قدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الاثنين فاتح فبراير 2010 إلى الكونغرس مشروع الميزانية للسنة المالية المقبلة من أكتوبر 2010 إلى سبتمبر 2011 ويبلغ حجمها 3830 مليار دولار، وتتضمن عجزا قياسيا بمقدار 1267 مليار دولار وهو ما سيرفع إجمالي حجم ديون الحكومة الأمريكية إلى ما يقارب 12000 مليار دولار. كما توقع أوباما أن يرتفع عجز الميزانية التي تنتهي في سبتمبر 2010 الى 1556 مليار دولار مقابل 1502 كان قد توقعها سابقا البيت الأبيض وهو ما يمثل 10.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وقدم الرئيس الأمريكي وعدا بأن يتراجع العجز مستقبلا بفضل زيادة مرتقبة بنسبة 19 في المائة للعائدات الضريبية. هذه الأرقام الفلكية جاءت رغم أن أوباما كان قد دعا الكونغرس في وقت سابق إلى العمل معه على تحقيق الانضباط المالي من خلال السيطرة على الإنفاق. وقال «لا نستطيع ببساطة ان نستمر في الإنفاق كما لو كان العجز بدون تداعيات وكما لو كان الإسراف لا يمثل مشكلة وكما لو كان من الممكن معالجة مسألة ضرائب الشعب الأمريكي التي يتم جمعها بصعوبة وكما لو كنا نستطيع تجاهل هذه التحديات التي تواجه الأجيال القادمة لكننا لا نستطيع ذلك». وعند تقديم مشروع ميزانيته بدأ أوباما خطابه بانتقاد إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، قائلا إنه عند استلامه الرئاسة بداية عام 2009، كان العجز عند 1300 مليار دولار، مع توقعات بأن يصل إلى 8000 مليار دولار خلال العقد المقبل. وأضاف أنه قبل عام، كان بلدنا في أزمة، كنا نخسر 700 ألف وظيفة شهريا وكان الاقتصاد في انزلاق والنظام المالي قريب الانهيار.. ولهذا بدأنا حملة نجدة ولم تكن من غير ثمن كبير، مما زاد من العجز. ولكن أوباما أكد أنه بفضل الخطوات التي اتخذتها إدارته «نحن في مكان مختلف الآن»، مضيفا أن الوقت حان لمعالجة «عدم المسؤولية» في الاقتصاد. وأضاف اوباما «نحن في حالة حرب، وخسر اقتصادنا سبعة ملايين وظيفة في السنتين الإخيرتين، ودولتنا تواجه ديونا هائلة بعد مرور ما لا يمكن وصفه الا بأنه عقد ضائع». بعد تبرير زيادة العجز والتأكيد على إتباع سياسة تختلف عن تلك التي كانت تمارسها إدارة بوش وفي محاولة لتزيين الصورة، رفع البيت الابيض توقعاته للنمو في الولاياتالمتحدة في مشروع الميزانية الى 2.7 في المائة، وتعول الإدارة الأمريكية على نمو قوي في 2012 و2013 بنسبة 3.4 في المائة و2.4 في المائة على التوالي. رد الفعل الأولي في الأسواق كان هادئا فيما يحلل الخبراء الأرقام بقدر كبير من التشكك. وقال مارك أوستوالد المحلل الاستراتيجي لدى مؤسسة «مومينتم سيكوريتيز» في لندن «لا تزال الخطة تركز على الأمور الفرعية. يجب النظر إلى الأشياء الأكثر أهمية فيما يتعلق بما سيقلل العجز فعليا». وأثار مشروع الميزانية ردود فعل منتقدة من جانب أعضاء في مجلس الشيوخ القلقين من ارتفاع حجم الدين. وقال السناتور الجمهوري جاد غريغ «بعد سنة من الحكم الديمقراطي الذي وضعنا على