1 أمريكا تنتقم لهزيمتها في أفغانستان بهزيمة العالم العربي في فلسطين ؟!. 2 العالم العربي بأنظمته وحكوماته وأحزابه العلمانية مسؤول أمام الله، وأمام شعوبه وتاريخه عن "ظاهرة" الذل والعجز والتخاذل والسقوط التي يعيشها. 3 العالم الإسلامي يعيش منذ نصف قرن "معجزة القرآن" الذي أنذرنا بإفساد بني إسرائيل في الأرض مرتين مع علوهم الكبير، لكنه وعدنا بهزيمتهم في إفسادهم الثاني، ودخولنا المسجد منتصرين كما دخلناه أول مرة. التصور الإسلامي لإفساد بني إسرائيل في فلسطين : إن ما قامت به عصابات بني إسرائيل من إفساد في أرض فلسطين قبل وبعد الإعلان عن دولة إسرائيل سنة 1948، وفي أرض مصر سنة 1956، وفي أرض فلسطين وسوريا ومصر سنة 1967، وفي أرض لبنان سنة 1982، وأخيرا وليس ءاخرا عندما جاء شارون إلى الحكم في إسرائيل، وقام باجتياحه للضفة الغربية، وتدميره للبنية التحتية للشعب الفلسطيني، ومذابحه في جنين ونابلس ورام الله وغزة والخليل وغيرها من مدن وقرى السلطة الفلسطينية، التي فاقت مئات الشهداء وءالاف الجرحى، وبطرق وحشية يقشعر منها جسم الإنسان، وبتواطؤ كامل مع بوش الثاني رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 2002م. إن هذا الذي سماه القرآن الكريم "إفسادا في الأرض" منذ 14 قرنا، لا يمكن أن يعتبر "احتلالا" أو "استعمارا" من النوع التقليدي المعروف، لأنه على خلافهما، وكما عشناه منذ نصف قرن، يهدف لاغتصاب الأرض وحدها، والتخلص من سكانها بكل وسائل التخريب والتقتيل والتدمير والتهجير، كما أن بني إسرائيل لن يتورعوا عن استعمال القنابل الذرية غدا، لهذا نجد القرآن الكريم ينذرنا في صورة إخبار بما سبق في علمه تعالى، واصفا عملهم هذا ب "الإفساد في الأرض" لأنه لا يقتصر على المنطقة العربية والعالم العربي، وإنما يمتد فعلا عبر القارات. ومن المؤكد أنه لا يوجد على ظهر الكرة الأرضية اليوم كتاب سجل جرائم بني إسرائيل وسلوكهم اللاأخلاقي، ومواقفهم التاريخية، وأنذرنا مسبقا بقيام سلطتهم الطاغية التي شهدنا ميلادها، نحن الذين عاصرها جيلنا صدفة، حيث أخبرنا القرآن الكريم بوقائع إفسادهم الأول، بما يتطابق مع الجرائم التي شاهدها العالم معنا منذ أكثر من نصف قرن، في انتظار إفسادهم الثاني الذي سينتهي بهزيمتهم. إن هذه القضية فريدة في تاريخ البشرية، ولا تشبه أي قضية من قضايا الاستعمار المعروفة قديما أو حديثا، بل هي من أغرب قضايا الصراع بين الشعوب، فاليهود الذين تميزوا بين شعوب التاريخ القديم بطبيعة الكفر والعصيان، وارتكاب المنكرات، وقتل الأنبياء، عاقبهم الله بتشريدهم في الأرض، وإنزال العذاب بهم في كل زمان ومكان، وإلى يوم القيامة، ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله، ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيئين بغير الحق، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) (البقرة 61). ولكن حكمة الله اقتضت أن يمنحهم فرصة الدهر، فيتيح لهم العودة إلى البلد الذي أخرجوا منه، وإقامة دولة وسيادة مؤقتة عليه بالقوة والإرهاب والقهر، ليقيم الله عليهم الحجة مرة أخرى، بأن نزعة العدوان والإفساد فيهم لم تتغير، ولتشهد عليهم بذلك شعوب الحضارات الحديثة، كما شهدت به شعوب الحضارات القديمة، ولتكون عقوبة الله لهم في الدنيا والآخرة، العقوبة العادلة والمطابقة لجرائمهم. إن غيبة التصور الإسلامي، وغيبة الموقف الإسلامي المطابق له، والمجمع عليه، عن الساحة العربية، كان أحد أسباب