هدى ابرارو، استحقت لقب التلميذة النابغة، بحصولها على الرتبة الأولى في امتحانات البكالوريا على الصعيد الوطني، لذلك تخشى صديقاتها المقربات منها أن تصيبها «عين الإنس»، ويدعين الله أن يحفظها صباح مساء، حتى تتمم مسيرتها على خير وتواصل مسيرتها بتفوق ونجاح. تثني عليها كل الأطر التربوية بالثانوية التأهيلية، أبي ذر الغفاري، بحي الفتح بالعاصمة لمثابرتها واجتهادها، ورفعها «رأس» الثانوية عاليا أمام مختلف المؤسسات. «جد هادئة، تحترم الآخر، تتسم بحياء، لا تميل إلى الموضة...»، هذه هي أبرز مميزات شخصية هدى، كما نقلتها شهادات الأساتذة والأطر الإدارية والزملاء؛ وهي التلميذة النابغة التي حصلت على أعلى معدل هذه السنة في امتحانات البكالوريا مسلك العلوم الفيزيائية، وهو 18.67 على 20، حسب المقربين منها. كانت المحطة الأولى لهدى هي مدرسة خاصة بالتعليم الأولي إلى حدود مستوى الخامس ابتدائي، لتنخرط بعدها، كباقي أبناء الشعب، في مؤسسة عمومية وهي إعدادية «الأمل عبد العزيز دينيا»؛ تابعت دراستها بتفوق ونجاح إلى أن انتقلت إلى الثانوية التأهيلية أبي ذر الغفاري إلى حين حصولها على البكالوريا. اعتادت هدى مراجعة دروسها والتهييء للامتحانات مع ثلة من صديقاتها، إلى جانب المواظبة على حضور دروس التقوية، فكن يتنافسن داخل الفصل على الرتب الأولى، فاستحقت بذلك أن تشرف صديقاتها بأول معدل ليس على مستوى القسم أو على مستوى أكاديمية التربية والتكوين لجهة الرباط، بل على المستوى الوطني. اختيارها للعلوم الفيزيائية جاء نتيجة لقناعتها ولإيمانها بإمكانياتها، رغم أنها كانت متميزة في مادة الرياضيات، حيث سبق لها أن شاركت في أولمبياد الرياضيات في مستوى السنة الدراسية التاسعة، والسنة أولى بكالوريا، واحتلت الصدارة على صعيد الجهة. تنحدر الطفلة المتفوقة من أصول شمالية بمدينة القصر الكبير، غير أن مسقط رأسها كان بالعاصمة، من أبوين موظفين؛ الأب يعمل بمديرية التعليم الفلاحي التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري، والأم سعيدة قرمادي، التي تعمل تقنية في المختبر بالمعهد الصحي الوطني بالرباط، وكانا يوفران لها كل متطلبات وشروط التحصيل التعليمي المريح، ليأتي هذا اليوم فتعلن فيه ابنتهما المتفوقة الأولى وطنيا. والد هدى أحمد ابرارو، يصف ابنته ب«الحساسة، والهادئة والحريصة على احترام الغير، كما أن لباسها يتصف بالحشمة»، ويؤكد أن رياضتها المفضلة هي كرة اليد، كما تحرم كل أفراد الأسرة من متابعة أي شيء على الشاشة سوى إقصائيات «التنس» ويؤنسها شقيقها الأكبر نبيل الذي تكن له كل الحب والاحترام. دائمة المشاكسة مع أخيها الأصغر سعد الذي يدرس في مستوى السنة الثانية إعدادي، كأي شقيقين تعرف علاقتهما مراحل المد والجزر، ويبقى الغالب حنوها على آخر العنقود. هواياتها تتوزع على مطالعة مختلف الكتب والسفر عندما تتاح الفرصة، والاستماع إلى أغاني فنانتها المفضلة صباح؛ وتنصت أيضا إلى الأغاني الغربية، ونادرا ما تساعد والدتها في المطبخ وإن شمرت على ساعديها خلال العطلة، فإنها تحب إعداد الحلويات وبعض الأكلات الخفيفة. تخصص هدى جزءا من وقتها لارتياد بعض المقاهي التي تليق بفتيات يحترمن أنفسهن والآخرين، من أجل كسب احترام هؤلاء، وبرفقة صديقاتها الأربع شيماء ونزهة وبشرى وجهاد، يحرصن على أن لا يكون ارتياد المقهى فقط من أجل الترفيه عن أنفسهن والاستمتاع بتبادل الحكايات، بل لتبادل الأفكار والآراء حول عالمهن الخاص، وكذا بالتأمل والمناقشة في وسائل تحقيق أحلامهن. لكل إنسان أصدقاؤه ورفقاؤه، وقديما قالوا «قل لي من صديقك أقل لك من أنت»، وهذا يصدق على هدى، فكل رفيقاتها حصلن على معدلات مشرفة، وحصلن على شهادة البكالوريا بميزة حسن جدا، ومنهن صديقتها الحميمة جهاد التي نالت معدلا مشرفا وصل إلى 17،99. لم تعد هدى ترغب في الحديث إلى وسائل الإعلام لأنها تريد أن تظل خلف الأضواء، فكانت استجابتها في المرة الأولى إرضاء لمحيطها، ففضلت بعدها التركيز على مستقبلها الدراسي والإعداد إلى مرحلة ما بعد البكالوريا. كان طموحها متابعة دراستها بكلية الطب، كما تفكر أحيانا في ولوج الأقسام التحضيرية، لكن هناك من ينصحها بولوج جامعة الأخوين، غير أن أي اختيار لها سيباركه والداها لأنهما لا يريدان أن يفرضا عليها أي توجه، وهمهما أن تتمم طفلتهما دراستها بنجاح وتتلقى الدعم المناسب لتصبح مستقبلا امرأة يحق للمغرب أن يفخر بها. لكن يبقى سؤال الكثيرين ماذا أعدت وزارة التربية الوطنية لهدى وأمثالها؟ ألا تستحق هذه الفتاة وأمثالها أن تتكفل الدولة بنفقات دراستهم وإعدادهم كأطر لمغرب المستقبل؟