"و من شر ما خلق..." يقال إن مصريا ومغربيا اصطدما ببعضهما البعض ذات طريق ضيق، فما كان من المصري إلا أن استدار ولكم المغربي على وجهه بكل ما يملك من قوة حتى سقط أرضا، ولما سأله عن السبب الذي جعله يضربه أجابه المصري: "لأننا مذكورون في القرآن".. فسأله المغربي عن الآية فقال الثاني: "انزلوا مصر فإن لكم فيها..." الآية.. وقبل أن ينهي المصري كلامه بادره المغربي هذه المرة بلكمة مدوِّية على الفك قائلا: "نحن المغاربة مذكورون كذلك في القرآن..." فتحسس ابن الفراعنة مكان الإصابة، ورفع حاجبيه اندهاشا وسأله بصدق خالص: "أين؟"... فأجابه "المرُّوكي" بثقة عالية: "..و من شر ما خلق.." هذه النكتة تلخص بذكاء كبير نقاطا عديدة تهم واقعنا العربي البئيس، فهي تُظهر بوضوح أن كل الخطب الخشبية حول "العالم العربي" و"الأخوة العربية" و"الوحدة العربية" مجرد فقاعات من صابون إيديولوجي زلق وكثير من المياه السياسية الملوَّثة الآسنة... ولعلي واحد من أشد الناس استغرابا لإصرار البعض على تبني الانتماء إلى شبح سياسي هلامي اسمه "الأمة العربية"، كان آخر شيء يفترض أنما يجمع أطرافها معا هو "الدين"و"اللغة"، فإذا بالدين صار مذاهب وشعابا موغلة، وإذا باللغة تنزل عليها لعنة "رب بابل" وتجعلها إربا إربا ولهجات لهجات، وألسنة كل واحد منها يلهج بلغو مختلف... شخصيا أعترف بأني كافر حد الجحود بأسطورة "الوحدة العربية"، وأني من أنصار القوميات الضيقة التي ترسم حدودها نقشا على الحجر وليس بأقلام الرصاص العاطفية... فلست إلا مغربيا مسلما وكفى... ومن هذا المنطلق فالحديث المغرق في "الشوفينية" (حب الوطن بتطرف حد العنصرية) الذي تبناه المصريون قبل وبعد مباراة مصر ذكرني بالنكتة أعلاه، وجعلني كل مرة أستلقي على قفاي من الحنق والغيظ والسخرية كلما سمعت أحد الإعلاميين المصريين المتحمسين يعيد تذكيرنا بأمومة مصر لنا، وأفضالها علينا جميعا نحن "بقايا حَضْرَمَوْت" ثقافيا وعسكريا وسياسيا... بل إني أحسست بالقرف التام لما سمعت الممثلة "يسرا" تكيل اللوم والعتاب والتوبيخ للمطربة الجزائرية "وردة" لمجرد أنها التزمت بالطبيعي العادي والمفترض، وساندت بلدها الجزائر وتمنت فوزه. وكنت أنتظر بين الفينة والأخرى أن يخرج أحد "الفنانين الفراعنة" من قمقم قناة مصرية متحمسة ويتهم الجزائريين بالجحود ونكران أفضال "عبد الناصر" على"جيش التحرير الجزائري" لأنهم يساندون، وبكل وقاحة، فريقهم القومي الذي كان يفترض فيه بدوره أن يهاجم مع المصريين عوض التركيز على "رمسيس الأصغر" عصام الحضري بأنانية وطنية مقرفة... مشكلة الإعلام المصري وأزلام الحزب الحاكم هناك أنهم سجنوا أنفسهم داخل الأهرام وجعلوا من تأميم قناة السويس وعبور خط "بارليف" أساطير موجبة لكل التبجيل والتقديس، ونسوا أنهم فقدوا احترام باقي حفدة "بني قحطان" بسبب إصرارهم على تبني خطابات لا يكررها إلا من أصيب بجنون العظمة... أبناء الفراعنة لا يريدون أن يفهموا أن للأمم حضاراتها وتواريخها المجيدة... وهم لا يعلمون مثلا أن المغرب احتضن مملكات أمازيغية قوية في نفس الوقت الذي كان الفراعنة يضعون كمامات الجمود على 'أبيهم الهول"، وأن أبجدية تيفناغ واحدة من أقدم الأبجديات في العالم... كما لا يعلمون أن مشكلة التاريخ في المغرب تكمن في إصرار الدولة على اعتبار البلد طفلا يبلغ من العمر 12 قرنا فحسب، فيما الحقيقة تقول إنه تاريخ مجيد كاف لإسكات كل المتنطعين والمتشدقين بأزمنت