التشرذم العربي، والهزائم العربية. أهداف الاكتساح الإسرائيلي لفلسطين : لا أحد في العالم المتنور اليوم يجهل هذه الأهداف، ونريد فقط أن نذكر الرأي العام العربي الإسلامي بها، إذا كان المسؤولون في الأنظمة والحكومات والأحزاب حتى اليوم يتجاهلونها، فإن الأجيال الإسلامية الصاعدة لن تسمح لهم بعد اليوم بالتخلى عن مسؤولياتهم الإسلامية، في مواجهتها بكل وسائل القوة، استعدادا لإفساد بني إسرائيل الثاني، ومن النصوص الخطيرة التي يجب التذكير بها لشرح "حالة السقوط العربي المعاصر"، والتي تتمثل بوضوح أمام العالم الغربي في العدوان الإسرائيلي على لبنان سنة 1982، ولأن العرب لم يأخذوا منها أي درس، ولم يستعدوا لمواجهة هذا العدو الذي كان هو يستعد بكل قواه لإذلالهم أمام العالم أجمع : - بعث رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن إلى الرئيس الأمريكي ريغان رسالة جاء فيها : "إن الضفة الغربية ستظل دائما جزءا من إسرائيل التوراتية، وأقسم أن لا تعاد إلى الأردن أبدا" وأضاف : "إن الأرض التي يسميها البعض بالضفة الغربية، يا سيدي الرئيس، هي يهودا والسامرا، وهذه الحقيقة التاريخية البسيطة لن تتغير أبدا". "الوطن" في 06/09/1982. - قال الجنرال إيتان رئيس الأركان الإسرائيلي في تصريح أذاعه راديوا إسرائيل يوم 28/12/1982 : "أؤكد بصفتي رئيسا للأركان شارك في كل الحروب : إننا سنظل في أرض إسرائيل، إسرائيل في حدودها كما وردت في التوراة، وتشمل الضفة الغربية وغزة، وسنعمرها بالكامل" الشرق الأوسط في 30/12/1982. - قال مناحيم بيغن في مقابلة مع مجلة الجيش الإسرائيلي (ياماخان) : "إن إسرائيل أكثر أهمية لأمن الولاياتالمتحدة، من أهمية أمريكا لأمن إسرائيل، وأضاف : إن إسرائيل توفر دعما استراتيجيا وتسهم في الأمن القومي لأمريكا، أكثر من تأييد ودعم أمريكا لإسرائيل". "أراب بريس" واشنطن في 20/09/1982. - قال مذيع التلفزيون في أمريكا للمشاهدين : أبعدوا أطفالكم عن شاشة التلفزيون، لأننا سنعرض هذا الفلم عن المذبحة : "فتاة فلسطينية عمرها 19 سنة اغتصبوها 10 مرات ثم ذبحوها. صوت أمريكا في 22/09/1982. - "العملاق العربي، من الخليج إلى المحيط، عملاق يتململ بأقدام من طين، وسط هضاب ونجود السياسة العالمية، وعلى منزلقات فلسطين وفي ساحات السباق بين الولاياتالمتحدةالأمريكية، والاتحاد السوفياتي. " ...إن جريمة العملاق العربي هي أن قدميه من طين، لآن أنظمته السياسية مسجونة كلها، في أن تفكر فرديا، لتنتحر جماعيا، عبر المراحل، وبعيدا عن جماهيرها، وعن التاريخ". عبد الله إبراهيم رئيس حكومة مغربية سابق في جريدة "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" في 11/11/1982. - جاء في برقية لأمير الجماعة الإسلامية في باكستان الشيخ طفيل محمد للاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية ما يلي : "إن المسلمين في جميع أنحاء العالم قد هالهم وءالمهم كثيرا موقف اللامبالاة الذي تقفه الدول الإسلامية ومنظماتها العالمية من الأعمال الإسرائيلية الوحشية في لبنان، إن الدمار الوحشي لمدينة بيروت المسلمة، والمجازر الوحشية دون تمييز ضد الرجال والنساء والأطفال المسلمين في لبنان ليست إلا مذبحة جماعية بشعة يشهدها المسلمون وغيرهم بسلبية ويأس، إن المسلمين يشعرون بالغضب والخيانة، ولقد ءان الأوان أن تنهض الأمة الإسلامية، وتستجيب للنداء القرآني : " وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا". مجلة "الأخبار" في 11/09/1982. - "... ولكن الواقع الأليم الذي يعيش فيه المسلمون بطوله وامتداده وتكراره، يكاد يزيل عن العالم الانطباع الذي أخذه عن تاريخ المسلمين، حيث لا يعرف اليوم عنهم إلا حياة الترف، وقصص المجون، وتبديد المال في الملهيات، واقتناء الأموال، وتقليد الغرب في المظاهر، وشغف زعمائهم بالكلام والتنديد". جريدة "الرائد" لسان دار العلوم ندوة العلماء لكهنو الهند في 16/08/1982. أمريكا تنتقم لهزيمتها في أفغانستان بهزيمة العالم العربي في فلسطين :؟! لقد مضى على جرائم غزو إسرائيل للبنان والمذابح الرهيبة التي ارتكبتها في بيروت، عشرون عاما، فهل وعى قادة العالم العربي معذرة الحكام المسؤولون في اثنتين وعشرين دولة في العالم العربي دروسها السياسية ؟. هل توقعوا أو استعدوا خلالها لمواجهة حرب أخطر وأشمل، تتجاوز حدود لبنان، بل حدود العالم العربي، لتشمل العالم الإسلامي، بل الإسلام نفسه، الذي أصبحت فيه أمريكا بعد زلزال "11 شتنبر" وانهيار أعصاب رئيسها بوش الثاني، تخبط خبط عشواء في سياستها الخارجية، وتبرهن عن جهل "قادتها الجدد" بتاريخ الإسلام والحضارة الإسلامية، وغبائهم السياسي، وتجرها الغطرسة وجنون العظمة، وحب الانتقام، لإعلان الحرب على المسلمين قاطبة باعتبارهم جميعا إرهابيين، بادئة بأفغانستان، فقط لأن مهاجمي نيويوركوواشنطن كانوا مسلمين، دون أن تسأل أو تعترف بأسباب عداء شعوب العالم لها؟!. لكن من سوء حظ أمريكا أن ينتصر فيها وزير الحرب على وزير الخارجية، وأن تنتقم لهزيمتها في أفغانستان، بهزيمة العالم العربي الإسلامي في فلسطين، أي بإذلاله وإرهابه وتركيعه بالاشتراك مع إسرائيل وعميلها شارون، لكن المنتصر مؤقتا في فلسطين هو هذا الجنرال السفاح الذي استطاع أن يجعل من بوش الناطق الرسمي باسمه، سواء في مجلس الأمن أو في الاتحاد الأوربي أو في الأممالمتحدة ؟!. ومع ذلك فإن جميع القرائن التاريخية والحضارية والدينية تشير إلى أن هذه الحرب ستكون "بداية النهاية" : 1 لعصر (الإفساد الأول ) لبني إسرائيل في الأرض، المقترن بظهور مجرمي الاجتياح اليهودي لفلسطين، وحلفائهم في أمريكا وإنجلترا. 2 لعصر "الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي" المقترن بسقوط الأمبراطوريات : البريطانية والفرنسية والسوفياتية بفضل جهاد وصمود الشعوب الإسلامية ضد هذا الاستعمار. 3 لعصر "إمبراطورية القطب الأمريكي الأوحد" الحاكم بما يشاء في أرض الله، المقترن بشن حروب "الإرهاب العالمي" والمالك لكل أسلحة "الدمار الشامل"، هذه الإمبراطورية ستلتحق بأخواتها، وستسقط بنفس السرعة التي سقط بها "الاتحاد السوفياتي" لانهيار بنيتهما التحتية رغم امتلاكهما لأسلحة الدمار الشامل. 4 لعصر التخلف والسقوط العربي الإسلامي، المقترن بتسلط واستبداد الحكام، وتهميش الشعوب، والأعراض عن القرآن والسنة، وموالاة النصارى واليهود. هذه الأوضاع أفرزت ظاهرتين جديدتين لم تكن أي منهما تخطر على بال خبير أو باحث إسلامي، أو يتوقع حدوثها، وقد تكون أحداث "11 شتنبر 2001" (ضرب أبراج نيويورك ووزارة الدفاع بواشنطن)المفاجئة ساهمت فيهما، خاصة بالنسبة للظاهرة الأمريكية : - أن يصل جنون العظمة والغطرسة والاستكبار والغرور السياسي بالقادة الأمريكيين، وأتباعهم البريطانيين، وحلفائهم اليهود، إلى اعتبار الحركات الإسلامية المقاومة للعدوان الإسرائيلي "حماس والجهاد وحزب الله وكتائب الأقصى" إرهابية، وإعلان الرئيس بوش حربا عالمية للقضاء على هذا الإرهاب... الإسلامي ؟