وضع طوفان الأقصى العمل السياسي بالعالم العربي الإسلامي في مأزق لا يحسد عليه وغدت الأحزاب السياسية حقيقة لا مجازا دكاكين حزبية وهياكل ورقية لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تغير من واقع الأمور شيئا. والدليل الساطع الذي لا غبار عليه هو شلالات الدماء المتفجرة من فلسطين ولبنان العاجزة إلى حد الآن، عن تحريك المياه الراكدة لهذه الإطارات الجامدة. ولا ندري أية قوة خارقة تلزم لإيقاظها من سباتها العميق! وباستثناء حالات معزولة هنا وهناك فالقاعدة العامة هي الصمت الجنائزي أمام ما يجري إلى درجة يصاب معها المرء بالصدمة والذهول لهول الكارثة الإنسانية التي تقع بمرأى ومسمع من الجميع. ولو كان السبب راجعا إلى نفاذ أو استنفاذ أشكال الفعل السياسي لهان الأمر. لكن للأسف الشديد من الواضح أن القرارات المصيرية تؤخذ بعيدا عن هذه الأحزاب العليلة التي تلعب على الهامش ويقتصر دورها في تأثيث المشهد ليس إلا. في هذه المقالة سنقتصر على ′′الأحزاب الإسلامية′′ لما لها من ارتباط عضوي – هذا ما تقول به أوراقها السياسية وأدبياتها المذهبية – بالقضية الفلسطينية أساسا على أن نؤجل الحديث عن غيرها إلى مقالة لاحقة بحول الله. لنبدأ من البداية..والبداية كانت مع اللازمة التالية.. الإسلام هو الحل..هكذا! وبين قوسين وكما يقول المناطقة فهذه العبارة لا تعني شيئا لأنها وببساطة لا تأتي بشيء جديد. فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون غير الإسلام حلا أيضا كما يمكن أن توجد حلول أخرى لا حصر لها..ناهيك عن أن لفظة الإسلام عامة ومن العسير اختزالها في بعد واحد فقط..إلخ هذا الشعار الفضفاض تبنته جميع الحركات الإسلامية بمختلف تياراتها وتلاوينها لعقود قبل أن تفشل فشلا ذريعا في تنزيله على أرض الواقع وخاصة بعد ثورات الربيع العربي التي حملتها إلى سدة الحكم. أن تفشل في السياسة شيء عادي جدا لأنها مجال الأخطاء بامتياز. لكن أن تصم آذانك عن أسباب الفشل فهذا ما لا يمكن استيعابه. وهذا ما حصل بالضبط ضدا على أنف المنكرين أو المتباكين رغم أن ثمن هذا الفشل كان غاليا على ′′المواطن′′ العربي المسلم، لكن من يأبه لذلك؟ وهذه هي الطامة الكبرى..لا أحد يأبه لأحد على تراب العالم المتخلف. وباستنتاج بسيط وسريع يتبادر إلى الذهن السؤال التالي : – إلى من نشير بأصابع الإتهام؟ إلى الإسلام؟ أم إلى ′′الإسلاميين′′؟ التيار العلماني سيشير طبعا إلى الإسلام – وهذا موضوع آخر- أما الإسلاميون فسيتقمصون مرة أخرى دور الضحية للتملص من مسؤوليتهم التاريخية. وهذه السردية معروفة ولم تعد خافية على أحد. فأين يكمن المشكل يا ترى؟ مقولة الإسلام هو الحل تعني أن العالم الإسلامي وطيلة العقود الأخيرة لم يعرف سوى مشهدين اثنين : 1 – إما مسلمين بلا إسلام وبالتالي وجب على الحركات الإسلامية تذكيرهم بهذا الإسلام وإعادتهم إلى حظيرته بشتى الطرق والوسائل الممكنة بدءا بالوعظ والإرشاد وصولا إلى المشاركة السياسية وتولي مناصب الحكم والسلطة. 