يرى صاحب مؤلف «المرافق العامة الكبرى» والأستاذ الباحث في القانون العام بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، محمد الأعرج، أن مسألة الترحال السياسي تجعل المهتم يتساءل عن ماهية القيمة السياسية للهيئة الناخبة وكذا للأحزاب السياسية ولكل القوانين، مشيرا إلى أن الظاهرة تؤثر سلبا على الدور التأطيري للمواطن الذي يخوله القانون للأحزاب من أجل خلق مناخ ملائم وجعل الأداة الحزبية أداة وصل فعالة بين الدولة والفرد. - هل يمكن الحديث عن وجود ظاهرة للترحال السياسي بالمغرب؟ < إنها تعني أيضا إشكالية عدم استقرار النخب البرلمانية، التي تظهر من خلال الحصول على التزكيات من أحزاب مختلفة أو متباينة سياسيا، حسب تعاقب الدورات الانتدابية من طرف نفس المرشح، فمن الأشخاص من حصل على التزكية في الانتخابات التشريعية لسنة 2002 من حزب يساري، وفي الانتخابات التشريعية لسنة 2007 حصل عليها من حزب يميني، أو يظهر ذلك أيضا من خلال عامل تنقل البرلمانيين من حزب إلى حزب آخر، أو من فريق إلى فريق داخل مدة الانتداب في نفس الولاية التشريعية، وهو ما يعرف بظاهرة البرلمانيين الرحل. ولذلك فإن هذه السلوكات تجعل المهتم يتساءل حول ماهية القيمة السياسية للهيئة الناخبة، وللأحزاب السياسية وللقوانين والقانون الأسمى، أي الدستور، إذا كان المرشح لا يحترم إرادة اختيار الأحزاب والناخبين، خصوصا أن المادة الخامسة من قانون الأحزاب تنص على أن «للمغاربة ذكورا وإناثا البالغين سن الرشد أن ينخرطوا بكل حرية في أي حزب سياسي مكون بصفة قانونية». غير أنه لا يمكن لشخص يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان، وتم انتخابه فيها بتزكية من حزب سياسي قائم، أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتداب أو في تاريخ المرسوم المحدد، حسب الحالة، لتاريخ الانتخابات التشريعية العامة الخاصة بمجلس النواب أو بمجلس المستشارين بالنسبة لأعضاء البرلمان المؤهلين للترشيح لهذه الانتخابات. - كيف يرى الباحث الأكاديمي ظاهرة ترحال النواب البرلمانيين من حزب إلى حزب آخر؟ < ظاهرة ترحال النواب ظاهرة تمس بالالتزامات السياسية وتمس أيضا بالالتزامات القانونية، كما تمس كذلك بأخلاقيات التعامل داخل المؤسسات السياسية، وبالتالي فإنها تؤثر سلبياعلى المشهد السياسي المغربي وكذا على الأخلاقيات السياسية. ويمكن أن نستنتج من ظاهرة الرحل ومن خلال هذا الانتقال السلبي، للأسف، مدى التأثير الذي تحدثه حركية النواب أو المستشارين من فريق إلى آخر أو من هيئة سياسية إلى أخرى، على تركيبة الأجهزة البرلمانية، وهو ما يؤثر على الاستقرار المؤسساتي داخل البرلمان بمجلسيه، خصوصا على عمل اللجان الدائمة بالنظر إلى كون تركيبة هذه الأخيرة تتحدد على أساس التمثيل النسبي للفرق. وتفسر هذه الظاهرة كذلك بالإخلال بمجموعة من القواعد والالتزامات، والإخلال بالتزام قانوني وسياسي، وعدم الحفاظ على الحد الأدنى من أخلاقيات التعامل داخل المؤسسة السياسية. - الانتقال ما بين الأحزاب يمكن أن يكون ظاهرة صحية ومرتبطة بحرية الأشخاص، لكن متى تصبح الظاهرة عكس ذلك؟ < لابد من التأكيد في البداية على أن الحزب يعتبر تنظيما دائما يتمتع بالشخصية المعنوية ويؤسس بمقتضى اتفاق بين أشخاص طبيعيين، يتمتعون بحقوقهم المدنية والسياسية، ويتقاسمون نفس المبادئ قصد المشاركة في تدبير الشؤون العمومية بطرق ديمقراطية ولغاية غير توزيع الأرباح. وبهذا المعنى يمكن أن يكون الانتقال ما بين الأحزاب ظاهرة صحية ومرتبطة بحرية الأشخاص عندما يكون الشخص غير مقيد بانتداب انتخابي داخل مؤسسات البرلمان أو مؤسسات أخرى تمثيلية. - بالنسبة إلى الحالة المغربية، ما هي الظروف التي تشجع وتكرس هذه الظاهرة؟ < هناك عدة عوامل وأسباب تشجع هذه الظاهرة، ونستطيع أن نذكر من ذلك عدم التزام الأحزاب السياسية بالقانون المؤسس لها، خصوصا التأويل السلبي والخاطئ للعديد من المقتضيات الواردة في قانون الأحزاب السياسية، لأن هذا الأخير جاء ليعيد للعمل السياسي اعتباره ومصداقيته، ولا يعتبر غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لتهيئة مناخ سياسي ملائم يجعل من الحزب السياسي أداة لإشعاع قيم المواطنة وصلة وصل قوية بين الدولة والمواطن، ويجعل الأحزاب السياسية مدرسة حقيقية وهيئة جادة في العمل على تعزيز سلطة الدولة، عبر توفير مناخ الثقة في المؤسسات الوطنية بما يمكن من تخليق الحياة العامة وإشاعة التربية السياسية الصالحة والمواطنة الإيجابية. - ما مدى تأثير هذه الظاهرة على المشهد السياسي بصفة عامة، وعلى تعاطي المواطن مع السياسة بالخصوص؟ < إنها بالفعل ظاهرة لها تداعيات سلبية عدة، وتؤثر سلبا على المشهد السياسي وعلى تعاطي المواطن مع السياسة، وخاصة على إقباله على العملية الانتخابية، التي ما أحوج المغرب إلى مشاركة مكثفة فيها من طرف المواطنين. - كيف يمكن مواجهة الظاهرة؟ < لابد من تأسيس ثقافة سياسية جديدة تنبني على قاعدة التعاقد كشرط أساسي لتحديد علاقة التمثيلية بين المواطن والحزب، ولابد كذلك من ربط مسؤولية الأحزاب بحق المواطن في المراقبة والمتابعة وتقوية الشعور بالالتزام الأخلاقي والسياسي، وضرورة تحديد قواعد العمل بين المواطن كفاعل والحزب كمؤسسة دستورية. كما يجب عدم إغفال إدخال إصلاحات قانونية دقيقة في تحديد علاقة الناخب بالمنتخب وتمكين المواطن من سحب الثقة من ممثليهم في الحالة التي يخل بها المنتخبون بالتوجهات السياسية للحزب، ليُسمح للقضاء بالتدخل لتجريد هؤلاء المنتخبين من ولايتهم الانتدابية على غرار التجارب الدستورية لمجموعة من الدول.