سكة مضاعفة الدين في 2013، ينبغي على الرئيس ان يكون لديه خطة أكثر حزما لمواجهة أزمة لأن هذه الميزانية لن تحل شيئا». ويشير الملاحظون إلى أنه رغم إعلان الإدارة الأمريكية أن النمو الاقتصادي ارتفع بنسبة 5.7 في المائة بمعدل سنوي في الربع الأخير من عام 2009، فإن هذا لم يترجم إلى المزيد من الوظائف فيما يقترب معدل البطالة الذي يبلغ 10 في المائة من أعلى مستوى له في 26 عاما. أحلام وردية وبحر الذهب الأسود السؤال الذي يشغل المراقبين بعد خطاب أوباما، هو هل سيكون بإمكان واشنطن الخروج من أزمتها الحالية ؟. هل يمكن لهذه الديون أن تدفع أصلا ؟. وإذا لم تتحقق توقعات فريق أوباما المتفائلة فإن النتيجة ستكون انهيارا أضخم للاقتصاد الأمريكي، تنتقل عدواه إلى غالبية دول العالم التي لم تنهض بعد من أسوأ أزمة اقتصادية منذ تلك التي وقعت سنة 1929. المراقبون سجلوا أن ميزانية أوباما تعكس تمسكا بمخططات من يسمون بالمحافظين الجدد خاصة فيما يخص الحرب في العراق وأفغانستان، وأحلاما وردية تتعلق بتحقيق مخططات إدارة الرئيس بوش بعد احتلاله للعراق والقائمة على التمكن عبر زيادة صادرات العراق النفطية الى ما بين 9 و 12 مليون برميل يوميا، من تخفيض اسعاره في السوق الدولية الى أدنى من 30 دولارا للبرميل لمدة زمنية قد تصل إلى عقد أو أكثر، مما يتيح للاقتصاد الأمريكي أساسا والاقتصاد الغربي عموما محفزا مهما للنهوض من انتكاسته الحالية ولو على حساب الدول المصدرة للنفط. يوم الاثنين 28 أبريل 2008 وبعد خمس سنوات من سقوط بلاد الرافدين في قبضة الاحتلال، خرج أحد أنصار الغزاة ليكشف للعالم ما كان قد توقعه البعض عن ضخامة حجم مخزون النفط العراقي الذي كان من بين الأسباب الرئيسية للغزو. فقد صرح مسئول في إدارة العراق من المنطقة الخضراء، أن العراق ربما يملك احتياطيات نفطية تبلغ 350 مليار برميل وهو رقم هائل يعادل ثلاثة أمثال الاحتياطيات المؤكدة للبلاد بل ويتجاوز الاحتياطيات السعودية. وأضاف المسؤول انه اطلع على تقديرات من «مصادر وشركات لها سمعتها» أفادت ان احتياطيات العراق تصل الى 350 مليار برميل، وامتنع عن تحديد المصادر. غير ان أوساطا في واشنطن ذكرت ان الجيش الامريكي اتاح لشركات كبرى وخبرائها وبواسطة طائراته وأقماره الصناعية إجراء مسح مقرب للعديد من مناطق العراق وهو ما تمخض عنه التقدير الجديد الذي ارادت الإدارة الأمريكية تسريبه لأغراض محددة. وحتى ذلك الحين كانت احتياطيات العراق المؤكدة رسميا تبلغ 115 مليار برميل وهي ثالث أكبر احتياطيات في العالم. هكذا يحتل العراق بدون منازع المركز الأول عالميا من حيث مخزون النفط. وحتى هذا التقدير الجديد للمخزون مرشح للارتفاع مستقبلا بعد اجراء مزيد من البحوث وعمليات التنقيب. وقد ذهبت أوساط في السوق البترولية وخاصة في موسكو الى القول ان تقديرات العراقيين خلال حكم الرئيس صدام حسين وفي الفترة التي تلت حرب 1991، والتي تأكد الخبراء الروس من صحتها وصلت بالمخزون الاحتياطي الى حدود 525 مليار برميل. وأضاف