2 – وإما أن إسلام المسلمين بعيد كليا عن إسلام الحركات الإسلامية. وفي هذه الحالة فالإسلام هو الذي يفتقر إلى المسلمين الذين يجب صياغتهم وتشكيلهم من جديد وفق منهج الحركات الإسلامية ′′الأصيل′′. بتعبير آخر، فالهوة شاسعة ما بين المسلمين والإسلام. والحركات الإسلامية هي فقط المؤهلة نظريا وعمليا و′′شرعا′′ لتقليص هذه الفجوة. لكن، هل هذا هو التشخيص الموضوعي للأمور؟ الواقع يشهد بخلاف ذلك ولا داعي للدخول في التفاصيل..حسبنا منها أن المسلمين يعيشون إسلامهم ببساطة من صلاة وزكاة وصيام وحج بغض النظرعن الإعتبارات الإيديولوجية للحركات الإسلامية..وعلى رأسها إعادة تعريف المسلمين من جديد وكأنهم وجدوا للتو ولم يكن لهم لا ماض ولا حضارة موغلة في القدم. حسبنا أيضا وهذا هو المهم، ما يقع الآن من إبادة جماعية لسكان غزة! كيف نمنا كل هذه السنوات الطوال على أحلام الماضي المجيد وحكايات فرسان بلا جياد ولا حديد لنستيقظ مرعوبين على وقع الرصاص والقنابل؟ ماذا أفادتنا كل تلك التأملات والخواطر الإسلامية في تعريف المسلمين ومعرفة أعرافهم والأمر بمعروفهم والنهي عن منكر غيرهم في التصدي للأسلحة الصهيونية التي تفتك يوميا بأرواح الرجال والشيوخ والنساء والأطفال؟ كان الآخرون يستعدون للحرب فيما نحن نعد العدة للسلام ونثرثر على مدار السنوات والأعوام حول من كنا ومن سنكون! وكيف نكون من كنا ومن سنكون! عملية تقليم أظافر العرب والمسلمين سائرة إلى منتهاها بلا توقف ويبقى السؤال عن جدوى كل هذه التنظيرات السماوية قائما! إنها بالتأكيد مزحة ثقيلة وما أثقلها من مزحة تحت وطء الرصاص والقنابل! لنقل ذلك بطريقة بسيطة جدا : – أنت إما مسلم بلا إسلام أو أن إسلامك ليس هو إسلام المسلمين وعليك أن تبحث عن النسخة الأصلية للإسلام لدى الحركات الإسلامية! ورغم أنك من أبوين مسلمين أبا عن جد، ينطقان بالشهادة ويصليان ويصومان ويزكيان…لكن هذا لا يكفي..لابد من مصادقة أهل الرواية والدراية على إسلامك كما تصادق السلطات المحلية على الإمضاءات ونسخ الوثائق الشخصية من البطاقة الوطنية أو الحالة المدنية… وفي تلك الأثناء يُذبَّح إخوان لك بالآلاف ويشردون في فلسطين ولبنان! يبادون عن بكرة أبيهم وأنت صامت درءا للفتنة والمفسدة وطاعة لأولي الأمر من العلماء والأمراء! بدون تعليق..انتهى الكلام! لنقرب الصورة أكثر لكن بأسلوب روائي هذه المرة : ′′ في بقعة فسيحة من هذه الكرة الأرضية التي ما زال يعتبرها الكثير منا مسطحة رغم صور الأقمار الإصطناعية، كان يعيش مجموعة مختلطة من الأجناس البشرية. كانوا يدينون بدين واحد يسمى الإسلام ومنه تسميتهم بالمسلمين..يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله..يصلون خمس صلوات في اليوم والليلة..يصومون شهرا واحد في السنة، شهر رمضان..يقتطعون من أموالهم نسبة ضئيلة رأس كل حول حال بلوغها مقدارا محددا..