يقف وراء إصرار جورج بوش على الحرب على العراق مجموعة من الشخصيات التي رسمت و شكلت طبيعة المهمة التي يبشر بها بوش و يسمى هؤلاء بالصقور نظرا لتشددهم في مواقفهم المعادية للشرعية الدولية . ففي الواجهة هناك رجلا المهمات الصعبة و هما الشخصيتان البارزتان, نائب الرئيس ديك تشيني و وزير الدفاع دونالد رامسفيلد و هما المكلفان بإدارة دفة السياسة الأمريكية . و لكن وراءهما هناك المخططان البارزان اللذان هندسا لمجيء جورج بوش و اعتلائه سدة الحكم و هما كارل روف و بول وولفتز . من السهولة بما كان إدراك مدى التطابق بين الشعارات المعادية للحرب و التي ترى فيها حربا من أجل النفط و بين شخصيتي وولفتز و روف . فللرجلين توجهات مذهبية معينة بجانب أولويات الربح . و هما يمثلان التحالف القائم بين جمهوريي تكساس المتشددين الذين سيطروا على الولاياتالمتحدة و بين الأصولية المسيحية المتطرفة , و لهما أيضا علاقة بجماعة مثقفي الساحل الشرقي و التي يرجع جذورها إلى زمن رونالد ريغين و هدفها تحقيق السيطرة الكاملة على العالم. و عمل كل منهما بجهد متواصل و طوال عقود للوصول إلى هذه اللحظة , اللحظة التي بدؤوا فيها دق طبو ل الحرب و يصف بوش روف بالولد العبقري . و لروف تاريخ سياسي حافل يرجع ل 24 سنة, و يعتبر من الوجوه الجديدة لعصر سياسي جديد و لكنه يحتاط كثيرا و يرفض الكشف عن شخصيته . و تمده عقيدته النصرانية بقوة إقناع متشددة و لكنه لا يناقش تلك العقيدة أبدا , و لا أحد يعلم على وجه التحديد , هل سياساته دينية أم أن السياسة هي دينه ؟ و ينحدر روف من مدينة دينفر حيث ولد خلال رأس السنة الميلادية و نشأ و ترعرع هناك , و كان من أشد شبيبة الجمهوريين حماسا للتصدي للحركات السلام وقتها . و لم يكن لقاؤه بجورج بوش الإبن من خلال السياسة , و لكن التقيا على المعتقدات المسيحية و على معاداة القيم الثورية للستينات و هذا كان بالطبع بعد تعافي جورج بوش من إدمان الكحول و انخراطه في المسيحية بشكل غير مسبوق . و استطاع جورج بوش الأب الاستفادة من خدماته خلال حملة هذا الأخير الانتخابية لسنة 1980 . و لكن عبقرية الرجل لم تظهر وقتها بل خلال الحملة الانتخابية الثانية التي نجحت هذه المرة لجورج بوش الأب سنة 1988 , و كان أهم عامل في نجاحه استقطاب روف للأصوليين المسيحيين و تشكيله تحالف معين معهم . و يذكر أن من أهم الدوائر الانتخابية التي لعبت دورا رئيسيا في ترجيح كفة بوش الابن هي دائرة بروتستانتيزم المحافظة و التي عبدت له الطريق إلى البيت الأبيض و شكلت ملامح الإدارة السياسية الجديدة للحزب الجمهوري . و حين نودي على روف و طلب منه المجيء إلى تكساس سنة 1978 كانت معظم الدوائر الانتخابية وقتها بأيدي الديمقراطيين . أما اليوم فجلها تقريبا بأيدي الجمهوريين , و من يومها و روف يدير معظم الحملات الانتخابية للحزب الجمهوري . و في سنة 1994 استطاع صديقه القديم جورج بوش الابن الفوز في انتخابات ولاية تكساس . و يشير لو ديبوز كاتب السيرة الذاتية لروف أن كلا من بوش و روف وصلا إلى خلاصة استراتيجية مهمة مفادها انك إذا حكمت نيابة عن اليمين الرأسمالي فلابد من مهادنة اليمين المسيحي - أي الوصول إلى ما يمكن تسميته بالتزاوج بين الرأسماليين و الأصوليين المسيحيين المتشددين . كانت السنوات الستة التي قضاها بوش كحاكم لولاية تكساس عبارة عن حملة محمومة لتحقيق سياسة وطنية محلية و بالطبع كان يقف وارءها روف , و كان مما يدعو إليه: إعادة تأطير صناعة الطاقة و تخفيضات ضريبية لفئات الدخل العليا و سياسة