هؤلاء ان الحكومة العراقية في ذلك الحين تكتمت على الأمر حتى لا تزيد من شهية المستعمرين الجدد لإحتلال بلاد ما بين النهرين. لإدراك وقع هذه الارقام على الصعيد الاقتصادي والاستراتيجي العالمي يجب التذكير ان المخزون النفطي العالمي المؤكد كان يقدر في عام 1970 بنحو 546 مليار برميل بينما قدر الاحتياطي غير المؤكد بنحو 900 مليار. وفي العام 1994 قدر المخزون المؤكد بنحو 817 مليار بينما وصلت تقديرات عام 1996 للمخزون المؤكد الى نحو 965 مليار برميل. وهناك بعض الأوساط التي تصل في تقدير الاحتياطي بعيد الأمد للنفط في العالم بأكثر من ثلاثة الاف مليار برميل، وهي تتوقع ان الجزء الأكبر من هذه الزيادة سيكون في العراق اولا ثم بقية منطقة الخليج العربي. الجدير بالذكر أن تقديرات عام 1970 لم تكن تشمل مخزونات الاتحاد السوفيتي، في حين شملت التقديرات اللاحقة كلا من روسيا ودول القوقاز وقزوين. وتشير الدراسات الفنية في ضوء معدلات الاستهلاك الحالي والمتوقع خلال العقود القادمة، ان الاحتياطي النفطي الموجود في باقي مناطق العالم سوف ينضب بعد فترة تتراوح بين 25 إلى 50 سنة، في حين أن الاحتياطي الموجود في المنطقة العربية لا يتوقع له ان ينضب إلا بعد 100 سنة. والارقام الجديدة عن المخزون العراقي تزيد هذه المدة بأكثر من 50 سنة. بحر النفط العراقي اسال لعاب الشركات الكبرى خاصة الغربية مثل بي.بي وشيفرون واكسون وموبيل ورويال داتش شل وتوتال وكثف من ضغوطها على حكوماتها لكي تفتح الباب أمامها بأي طريقة لاستغلال كنز الرافدين الذي يمكن أن يكفي دول الغرب لأكثر من قرنين من الزمن في حين ان باقي مصدري النفط لا يمكن ان يستمروا في الانتاج فوق مدة المائة عاما في أفضل الاحوال. حتى ان عراب الاحتلال بول وولفويتز الذي شغل في السابق منصب وكيل وزارة الدفاع الأمريكي ثم رئيس البنك الدولي قال في لقاء بقاعدة عسكرية أمريكية جنوب شرق آسيا أواخر 2003 للتمييز بين تعامل واشنطن مع كوريا الشمالية والعراق «ان العراق يطفو على بحيرة من النفط». وقد ثبت كلام بول وولفويتز القائد العسكري الأمريكي الأسبق للمنطقة الوسطى جون أبي زيد حيث صرح بعد أشهر في جامعة ستانفورد «طبيعي أن الحرب كانت من أجل النفط ولا نستطيع نكران ذلك.. لقد عاملنا العالم العربي وكأنه مجموعة من محطات الوقود». التمسك بمتابعة الحرب بحر الذهب الأسود تحت أرض البوابة الشرقية للأمة العربية يفسر الإصرار المستميت في البيت الأبيض على مواصلة حرب لا يريد أصحاب القرار التسليم بأنه لا يمكن كسبها. باراك اوباما توقع عامين آخرين من الانفاق الضخم على الحرب في العراق وافغانستان التي كلفت حسب البلاغات الرسمية الصادرة من واشنطن، دافعي الضرائب ما يزيد على ثلاثة آلاف مليار دولار منذ 2001، طالبا من الكونغرس الموافقة على تخصيص حوالي 160 مليار دولار إضافية في العام الحالي ومثلها في العام المالي 2011 لتغطية تكاليف الحرب. ويقل الانفاق على الحرب الذي اقترحه اوباما بنسبة طفيفة فقط عما كان في كل