الحرب المتواصلة على الشعوب المستضعفة، وإبادة الملايين من سكان الأرض في مشارقها ومغاربها، وشمالها وجنوبها، والحرب الكونية التي تتزعمها الولاياتالمتحدة منذ مدة، فتغزو من تشاء وكيف تشاء ولا تسمح لأحد أن يتدخل في أمرها، والحرب الصهيونية الشرسة التي يشعل نارها أقوى جيش في العالم ضد انتفاضة الشعب الفلسطيني الباسلة، الحرب الأمريكية الصهيونية هذه، ليست سوى نتيجة حتمية لحداثة الإبادة التي تنظر إلى الإنسان والحيوان والجماد والطبيعة نظرة مادية استعمالية، إذ الكل لديها سواء، ولا مكان لأي قيمة أو خلق أو دين في هذه الرؤية وفي هذا الاستعمال. عندما انفصلت العلمانية عن الدين والقيم والأخلاق في كل نواحي الحياة، أصبح الكون والتراب والإنسان مهددين بالإبادة والدمار، وتحول التحديث إلي تخريب ولا يزال يسير، والغارات السياسية والحروب المتكررة إن هي إلا الترجمة العملية لذلك. الإبادة الغربية للإنسان حطمت أرقاما قياسية وهي مستمرة في تحطيمها ما لم تقم في وجهها انتفاضة عالمية يؤسس المسلمون وغيرهم من الرافضين لها جبهة للمقاومة والإنقاذ العالمي للأرض وما عليها من إنس وحيوان وطبيعة. في الزمن الماضي أبادت الحداثة الغربية 90 مليونا من الأفارقة وهي تنقلهم نقل البهائم عبر المحيطات والبحار، وفي الحرب العالمية الأولى والثانية أبيد أكثر من 60 مليونا من البشر، وفي الاتحاد السوفياتي أبيد الملايين من المسلمين التتار، وفي ألمانيا النازية أبيد غير الألمان من يهود وغجر. وفي هيروشيما ونكازاكي أصر الأمريكيون على إلقاء القنبلة النووية رغم استسلام اليابان لأن القنبلة ما صنعت إلا من أجل ذلك، ولابد من إلقائها تجنبا للعبثية، حسب مخترعيها وصانعيها. والصهيونية التي تبيد الفلسطينيين اليوم، والقوات الأمريكية التي أبادت كثيرا من الأفغان، وتريد تكرار الأمر في العراق للمرة الثانية وتحشد لذلك الحشود، استمرار لنفس الرؤية الإبادية الحداثية. ولذلك فإن لجوء سفيرة الولاياتالمتحدة إلى التلويح بالقرارات الدولية في شأن العراق في لقائها مع الصحافيين المغاربة يوم أمس الثلاثاء، ليس سوى ذر للرماد ، وإخفاء للحقيقة الكامنة في النموذج الحداثي الإبادي. فليس العراقيون ولا الفلسطينيون هم المعنيون بالغزو الأمريكي الصهيوني فقط، ولكننا جميعا في كل أرجاء الدنيا مهددون بالإبادة ما لم ننتفض ونقاوم. كذلك قال الدكتور عبد الوهاب المسيري في محاضرته العلمية المعرفية الرفيعة يوم الثلاثاء نفسه، فكأنه كان يرد على السفيرة الأمريكية ودولتها لكن هذه المرة من الزاوية المعرفية والعلمية. لا يمكن فهم السياسة الإمبريالية المستمرة للغرب، إلا في إطارها المعرفي الحضاري العام، ولا يمكن الإفلات من الإبادة الشاملة إلا بانتفاضة شاملة.انتفاضة مثل انتفاضة الشعب الفلسطيني التي حطمت أسطورة الجيش الصهيوني ومرغت أنفه في التراب. الفلسطينيون لا يدافعون عن أنفسهم فقط، ولكنهم يمثلون الطليعة الأولى في جبهة المقاومة والانتفاضة من أجل إنقاذ العالم من إبادة وشيكة، فلنلتحق بالجبهة قبل أن يشملنا الدمار.