َّ!. وتهديده لمن وصفهم بمعسكر الأشرار : العراق وإيران ؟!. - أن تصل حالة الذل والهوان والخذلان، وسقوط الهمم والعزائم، عند الحكام والمسؤولين العرب، إلى تخليهم عن كل مسؤولياتهم الدينية والقومية والوطنية وحتى الإنسانية، بتركهم الشعب الفلسطيني، نساء وأطفالا وشيوخا يقتلون ويعذبون ويهانون، وتهدم بيوتهم فوق رؤوسهم أمام أنظار العالم أجمع، وكأن الأمر لا يعنيهم، وفي غيبة أي شعور بالخزي والعار ؟ّّ! انتصار الإسلام حتمية قرآنية تاريخية حضارية : لقد حذرنا القرآن الكريم بوقوع "حدث خطير ومعجز" منذ أربعة عشر قرنا، لم يتخيل المفسرون أنه سيحدث بعد كل هذه القرون، لنكتشف نحن اليوم أننا فعلا نعيش واقع هذا "الحدث الخطير" ومشاهده المأساوية يوميا في عالمنا العربي والإسلامي منذ سنة 1948، وطبق ما جاء في قوله تعالى : "وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا..." (الآيات الأربعة الأوائل : 4-5-6-7 من سورة الإسراء)، واضطر المفسرون القدماء لاستحالة أن تكون لليهود دولة أو علو كبير في الأرض، في نظرهم يومئذ أن يبحثوا في تاريخ بني إسرائيل عن فترات إفسادهم بالمعاصي وقتل الأنبياء، فسلط الله عليهم الآشوريين والبابليين أو جالوت وقومه فدمرهم، وهي أحداث لا يمكن أن تنطبق عليها الأوصاف الواردة في هذه الآيات، التي تبلغ دقة مطابقتها لواقعنا السياسي حد "الإعجاز" المعروف في إخبار القرآن بالغيبيات، فضلا عن الأدلة التاريخية واللغوية والمنهجية التي أوردناها بتفصيل في دفتر لنادي الفكر الإسلامي بعنوان : "العرب تحت وطأة الإفساد الأول لبني إسرائيل" صدر سنة 1983، وفي كتابنا : "بنوا إسرائيل في عصر الانحطاط العربي" صدر سنة 1992، وفضلا عن الحديث النبوي الوارد في صحيحي البخاري ومسلم : "تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم، حتى يقول الحجر : يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله". إن إفساد بني إسرائيل في أرض فلسطين ومصر ولبنان وسوريا، المتمثل في عمليات التخريب والتدمير والتقتيل والتعذيب والتآمر والتحالف ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة، بمساندة كاملة من أمريكا وبريطانيا، أعطى لليهود شعورا قويا بالاستعلاء والغطرسة والتحكم السياسي والاقتصادي والإعلامي الفعلي، الشيء الذي لم يسبق له نظير في تاريخ اليهود، إنهم يتحكمون في أمريكا التي تتحكم بدورها، ليس فقط في مجلس الأمن الدولي، ولكن في العالم العربي من موريطانيا حتى اليمن، ولكي نزداد يقينا بأن "الكفر ملة واحدة" وموحدة ضد الإسلام والمسلمين، فإن البيان الرباعي للكتل العالمية القوية في العالم التي اجتمع ممثلوها في مدريد باسم الاتحاد الأوروبي، والولاياتالمتحدةالأمريكية، والأممالمتحدة، وروسيا يوم 11/04/2002 لاتخاذ قرار حاسم بالدفاع عن وجود وأمن إسرائيل، ضد من سماهم بالإرهابيين الفلسطينيين، لم يعبر أصحابه عن وجهة نظر شارون في تبرير حربه الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني، وإنما كرر بالحرف تصريحاته الرسمية في "القضاء على البنية الأساسية للإرهابيين الفلسطينيين، وإيقاف التحريض على العنف، وقطع المساعدات المالية عنهم ؟! كما طالب بدوره أن يقوم عرفات بتنفيذ الشروط الأمنية التي فرضها شارون على الشعب الفلسطيني" ؟!. فشل الأطروحات الفكرية، والتجارب الميدانية للدول والأحزاب العربية : بناء على كل هذه المواقف، لا شك أن هذه التطورات المفاجئة، سواء