هاهم الأسرى الأبطال في سجون الاحتلال قد أتموا أسبوعهم الثاني في ظل إصرار على مواصلة إضرابهم عن الطعام وتحديهم لكل الوسائل الدنيئة التي تستخدمها سلطات السجون لثنيهم فرادى وجماعات عن قرارهم، وذلك باستثناء معتقلي سجن عسقلان الذين علقوا إضرابهم بعد تنفيذ السلطات لبعض مطالبهم، لكن اللافت هو أن الساحة الفلسطينية كانت ولا تزال وحدها التي تقف إلى جانبهم بشكل معقول، مع أن جدل السلطة وإصلاحها ومصالحاتها الذي يملأ الأفق قد أثر تأثيراً كبيراً على آليات التفاعل مع الحدث، ليس على الأرض فحسب، بل وإعلامياً أيضاً، حيث سرقت مصالحات دحلان عرفات الكاميرات والتقارير وأخذتها بعيداً عن وجوه الأسرى المتعبة ووجوه ورسائل أبنائهم وذويهم التي تنطلق من خيم الإضراب إلى رب السماء الذي يسمع ويرى ما يجري من عبث هنا وهناك باسم الشعب الفلسطيني والدفاع المر عن مصالحه!! والحال أن ما يجري على الأرض في الساحة الفلسطينية لم يصل بعد حدود ما جرى أثناء انتفاضة الأسرى التي وقعت خلال شهر نيسان من العام 2000، على رغم أن عددهم يومها لم يكن سوى أقل ثلث العدد الموجود حالياً في السجون. ولا شك أن ذلك يعود كما قلنا إلى أجواء الأسابيع الأخيرة التي كان جوهرها هو التشكيك في انتفاضة الأقصى الباسلة التي دخل معظم الأسرى السجون خلالها. ألم يقل أولئك القوم مراراً أن "عسكرة" الانتفاضة كانت خطأً، فيما يعني أن الانتفاضة كلها كانت لوناً من العبث، سيما وهي انتفاضة مسلحة منذ بدايتها. ثم إن طروحاتهم للقادم لا تقول إلا بالتفاوض وحده كمنهجية للتعامل مع الاحتلال بصرف النظر عن النتائج. على أن ما يجري في الساحة الفلسطينية يظل مميزاً من حيث الفعاليات التي تجري يومياً للتفاعل مع انتفاضة الأسرى. أما المثير للحزن فهو ذلك الغياب لفعاليات التضامن معهم في الساحة العربية. ونحن هنا لا نتحدث عن المواقف الرسمية التي تكتفي برفع العتب من خلال تصريحات وبيانات لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكننا نتحدث عن الفعاليات الشعبية العربية التي تنظمها القوى السياسية التي توصف بأنها حية، فيما يبدو أن نبض الحياة قد تراجع لدى كثير منها لأسباب ليس هذا مجال الخوض فيها. والحال أن الجماهير لا يمكن أن تلام على ما يجري لأن الأصل أن تبادر القوى السياسية إلى تعليق الجرس وإعلان النفير وإطلاق الفعاليات الكبيرة التي تتجاوز مهرجانات رفع العتب أو دعوات الصيام التضامني التي يطلقها البعض من خلال بيان عابر، لكن ذلك لم يحدث مع شديد الأسف. ونذكر هنا بأن ذلك لم يحدث أيضاً بعد كشف فضائح أبو غريب، كما لم يحدث الآن على النحو المطلوب الذي يرتقى إلى مستوى القضية المطروحة، بل لم يحدث أيضاً في سياق التفاعل مع المقاومة العراقية التي رفعت رأس الأمة عالياً في مواجهة أعتى هجمة تتعرض لها منذ عقود. مؤسف هذا الذي يجري. ويبقى العزاء أن حياة الأمة لا زالت تتجلى في فعل أولئك الأبطال الذي يتحدون الجلاد بأمعائهم الخاوية وأيديهم المصفدة في سجون الاحتلال الصهيوني وسجون الاحتلال الأمريكي في العراق، فضلاً عن سجون كثيرة في العالم العربي يقبع فيها أحرار قالوا لا للذل والهوان. في ذات الوقت الذي تتجلى في فعل أولئك المجاهدين الأبطال الذين لا زالوا يطاردون عدوهم وعدو أمتهم غير آبهين بما ينتظرهم من موت وأسر.