من العامين الأخيرين لحكومة الرئيس جورج بوش ويمثل خطرا سياسيا كبيرا على الرئيس الديمقراطي الذي تولى السلطة في عام 2009، حيث اعتمدت حملة اوباما للوصول الى البيت الابيض على التزام بإنهاء الحرب في العراق، وهو ما ثبت أنه غير صحيح. ويتهم سياسيون أمريكيون وغربيون أوباما بإتباع نفس أساليب التضليل والخداع التي أتبعها بوش. وقد سجل المراقبون كذلك أن البنتاغون بقي في منأى عن خفض الانفاق بل تضمن زيادة طفيفة لموازنة وزارة الدفاع التي وصلت الى 700 مليار دولار. وبلغت الموازنة السابقة التي صوت عليها الكونغرس 680 مليار دولار. واذا كان الارتفاع متواضعا فهو لا يخلو من الأهمية الرمزية في وقت قرر فيه الرئيس باراك أوباما تجميدا للنفقات خلال ثلاث سنوات باستثناء بعض البرامج الاجتماعية والمسائل الأمنية. وذكرت الصحيفة الواشنطن أن إدارة أوباما ستتجنب خفض مخصصات الأسلحة فى ميزانية دفاعها لعام 2011 الأمر الذي كان قد أثار الكثير من الجدل العام الماضي، وأنها ستستمر في تحويل مبالغ لبرامج الأسلحة مثل الطائرات المروحية والطائرات بدون طيار ووحدات العمليات الخاصة التي تستخدم بشكل كبير في العراق وأفغانستان. وقالت الصحيفة أن العرض يتضمن دعوة للبنتاغون لتركيز مزيد من الانتباه على الصراعات التي تصنف بحرب العصابات. هذا التوجه يعني بكل بساطة أن سياسة واشنطن المستقبلية تقودها نفس قاطرة التوسع الإمبراطوري التي حكمت أمريكا بشكل مطلق طوال ثمان سنوات قبل أوباما. ويتفق الكثير من المراقبين الاقتصاديين على ان العجز المتواصل والديون الضخمة والتضخم المتزايد، بالتزامن مع انعدام القدرة على رفع الفوائد، يشكل مزيجا يدفع الى الاقتصاد الامريكي الى حد الهلاك. وقال مراقبون وصحافيون في واشنطن، إن استثناء الوزارات العسكرية أو شبه العسكرية من عملية تقليص النفقات يعني أن التوفير لن يكون كثيرا، لأن ميزانيات الوزارات الأخرى، مثل التعليم والصحة والمواصلات والطاقة، ليست كبيرة بالمقارنة، مثلا، مع ميزانية وزارة الدفاع التي تزيد عن 700 مليار دولار. لهذا، تأثرت ميزانيات مدنية مثل ميزانية وكالة الفضاء «ناسا» التي لن تكون قادرة على الاستمرار في برنامج جديد في وقت تستعد فيه روسيا للعودة بقوة إلى السباق الفضائي، وعلى الرغم من أن أوباما قال إن عجز الميزانية القادمة سيكون أقل من عجز الميزانية الحالية، سيظل إجمالي ديون الحكومة في تزايد، يبلغ هذا الآن 12 تريليون دولار، ويزيد 4 مليارات دولار كل سنة، ويساوي هذا متوسط 40 ألف دولار لكل أمريكي وأمريكية من جملة السكان الذين يزيد عددهم عن 300 مليون شخص. وفي هذا السياق صرح مصدر مقرب من البيت الأبيض بأن أوباما قرر التخلي عن برنامج كونستيليشن «كوكبة النجوم» الذي أطلقه سلفه جورج بوش، والذي كان هدفه إعادة إرسال أمريكيين إلى القمر بحلول عام 2020 وصولا إلى تنظيم رحلات مأهولة إلى المريخ. مظاهر الفشل لاحظ مراقبون وصحافيون في واشنطن، إن أوباما لم يركز على خطة التأمين الصحي الشامل لكل مواطن التي