يعتبر سن القانون المتعلق بالأحزاب السياسية إحدى الحلقات المميزة للمقاربة الإصلاحية المتكاملة الهادفة الى تأهيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى يتمكن المغرب من احتلال المكانة اللائقة به بين الأمم في ظل العهد الجديد الذي دشنه جلالة الملك محد السادس، ذلك أن إقرار إطار تشريعي حديث خاص بالأحزاب السياسية بأبعاده التنظيمية والتأطيرية والديمقراطية ظل على الدوام مطمحا نبيلا كافحت من أجله الأحزاب السياسية الوطنية الديمقراطية بما يضمن المساهمة في تعزيز قواعد الممارسة الديمقراطية وإرساء أركانها وتقوية آليات عملها في إطار دولة المؤسسات والحق والقانون انطلاقا من الأهداف المتوخاة من إقرار هذا الإطار القانوني والمتمثلة أساسا في عقلنة المشهد السياسي ودمقرطته وإضفاء الشفافية على تكوين الأحزاب السياسية وتسييرها وتمويلها وإعادة الاعتبار للشأن الحزبي والعمل السياسي في أفق الارتقاء بالأحزاب السياسية ليصبح رافعة قوية قادرة على تعبئة جهود وطاقات مكونات المجتمع وقواه الحية لرفع التحديات الداخلية والخارجية للبلاد. ويعد هذا الإطار التشريعي أيضا لبنة أساسية للسير قدما بالانتقال الديمقراطي الى الأمام وإنجاح رهانه وتأهيل العمل البرلماني بتجاوز البرلمانية التمثيلية التقليدية الى البرلمانية العصرية عبر ترسيخ ممارسة برلمانية مواطنة. كما أن هذا القانون يندرج في إطار منظومة إصلاحية شاملة ترتكز بالأساس على تحديث المؤسسات والهيئات السياسية ودمقرطتها وإصلاح المشهد السياسي الوطني وتأهيله بما يساير متطلبات العصر والانفتاح على روحه ويواكب تطور الوظيفة الدستورية للهيئات السياسية في الأنظمة الديمقراطية العصرية. فهل تحققت الأهداف المتوخاة من إقرار هذا الإطار التشريعي الخاص بالأحزاب السياسية كما وردت في الديباجة بعد مرور أكثر من 3 سنوات على تطبيقه وتجربة استحقاقين انتخابيين تشريعي في 2007 وجماعي 2009 للوقوف على إيجابياته وسلبياته ورصد مكامن الخلل التي تعتريه والثغرات التي تحد من فعالياته ونجاعته، خاصة فيما يتعلق بمدى مساهمة الأحزاب السياسية في تنظيم المواطنين وتمثيلهم من خلال نشر التربية السياسية ومشاركة المواطنين في الحياة العامة وتأهيل نخب قادرة على تحمل المسؤوليات العمومية وتنشيط الحقل السياسي كما نصت على ذلك مقتضيات المادة 2 من هذا القانون؟ وفيما يخص تخليق الحياة السياسية من خلال منع أي شخص يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان تم انتخابه فيها بتزكية من حزب سياسي قائم من الانخراط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتدابه وفقا لأحكام المادة 5 من القانون المذكور؟. وكذلك بالنسبة لمدى احترام مقتضيات المواد من 20 الى 24 والتي تستهدف تقوية العمل الحزبي وضمان الديمقراطية والشفافية وتطهير المشهد السياسي من الفسيفساء الحزبية التي ينحصر عملها السياسي بمناسبة الانتخابات لتصبح دكاكين لبيع التزكيات من خلال ضرورة توفر الحزب السياسي على برنامج مكتوب يحدد الأسس والأهداف التي يتبناها الحزب ونظام أساسي مكتوب تحدد بمقتضاها القواعد المتعلقة بتسيير الحزب وتنظيمه الإداري والمالي