من جانب ظهور الرئيسين اليهودي أرييل شارون والصليبي جورج بوش على المسرح الدولي، كحليفين وزعيمين دوليين للمعسكر المعادي علنا للإسلام والمسلمين، أو من جانب العالم العربي والإسلامي الذي انهارت جميع أطروحاته الفكرية، وتجاربه الميدانية، على اختلاف تياراتها القومية والاشتراكية والديمقراطية والعنصرية والطائفية منذ سقوط الخلافة العثمانية وخلال 79 سنة، ولم يحقق العالم العربي أي مطمح من مطامح شعوبه لا في الوحدة العربية، ولا في العدالة والحرية، ولا في التنمية الاجتماعية، ولا في التسلح والتصنيع وإعداد القوة العسكرية، هو إذن الفشل والعجز والسقوط سياسيا وحضاريا، وهو "إحباط الأعمال" إسلاميا وعقابيا". هذه التطورات التي يقف فيها المعسكران العالميان المتقاتلان في فلسطين منذ 54 سنة وجها لوجه، تعبر عن مسار تاريخي كوني لطبيعة (الصراع الحضاري) التاريخي العالمي، بين الإسلام، كدين وحيد للبشرية جمعاء، وهو دين جميع الأنبياء والرسل السابقين، "إن الدين عند الله الإسلام" (ءال عمران 19) حيث نص القرآن الكريم على تعدد (الشرائع) لا تعدد (الأديان) : "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما أوصينا به إبراهيم وموسى وعيسى، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه" (الشورى 13). "ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما" (ءال عمران 67). "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين" (ءال عمران 85). هذا من جهة الإسلام وشريعته الكاملة والشاملة لجميع مجالات الحياة كحضارة إنسانية عالمية خالدة نسخت الشرائع السابقة عليها بما فيها اليهودية والمسيحية، بحكم أنها ءاخر الرسالات السماوية المواكبة لتقدم وتطور الفكر والعقل الإنساني، وتأهله لدخول عصر العلم والمعرفة بحقائق الكون والحياة والإنسان، وهذا ما حققته رسالة الإسلام الخالدة، ولم يحدث قط خلال الأربعة عشر قرنا الماضية، أي صراع بسبب اختلاف الشرائع، طالما أن الإسلام اعترف بحق الشعوب غير الإسلامية في ممارسة شرائعها السابقة بقوله تعالى : "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة 256). حيث تمتع المسيحيون واليهود والصابئة والمجوس في رحاب الدول الإسلامية شرقا وغربا، قديما وحديثا، بكل حقوقهم الإنسانية والدينية. الصراع الجديد بين الحضارتين : الإسلامية والغربية : لكن الصراع نشأ تاريخيا، ولا يزال قائما، بين مكونات وخصائص المجتمعات الحضارية : القومية والثقافية والاقتصادية والسياسية. ولأن "الحضارة الإسلامية" تميزت عن كل الحضارات البشرية، وحتى الشرائع السماوية الأخرى، بأن جميع أنظمتها ومؤسساتها الحياتية لها مرجع ديني أخلاقي ثابت لم يتغير، هو القرآن الكريم والسنة النبوية. ولأن "الحضارة الغربية" المعاصرة آمنت بالمادة وتجاهلت الروح، وانزلقت في طريق الإلحاد، وأنكرت البعث والحساب والعقاب، فقد اتسعت الهوة الفكرية والثقافية والأخلاقية عمليا بين الحضارتين، وتطور الصراع بينهما لدرجة أن (زعيمة الحضارة الغربية) الطاغية المستكبرة بأسلحة (الدمار الشامل)، انطلقت بعد أحداث "11 شتنبر" كالثور المجنون، تضرب أقطار العالم الإسلامي يمينا ويسارا، جوا وبرا وبحرا، تنتقم من هزيمتها في أفغانستان، بتقتيل الشعب الفلسطيني، وتدمير مؤسساته الوطنية، وتتوعد بالانقضاض على العراق وإيران، إنها انتفاضة الجريح الهائج الشاعر بالضعف والإهانة، لكن الولاياتالمتحدةالأمريكية، ستقتنع في نهاية المطاف، كما اقتنع