كضابط استخبارات في البحرية الأمريكية سابقا و كعضو رسمي في الحزب الجمهوري صوّت لصالح جورج بوش في الانتخابات الأخيرة قابلت دعوة أعضاء من حزب العمال البريطاني بشك كبير للمشاركة في مظاهرة ضخمة لمعارضة الحرب في 28 سبتمبر الأخير. و سبب ترددي أنني كنت دائما أعتقد أن التجمعات و المظاهرات الحاشدة كانت دائما مسرح اليسار السياسي لذلك اعتقدت أنني غير معني بهذه الأمور . لكن هذه المرة اعترف بأنني كنت على خطأ لأن الحشود الهائلة التي عبرت ذلك اليوم عن الإرادة الديمقراطية الحقيقية لم تأتي فقط من اليسار بل من عامة الشعب البريطاني .فقد اجتمعت لترسل رسالة إلى حكومة بلير بأن حكومته في واد و الرأي العام البريطاني في واد آخر . و قالوا له بأنهم لن يتسامحوا أبدا مع أي دعم بريطاني لحرب أمريكية أحادية الجانب على العراق . و قد وصل صدى هذه الرسالة إلى المؤتمر السنوي للحزب العمالي الذي عقد مؤخرا في بلاكبول . إنه لشيء جميل حين تتحرك الديمقراطية الحقيقية. أما في ما وراء الأطلسي هناك في واشنطن فالحوار مازال على أشده في الكونغرس حول تبعات منح تفويض كامل يخول جورج بوش شن حرب من طرف واحد و بدون الرجوع إلى الأممالمتحدة . و يشكل هذا الأمر بالنسبة للعديد من الأمريكيين و منهم أنا خرقا مفضوحا للدستور الأمريكي من قبل الكونغرس الذي هو فقط المخول بإعلان الحرب حسب الدستور . و قد لاحظ هذا الأمر السيناتور روبرت بيرد و أعلن عن نيته بدء معركة سياسية من اجل هذا . و السيناتور بيرد مشهور بحمله لنسخة من الدستور الأمريكي و نشرها أمام النواب الأمريكيين لتذكيرهم بالأسس التي قامت عليها الديمقراطية الأمريكية . رجل واحد فقط يحارب من اجل المبادئ التي قام عليها المجتمع الأمريكي , فأين هي المظاهرات الأمريكية الحاشدة لدعم هذا التوجه ؟ و أين هي الأصوات المعارضة لمثل هذا الخرق الواضح للدستور الأمريكي ؟ انه لأمر محزن حين يخفت صوت الديمقراطية . لطالما كان الدستور الأمريكي هو الموجه لي في حياتي . فهو الذي أسس لدولة القانون الأمريكية و أرسى المبادئ و المثل التي حاربنا من اجلها كأمريكيين . و كضابط بحرية أقسمت أن أدافع عنه ضد كل الأعداء خارجا أو داخلا و هذا أمر أكدته على الأرض و أنا بالزي الرسمي و كان آخرها عملية عاصفة الصحراء . لست من نشطاء السلام و لكنني أعارض سياسة الحرب التي يدعو لها بوش ضد العراق . فككل الدول المنضوية تحت لواء الأممالمتحدة يتوجب على الويلات المتحدة أن تمتثل للقانون الدولي الذي يحدد الشروط اللازمة لإعلان الحرب على دولة ما . و هذا يتطلب ترخيصا من مجلس الأمن سواء من خلال البند 51 في إطار ما يسمى بالدفاع عن النفس أو من خلال قرار أممي أمني جماعي مبني على أساس البند السابع من ميثاق الأممالمتحدة . أما قصة الحرب التي يروج لها بوش مرارا و تكرارا فهي لا تتوافق و هذه الشروط المذكورة . فالرئيس يعلن باستمرار أن العراق فشل في الاستجابة لشروط نزع التسلح و هذا يهدد الأمن العالمي . و أعلن أيضا انه يتوجب على العراق الموافقة و بدون شروط على عودة المفتشين و منحهم تفويض كامل لزيارة كل الأماكن . ثم إن هناك نقطة مهمة هي أن عرقلة العراق لعودة المفتشين منذ انسحابهم في ديسمبر 1998 نشر الرعب في العديد من