شكلت ظاهرة انتقال أعضاء البرلمان من فريق نيابي إلى آخر أو من حزب سياسي إلى آخر إشكالية سياسية في العديد من الدول الديمقراطية بالنظر لانعكاساتها السلبية أحيانا على الخريطة السياسية والمشهد السياسي واللعبة الديمقراطية والعمل البرلماني. وهذا ما جعل العديد من الدول تبحث عن إيجاد السبل الكفيلة بمعالجة هذه الظاهرة بما يضمن نوعا من الاستقرار بالنسبة للفرق البرلمانية واحترام إرادة الناخبين، حيث ذهبت بعض الدول إلى اتخاذ إجراءات قانونية صارمة للحد من هذه الظاهرة كما هو الشأن بالنسبة لاسبانيا. ويمكن القول أن المغرب قد عرف هذه الظاهرة منذ أول تجربة نيابية في 1963 عند ما لجأ الجهاز الإداري إلى «الترحال القسري» لبعض النواب، بما فيهم النواب اللامنتمون، لتقوية صفوف الأغلبية النيابية المهزوزة والهشة باستعمال جميع الضغوط والاغراءات والتهديدات التي من شأنها التأثير على هؤلاء النواب للالتحاق بالأغلبية النيابية التي يتزعمها حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية. وقد استمرت أساليب «الترحال القسري» للنواب خلال جميع المحطات الانتخابية التشريعية خلال العهد السابق سنوات 1997-1984-1977 ، لتنطلق بعد ذلك حركة «الترحال الطوعي» بالنسبة لأعضاء البرلمان، الذين وجدوا أنفسهم منخرطين في أحزاب سياسية تحت الضغط، لتتسع رقعة هذه الظاهرة عندما جعل منها بعض البرلمانيين أداة لتحقيق مصالح شخصية ومآرب ذاتية. وهذا ما جعل السلطات المغربية تفكر في معالجة هذه الظاهرة بما يضمن مصداقية المؤسسة التشريعية واحترام قواعد اللعبة الديمقراطية وإرادة الناخبين وتحصين المشهد السياسي وتثبيت دعائم الممارسة الديمقراطية، وإرساء قواعدها وتدعيم آليات عملها بما يساير متطلبات الوظيفة الدستورية للمؤسسات المنتخبة والهيئات السياسية في الأنظمة، الديمقراطية المعاصرة، وتأهيل العمل البرلماني عبر ترسيخ ممارسة برلمانية مواطنة في إطار دولة المؤسسات والحق والقانون. ولهذه الغاية أحالت الحكومة على البرلمان خلال الولاية التشريعية المنصرمة مشروع قانون يتعلق بالأحزاب السياسية بعد مشاورات واسعة مع مختلف الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية، حيث نصت المادة 5 منه على أنه إذا كان للمغاربة ذكورا وإناثا البالغين سن الرشد حق الانخراط بكل حرية في أي حزب سياسي مؤسس بصفة قانونية، فإنه لايمكن لشخص يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان تم انتخابه فيها بتزكية من حزب سياسي قائم أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتدابه أو في تاريخ المرسوم المحدد، حسب الحالة، لتاريخ الانتخابات التشريعية العامة الخاصة بمجلس النواب أو بمجلس المستشارين بالنسبة لأعضاء البرلمان المؤهلين للترشح لهذه الانتخابات. وأثناء مناقشة مشروع القانون على مستوى اللجنة النيابية المختصة بمجلسي النواب والمستشارين، أثارت هذه المادة 5 ردود فعل متباينة ذهب بعضها إلى حد اعتبار مقتضياتها غير دستورية، لكونها تتعارض مع أحكام الفصل 9 من الدستور الذي يضمن بموجبه الدستور لجميع المواطنين حرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم الى جانب حرية التجول وحرية الاستقرار بجميع أرجاء المملكة وحرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع. بينما اعتبر البعض الآخر أن مقتضيات هذه المادة تتطابق مع أحكام الدستور باعتبار أن الفقرة الاخيرة من الفصل 9 من الدستور تنص على أنه: «لايمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات الا بمقتضى قانون ، أي أن حرية الانخراط في أية هيأة سياسية مضمونة ولكنها مقيدة بعدم الانتقال من حزب سياسي الى آخر داخل الولاية التشريعية بالنسبة لاعضاء مجلس البرلمان فقط وفقا لمقتضيات المادة 5 من القانون رقم 04.36 المتعلق بالأحزاب السياسية كما وافق عليه البرلمان بمجلسيه، دون أن تكون موضوع طعن دستوري وفقا لأحكام الفقرة 2 من الفصل 81 من الدستور التي تخول للملك أو الوزير الأول أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين الحق في أن يحيلوا القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها إلى المجلس الدستوري ليست في مطابقتها للدستور، مادامت القوانين العادية لا تحال بصفة تلقائية على المجلس الدستوري يبت في مدى مطابقتها للدستور قبل الشروع في تطبيقها كما هو الشأن بالنسبة للقوانين التنظيمية والنظام الداخلي لكل من مجلسي البرلمان. وجاءت المادة 55 من قانون الأحزاب السياسية بجزاءات في حالة عدم احترام مقتضيات المادة 5 من القانون السالف الذكر تتمثل في معاقبة العضو البرلماني المعني بغرامة تتراوح ما بين 20.000 و 100.000 درهم. فهل تمكن المشرع المغربي من معالجة هذه الظاهرة من خلال مقتضيات المادة 5 السالفة الذكر التي تمنع العضو البرلماني الذي تم انتخابه بتزكية من حزب سياسي الانخراط في حزب سياسي آخر داخل الولاية التشريعية في الوقت الذي لا يتطرق فيه الدستور فيما يخص الباب الثالث المتعلق بالبرلمان إلى الأحزاب السياسية، بل إلى الفرق النيابية كما تنص على ذلك الفقرة الأخيرة من الفصل 37 من الدستور والتي يتم بموجبها انتخاب أعضاء مكتب مجلس النواب لمدة سنة على أساس التمثيل النسبي لكل فريق، وكذلك الشأن بالنسبة لانتخاب أعضاء مكتب مجلس المستشارين وفقا لمقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 38 من الدستور، الأمر الذي يشكل ثغرة قانونية في المادة 5 السالفة الذكر، مما جعل عملية ترحال أعضاء البرلمان تتم على مستوى الفرق البرلمانية وليس الأحزاب السياسية التي يبقى الانخراط فيها ضمنيا. وهل جاءت أحكام المادة 55 من قانون الأحزاب السياسية بجزاءات من شأنها معالجة ظاهرة الترحال في الوقت الذي اقتصرت الغرامة على أداء الغرامة فقط دون تحديد الجهة المحركة للدعوى، مما قد يجعل هذه الجزاءات حبرا على ورق ودون مفعول قانوني؟