سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الوزير الأول يترأس ملتقى دراسيا للأغلبية الحكومية مواصلة المنحى الإصلاحي الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس من أجل تعزيز الاختيار الديمقراطي وتقوية البناء المؤسساتي
تحت شعار » معا لتعميق مسار الإصلاح « التأمت أحزاب الأغلبية في ملتقى دراسي ،يوم الاثنين 26 أبريل 2010 بالرباط ، لدراسة سبل تفعيل وتقوية ميكانيزمات التواصل بين فرق الأغلبية البرلمانية والحكومة، والقيام بوقفة استشرافية جماعية لآفاق العملين الحكومي والبرلماني . وتوزع هذا الملتقى التشاوري حول جلستين ، الأولى كانت سياسية بامتياز تحدث في كل من الوزير الأول عباس الفاسي ، صلاح الدين مزوار رئيس التجمع الوطني للأحرار ، وعبدالواحد الراضي الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومحند العنصر الأمين العام للحركة الشعبية، واسماعيل العلوي الأمين الاعم للتقدم والاشتراكية ،في حين أن الجلسة الثانية كانت ذات طابع تقني تهم كيفية تطوير التنسيق بين الحكومة والأغلبية البرلمانية، وتدخل فيها الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان ورؤساء فرق الأغلبية بمجلس النواب والمستشارين. وقد أجمع المتدخلون في هذا الملتقى على ضرورة الرقي بأداء المؤسسة البرلمانية وتقوية التواصل بينها وبين الحكومة بما يخدم تسريع العملين الحكومي والتشريعي، وتم التأكيد على أن الوزير الأول، تنفيذا للوعد الذي قطعه على نفسه سابقا ، سيقدم تصريحا أمام البرلمان خلال شهر ماي المقبل، والذي سيستعرض فيه حصيلة العمل الحكومي خلال الفترة الماضية من عمر الحكومة ، بالمعطيات والإحصاءات المرقمة .. وتميز الملتقى الدراسي بكلمة الوزير الأول الأستاذ عباس الفاسي التي ننشر نصها الكامل في مايلي : باسم الله الرحمان الرحيم السادة الرؤساء و الأمناء العامون للأحزاب السياسية السيدات والسادة الوزراء السيدات والسادة البرلمانيون المحترمون اسمحوا لي في البداية أن أعبر لكم عن اعتزازي وسعادتي للاجتماع بمكونات الأغلبية الحكومية اليوم، في إطار التشاور والتواصل الدائم الذي طبع علاقاتنا، وفي سياق تأصيل التقاليد الديمقراطية في الحياة السياسية المغربية. وأغتنم هذه المناسبة لأجدد تهانئي للأخ عبد الواحد الراضي على إثر انتخابه رئيسا لمجلس النواب و على الثقة التي حضي بها من قبلكم، ولا يسعني إلا أن أنوه بالتماسك والانسجام الذي أبان عنه تحالف أحزاب الأغلبية، كما أود أن أنوه بالعمل الجيد الذي قام به الأخ مصطفى المنصوري خلال رئاسته لمجلس النواب. إن هذا الاجتماع يأتي قبيل موعد التصريح الذي أعتزم إن شاء الله تقديمه أمام البرلمان والذي سبق للأخ محمد سعد العلمي أن أعلن عنه خلال شهر أكتوبر الماضي حينما كان يشغل منصب الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، وذلك نظرا للتقدير الذي أكنه للمؤسسة التشريعية، ومساهمة في ترسيخ هذا التقليد الديمقراطي الهام. إن اجتماعنا اليوم يأتي في ظل دينامية غير مسبوقة للإصلاحات الكبرى التي يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله والتي تتوخى ترسيخ الديمقراطية الحقة، والتنمية الشاملة والمستدامة، والمواطنة الكريمة في إطار مجتمع متماسك ومتضامن. وفي هذا السياق، علينا أن نكون في مستوى اللحظة السياسية والتحول الديمقراطي الذي تعيشه بلادنا، بتعبئة كافة جهودنا كمؤسسات دستورية وسياسية، للاستجابة للرهانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة علينا، واعتماد حكامة جديدة لعلاقات الحكومة بالبرلمان، أساسها التواصل