الدوائر و هذا ما جعل الحكومة البريطانية تدعي أنها بحوزتها ملف كامل عن برنامج أسلحة الدمار الشامل العراقية و ادعوا أن العراق استغل هذا الوقت لإعادة تأسيس برنامج أسلحة الدمار الشامل الذي سبق و فككه مفتشو الأممالمتحدة . و هذا ما جعل من المستحيل التأكد من النوايا الحقيقية لنظام صدام بسبب ملفه الأسود الطويل مما منح الولاياتالمتحدة و بريطانيا الذريعة ليبنوا عليها كل خططهم الحربية ضد العراق . لكن الآن العراق وافق على عودة لا مشروطة للمفتشين و أكد أنه سيتعامل مع قرارات مجلس الأمن الدولي فيما يخص نزع التسلح .إذا فالفرصة متاحة و مواتية الآن اكثر من أي وقت مضى للتأكد من امتلاك أو عدم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل و أيضا لإنهاء أزمة القانون الدولي هذه بطريقة سلمية . لكن الرئيس بوش يرفض العرض العراقي و يصر على أن هذه الحرب هي ضد أسلحة الدمار الشامل و لإزالة نظام صدام حسين بشكل خاص . و هذه النقطة الأخيرة اعتبرها النقطة المحورية في الموضوع برمته . فميثاق الأممالمتحدة يحرم إسقاط الأنظمة و تغييرها و الدستور الأمريكي يؤكد على وجوب احترام الولاياتالمتحدة لأية اتفاقيات دولية توقع عليها . إذا فتغيير النظام ليس فقط خرقا لميثاق الأممالمتحدة بل هو أمر غير دستوري أيضا . لكن إذا ما تقرر بان نظاما ما يشكل بالفعل تهديدا للسلام و الأمن الدوليين فالتعامل مع هذه الحالة يجب أن يمر عبر مظلة الأممالمتحدة . فإذا كان الرئيس بوش حقا صادقا في مسعاه لتغيير النظام العراقي فيجب عليه أن يدفع من اجل إصدار مذكرة اعتقال بحق صدام حسين و كبار معاونيه و يطالب بامتثالهم أمام محكمة جرائم الحرب الدولية و هو أمر بالغ السهولة نظرا لسجل جزار بغداد الحافل , و لربما يدعم هذا التوجه أعضاء كثر في الأممالمتحدة لأنهم سوف يرونه بديلا للحرب . لكن قبل أن ينتهج الرئيس بوش طريق المحكمة الدولية يتوجب عليه أولا الاعتراف بأسبقية القانون الدولي في حل النزاعات الدولية و هو أمر لا يروق كثيرا لإدارة بوش . حقيقة الأزمة بين العراق و الولاياتالمتحدة تتعدى مسألة تغيير النظام فنحن صراحة أمام المرحلة الأولى لتطبيق الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأمريكي التي نشرت الشهر الماضي و التي ترسم معالم عقيدة أحادية القرار المبنية على أساس أن الولاياتالمتحدة هي القوة العسكرية و الاقتصادية العظمى التي يجب أن تفرض إرادتها على بقية دول العالم حتى من خلال عمليات عسكرية وقائية . و هذه الاستراتيجية تشكل صفعة قوية لمبدأ تعدد الآراء و لكل مبادئ القانون الدولي . الملاحظ إذا أن عقيدة بوش الجديدة هي تعبير صادق عن قوة التسلط الإمبريالية الأمريكية . هذه الإمبريالية التي حارب ضدها الأمريكيون قبل 200 سنة , لكن شوارع واشنطن اليوم خالية من المتظاهرين و المحتجين على هذه الهجمة على الديمقراطية الأمريكية . فهل نشهد مرة أخرى حشودا كبيرة في لندن تطالب بتطبيق القانون الدولي ؟ أتمنى ذلك لان الشعب البريطاني حينها سيرسل رسالة إلى الأصدقاء في أمريكا يخبرهم فيها انه حين يتعلق الأمر بالخطوات التي يتوجب على حكومة اتخاذها باسم شعبها فيجب على إرادة هذا الشعب أن تقول كلمتها . سكوت ريتر الغارديان ترجمة حميد نعمان