شغلته وشغلت الكونغرس والشعب الأمريكي خلال السنة الأولى له في البيت الأبيض والتي كانت أحد أعمدة حملته الإنتخابية، وهو ما يعني أنه يتخلى عن آخر ما كان يميزه عن سياسة بوش خاصة بعد أن قرر رغم كل اللغط عن سحب القوات، الحفاظ على وجود عسكري أمريكي ضخم في بلاد الرافدين وأفغانستان. في يناير 2010 كتب كيشور مهبوباني الذي يشغل منصب عميد كلية «لي كوان يو للسياسات العامة» بالجامعة الوطنية بسنغافورة، بدورية «ويلسون» مقالا تحمل عنوان «هل يمكن أن تفشل أمريكا ؟. ليؤكد حقيقة أن الخطر الأكبر الذي يواجه المجتمع الأمريكي في الوقت الحالي هو عدم إدراكه لإمكانية حدوث الفشل. وينطلق مهبوباني، من فرضية أساسية تتمثل في أن المجتمع الأمريكي يمكن أن يفشل إذا لم يدرك إمكانية حدوث مثل هذا الفشل. فالأزمات الهائلة التي تواجه المجتمع الأمريكي في الوقت الحالي هي، في جانب منها، نتاج مثل هذا العمى عن إمكانية حدوث كارثة محتملة. ويعدد الكاتب مظاهر فشل المجتمع الأمريكي، ويذكر أن الفشل البنيوي الأول الذي يواجه الولاياتالمتحدة يتمثل في التفكير الجمعي وأبرز مثال على ذلك الأزمة المالية الحالية، فمن المدهش أن المجتمع الأمريكي قد قبل بالافتراضات الخاطئة من قبل خبراء الاقتصاد مثل آلان غرينسبان وروبرت روبين، والتي تقوم على أن الأسواق المالية غير الخاضعة للتنظيم، التي لا تتدخل الدولة في ضبطها من شأنها تحقيق النمو الاقتصادي وخدمة الصالح العام. رغم أن هدف هؤلاء الاقتصاديين الأساسي هو تعزيز ثرواتهم الشخصية وليس خدمة المصلحة العامة. ويتمثل الفشل الثاني الذي أصاب المجتمع الأمريكي، كما يذكر الكاتب، في تآكل مفهوم «المسئولية الفردية». ولأن الأمريكيين يؤمنون إيمانا راسخا بأن مجتمعهم يرتكز على ثقافة المسئولية الفردية- بدلا من ثقافة الاستحقاق السائدة في دول في أوروبا- فإنهم لا يستطيعون إدراك كيف أن أفعالهم الفردية قد قوضت، بدلا من أن تقوي مجتمعهم. ومع أن الأمريكيين يعتقدون أنهم يعطون بلدهم أكثر مما يأخذون منها، مستندين في ذلك على مقولة الرئيس جون كينيدي الشهيرة: «لا تسأل عما يمكن أن تفعله بلدك من أجلك، ولكن اسأل عما يمكنك القيام به لبلدك»، فإن الواقع يشير إلى عكس ذلك. فبقطع النظر عن بضع سنوات لإدارة كلينتون، تعاني الولاياتالمتحدة من عجز يكاد يكون مزمنا في الميزانية الاتحادية. وبدلا من التحرك لفعل شيء، اقتصر دور الأمريكيين على ترك قادتهم يصلون من أجل استمرار القادة الصينيين واليابانيين في شراء سندات الخزانة الأمريكية. وإضافة لما سبق فقد قوضت سياسات تخفيض الضرائب من المسئولية الفردية، فلا يوجد مرشح لأي منصب سياسي في الولاياتالمتحدة يؤيد فرض مزيد من الضرائب، كما لا يجرؤ أي سياسي أمريكي، بما في ذلك الرئيس أوباما، على قول الحقيقة: وهي أن المجتمع الحديث لا يمكن أن يعمل دون ضرائب كبيرة. وتدل الطريقة التي يتعامل بها الأمريكيون مع قضية الضرائب، حسبما يذكر الكاتب، إلى وجود تناقض بين اعتقاد الأمريكيين أن مجتمعهم يرتكز على