المستمر والتنسيق المحكم، والنجاعة في التدخلات والتكاملية في الوظائف وذلك في إطار التعاون والاحترام المتبادل بين المؤسستين الدستوريتين. كما أننا مطالبون بالرفع من مستوى النقاشات السياسية، والتمسك بأخلاقيات العمل البرلماني الرصين في إطار التواصل الدائم والاحترام المتبادل، وأن تكون مساهمة فرقنا البرلمانية مساهمة واعية ومسؤولة غايتها تغليب المصلحة العليا لبلادنا على أي اعتبار آخر . إن الحكومة الحالية قوية أولا بثقة جلالة الملك نصره الله وأيده، وثانيا بثقتكم في برنامجها المؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي. وفي هذا الإطار، فقد حرصنا على أن يشمل البرنامج الحكومي أهم مضامين البرامج الانتخابية للأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، وذلك حتى نعطي للالتزام السياسي والحزبي دلالته الحقيقية وعمقه الديمقراطي عبر الوفاء بالتزاماتنا تجاه المواطنين. وأستطيع أن أؤكد لكم أنه رغم الظرفية الاقتصادية الصعبة ، فإننا ننفذ اليوم هذه الالتزامات على أرض الواقع وفق الأجندة المحددة لذلك، والمكاسب والحمد لله، أصبحت جلية للعيان، إلا لمن يصر على التشويش والتعتيم، وسنستمر في أجرأة برنامجنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي بفضل دعمكم وتعبئتكم، للوصول جميعا حكومة ومكونات الأغلبية إلى حصيلة مميزة إن شاء الله ، سنقدمها سنة 2012، وسنقوم بذلك بكل افتخار واعتزاز، إيمانا منا بقيم الحكامة الرشيدة في العمل السياسي لأننا نعتبر أنفسنا شركاء متضامنين في تدبير هذه المرحلة الهامة في المسار السياسي والتنموي لبلادنا. حضرات السيدات والسادة نحن مدعوون خلال هذا الاجتماع إلى دراسة سبل تفعيل وتقوية ميكانزمات التواصل بين فرق الأغلبية والحكومة من جهة، ومن جهة ثانية القيام بوقفة استشرافية جماعية لآفاق العمل الحكومي ، ومناقشة مساره ، وإبداء الرأي في القضايا والمشاريع الكبرى التي تبنى مستقبل المغرب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ولا بد من التذكير أن آليات التواصل والحوار بيننا تشتغل بشكل متواصل سواء في إطار التنسيق والتشاور في شأن القضايا الكبرى أو من خلال التداول في مشاريع ومقترحات القوانين . كما أن الحكومة تتجاوب مع وظيفة الرقابة الذي تقومون بها على الأداء الحكومي. إلا أنه وبالرغم من ذلك، فنحن مطالبون حكومة وبرلمانا ببذل مزيد من الجهود والانكباب على دراسة سبل الرفع من مستوى أدائنا التواصلي بما يقوي أدوارنا الدستورية و السياسية ، في إطار تكامل في الوظائف والأهداف. كما ينبغي عقلنة العمل البرلماني وذلك طبقا لتوجيهات جلالة الملك محمد السادس نصره الله الواردة في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية لسنة 2007-2008 ،حيث دعا فيه حفظه الله إلى «التنسيق والتعاون بين مجلسي النواب والمستشارين ، في اتجاه عقلنة وترشيد عملهما باعتبارهما برلمانا واحدا، تتكامل فيه الأدوار، وليس برلمانين مختلفين». لذلك فمن اللازم الشروع في ملاءمة آليات اشتغال كلا المجلسين في اتجاه إقرار حكامة العمل البرلماني وتوخي التكامل والنجاعة والفعالية، وهذا يتطلب منكم الانكباب على مراجعة النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان لملاءمتهما وتحديث أساليب اشتغال المجلسين. كما أننا مدعوون لإيجاد السبل الكفيلة بتحسين آليات التنسيق فيما بين فرق الأغلبية على صعيد مجلسي النواب والمستشارين، وكذلك على صعيد عمل اللجان البرلمانية. وفي هذا الصدد قررنا إعطاء دينامية جديدة لعمل الهيئة العليا للتنسيق بين الحكومة والأغلبية والتي