قديما قالوا: لا تعطني السمة ولكن علمني كيف أصطادها، هذا ما كان ينطبق على الطفلة هدى التي كانت في أمس الحاجة لمن يعلمها الطريقة المثلى التي تساعدها في إنجاز دروسها. هدى لم تكن ضعيفة الإرادة ولا قليلة الاستيعاب، لكن حظها أن والديها أميان، وكل ما كان يستطيعانه هو تمكينها من الدروس الخصوصية بتوفير متطلباتها المادية، ورغم أنها كانت دوما تحرص على حضور الدروس، وتعير انتباهها لما كانت تشرحه لها المعلمة إلا أن عقلها لم يكن يستوعب شيئا، لأن ما كانت تحتاجه هدى، ليس تحفيظها الدروس، بل تمكينها من الطريقة السليمة للفهم والحفظ. مضت سنوات الابتدائي وبدا الأمر يزيد تعقيدا بوصولها للتعليم الإعدادي، وبدأت والدتها تفكر جديا في توقيفها عن الدراسة لشدة هزالة النقط المحصل عليها، وكثرة المصاريف التي تنفق في الدروس الخصوصية من أجلها. وفي إحدى زيارات الأم لإحدى جاراتها في الحي، وما إن سألتها السيدة عن ابنتها، حتى بدأت تحكي بمرارة تعثر ابنتها الدراسي، وإنها لم تدخر جهدا من أجل النهوض بمستواها، وبدأت تلوم نفسها لأنها أمية ولا تستطيع فعل أي شيء لابنتها من أجل مساعدتها في الدراسة. وكان في المجلس أستاذة للغة الفرنسية، شعرت بحزن الأم، وكانت الأستاذة تعي جيدا أهمية توجيه الأبناء، وأن ذلك ما يحدد مستقبلهم. فعرضت عليها أن ترسل لها ابنتها من أجل مساعدتها على فهم دروسها. فرحت الأم بذلك، وفعلا أصبح لهدى أستاذة أخرى تزورها مرارا من أجل التعلم. وبما أن السيدة كانت في سلك التدريس وأم أيضا ولها خبرة كبيرة في الحياة، فقد تمكنت من تعليم الفتاة طرقا وتقنيات خاصة، من أجل فهم دروسها وحفظ ما يتوجب عليها حفظه كي لا تعتمد بشكل كلي في دراستها على الآخرين. وبالفعل أعطت الطريقة أكلها، وكانت أشد لحظات السعادة عند الأم وهدى وأستاذتها حينما حصلت في السنة النهائية على الرتبة الثالثة في قسمها، وكل الفضل يعود بعد الله للأستاذة التي ضحت بالكثير من وقتها وجهدها لعمل في سبيل الله. وبذلك تكون الأستاذة وفرت على الأسرة ثمن الدروس الخصوصية التي كانت تنفقها، وأعطتها أملا جديدا في ابنتها التي لم يكن ينقصها سوى حسن التوجيه كي تصبح من اللامعين في دراستها. وبهذه اليد البيضاء تستحق فعلا هذه الأستاذة المعطاءة أن يكون لها نصيب من قول الشاعر: قم للمعلم وفه التبجيلا...... كاد المعلم أن يكون رسولا فهي قامت بشيء مما يقوم به الرسل وهو الهداية، فقد يسرت السبيل أمام طفلة كادت تفقد مقعدها في المدرسة بسبب جهلها لسبيل الفهم والاستيعاب الجيد لدروسها.