مبدأ المسئولية الفردية وبين الواقع الذي تطغى عليه ثقافة اللامبالاة الفردية وغياب المسئولية. سوء استخدام القوة الأمريكية يشير الكاتب إلى أن عدم إدراك الأمريكيين كيف أن سوء استخدام القوة الأمريكية قد خلق كثيرا من المشكلات التي تواجهها واشنطن حاليا في الخارج يعتبر مظهرا ثالثا من مظاهر فشل المجتمع الأمريكي. ويدلل على ذلك بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فالأمريكيون يعتقدون أنهم «ضحايا أبرياء لهجوم شرير من جانب أسامة بن لادن والقاعدة»، لكنهم تناسوا حقيقية أن أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة هما أساسا صنيعة أمريكية. إضافة إلى ذلك لم يتنبه الأمريكيون،- إلا في حالات نادرة- إلى الألم والمعاناة التي يكابدها الشعب الفلسطيني، والتعاطف الذي تثيره محنتهم لدى 1.4 مليار نسمة من المسلمين والذين يحملون واشنطن مسئولية الوضع الفلسطيني. والشرق الأوسط، كما يقول الكاتب، ليس سوى أحد المناطق العديدة التي تضررت من السياسات الأمريكية في العالم. فمن الإعانات التي تقدمها واشنطن لمزارعي القطن الأمريكيين، والتي أضرت بالمزارعين الأفارقة الفقراء، إلى غزو العراق واحتلاله وقتل مئات الآلاف من مواطنيه وتشريد نلاببن آخرين، ومن معايير واشنطن المزدوجة بشأن قضية منع الانتشار النووي، إلى قرارها الانسحاب من بروتوكول كيوتو من دون توفير نهج بديل لظاهرة الاحتباس الحراري، تسبب السياسات الأمريكية ضررا بالغا لنحو 6.5 مليار نسمة من البشر. ويرجع الكاتب سبب عدم وعي صناع القرار الأمريكيين بهذه الحقيقة إلى الافتراض السائد لديهم أن المشكلات دائما ما تأتي من خارج الولاياتالمتحدة، وأن دور الأمريكيين يقتصر على وضع الحلول لهذه المشكلات. كما أنهم قد فقدوا القدرة على الاستماع للأصوات الأخرى على الكوكب، بل إنهم لا يدركون حقيقة أنهم لا يستمعون لهذه الأصوات. وإلى أن يبدءوا في الإصغاء لهذه الأصوات ستظل مشكلات الولاياتالمتحدة مع العالم قائمة، بحسب كلمات الكاتب. فساد أسلوب الحكم المظهر الرابع من مظاهر «فشل» المجتمع الأمريكي يتعلق بأسلوب الحكم، فمع أن الأمريكيين يفخرون دائما بديمقراطية بلادهم، فإن لديها أكبر نظام حكم فاسد في العالم، والسبب وراء عدم إدراك معظم الأمريكيين لهذه الحقيقة هو أن الفساد يكتسب الصفة القانونية. فرغم أن الأمريكيين يؤمنون أن حكومتهم «حكومة الشعب ومن الشعب ولأجل الشعب»، فإن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك، فهي تبدو «حكومة الشعب من جماعات المصالح ولأجل مصالح هذه الجماعات». وقد أشار الرئيس أوباما نفسه إلى هذا الفساد الذي يجتاح النظام السياسي الأمريكي في كتابه «جرأة الأمل» في عام 2006. ويكمن التأثير الرئيس لهذا الفساد في أن المؤسسات الحكومية الأمريكية تعمل من أجل حماية المصالح الخاصة بدلا من مصالح الجمهور. وكما كشفت الأزمة المالية بصورة لا لبس فيها، فإن الوكالات التنظيمية، مثل «لجنة الأوراق المالية والبورصات وهيئة تداول السلع الآجلة»، تم