أترأسها وتضم في عضويتها الوزراء الذين يمثلون مختلف الحساسيات السياسية للحكومة، ورؤساء الفرق البرلمانية، وذلك بتكثيف اللقاءات التواصلية، بهدف تحسين التنسيق والتشاور والرفع من أدائنا السياسي داخل البرلمان. وفي هذا السياق، أؤكد هنا أن الحكومة تولي أهمية خاصة للعمل البرلماني على كافة المستويات، ورغم بعض الإكراهات، فإن الحصيلة مرضية، حيث بلغ عدد مقترحات القوانين التي وافق عليها البرلمان منذ بداية الولاية الحالية إلى 11 مقترح قانون همت مختلف المجالات منها8 مقترحات مصدرها فرق الأغلبية ، وإثنان مصدرها جميع الفرق، ومقترح واحد للمعارضة . في حين لم يتجاوز عدد المقترحات التي صادق عليها البرلمان خلال مجموع الولاية السابقة 5 مقترحات فقط، ونتطلع إلى مضاعفة المصادقة على مقترحات الأغلبية خلال ما تبقى من هذه الولاية. وعلى مستوى مراقبة العمل الحكومي، فالحكومة تعبر دائما عن كامل استعدادها للإجابة عن أسئلة السادة البرلمانيين ،وفي هذا السياق فإنني أؤكد استعداد السادة الوزراء للحضور المستمر في الجلسات الأسبوعية للأسئلة الشفوية، إلا في الظروف والحالات الاستثنائية التي تم التوافق في شأنها. وفي نفس السياق ، لا بد من التفكير الجماعي في إيجاد آليات تنسيق العمل بين فرق الأغلبية في اتجاه إقرار حكامة لجلسات الأسئلة الشفوية ، والعمل على تكثيف اللجوء إلى الأسئلة المحورية التي يكون موضوعها قضية كبرى أو ملفا مهما ،لكي يحضى بالمناقشة السياسية المعمقة داخل البرلمان وبقدر ما نحن مطالبون بحكامة للأسئلة، بقدر ما أدعو السادة الوزراء إلى مواصلة الاجتهاد أكثر في تقديم أجوبة واضحة معززة بالأرقام والمعطيات الضرورية وبأسلوب سهل ومباشر. ولعل الرفع من أداء جلسات الأسئلة الشفوية لجعلها جلسات للمناقشة السياسية المشوقة وبعمق وجاذبية أكثر ، سيجعل منها إحدى المداخل الأساسية لإعادة الاعتبار للعمل السياسي ، ومن ثمة سيكون لها تأثير مباشر على الرفع من مستوى المشاركة السياسية والتقليل من نسبة العزوف واللامبالاة. وعلى مستوى آخر، فإنني أعرف أن البرلمانيين محملين دائما بملفات وقضايا وانشغالات المواطنين ومطالبهم الجماعية ، لهذا فإني أهيب بأعضاء الحكومة لإيلاء العناية والاهتمام الكامل للقضايا والملفات التي يطرحها السادة البرلمانيين على قطاعاتهم الوزارية من أجل حل المشاكل العالقة والاستجابة قدر الإمكان لطلبات البرلمانيين المتعلقة بتدبير الشأن العام. حضرات السيدات والسادة، لا زلنا نواصل اليوم بكل عزم وإرادة المنحى الإصلاحي الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس نصره الله ، والذي يروم تعزيز الاختيار الديمقراطي وتقوية البناء المؤسساتي، وترسيخ دولة الحق والقانون، وضمان حقوق الإنسان وصيانة الحريات العامة ، وإعادة الاعتبار للشأن السياسي، ومواصلة الأوراش الكبرى والسياسات القطاعية المندمجة، وتكريس النهج الاجتماعي في السياسات العمومية لبناء مجتمع متماسك ومتضامن ، يوفر المواطنة الكاملة والعيش الكريم. لقد راكمت بلادنا مكاسب مهمة في مجال توطيد وترسيخ الاختيار الديمقراطي، ولعل اعتماد جلالة الملك للمنهجية الديمقراطية بتعيين الوزير الأول من الحزب الذي تصدر نتائج الانتخابات التشريعية، يعتبر حدثا مفصليا هام في المسار الديمقراطي ببلادنا، وقد أعطى هذا التوجه دينامية جديدة في الحياة السياسية وبرز التنافس بين الأحزاب السياسية على أفق ديمقراطي واضح وشفاف. ونحن مطالبون بتثمين هذه التجربة، لأنها ليست تجربة حزب معين، ولكنها تجربتنا جميعا، تجربة المغرب في مجال تقوية بنائه الديمقراطي وترسيخ تقاليده