الاتحاد السوفياتي قبلها، بأن "الدولة الإرهابية الكبرى في العالم" المعتزة بامتلاكها (أخطر أسلحة الدمار الشامل)، ستنهار حتما أمام "الأمة الإسلامية الكبرى في العالم" المعتزة بامتلاكها (أعظم طاقة جهادية)، تفتقدها "الحضارة المسيحية الغربية المعاصرة : هل تريدون دليلا من تاريخ القرون الوسطى ؟. خذوه إذن من واقع الحروب الصليبية الثمانية، التي أعلنتها كل دول أوربا المسيحية على الإسلام في فلسطين، طيلة 195 سنة (1096-1291)، وجاء صلاح الدين ليضع لها حدا، وعاد الصليبيون منهزمين إلى بلدانهم، دون ما حاجة إلى مؤتمرات سلام، لكن الغرب لم ينس الهزيمة، وبعد 657 سنة جاءت بريطانيا وأمريكا ب (إسرائيل)، ليشهد العالم معنا بداية "دورة ثانية انتقامية" من الحروب الصليبية الصهيونية، أيضا ضد الإسلام في فلسطين سنة 1948!. لنأخذ دليلا آخر من القرن العشرين : شهد النصف الأول من القرن العشرين "بداية النهاية" للحروب الاستعمارية الغربية لأقطار العالم الإسلامي شرقا وغربا، كان ءاخرها بالنسبة لشمال إفريقيا كنموذج : - احتلال (الجزائر) وإدماجها الكامل كجزء من فرنسا خلال حقبة "1830-1962". - احتلال (تونس) بصيغة الحماية الفرنسية خلال حقبة "1880-1956". - احتلال (المغرب) بصيغة الحماية الفرنسية خلال حقبة "1912-1956". لقد استطاعت هذه الأقطار أن تحرر نفسها بفضل "الجهاد" الإسلامي لشعوبها، وبالنسبة للجزائر يمثل جهادها بمليون ونصف من الشهداء، (معجزة إسلامية مذهلة ومخيفة في القرن العشرين) إذ لم يكن للتيارات اليسارية يومئذ أي تأثير أو حتى وجود، بشهادة قادة الجيوش الاستعمارية الفرنسية والإسبانية والبريطانية نفسها، هذه الثورة المعجزة قصمت ظهر الأمبراطورية الفرنسية وأسقطتها إلى الأبد. لكن المأساة تبدأ مع حكومات وأحزاب هذه الدول المستقلة حديثا، في العالم العربي خلال النصف الثاني من هذا القرن، فبدلا من أن تتبنى الإسلام نظاما لحكمها تبعا لرغبة وتضحيات شعوبها، اختار تسعون في المائة 90% منهم الأنظمة الاشتراكية والقومية والوطنية، لتمزيق وحدة الأمة الإسلامية، واستبعاد "الفكر الإسلامي" من حياتها، بتخطيط ودعم خبراء الاستعمار الجديد. أما دليلنا الحديث على أن الأمة الإسلامية لا تزال تملك (أعظم طاقة جهادية واستشهادية للقتال) ضد أعداء الإسلام، لولا السدود التي أقامتها الحكومات في طريقها، فيكفي ما شاهده وعرفه العالم عن صمود الشعب الفلسطيني، ومقاومته البطولية للاستعمار الصهيوني طيلة 54 سنة الماضية، فضلا عن جرائم التدمير والتقتيل والإبادة المتواصلة حتى اليوم بأمر، السفاح شارون، ومباركة وتأييد الرئيس الأمريكي بوش الثاني، كما أن العالم لا يزال يشاهد المظاهرات الاحتجاجية الصارخة لشعوب العالم العربي والإسلامي شرقا وغربا، وللأقليات الإسلامية في أغلب الدول الغربية نفسها، ومطالبة الملايين منهم بفتح الحدود أمامهم للجهاد في فلسطين. التفسير الإسلامي ل "ظاهرة سقوط العالم العربي المعاصر" : هل هناك تفسير ل "ظاهرة سقوط العالم العربي المعاصر" غير التفسير الإسلامي؟. وهل أدرك رجال العلم والفكر والسياسة، وحتى علماء الشريعة في العالم العربي، أنهم يعيشون هذه (الظاهرة العامة) من موريطانيا إلى اليمن، بمفهومها الاجتماعي المنهجي "السوسيولوجي" دون تأثر طبيعتها وخصائصها باختلاف أنظمته السياسية، أو مواقعه الجغرافية، ملكية كانت أو جمهورية أو سلطانية، منذ سقوط "الدولة العثمانية" سنة 1923م، مرورا بإنشاء "الجامعة العربية" سنة 