لقد فتح موضوع منع أعضاء البرلمان الذين انتقلوا من حزب سياسي إلى آخر داخل الولاية التشريعية نقاشا واسعا على المستويين السياسي والتشريعي ليأخذ حيزا مهما من انشغالات واهتمامات الرأي العام الوطني. فعلى الصعيد السياسي، اعتبر البعض أن الأمر يتعلق بتخليق الحياة السياسية وعقلنة المشهد السياسي مادام الترحال يضرب في الصميم مبدأ الالتزام والانضباط السياسي الذي يشكل العمود الفقري في العمل الحزبي، خاصة عندما يتعلق الأمر بعضو برلماني يُمثل الأمة تم انتخابه على أساس برنامج انتخابي وبتزكية من حزب معين، مما يجعل ترحاله إلى حزب آخر يفقده ثقة ناخبيه لكونه لم يحترم إرادتهم، وبالتالي فسخ التعاقد السياسي والأخلاقي بين الطرفين. بينما يرى البعض الآخر في ظاهرة ترحال أعضاء البرلمان مسألة عادية تدخل في إطار حرية الفرد في الانخراط في أية منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم كما هو الشأن بالنسبة للعديد من برلمانات الدول العريقة في الديمقراطية ما دامت النخبة البرلمانية تشكل العمود الفقري للعمل البرلماني، مما يجعلها أكثر جاذبية داخل المشهد السياسي لضمان التوازن المشهود للخريطة السياسية، خاصة عندما تكون الوضعية السياسية مناسبة في غياب تأهيل حقيقي للحقل السياسي. وعلى المستوى التشريعي، فقد حاول كل طرف من أطراف المعادلة أن يبرر وجهة نظره بخصوص ظاهرة الترحال انطلاقا من قراءته وتفسيره وتأويله للمادة 5 من القانون المتعلق بالأحزاب السياسية إلى درجة أن البعض اعتبرها غير دستورية استنادا إلى مقتضيات الفصل 9 من الدستور الذي يضمن بموجبه الدستور لجميع المواطنين حرية الانخراط في أية منظمة سياسية إلى جانب الحريات الأخرى المرتبطة بطبيعة الإنسان من قبيل حرية التجول وحرية الاستقرار بجميع ارجاء المملكة وكذا حرية الرأي والتعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع وحرية تأسيس الجمعيات. غير أن هذه القراءة تبقى ناقصة وهذا التأويل يبقى ضيقا ومطبوعا بالذاتية كوسيلة لتبرير الغاية، ذلك أنه إذا كان الدستور قد نص في (الفقرة الأولى) من الفصل 9 على المبدأ العام بضمان الحريات السالفة الذكر لجميع المواطنين، فقد جاءت الفقرة الأخيرة بمقتضى تأكيدي واستدراكي في نفس الوقت بهدف تحصين ممارسة هذه الحريات حتى يكون للقاعدة الدستورية مدلولها ومغزاها وتحقق الغايات المتوخاة من إقرارها داخل المجتمع بكل مكوناته عندما نصت هذه الفقرة من نفس الفصل الدستوري على أنه: «ولايمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون». وهذا يعني أن الحريات السالفة الذكر كما أقرها الفصل 9 من الدستور يمكن أن يوضع حد لممارستها بواسطة القانون على غرار ما ورد في الفصل 10 من الدستور الذي بمقتضاه: «لا يلقى القبض على أحد وأن يعتقل ولا يعاقب إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون، حق الملكية وحرية المبادرة الخاصة مضمونان للقانون أن يحد من مداهما وممارستهما إذا دعت إلى ذلك ضرورة النمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. المنزل لا تنتهك حرمته ولا تفتيش ولا تحقيق إلا طبق الشروط والإجراءات المنصوص عليها في القانون، في الوقت الذي تعتبر فيه هذه الحقوق من حقوق الإنسان الأساسية كما أقرتها الشريعة الإسلامية، وكما أكدتها المملكة المغربية بتشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا كما جاء في تصدير الدستور. إن هذه الفلسفة القانونية بأبعادها الدستورية والتشريعية والسياسية والاجتماعية تجد تجسيدها في العديد من النصوص التشريعية التي جاءت بها الترسانة القانونية المغربية، بما فيها قوانين الحريات العامة التي صدرت في 1958، أي قبل أن يصدر أول دستور مغربي في 1962 والتي تهم أساسا: القانون المتعلق بتأسيس الجمعيات، القانون المتعلق بالتجمعات العامة العمومية، قانون الصحافة، وأخيرا القانون المتعلق بالأحزاب السياسية الذي جاء لتنظيم المشهد السياسي وعقلنته ابتداء من التأسيس إلى التمويل في أفق تأهيل الأحزاب السياسية، حتى تقوم بالمهام التأطيرية والتنظيمية والتمثيلية التي أناطها بها الفصل 3 من الدستور وكذا تخليق الحياة السياسية، بما فيها معالجة ظاهرة ترحال أعضاء البرلمان التي طرحت إشكالية حقيقية على مستوى العمل البرلماني. فجاءت مقتضيات المادة 5 من قانون الأحزاب السياسية بمنع انتقال أعضاء البرلمان من حزب سياسي لآخر داخل الولاية التشريعية. فإذا كان المشرع لم يتمكن من معالجة ظاهرة الترحال السياسي في شموليتها وبشكل صارم ونهائي من خلال مقتضيات المادة 5 من القانون المتعلق بالأحزاب السياسية، فإن هذه الأخيرة تبقى مطابقة لأحكام الدستور، بما فيها الفصل 9 منه، مادام القانون يعتبر أسمى تعبير عن إرادة الأمة يجب أن يحظى بالثقة والاحترام وتمثيل له الجميع وفقا لمقتضيات الفصل 4 من الدستور بعيدا عن المزايدات السياسية لما فيه خدمة ترسيخ دولة الحق والقانون.