الديمقراطية بجعل صناديق الاقتراع هي الفيصل والحكم في اختيار البرامج السياسية التي سيدار بها الشأن العام. إن بلادنا ماضية بلا هوادة في بناء صرحها الديمقراطي وتعزيز وتقوية مؤسساتها الدستورية، وإقرار حكامة مؤسسات الدولة، لذلك فنحن نباشر إصلاحات مؤسساتية عميقة كإصلاح القضاء وفق المجالات الستة للإصلاحات التي حددها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطاب ثورة الملك والشعب لسنة 2009، وإصلاح الإدارة وتحديث أساليب اشتغالها وإرساء آليات الإدارة الالكترونية. هذا بالإضافة إلى أوراش هيكلية كبرى ستعيد صياغة علاقة الدولة بباقي الوحدات الترابية على أساس التكاملية في الوظائف، وتدبير القرب، وفي طليعتها ورش الجهوية الموسعة، الذي نادى به جلالة الملك محمد السادس نصره الله. إن إحداث جلالة الملك للجنة ملكية استشارية لإعداد نموذج مغربي مغربي حول الجهوية الموسعة، مبادرة تكتسي أهمية بالغة بالنظر إلى التحولات العميقة التي سيحدثها هذا المشروع على مستوى تطبيق اللامركزية ببلادنا، وما سيتيحه ذلك من إقرار حكامة جديدة لهياكل الدولة ونهج تنمية جهوية حقيقية تستجيب للرهانات الاقتصادية وللحاجيات الاجتماعية والثقافية للمواطنين. إن مغربا جديدا سينبثق من هذه الدينامية الإصلاحية المقدامة، وعلينا أن نكون في مستوى هذه اللرهانات السياسية الحاسمة في مسار وطننا، بالمساهمة الفعالة في بلورة مشاريع هاته الإصلاحات، تماشيا مع نهج الديمقراطية التشاركية التي تبنته بلادنا. لذلك فإننا سنعمل خلال الفترة المقبلة على تعزيز الاختيار الديمقراطي ببلادنا، بالعمل على تقوية اللامركزية والاستجابة بالسرعة دون التسرع لورش الجهوية الموسعة ، وإعداد مشروع اللاتركيز الإداري الذي سيعيد صياغة علاقة الإدارة المركزية بالإدارات اللاممركزة بإعادة النظر في الإطار المؤسساتي والتنظيمي للإدارة المغربية وربط إصلاح الهياكل الإدارية وتدعيم المصالح اللاممركزة بتوزيع السلطات والموارد المالية بين المركز والمحيط على أساس التعاقد على البرامج والأهداف. وبالإضافة إلى مشروع اللاتركيز الإداري ، فإننا مطالبون بالانكباب على العديد من الإصلاحات الأخرى المواكبة للجهوية الموسعة، كتعديل القانون التنظيمي للمالية وباقي النصوص القانونية والتنظيمية ذات الصلة ، وصياغة مشروع إعادة انتشار الموظفين، وإحداث صندوق للتضامن بين الجهات.. إلى غير ذلك من الإصلاحات الضرورية لإنجاح مشروع الجهوية الموسعة ببلادنا. وفي ظل هذا الأفق الواعد ، من اللازم الانكباب منذ الآن على التهييئ الجيد للانتخابات التشريعية المقبلة ، حتى لا نقع تحت ضغط عامل الزمن ، وأن نباشر العديد من الإصلاحات التي بينت الممارسة أهميتها وضروريتها، وهي المتعلقة أساسا بمراجعة القانون الانتخابي، والتقسيم الانتخابي، وقانون الأحزاب ، ومعالجة ظاهرة الترحال السياسي، وتقوية النزاهة عن طريق محاربة استعمال المال لشراء الذمم في الانتخابات، وذلك من أجل تخليق المشهد الانتخابي وإقرار الحكامة السياسية وتحصين المكتسبات، وإعادة الاعتبار للشأن السياسي حتى يكون المغرب هو الفائز السياسي الأول في استحقاقات 2012 بحول الله. حضرات السيدات والسادة ستظل الحكومة حريصة كل الحرص على تقوية نهجها الاجتماعي وتوجهها الإصلاحي وتثبيت الركائزَ الأساسية للميثاق الاجتماعي الجديد الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس أيده الله ونصره، والذي نعمل جاهدين على إرسائه من أجل بناء مجتمع متضامن ومتوازن يضمن العيش الكريم وفرص الارتقاء الاجتماعي لجميع المواطنات والمواطنين أينما كانوا داخل ربوع