ويحجون إلى بيت من الحجارة على شكل مكعب يعظمونه ويطوفون حوله بمدينة مكة بشبه الجزيرة العربية مرة واحدة في العمر. كانت لهم شريعتهم ولغتهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم وحضارتهم درجوا عليها لأزيد من 12 قرنا من الزمان. يقول بعض المستشرقين أن هذا الخليط العجيب من المسلمين عاشوا سعداء فيم يقول آخرون أنهم عاشوا تعساء. لا يهم. وفجأة! وهنا تبدأ المأساة. على شواطئ العالم العربي الإسلامي الممتدة شرقا وغربا، رست سفن عديدة نزل منها غرباء مدججون بالأسلحة المتطورة لم يعجبهم أبدا ما كان فيه المسلمون من بحبوحة العيش. بدأ الإستعمار الغربي للعالم العربي الإسلامي. صادرت القوى الكولونيالية الأوروبية والأمريكية كل شيء..الثروات والثورات..تقاسمت البلاد والعباد كما على رقعة شطرنج..استدرجت العقول وغيرت النقول..وضعت المسرحيات واختارت الشخصيات..استوردت الديكورات ومن خلف الستائر أدارت الحوارات… ومر زمن طويل.. نسي فيه المسلمون أنهم مسلمون..وأن أجدادهم مسلمون..وأنهم أحفاد مسلمين.. وبالطبع سيأتي من يذكرهم بهذه الحقيقة الغائبة. ذات يوم، وضع مجموعة من الشباب براءة اختراع للماركة المسجلة : اللحية! وتبعهم آخرون بماركات تجارية إضافية..قمصان وسراويل أسيوية..عيدان وسواك الأرك..أنواع وألوان مختلفة من المسك الإصطناعي..رؤوس حليقة..طاقيات صغيرة… انتشروا في الأزقة والشوارع وفي الإذاعات والشاشات يرددون كالببغوات : – قال الله وقال الرسول! – الإسلام هو الحل! – الإسلام دين ودولة! – تطبيق حدود الشريعة هو الحل! – الإشتراكية من الإسلام! – الليبرالية من الإسلام! – العلمانية من الإسلام! – الحداثة من الإسلام! – … من الإسلام! إلا المسلمين..ليسوا مسلمين..ولا علاقة لهم بالإسلام! وفي خضم الفوضى الكلامية تناسى الجميع سادة ما وراء البحار ومسرح العرائس الخشبية..وتناسوا أيضا أنهم لا زالوا مستعمرين! انتهت القصة.′′ لا لم تنته بعد! بقي سؤال محير : – هل القضية قضية إسلام أم استعمار؟ إن كانت المسألة في الإسلام فهل يعقل أن يسلم المسلمون؟ وإن كان الأمر استعمارا، فمن استحمر المسلمين واستعمر بلدانهم..بإسلامها ومسلميها وغير مسلميها؟ وما محل الحرب الدائرة في فلسطين ولبنان من الإعراب؟ ماذا يفعل هذا الكائن الغريب في جسم العالم العربي الإسلامي؟ من أتى به إلى عقر دار العرب والمسلمين؟ ولماذا قبل به أولو الأمر والنهي من العرب والمسلمين؟ ولماذا يقيمون السماء ويقعدونها من أجله وضدا على إرادة شعوبهم؟ هل توقف الكلمات زحف الدبابات؟ هل بمقدور التعويذات المقدسة طرد الأرواح الصهيونية أو المتصهينة؟ هل يجوز السجود للإستعمار والدعاء في القيود والأغلال؟ أي إسلام هذا لأي مسلمين؟ الزمن كشاف وبالتأكيد سيجيب عما تبقى من الأسئلة..ما علينا إلا القليل من الصبر والإنتظار..نحن في زمن الأجوبة فلا داعي للعجلة!
ملاحظة أخيرة : – ما زال سادة ما وراء البحار يسرحون ويمرحون ويديرون العرائس الخشبية من وراء الستارة لإطالة الفرجة والتشويق..وسماسرة الهوى والنقول من ساسة الفاتحة يحاولون بيع ما تبقى من بضاعتهم الرديئة لمن بقي من أصحاب النهى والعقول! فأي معنى للعمل السياسي بعد كل هذا؟