نددت أحزاب مغربية بظاهرة "الترحال" السياسي الذي يطبع كل دخول برلماني بالمغرب، مطالبة بتفعيل القانون لزجر هذه الممارسات التي "تسيء" للعمل السياسي، بحكم أن الظاهرة ترتبط أساسا بانتهازية بعض البرلمانيين الرحّل الذين يستحضرون المصلحة الشخصية قبل المصلحة العامة. "" ودعا قياديون حزبيون إلى ضرورة تطبيق قوانين صارمة للحد من هذه الظاهرة، ومنها الفصل الخامس من قانون الأحزاب، وحثوا المواطنين على محاسبة المنتخَبين الذين منحوهم أصواتهم ضمن حزب معين، ثم فجأة يغيرون معاطفهم السياسية ليدخلوا في أخرى جديدة. وأرجع قيادي يساري انتشار ظاهرة الترحال السياسي إلى تدني التربية والأخلاق السياسية.وفي المقابل عزا محلل سياسي الظاهرة ذاتها إلى "عجز الهيئات السياسية عن إيجاد نخب مؤمنة بمبادئها وبرامجها، ونخب محصنة ضد كل إغراء مادي أو سلطوي". وتجدر الإشارة إلى أن الفصل الخامس من قانون الأحزاب بالمغرب ينص على "أنه لا يمكن لشخص يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان تم انتخابه فيها بتزكية من حزب سياسي قائم، أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتدابه..". يذكر أنه خلال الدورة البرلمانية الجديدة التي بدأت 9 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وتمتد أربعة أشهر، استقبل حزب الأصالة الفائز في الانتخابات الأخيرة حوالي 20 نائبا رحلوا إليه من أحزاب أخرى، في حين فقد حزبا الحركة الشعبية والاتحاد الدستوي 12 نائبا بسبب الترحال السياسي. انتهازية سياسية وندد مولاي إسماعيل العلوي، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، بظاهرة الترحال السياسي التي تعرفها مؤسسة البرلمان في كل دخول برلماني بالمغرب، مشيرا إلى أنها رغم ذلك تكاد تكون طبيعية لكون الطبقة أو ما اصطلح عليه بالنخبة السياسية لم ترتق بعد إلى مستوى رفيع يساير الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية المتصلة بالنشاط السياسي في البلاد. وعزا القيادي اليساري في تصريحات ل "العربية.نت" ترحال كثير من النواب بين حزب وآخر إلى كون بعضهم لا يجدون أحيانا راحتهم السياسية في الهيئات التي انتموا وترشحوا ثم فازوا باسمها في الانتخابات التشريعية. وزاد العلوي أن عددا من النواب الرحل ينتقلون حسب مزاجهم ومستوى وعيهم السياسي، ولكن أيضا بدافع من الانتهازية التي "يتحلون" بها، مشيرا إلى أن سلوك الترحال السياسي يرتبط بشكل رئيسي بمستوى الأخلاق السياسية للنائب. ونادى العلوي بضرورة تطبيق قوانين صارمة للحد من هذه الظاهرة المسيئة للعمل السياسي بالمغرب، ومنها الفصل الخامس من قانون الأحزاب والذي يمكنه أن يلعب دورا هاما في محاربة الترحال السياسي، مشيرا إلى أن المواطنين أيضا بإمكانهم أن يقوموا بمحاسبة المنتخَبين الذين منحوهم أصواتهم ضمن حزب معين، ثم فجأة يغيرون معاطفهم السياسية ليدخلوا في معاطف سياسية جديدة. وأضاف المتحدث أن المادة القانونية ينبغي أن تُفَعل لزجر النزعات الانتهازية لدى بعض النواب البرلمانيين، مشيرا إلى أن قضية الترحال بين الأحزاب المختلفة يظل مرتبطا بالتربية السياسية للنواب، مما يتطلب وقتا أكبر لمعالجة المشكلة على المدى المتوسط والبعيد. ومن جانبه، اعتبر حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض، في بيان له أصدره أخيرا، أن ظاهرة الترحال البرلماني تحمل "خطورة على مصداقية العمل السياسي، ومخالفة صريحة لقانون الأحزاب السياسية الذي يجرم ترحال النواب"، مبديا استغرابه ل"سكوت الجهات المسؤولة عن عدم تفعيل المادة 5 من القانون المذكور في حق المخالفين". وقد سبق للقيادي في الحزب مصطفى الرميد أن دعا في تصريحات صحفية إلى تعديل قانون الأحزاب بالتنصيص على إلغاء كل انتداب انتخابي لمن ثبت في حقه تغيير الانتماء الحزبي. عجز الأحزاب وأكد الدكتور ادريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، في حديث ل"العربية.نت" على أن ظاهرة ترحال النواب تميع العمل السياسي وتسيء إليه بشدة، باعتبار أن البرلمانيين الرحل يُغَلبون المصلحة الشخصية على المصلحة العامة. وتعكس الظاهرة، حسب الباحث المغربي، الوضعية المتأزمة للأحزاب السياسية التي لم تستطع ضمان بقاء نوابها في أجهزتها، كما أنها تعكس عدم الصرامة القانونية في مواجهة الترحال السياسي، حيث إن قانون الأحزاب رغم إشارته للقضية لكنه لم يتضمن جزاءات تمنع بشكل واضح وصارم الترحال الحزبي وتغيير الألوان السياسية. ويرى لكريني أن الترحال السياسي يعتبر إساءة للمواطن بالدرجة الأولى، ذلك أن النائب الرحالة يضرب بصوت المواطن الذي منحه إبان الانتخابات عرض الحائط، الشيء الذي قد يساهم في ارتفاع نسبة العزوف الانتخابي لكونه نتيجة حتمية لمثل هذه المظاهر السياسية غير اللائقة"، بحسب لكريني. وعزا المحلل السياسي كثرة الترحال من حزب إلى حزب آخر أيضا إلى عجز الهيئات السياسية عن إيجاد نخب مؤمنة بمبادئها وبرامجها التي على أساسها خاضت الانتخابات، ونخب محصنة ضد كل إغراء مادي أو سلطوي. لكن هناك عامل آخر، يردف لكريني، ويتمثل في المسؤولية الملقاة على ضمير كل نائب يمثل الشعب تحت قبة البرلمان، حيث ليس من الضمير السليم في شيء أن يجري النائب وراء مصلحته الخاصة دون أي اعتبار لمصالح الشعب الذي اختاره للمرافعة عنه. وأضاف لكريني أن الدولة تتحمل أيضا مسؤولية لكونها لم تتجه نحو الصرامة المطلوبة في هذا الملف، ولم تقم بتفعيل القانون، داعيا إلى معاقبة النواب الرحل بعقوبات واضحة حتى يكون هناك نوع من الردع ينزجر به النواب الآخرون. وأشار المتحدث أيضا إلى الردع المعنوي في حق النواب الرحل، والذي يجب أن يقوم به الإعلام المغربي من خلال فضح هذه الممارسات ووضعها تحت المجهر لكي يعلم بها المواطنون، وبذلك لا يصوتون لهؤلاء الرحل في انتخابات قادمة. *العربية.نت