المملكة. وبهذه المناسبة فإن الحكومة إذ تثمن الحصيلة الإيجابية والوقع الملموس للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية على مستوى تحسين عيش الساكنة المستهدفة، لتعمل على أجرأة التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس أيده الله ونصره في شأن إعطاء دفعة جديدة وقوية لهذا الورش الملكي المفتوح بهدف تسريع وتيرة إنجازاتها، وتحسين نجاعة برامجها واستمرارية مشاريعها، وتطوير التقائيتها مع السياسات العمومية والمخططات الجماعية للتنمية ومشاريع حساب الألفية. وتماشيا مع فلسفة الاستهداف التي اعتمدتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، فإن الحكومة تركز مجهوداتها اليوم على إنصاف العالم القروي والمناطق الجبلية، في إطار سياسات عمومية مندمجة تهدف إلى محاربة الفقر والهشاشة وتوفير الخدمات الضرورية لتحسين ظروف عيش المواطنين. وبهدف إنصاف الفئات الفقيرة والمعوزة ، باشرنا إصلاح صندوق المقاصة حيث شرعنا في الاستهداف المباشر عبر إطلاق برنامج «تيسير»الذي يقدم الدعم المالي لهاته الأسر والمشروط بتمدرس الأبناء وذلك لمحاربة ظاهرة الهدر المدرسي. وعلى نفس المنوال شرعنا في استهداف الفئات الأكثر فقرا وهشاشة عبر تحسين ولوج المواطنين إلى العلاج والتخفيف من تكاليفه في إطار نظام المساعدة الطبية الذي بدأنا في تطبيقه على مستوى جهة تادلة أزيلال، وسيتم تعميمه على باقي جهات المملكة انطلاقا من هذه السنة، كما وضعنا مشروع خريطة صحية جديدة لضمان العدالة والإنصاف في العرض الصحي من خلال تقليص التفاوت ما بين الجهات وما بين الوسط القروي والوسط الحضري. وعلى مستوى السكن، ستواصل الحكومة تشجيع السكن الاجتماعي والسكن منخفض التكلفة، وتخصيص منتوج سكني خاص بالطبقة الوسطى، وتمكين الأسر المغربية المعوزة من السكن الكريم في إطار برامج القضاء على البناء العشوائي والسكن غير اللائق وتسريع وتيرة إنجاز مدن بدون صفيح. وفيما يخص الحماية الاجتماعية، سنقوم بإخراج صندوق التكافل العائلي ، وتوسيع التغطية الصحية لتشمل شرائح اجتماعية ومهنية أخرى كالطلبة وأصحاب المهن الحرة..، والاهتمام بالمسنين والمعاقين. إن سياسة الاستهداف لن تكتمل بدون إصلاح منظومة التربية والتكوين، لذلك فنحن عازمون على تسريع البرنامج الاستعجالي للتربية والتكوين للرقي بجودة التعليم العمومي، وتأهيل العنصر البشري للانخراط في سوق الشغل وفي دينامية التنمية . وتعزيزا لهذا التوجه الاجتماعي حرصت الحكومة على مأسسة الحوار الاجتماعي، وبذلنا مجهودات استثنائية لتحسين الدخل حيث بلغ مجموع ما خصصناه للحوار الاجتماعي 17 مليار درهم همت الرفع من الأجور، والتخفيض من الضريبة على الدخل على الدخل ، والرفع من الأجر الأدنى بالوظيفة العمومية من 1560 درهما إلى 2450 درهم ، وذلك عن طريق حذف سلالم الأجور من 1 إلى 4، والزيادة في التعويضات العائلية والحد الأدنى للمعاشات، وإقرار التعويضات العائلية لأول مرة في القطاع الفلاحي، وتوسيع سلة العلاجات لأجراء القطاع الخاص لتشمل كل الأمراض، و الزيادة في قيمة التعويضات الممنوحة لضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية بنسبة 20 % إلى غير ذلك من المكتسبات التي لا يسمح الوقت باستعراضها كلها بالتفصيل. وبنفس الروح سنواصل الحوار مع المركزيات النقابية في إطار مأسسة الحوار الاجتماعي الانكباب على وضع اللامسات الأخيرة المتعلقة بإقرار التعويض عن العمل في المناطق الصعبة والنائية بالعالم القروي، كما تم قطع أشواط كبيرة في الدراسة والإعداد لإحداث نظام التعويض عن فقدان الشغل، هذا فضلا