يقص علينا القرآن الكريم أحسن القصص عن فراعنة ترادفت جرائمهم و تضخمت، وظنوا أنهم خالدون في الزمان والمكان، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وجعل عالي ممالكهم سافلا، وخر عليهم السقف، وأصبحوا عبرة لمن يعتبر. فراعنة يطغون ويتجبرون عندما يصابون بداء عضال يطلق عليه خبراء النفس جنون العظمة والخيلاء (البارانويا)، ويرجعه القرآن الكريم إلى نزعة إنسانية نحو التأله تتورم في حالة الكفربالله والتلاعب بالدين. منهم فرعون مصر المعروف مآله ومصيره، ومنهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا، كما تذكر سورة الكهف. في هذا العصر، احتلت الحكومة الأمريكية مكان الصدارة في الظلم والطغيان والاستبداد المطلق، ولائحتها طويلة في هذا المجال منذ أن قررت الخروج من عزلتها والتدخل في شؤون الآخرين. ويكفي فيها شهادات أبنائها الباحثين المنصفين المتجردين، وماأكثرهم، خاصة وأن الشعب الأمريكي مختلف تمام الاختلاف عن الحكومة الفيدرالية بطيبوبته وانشغالاته الدائمة بالعمل المتواصل. في هذه الأيام تحشد الولاياتالمتحدة حشودها وتدق طبولها الضخمة لفصل آخر من العدوان على الشعب العراقي بعد أن شرعت في بغيها عليه منذ أكثر من اثنتي عشرة سنة. واستمرت في القصف والحصار والتجويع والترويع.ضربات الطبول القوية تريد بها الولاياتالمتحدة بث الرعب والهيبة في نفوس الدول الحليفة وغير الحليفة. فهي تضغط على دول الحلف الأطلسي، وعلى دول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، وتبتز السودان، وتخوف إيران. في حين ترضي الكيان الصهيوني ولوبياته المتحكمة في القرار الأمريكي. أما الأممالمتحدة فلا قيمة لها في الميزان الأمريكي الذي يجعل للحرب الأولوية في العلاقات الخارجية. وذلك ماصرح غيرمامرة مسؤولون أمريكيون كالرئيس وكاتب الدولة في الخارجية وزير الدفاع. فعندما توجه الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة كوفي عنان في فبراير1998 إلى بغداد لم تعر الولاياتالمتحدة لذلك كبيو وزن وقالت عجوزها أولبرايت التي كانت كاتبة الدولة في الخارجية على عهد الرئيس السابق ويليام كلينتون، قالت بالحرف :"سنتحرك بطريقة جماعية عندما نريد، وبطريقة فردية عندما نشاء، لأننا نحسب منطقة الشرق الأوسط ذات أهمية حيوية في المصالح الدولية لبلدنا". أما كلينتون فقد قال معلقا على العراق أيضا: "العالم كله يفهم، وكذلك حلفاؤنا، أن الولاياتالمتحدة لديها الحق في أن ترد متى تشاء وكيف تشاء". أليس هذا نوعا من التأله والتجبر؟ للولايات المتحدة تاريخ حافل بالعدوان والابتزاز ضد دول وشعوب من كل جهات الدنيا. فلسطين ونيكاراغوا والصين والفيتنام والباناما ويوغوسلافيا والسودان والأفغان وإيران وليبيا وكوريا الشمالية وسوريا...واللائحة تطول. الطغيان الأمريكي الذي تجاوز المدى أيقظ لدى عدد من المفكرين والسياسيين الأوروبيين والأمريكيين أنفسهم انتفاضة يعلو صوتها يوما بعد يوم. انتفاضة تدعو الحكومة الأمريكية إلي الكف عن عدوانها والتحاكم إلي قوانين دولية وقعتها بيديها، وإلى التواضع والتعاظ من حركة التاريخ العادلة، كما تدعو الأبواق الإعلامية المؤيدة للعدوان إلى التراجع عن كذبها وتملقها، وخوض حروب صليبية ضد الخصوم الذين تعينهم الولاياتالمتحدة بالأصبع وتحرض الأقلام المرتزقة المسعورة على التهجم عليها والنيل منها. ولذلك، وانسجاما مع القصص القرآني الحق ومع القوانين التاريخية وسننها، فإن الولاياتالمتحدة مدعوة في كل لحظة وحين إلى التراجع عن مظالمها الكثيرة وتحسين صورتها السيئة بإقامة العدل والقسط. فإن لم تفعل انهارت كما فعل بالفراعنة السابقين من قبل. فقد كانوا أكثر قوة وجمعا، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وكانت نهايتهم سوءا ودمارا. وكذلك ستكون عاقبة الظالمين