحجم المأزق الأفغاني سيوافق قريبا على خطة بعشرين مليار دولار لزيادة حجم الجيش الأفغاني، ولإعادة هيكلة القوات الأمريكية وقوات الناتو، ولا يعرف هل سيذهب جزء منها لإعادة الإعمار، أم لا. وبالطبع على أمل أن يساعد ذلك في استقطاب الشارع الأفغاني، وفضه من حول حركة طالبان، لاسيما أن الوعود السابقة على هذا الصعيد قد أسفرت عن لا شيء، الأمر الذي ساهم معطوفا على الاستخفاف بأرواح الأفغان في عمليات قوات الناتو، وكذلك كره الأفغان الطبيعي للمحتلين ساهم في تعزيز الالتفاف من حول المقاومة. معلوم أن حجم الدعم الذي يتدفق من مناطق الحدود الباكستانية لصالح حركة طالبان قد أخذ يتعزز بمرور الوقت، فضلاً عن تورط جهات عسكرية واستخباراتية باكستانية لا يعجبها الوضع الأفغاني في تسهيل ذلك الدعم، الأمر الذي يشير إلى أن منحنى الصعود الطالباني ليس في وارد التراجع. هكذا يودع الملا محمد عمر الرئيس بوش بمزيد من الضربات التي تعمق جراحه، بينما يترك هذا الأخير ميراثا بائسا لخلفه لن يكون الخروج منه سهلاً بحال. والنتيجة أن طالبان في طريقها إلى استعادة وضعها القديم، بصرف النظر عن الزمن الذي ستستغرقه المعركة، وبصرف النظر عما إذا تم ذلك بهزيمة مدوية، أم عبر حوار يجري بعد تأكد شركاء الناتو من استحالة تحقيق انتصار على الإرهاب والإرهابيين! بقي القول إن ثمة تحولاً بالغ الأهمية سيكون له تأثيره الرهيب على المعركة لو وقع بالفعل. إنه قرار روسي بمنع الإمدادات لقوات الناتو عبر الأراضي الروسية، الأمر الذي هددت به موسكو ردا على مواقف الغرب من الصراع في القوقاز.