عن إصلاح نظام التقاعد و مراجعة منظومة الأجور. حضرات السيدات والسادة لقد تمكن المغرب بفضل دينامية الإصلاحات الهيكلية التي ميزته خلال العشرية الأخيرة، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، من إرساء دعائم اقتصاد أكثر دينامية، استطاع من خلالها أن يلج مسارا جديدا من النمو وأن يكتسب مناعة مكنته من مقاومة الصدمات الداخلية والخارجية ومن تحسين ظروف عيش الساكنة وتقليص الفقر بشكل ملموس. وهكذا وبالرغم من أزمة الغذاء وأزمة البترول والأزمة الاقتصادية العالمية، استطاعت الحكومة مواجهة هذه الأزمات والتصدي لها، حيث حققنا معدل نمو يفوق 5.6 % برسم سنة 2008، ووصل معدل النمو إلى 5.3 % في سنة 2009. وقد استطعنا في السنتين الماضيتين التحكم في معدل التضخم، إذ لم يتجاوز في سنة 2009 واحد (1) في المائة. وقد تم هذا بفضل تعبئة الحكومة لأزيد من 50 مليار درهم خلال سنتي 2008 و2009، لدعم المواد الأساسية للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، هذا بالإضافة إلى تحسين الدخل في إطار الحوار الاجتماعي. وتواصل الحكومة تسريع وتيرة الاوراش التنموية الكبرى والمهيكلة عبر تكثيف الاستثمار العمومي وإعطائه دفعة قوية لما له من أثر مباشر على النشاط الاقتصادي، وتعزيز الطلب الداخلي و خلق فرص الشغل. وبفضل هذه الدينامية في الاستثمار و الاستراتيجيات القطاعية الواعدة التي أطلقتها الحكومة وبفضل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، استطعنا تخفيض معدل البطالة من 9.6 سنة 2008 إلى 9.1 سنة 2009 في ظل ظرفية اقتصادية عالمية صعبة. حضرات السيدات والسادة ، لقد شرعنا بتوجيهات من جلالة الملك في إطلاق جيل جديد من الإصلاحات وفق نظرة استباقية ومستقبلية ، وذلك عبر اعتماد استراتيجيات قطاعية واعدة تبني مستقبل المغرب على المدى المتوسط والبعيد وتتغيى تنويع مصادر النمو والاستجابة لرهانات التنمية المستدامة ولحق الأجيال الحالية والقادمة في العيش في بيئة سليمة ونظيفة تضمن لهم الأمن والصحة والرخاء الاقتصادي. ويتعلق الأمر بمخطط المغرب الأخضر للنهوض بقطاع الفلاحة وتقوية إنتاجيته، والإستراتيجية المائية التي تعتمد منظورا شموليا ومندمجا لتحسين تدبير الثروة المائية، ومخطط «هاليوتيس» للصيد البحري، والميثاق الوطني للانبثاق الصناعي بهدف إرساء دعائم قطاع صناعي قوي يساهم في إحداث الثروات وخلق فرص هامة للشغل، والاستراتيجية الطاقية من أجل تقليص التبعية الطاقية و تنويع المصادر والحفاظ على البيئة، و إستراتيجية «المغرب الرقمي»لإدماج المغرب في الاقتصاد العالمي للمعرفة ، والتحضير لرؤية 2020 للقطاع السياحي، والاستمرار في تفعيل بنود رؤية 2015 للصناعة التقليدية. وبالموازاة مع كل هذه الأوراش الإصلاحية الكبرى، تولي الحكومة اهتماما كبيرا لتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني بوضع آليات لتعزيز جاذبيته وجعل المغرب قاعدة للاستثمار والتصدير وذلك باعتماد سياسة تحفيزية للصادرات و تحسين العرض وتكييفه مع الفرص المتاحة على المستوى الدولي وذلك لمواجهة تدهور ميزان الأداءات الذي يبلغ عجز حسابه الجاري 5 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، خاصة في ظل ظرفية غير مستقرة، تميزت بتراجع الطلب الخارجي الموجه للمغرب. وتماشيا مع هذا التوجه تم إعداد الاستراتيجية الوطنية لتطوير التنافسية اللوجيستيكية، والتي تم تقديمها أمام جلالة الملك خلال الأسبوع الماضي وهي الاستراتيجية التي ستمكننا على مدى عشر سنوات من ربح قيمة مضافة تقدر بعشرين مليار درهم. ومن أجل توفير الشروط والضمانات