السيطرة عليها من قبل الصناعات التي من المفترض أن تخضع لتنظيم هذه الوكالات. وقلة من الأمريكيين من يدركون مدى تأثير المصالح الخاصة على تقويض مصالحهم الوطنية سواء في الداخل والخارج. انهيار العقد الاجتماعي يعتبر خطر انهيار العقد الاجتماعي المظهر الخامس من مظاهر فشل المجتمع الأمريكي. فالافتراض العام السائد في الولاياتالمتحدة عن أن المجتمع يبقى قويا ومتماسكا طالما أن كل مواطن لديه فرصة متساوية للنجاح. ورغم أن الكاتب يعتبر فكرة الفرص المتساوية «أسطورة وطنية مفيدة»، فإنه يؤكد على أن اتساع الفجوة بين الأسطورة والحقيقة، يهدد بموت الأسطورة. ويدلل على اتساع الفجوة ببعض المؤشرات، منها الانخفاض الحاد في الحراك الاجتماعي داخل الولاياتالمتحدة، فقد أشار مشروع التنمية البشرية الأمريكية، في تقرير يحمل عنوان «مقياس أمريكا» نشر عام 2008، إلى أن متوسط دخل أعلى 5 في المائة من الأسر الأمريكية في عام 2006 يصل إلى أقل من 5 في المائة بنحو 15 مرة (ما يعادل 168.170 دولار مقابل 11.352 دولار). كما لاحظ الباحثون أيضا أن الحراك الاجتماعي أقل في الولاياتالمتحدة مقارنة بالدول الغنية الأخرى. بل إن طفلا فقيرا يولد في ألمانيا أو فرنسا أو كندا أو أحد بلدان شمال أوروبا لديه فرصة أفضل في الانضمام للطبقة المتوسطة في مرحلة البلوغ من طفل أمريكي يولد في الظروف ذاتها. وتشير مؤشرات وزارة الزراعة الأمريكية إلى أن واحدا من كل خمسة أطفال أمريكيين يعاني من الفقر، وأكثر من واحد من كل 13 طفلا يعيش في فقر مدقع. كم أن احتمالية موت الأطفال الأمريكيين قبل مرور عام واحد على ولادتهم تزيد عن احتمالية موت نظرائهم اللاتينيين بمرتين. وإضافة لما سبق لا يحقق نظام التعليم المساواة كما أنه غير فعال. العولمة المظهر الأخير من مظاهر فشل المجتمع الأمريكي التي يرصدها الكاتب، يتمثل في الاستجابات الأمريكية للعولمة والتي تكشف عن «فشل هيكلي» للمجتمع الأمريكي. فلفترة طويلة اعتقد الأمريكيون أنهم «أبطال العولمة»، لإيمانهم بأن اقتصادهم، الأكثر تنافسية في العالم، سوف ينتصر كلما قامت الدول بتخفيض الحواجز التجارية والجمركية. وكان هذا الاعتقاد بمثابة قوة دافعة لنظام التجارة العالمية نحو مزيد من الانفتاح. أما اليوم، فإن المواطنين الأمريكيين يفقدون ثقتهم في قدرتهم على منافسة العمال الهنود والصينيين. كما يتبنى عديد من السياسيين الأمريكيين السياسات الحمائية رغم أنهم يدعون أنهم ليسوا حمائيين. طيلة عقود مضت نجحت الولاياتالمتحدة في الحفاظ على تفوقها الاقتصادي وبالتالي العسكري والسياسي عبر كونها الدولة الأسرع والأقدر على اختراع واستغلال التقنيات الحديثة وإحتلال المراتب الأولى في انتاج الصلب والسيارات والطائرات الى غير ذلك، غير أنه في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بدأ هذا التفوق الأمريكي في الانحسار بسرعة نشرت الفزع خاصة وسط المتحكمين في سياسة البيت الأبيض. فقد شرعت الدول الآسيوية في ضخ المزيد من الموارد إلى ميدان