1945، وصولا لقيام دولة إسرائيل سنة 1948م؟!. أجبنا عن هذين السؤالين بتفصيل في سلسلة كتبنا التي اعتبرت هذا السقوط "بداية النهاية" لأخطر مراحل هذه "الظاهرة" والتي تتحمل فيها الأنظمة العربية، وأحزابها الحكومية، ومجالسها النيابية المزيفة، مسؤولية "التخلي الكامل" عن نجدة من بقي من الشعب الفلسطيني يقاتل في أرض فلسطين، وإنقاذ ما بقي من أرضه، بينما الإرهابي الأكبر، (سفاح بني إسرائيل)، يعيث فسادا وتخريبا وتقتيلا في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، يدكها دكا على سكانها العزل، بمئات من الدبابات، فوقها الطائرات، لتخلف عشرات الآلاف من القتلى والجرحى فضلا عن 5000 سجين، على مرأى ومسمع من العالم أجمع ؟!. الأخطاء القاتلة للسياسة العربية العلمانية : واجبنا في إطار هذا "البيان التحليلي" أن نسجل أهم الأخطاء السياسية التي كانت "بداية النهاية" لعصر "سقوط العالم العربي المعاصر" لنجد في طليعتها مسلسل التنازلات التي ابتدأت بالاعتراف بإسرائيل، وحقها في الوجود على أرض اغتصبتها بالقوة، وأخرجت سكانها بالإرهاب، وتمثل 80% من أرض فلسطين، وهو اعتراف باطل شرعا وقانونا، أجمع علماء المسلمين في المشرق والمغرب، على أنه خيانة لله وللرسول وللأمة الإسلامية، صاحبة الحق الكامل في استرجاعها بالجهاد، وليس بخرافة السلام. وفي إطار هذه التنازلات الضالة التي أخرجت قضية فلسطين من مسارها الإسلامي الذي عاشت في كنفه أربعة عشر قرنا، وحتى في عهد الرئيسين السابقين المجاهدين الحاج أمين الحسيني وأحمد الشقيري، جاء "ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية" الجديد، ليقطع صلتها بتاريخها الإسلامي جملة وتفصيلا، ويحولها إلى حلم "دولة علمانية ديمقراطية"؟! أملا في أن تحظى برضا اليهود والنصارى، ويتم الاعتراف بها من دول الشرق والغرب والله تعالى يقول : "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم، مالك من ولي ولا نصير" (البقرة 120). ويقول جل علاه : "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين" (المائدة 51). وهكذا ظل السيد ياسر عرفات رئيس المنظمة، منذ أكثر من ثلاثين سنة، يعلن ويؤكد ويكرر في جميع المواقف والمناسبات العربية والدولية، دون أي اعتراض من الدول العربية، بأن قضية فلسطين هي (قضية عربية)، أي لا علاقة لها بالإسلام؟! وذلك طبقا لما نص عليه "ميثاق المنظمة". من أن هدف الثورة الفلسطينية هو "تأسيس دولة فلسطينية علمانية ديمقراطية" تتكون من المسلمين والمسيحيين واليهود على صعيد واحد؟!. وعندما أسسنا "الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني" سنة 1969، في غمرة الحزن والتأثر العام للشعب المغربي، لهزيمة 5 يونيه 1967 ، بمشاركة قادة حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي وعدة شخصيات وطنية حرة اكتشفنا نحن ممثلي "رابطة علماء المغرب" في الجمعية المذكورة هذه المعلومات، أعلننا معارضتنا لها في اجتماعاتنا الرسمية، لما تمثله من خطورة سياسية ودينية ووطنية بالغة، لأنها تفرغ الكفاح الفلسطيني من طاقاته الإيمانية، وثقافته الجهادية، وتجعل هدفه من كفاحه محصورا في "تحرير الأرض"؟!. لم تكن ظروف القضية يومئذ تسمح لنا بإثارة هذه المشكلة علنا مع المنظمة على اعتبار أنها في معركة مع إسرائيل، لكننا لم نسكت، قمنا بتحليل نتائج سياستها (اليسارية العلمانية الثورية) في صحف مغربية ومصرية وخليجية، وأصدرنا دفترا بعنوان : "العرب تحت وطأة