القانونية والمؤسساتية و التنظيمية المحفزة على الاستثمار، ستواصل اللجنة المكلفة بمناخ الأعمال تفعيل مجموعة من الأهداف الإستراتيجية الكبرى الرامية إلى إصلاح المناخ العام للاستثمار ببلادنا. حضرات السيدات والسادة لقد قامت الحكومة بإرساء دعائم حكامة جديدة ستلعب دورا أساسيا في إنجاح السياسات العمومية التي تتبناها الحكومة والهادفة إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطنين ، وضمان تموقع أحسن للاقتصاد الوطني في مرحلة ما بعد الأزمة، وتحسن تنافسيته وقدرته على جلب الاستثمارات وعلى توفير فرص جديدة للشغل. وهكذا، فقد انتهجنا المقاربة التشاركية مع جميع الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين ، وعملت الحكومة على وضع الإطار المؤسساتي لذلك ، سواء في إطار الحوار الاجتماعي، أو في إطار لجنة اليقضة الاستراتيجية لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، أو من خلال تفعيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وتماشيا مع حكامة تدبير الشأن العام، انتقلنا من التدبير المركزي إلى التدبير المجالي من خلال أسلوب التعاقد بين الدولة والجهات ، كالبرامج التعاقدية التي همت مخطط المغرب الأخضر، والماء والبئية، والتعليم العالي، والاقتصاد الاجتماعي والتضامني .. إلخ ، وذلك لدعم انبثاق أقطاب تنافسية مجالية مندمجة حقيقية ترتكز على حكامة ترابية أكثر نجاعة وأفضل تناسقا على الصعيدين المحلي والوطني، تمهيدا لمشروع الجهوية الموسعة التي نادى بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله . وفيما يتعلق بمواجهة الأزمات الداخلية والخارجية ، فقد اعتمدنا التدبير الاستباقي والهيكلي لهذه الأزمات، كالتدابير التي اتخذناها لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية ، وتلك المتعلقة بتدبير تداعيات الفياضانات التي عرفتها بلادنا لسنتين متتاليتين وذلك وفق منظور يتجاوز المعالجة الظرفية إلى المقاربة الهيكلية و خصصت الحكومة، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية ، مبلغ مليار و670 مليون درهم ،ضمن برنامج استعجالي لمواجهة تداعيات الفيضانات التي شهدتها مؤخرا بعض مناطق المملكة، هذا بالإضافة إلى تخصيص أكثر من مليار درهم السنة الماضية. ونظرا للطابع المتواتر والهيكلي المحتمل للفيضانات فقد وضعنا مشروع قانون يتعلق بالكوارث الطبيعية، وأعددنا برنامجا للوقاية يتوخى إنشاء عشرات السدود الصغيرة والمتوسطة. إن تحقيق التنمية المستدامة ببلادنا يتطلب المحافظة على البيئة وعلى الموارد الطبيعية ، لذلك فقد أولينا للبعد البيئي مكانة خاصة في كل السياسات العمومية والمخططات الإستراتيجية التي تنخرط فيها الحكومة في إطار ما أصبح يصطلح عليه بالاقتصاد الأخضر، وأعطيت بتوجيهات من جلالة الملك نصره الله انطلاقة المسلسل التشاوري حول الميثاق الوطني للبيئة والذي نتوخى من خلاله انخراط الجميع في دينامية الحفاظ على البيئة ومحمياتها ومواردها الطبيعية. حضرات السيدات والسادة إن بلادنا تبني تحت قيادة جلالة الملك نصره الله صرحها المؤسساتي والديمقراطي والتنموي بكل إرادة وثبات ، ونحن مطالبون جميعا حكومة وأغلبية برلمانية بتعبئة كافة جهودنا لإنجاح هذه المرحلة المميزة في مسيرة بلادنا على المستوى السياسي و الاقتصادي والاجتماعي، هاجسنا الجماعي بناء مغرب قوي في ظل مجتمع متماسك ومتضامن وتنمية اقتصادية مستدامة تضمن الارتقاء الاجتماعي والعيش الكريم للمواطنين. وفقنا الله لما فيه الخير والنماء لبلادنا تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.