البحوث والتطوير وزادت من القدرة على رفع الإنتاج واستطاعت احتلال المراتب الأولى في المجال الصناعي والتجاري بشكل متواصل، لتمثل تلك الدول تحديا جادا لوضع أمريكا التقليدي في السياسة والاقتصاد العالميين. وقد كتبت صحيفة «لوس انجلوس تايمز» وهي تتحدث عن انحسار موقع أمريكا: أولا كان وول ستريت، ثم قطاع السيارات، والآن هوليوود.. كيفما نظرنا نجد أن الولاياتالمتحدة تفقد هيمنتها في الميادين التي كانت تتفوق فيها. خط رجعة بعد يوم من تقديم الرئيس أوباما مشروع ميزانيته للكونغرس، وهي الميزانية التي وصفها بعض الإقتصاديين بالمقامرة، ونعتها آخرون بأنها مؤشر بداية الأزمة الإقتصادية القادمة التي ستحول الولاياتالمتحدة الى دولة ضعيفة مشغولة بعلاج جروحها، حاول بعض السياسيين من الطبقة الحاكمة في البيت الأبيض ضمان خط رجعة لأنفسهم إذا ما حلت الكارثة. فيوم الثلاثاء 2 فبراير حذر نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن في مقابلة مع شبكة «إم إس إن بي سي» التلفزيونية، من أن العجز القياسي في موازنة الولاياتالمتحدة يمكن أن يصبح تهديدا لأمنها القومي بمرور الوقت إذا فشلت في معالجته. وأضاف بايدن إن العجز المرتفع في الموازنة الأمريكية لم يصبح مسألة أمن قومي بعد. يوم 24 نوفمبر 2009 كتب دانييل ماكغين في مجلة نيوزويك تحليلا طويلا جاء فيه: وكما النجمة التي لا تزال تبدو براقة في أبعد أركان الكون ولكنها تكون قد احترقت في صلبها، فإن سمعة أمريكا لا تزال أقوى مما تشير إليه البيانات الحقيقية. فعلى سبيل المثال، فإن استطلاع المنتدى الاقتصادي العالمي يقول إن أمريكا هي أكبر الدول المستقبلة لرأس المال المغامر وثالث أكبر دولة منفقة على الأبحاث التي تقوم بها الشركات الخاصة، ولكن الحقائق الموضوعية تضعها في المرتبة الخامسة في كلتا الخانتين. والأكثر إثارة للاهتمام هو أن دراسة مؤسسة تقنية المعلومات والابتكار تشير إلى أن الولاياتالمتحدة أحرزت أقل قدر من التقدم، في السنوات القليلة الماضية، من بين الدول ال39 التي تم تحليلها في الدراسة لناحية تحسين قدرتها الابتكارية وتنافسيتها الداخلية. والمعايير التي استعملتها الدراسة في ذلك هي معايير عادية تتراوح بين الإنفاق الحكومي على الأبحاث حيث سجلت الولاياتالمتحدة درجات جيدة، إلى نسبة الضرائب على الشركات، حيث جاءت نتيجة الولاياتالمتحدة سيئة جدا. أوباما يحاول أن يمنع سقوط أمريكا، ولكن لا يظهر أنه يسير على الطريق التي علمنا التاريخ أنها سبيل الخلاص، فهو يكرر نفس الأخطاء السابقة التي تقود الى الهاوية. «الفقراء هم الذين يقودون الاقتصاد العالمي الى التعافي ليستفيد الأغنياء». هذه مقولة يكررها العديد من الخبراء ولكن تكرارها في هذا العقد من القرن الحادي والعشرين مستبعد. للتاريخ أحكام تتكرر، وكما قال صديقي علي الصراف الكاتب العراقي المقيم في لندن: «الذي يعيش بالحيلة يموت بالفقر: كل المشروع الكوني للامبريالية الأمريكية يتحول في العراق إلى أضغاث أحلام. ومن هنا بدأ الانهيار.