وفقا لأحكام هذا القانون ونظام داخلي يحدد كيفيات تسيير كل جهاز من أجهزة الحزب وكذا شروط وشكليات اجتماع هذه الأجهزة على أساس أن ينظم الحزب السياسي ويسير بناء على مبادئ ديمقراطية تسمح لجميع الأعضاء المشاركة الفعلية في إدارة مختلف أجهزته مع وجوب التنصيص في النظام الأساسي للحزب على نسبة النساء والشباب الواجب إشراكهم في الأجهزة المسيرة للحزب وأن تكون طريقة اختيار مرشحي الحزب لمختلف الاستشارات الانتخابية مبنية على مبادئ ديمقراطية؟ وكذلك الشأن فيما يتعلق بتأهيل الأحزاب السياسية وعقلنة المشهد السياسي والتخفيف من حدة البلقنة السياسية من خلال منح الدولة للأحزاب السياسية التي تحصل على نسبة 5% على الأقل من عدد الأصوات المعبر عنها في الانتخابات العامة التشريعية برسم مجموعه الدوائر الانتخابية دعما سنويا للمساهمة في تغطية مصاريف تدبير شؤونها كما تنص على ذلك مقتضيات المادة 29 من هذا القانون؟ وأيضا فيما يتعلق بالوصول الى تحقيق قطبية قوية كما أكد ذلك جلالة الملك في خطاب جلالته بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2005-2004 بقوله: «إن من شأن هذا القانون (قانون الأحزاب السياسية)، الذي ندعوكم للتداول فيه وإقراره، خلال هذه السنة التشريعية، أن يساعد على عقلنة وتجديد، وتحصين المشهد السياسي الوطني، وتحفيز الأحزاب المتجانسة على الاتحاد في أقطاب قوية، كما أنه يعد تجسيدا لحرصنا على توطيد التحديث المؤسسي، بما يكفل عدم إضرار التعددية الحزبية العشوائية، بالقطبية السياسية الفعالة»، عندما نصت أحكام الباب الخامس من هذا القانون على إمكانية الأحزاب السياسية في أن تنظم بكل حرية في اتحادات تتمتع بالشخصية المعنوية بهدف العمل جماعيا من أجل تحقيق غايات مشتركة. كما يمكنها أن تندمج في إطار حزب قائم أو حزب جديد على أساس أن يحل بحكم القانون كل حزب اندمج في إطار حزب قائم أو في إطار حزب جديد؟ كما نصت هذه الأحكام على استفادة اتحادات الأحزاب السياسية من الدعم السنوي الذي تمنحه الدولة للأحزاب السياسية قصد المساهمة في تغطية مصاريف تسييرها إذا قدمت بتزكية مباشرة منها مرشحين في ثلاثة أرباع عدد الدوائر التشريعية الانتخابية على الأقل شريطة حصول الاتحاد على عدد الأصوات يعادل أو يفوق 5% من مجموع الأصوات المعبر عنها. إن تحقيق الأهداف المتوخاة من هذا القانون على الوجه المطلوب على ضوء الممارسة والتجارب السالفة والاحتكاك بالواقع يقتضي إعادة النظر في بعض مقتضياته بما يخدم تطوير الممارسة الحزبية والانخراط في منظومة الاصلاح الشامل للحقل السياسي الوطني وإنجاح مسيرة التحديث المؤسساتي وتحصين المسار الديمقراطي مما قد يعترضه من تعثرات مادام هذا القانون لا يشكل هدفا في حد ذاته بقدر ما يعد أداة لتمكين الأحزاب السياسية من إطار تشريعي يعيد للمشهد السياسي اعتباره وللعمل السياسي مصداقيته حتى تشكل الأحزاب السياسية مدرسة حقيقية لترسيخ ثقافة وقيم المواطنة والمساهمة في تأطير وتنظيم وتمثيل المواطنين وتدبير الشأن العام على الصعيد المحلي والإقليمي والجهوي والوطني لما فيه ضمان إعطاء الممارسة الديمقراطية مدلولها الحقيقي في مختلف مجالات الحياة.