اجتماعية ذات ملامح إنجيلية متشددة . و يقول روف أن جورج بوش أمضى فقط سنة واحدة في ولاية تكساس حين بدأ يشير عليه بأنه يفكر بجدية في الانتخابات الرئاسية , و سنتين بعد ذلك بدأ التحضير سرا للحملة سنة 1997 . و في مارس 1999 طلب بوش من روف بيع أحد أهم شركاته الاستشارية حتى يتفرغ بشكل كامل للحملة التي أخذت معظم وقته . و بدأ روف التحضير بشكل مكثف للحملة الانتخابية لرئاسة الولاياتالمتحدة و استخدم نفوذ رولوديكس و هي من أهم شركات عائلة بوش و أيضا اعتمد على قوة اللوبي الذي شكلته شركات النفط و بهذا استطاع إطلاق أحد أقوى الحملات الانتخابية الغير مسبوقة في تاريخ الانتخابات الأمريكية . و كما يقول كاتب سيرته الذاتية ديبوز فإن روف شيطان في ملامح إنسان . و في الوقت الذي أصبح فيه جورج بوش الابن رئيسا للولايات المتحدة كان روف مايزال ممسكا بقوة بتكساس و كان يعتبر حلقة الوصل الرئيسية بين عائلة بوش و الحزب و اليمين المسيحي و شركات الطاقة . و لعل ما جرى خلال فضيحة شركة إنرون الأخيرة يلقي بعض الضوء على شخصية روف ; فبعد أن تفجرت الفضيحة ذكر إسم روف و قيل إنه باع أكثر من 100 ألف دولار من أسهم الشركة قبل أن تعلن الشركة إفلاسها . و الأكثر من هذا أن روف وقف شخصيا وراء تعيين زعيم الاتحاد المسيحي رالف ريد ( أحد أهم داعمي الحملة الانتخابية لبوش ) كمستشار لدى شركة إنرون بمبلغ تراوح بين 10000 و 20000 دولار في الشهر . لقد نجح روف في تحويل تكساس الى قاعدة رئيسية للحزب تحت قيادة عائلة بوش و استطاع إيصالهم إلى البيت الأبيض بعد ثمانية سنوات . ليس هناك أدنى شك في أن روف هو أحد أهم مستشاري الرئاسة في البيت الأبيض . أما فيما يخص الحركات الإسلامية المسلحة فلم يكن لروف اهتمام كبير بها , إلا أنه و بعد 11 سبتمبر تحولت هذه الحركات إلى مادة سياسية رئيسية تشغل باله باستمرار . ففي الماضي كان كل من بوش و روف انعزاليين و معظم اهتمامهما منصب على القضايا الداخلية دون الخارجية . إلا أنه و فجأة توجب عليها دخول معترك سياسي خارجي و الاجتماع بأناس لهم خبرة طويلة في السياسات الدولية . و هؤلاء يريدون اليوم فرض نموذجهم لقوة أمريكية لا تقهر على العالم أجمع حسب ما يدعون . و نظريا لم يلعب روف أي دور في السياسة الخارجية , و لكنه اليوم مهتم بها كما كان مهتما بالشؤون الداخلية . و في كتابه الأخير انتقد المحافظ ديفيد فرام الرئيس بوش بشدة لأنه كان حسب ما يراه الكاتب لينا مع الإسلام حين كان يتحدث عنه كدين للسلام . فكتب روف لفرام قائلا : " الإسلام استطاع بناء أعظم إمبراطوريات العالم و مازال مصمما على إعادة إحيائها من جديد ". إلا انه شدد على أنه يجب على الولاياتالمتحدة أن تعلم انه حتى لو كان الكل يكرهها فيجب أن تفرض احترامها عليهم بالقوة . و التقت هنا شخصية روف بشخصية بول وولفتز و تمكنا من تشكيل تحالف بين برتستانتيزم الجنوبية المعروفة بيمينها المسيحي المتشدد و بين صهيونية الساحل الشرقي و كلاهما متطرف و متشدد و متعصب لمذهبه . الانطباع السائد عن وولفتز أنه من صقور الحرب و هذا صحيح و لكنه أيضا مثل روف يمتاز بالصبر و التفكير العميق و التخطيط المتقن . و ينحدر وولفتز من أصول يهودية , فهو ابن لأكاديمي يهودي معروف و درس الرياضيات و كان أيضا دبلوماسيا لامعا . و استطاع الانضمام إلى وزارة الدفاع بعد الحرب الإسرائيلية العربية سنة 1973 . و من وقتها و هو يخطط لما يسمى الآن بالسياسة الأمريكية الشرق أوسطية . و كان بول وولفتز قد أخرج للعلن سنة 1992 و قبل