من خصوصيات الممارسة البرلمانية المغربية في انتخاب مكتب مجلسي البرلمان، التمثيل النسبي لجميع الفرق. فقد نص المشرع الدستوري في ما يتعلق بمجلس النواب في الفصل 37 من الدستور، على أنه «ينتخب أعضاء مكتب المجلس لمدة سنة على أساس التمثيل النسبي لكل فريق»، وفي الفصل 38 بالنسبة لمجلس المستشارين، على أنه «يكون انتخاب أعضاء المكتب على أساس التمثيل النسبي لكل فريق»، دون تمييز بين فرق الأغلبية أو المعارضة. وقد استصحب المُشرع في النظامين الداخليين لكل من مجلسي البرلمان، روح الدستور هاته في توزيع رئاسة اللجان الدائمة الست بين الفرق على أساس ترتيبها، الذي يستند بدوره إلى العدد الذي يتألف منه كل فريق. وهكذا نجد أنّ فرق المعارضة ممثَّلة في المكتب، ولها نصيبها من رئاسة اللجان، سواءً بسواء مع فرق الأغلبية التي لا يكون لها أي امتياز بموقعها ذاك. كما أن توزيع المناصب داخل المكتب عمليا يخضع للمنطق نفسه، على الرغم من أن المادة 16 من النظام الداخلي لمجلس النواب تنص على أنه «يقدم كل فريق إلى الرئيس أربعا وعشرين ساعة على الأقل قبل افتتاح جلسة الانتخاب، قائمة بأسماء مرشحيه، وترفض كل قائمة جاوز عدد أفرادها العدد المقرر»، وعلى الرغم من كون المادة 18 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين تؤكد المعنى ذاته، حيث إنهما معا يفيدان إمكانية أن يقع التنافس بين أكثر من مرشح ينتمون إلى فرق مختلفة، إن لم يكن حول العضوية في المكتب بسبب ضرورة التمثيل النسبي المنصوص عليها في الدستور، فإنه من الممكن أن يكون التنافس والترشيح المتعدد حول المناصب داخل المكتب، وكذا على مستوى اختيار رئاسة إحدى اللجان الدائمة. إن هذه الخصوصية المغربية، التي تعتمد مبدأ التمثيل النسبي لكل فريق في العضوية، ومبدأ ترتيبها في توزيع المناصب داخل المكتب واختيار رئاسة اللجان، تتجلى أهميتها في تمثيل المعارضة وتمكينها من المناصب التي تناسب ترتيبها. بحيث إنه بدون اعتبار هذين المبدأين وإجراء الانتخابات على أساس الأغلبية النسبية فقط في تشكيل الهياكل، ستكون المعارضة غير ممثلة. وحتى في حال تمثيلها لن تنال إلا الفاضل من المناصب والفاضل من الاختيارات التي تؤول بالضرورة إلى الأغلبية بحكم الأغلبية العددية. وفي الحال التي تكون فيها الاختيارات محدودة، كما هو الشأن بالنسبة للجان الدائمة، فإن المعارضة لن يكون لها نصيب منها. لكن على الرغم مما لانتخاب هياكل المجلس على أساس هذين المبدأين من إيجابيات، فإن للمسطرة المقررة في تنزيله سلبيتين أساسيتين هما: 1 صورية العملية الانتخابية، حيث إن الأمور تكون محسومة من قبل الشروع عملية الانتخاب، وتأسيسا عليه لا يقع الترشيح المتعدد، أو التنافس بين الفرق البرلمانية على مهمة من المهام أو اختيار رئاسة لجنة من اللجان الدائمة، وعندما يعلن الرئيس عن الاجتماع المخصص لانتخاب الهياكل، ويعلن عن المرشحين، وتجري عملية التصويت، تكون النتائج معلومة سلفا ولا يتوقع غيرها. وهذا وضع يصفه أكثر البرلمانيين بالعبثية باعتبار الوقت الذي يستهلكه في غير طائل، ويدفع بالبعض الآخر إلى الزهد في المشاركة ومقاطعة جلسة الانتخاب تلك، ومن ثم تكون العملية في حقيقتها تعيينا أكثر منها انتخابا.. 2 أن المجلس، تأسيسا على ما سبق، لا رأي له حقيقة ولا دور له في اختيار وانتخاب هياكله، بدليل أنه لا تتاح له فرصة المفاضلة بين مرشحين، ثم إنه لا يستطيع الاعتراض على أي مرشح مادام المرشح لكل منصب أو مهمة من المهام أو المسؤوليات مرشحا وحيدا لا ثاني له، وأنّ الفرق البرلمانية هي التي تقرر في الاختيار بدلا عنه. هل من مخرج؟ سؤال كنت أطرحه دائما على نفسي منذ ولجت البرلمان وشاركت في أول عملية انتخابية تتعلق بانتخاب هياكل المجلس الذي أنتمي إليه، ولا أحسب أنني الوحيد الذي تساءل وقال: هل من مخرج من هذه الانتخابات الصورية؟ في إطار البحث عن مخرج، كان مما اقترحناه بمناسبة تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، حذف التخيير في الحال الذي لا يجاوز فيه عدد المرشحين بالنسبة لكل مهمة على حدة عدد المقاعد الواجب ملؤها، مما جعل تقديم لائحة موحدة واجبا لا بديل عنه. مع العلم أن هذا هو الشكل الوحيد الذي تُقَدم به عمليا الترشيحات المتعلقة بهياكل المجلس باستثناء منصب رئيس المجلس، حيث كانت الانتخابات تجري في أوراق خاصة بكل منصب، على الرغم من أن لكل منصب مرشحا وحيدا، هو الفائز به مهما كانت الأصوات التي حصل عليها. وهذا كان يضيع وقتا أكثر ويسبب ضجرا أكبر للذين يقومون بواجب المشاركة في تشكيل الهياكل. وقد تبين لي من خلال التجربة والممارسة لأكثر من ثمان سنوات في العمل البرلماني أن هذا الاختيار، مع إيماني بإيجابيته، يحتاج من أجل مجاوزة سلبياته إلى تعديل أكبر، خاصة وأن بعض من تحملوا مسؤوليات في تدبير شؤون المجلس وفقا لهذه المنهجية أثبتت التجربة عدم توفرهم على الكفاءة المؤهلة وأن عطاءهم في التسيير لا يرقى إلى التطلعات المنشودة والمنجزات المنتظرة من المؤسسة التشريعية، بل إننا لن نفتئت على أحد إذا قلنا إن مساهمة بعضهم كانت هزيلة، ولم تكن محل رضا أعضاء المجلس. وفي هذا الاتجاه أرى أن نعدل مسطرة التصويت الخاصة بانتخاب هياكل المجلس على النحو الذي يجعل للمجلس المعني دورا أكبر ومساهمة حقيقية في اختيار مسؤوليه، ما دام الأمر مشتركا بين الفرق من جهة والمجلس المعني من جهة ثانية، دور لا يلغي دور الفرق البرلمانية في اختيار مرشحيها واقتراحهم المساهمة في تحمل مسؤولية تدبير المجلس. ولتحقيق هذا المقصد، أقترح في ما يستقبل من السنوات التشريعية القادمة أن تكون الترشيحات المتعلقة بكل منصب من المناصب المعروضة، خاصة ومنفصلة، وفقا لإحدى الصيغ الثلاث التالية: 1 إما أن يرشّح الفريق ثلاثة مرشحين من بين أعضائه لكل منصب، وينتخَب المجلس واحدا منهم بالأغلبية النسبية، 2 أو أن يكون التصويت على مرشح واحد بطريقة من مع ومن ضد، وبالتالي يشترط للفوز بالمنصب حصول المرشح على أغلبية مؤيدة، 3 أو أن يكون الظفر بالمنصب منوطا بحصول المرشح على الأغلبية المطلقة من أصوات الحاضرين، وفي الحالة التي لم يحصل فيها على الأغلبية المطلوبة، يطلب من فريقه تقديم مرشَّح غيره، وتعاد العملية حتى يحصل التوافق بين المجلس والفريق على الشخص المناسب لهما معا.