هزيمة بوش الأب بقليل مخططا لتصوره لما يجب أن تكون عليه السياسة الأمريكية خلال القرن الجديد . و هذا المخطط اعتمد حاليا من قبل إدارة بوش و يسمى ب " التخطيط الدفاعي الموجه " , و طلب من البانتغون البناء عليه بشكل رئيسي في صياغة ما يسمونه النظام الجديد تحت القوة الأمريكية العظمى . و حسب المخطط فإنه يجب على الولاياتالمتحدة ضمان عدم قيام منافسين أو حتى مجرد أن يفكروا في ذلك سواء على مستوى إقليمي موسع أو عالمي و هنا يشيرون إلى ألمانيا و اليابان . و لم يستبعد المخطط استخدام الأسلحة الكيماوية و البيولوجية و النووية على شكل ضربات وقائية حتى في النزاعات التي لا تهدد كثيرا المصالح الأمريكية . و شكل وولفتز لهذه الغاية مجموعة سماها " مشروع القرن الأمريكي الجديد " , و شملت ديك تشيني و ريتشارد بيرل الذي عمل سابقا كمستشار سياسي للرئيس ريغن . و في وثيقة خطيرة نشرت قبل سنتين , رأى هؤلاء أنه ما ينقص الولاياتالمتحدة لبسط سيطرتها الكاملة على العالم هو كارثة أو حدث عالمي بارز شبيه بتفجيرات بيرل هاربر . و جاء في الوثيقة أيضا أنه و على الرغم من أن النزاع في العراق يشجع الولاياتالمتحدة على التدخل , إلا أن الحاجة لتواجد أمريكي عسكري ضخم في الشرق الأوسط يتجاوز كثيرا مسألة نظام صدام حسين . و في يونيو من السنة الماضية أكد الرئيس بوش و من خلال خطابه في الأكاديمية العسكرية بالنقطة الغربية بأن مخطط وولفتز أصبح سياسة أمريكية رسمية . قال بوش :" لابد أن تسعى أمريكا للحفاظ على قوتها العسكرية و بسط سيطرتها على العالم ". و يلاحظ أن وولفتز و رئيسه رامسفيلد أنشئوا مجموعة تجسسية بقيادة أبرام شولسكي و النائب الثاني في وزارة الدفاع دوغلاس فيت و كلاهما أصدقاء قدامى لوولفتز . و تعتبر هذه المجموعة العمود الفقري لسياسة وزارة الدفاع بزعامة ريتشارد بيرل . و كان هذا الأخير مع دوغلاس فيت قد صاغا وثيقة سنة 1996 أطلقا عليها اسم " الانعطاف السليم " , و كانت على شكل نصيحة لزعيم الليكود وقتها بنيامين نتنياهو هدفها الرئيسي الالتفاف على اتفاق أوسلو . حيث جاء فيها أن المساعي الإسرائيلية للاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية المحتلة و من ضمنها الضفة الغربية هي مساعي حميدة و مشروعة و اعتبرت أن التعنت العربي حيال هذه المسألة هو سبب قوي للمضي قدما في الاحتفاظ بتلك الأراضي . و عموما يلاحظ أن المحور الذي كان يدعو إلى مزيد من توسيع التحالفات و التقرب إلى العرب قد اختفى تقريبا لصالح الصقور الجدد الذين يسيطرون بشكل كامل على البيت الأبيض . و بدعم من روف الذي أصبح يعتبر البيت الأبيض ملكه الخاص اكتمل عقد الصقور بتعيين إليوت ابرام كمسئول عن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط تحت ظل الأمن القومي . و لأبرام سجل أسود , حيث كان يعمل مع الرئيس ريغن و تورط فيما عرف بالحروب القذرة في أمريكا اللاتينية و أدانه الكونغرس لتورطه مع الكولونيل اوليفر نورت في فضيحة صفقة السلاح الإيرانية و لكن الرئيس بوش الأب أسقط عنه تلك التهم . و سبق لهذا الرجل أن كتب كتابا حذر فيه من أن يهود الولاياتالمتحدة في طريقهم إلى الانقراض بسبب الزواج المختلط , و حارب بشدة عملية السلام في الشرق الأوسط و شدد على أحقية ما تدعيه إسرائيل و ارييل شارون . و لهذا فهو يعتبر رجل وولفتز المفضل إلى جانب صديقهما الآخر روف . هذه هي المجموعة التي تدير دفة السياسة الأمريكية الخارجية و التي تخطط لإبادة المسلمين . ترجمة : حميد نعمان بول برايتسن مجلة زد نيوز