الإفساد الأول لبني إسرائيل" قام بنشره "نادي الفكر الإسلامي" سنة 1983، - حسبما أشرنا إليه سابقا - يتضمن التصور الإسلامي لقضية فلسطين، وردود الفعل العربية والإسلامية والدولية لجرائم إفسادهم الأخير في لبنان، كما يتضمن بحثنا المفصل لتفسير الآيات الأربعة الخاصة بالإنذار الإلهي المخبر بإفساد بني إسرائيل في الأرض مرتين مع العلو الكبير، وجئنا بالأدلة القاطعة على أن الإفساد الأول هو فعلا ما تقوم به إسرائيل منذ سنة 1948، وأن الإفساد الثاني الأخطر ربما بالقنابل الذرية هو ما سينتهي بهزيمتها وسقوطها، وهذا ما لا نشك فيه، ويقوي عزيمتنا نحن المسلمين على تحقيقه. مع ذلك لم يتغير موقف "المنظمة" من "علمانية الدولة الفلسطينية" التي ظلت تحلم بإنشائها بمساعدة أعداء الإسلام بعد أن استبعدت الجهاد الإسلامي وخلال سنين طويلة، لم يتوقف السيد عرفات في رحلاته المتواصلة، عن الاستعانة بموسكو ورئيس دولة إسرائيل والبابا والرئيس الأسبق الفرنسي (اليهودي) ميتران، مطئطئا رأسه أمام كل منهم؟! وفي إطار هذا التوجه السياسي، لا حظ جميع الخبراء باستغراب، أن "المنظمة بدل أن تركز كفاحها على تنظيم المقاومة المسلحة داخل فلسطين، وجهت كل نشاطها وأموالها للجانب الدبلوماسي، ففتحت مكاتبها في جميع العواصم العالمية، وأصدرت من الكتب والصحف والمنشورات ما لا يحصى، ودائما في نفس الخط العلماني، الذي التزمت به مجلة "فلسطين الثورة" القبرصية، اللسان الرسمي للمنظمة، الذي يشرح لنا بوضوح وجهة نظره في مسألة الدين، ردا على كاتب يهودي بمقال في هذه المجلة (عدد 659 بتاريخ 11/07/1987) تحت عنوان : " للفلسطينيين من حوافز النضال ما يغنيهم عن الحافز الديني"؟!. ما ذا صنع "الفكر القومي العربي العلماني" بالقضية الفلسطينية ؟!. كان علينا اليوم، وبعد أكثر من ثلاثين عاما، من السير في وحل هذه السياسات، التي جعلت العالم العربي تائها في خضمها، عاجزا منهارا ومهانا، أمام الاجتياح الدموي الوحشي الإسرائيلي الجديد، لتصفية "المقاومة العربية الإسلامية" أن نتساءل : - ما ذا صنع "الفكر القومي العربي العلماني" بقضية فلسطين؟! ونجيب عن هذا السؤال بإيجاز : 1 أقصى الإسلام والشعوب والدول الإسلامية غير العربية، عندما أعلن أن (القضية الفلسطينية) هي "قضية عربية"؟!. 2 جعل "المنظمة" تعتقد وتوهم نفسها بأنها "طليعة الثورة العربية" منذ قيامها، وإلى أن سقط الاتحاد السوفياتي سنة 1990. 3 توهم لفترة زمنية طويلة أن "القومية العربية" يمكنها أن تحل محل "الإسلام" ك "إديولوجية ثورية" تمثل الحداثة والتقدم؟!. 4 ثم تراجع وأعلن أن (قضية فلسطين) هي (قضية فلسطينية) لاحق لأحد في التدخل في شؤونها؟!. 5 ثم اختصرها "سياسيا" لتصبح قضية تهم فقط " لجنة القدس"؟! 6 ثم اختزلها "وطنيا" في "الرئيس عرفات" بإعلان أنه "الممثل الشرعي والوحيد" للشعب الفلسطيني؟!. 7 واستغلها "تضليلا" باحتوائه "الانتفاضة الإسلامية" على اعتبار أنها "الكفاح الوطني" الممكن والمطلوب من الشعب الفلسطيني؟!. 8 واستغلها "تمويها" عندما تعامل مع "الانتفاضة" على أنها "البديل الوحيد للجهاد" وتركزت "الحملة العربية" على "دعم الانتفاضة" وتجاهل "الجهاد" الذي أصبح واجبا على جميع المسلمين شرقا ومغربا. 9 واستغلها "تخلفا حضاريا" عندما أعلن : "أن السلام اختيار استراتيجي" وتباهى الرئيس عرفات رافعا بدوره شعار : "سلام الشجعان"؟!. هذا التفكك، والتشتت، والضياع، والإحباط، الذي سقط فيه أصحاب "الفكر العربي" وأغلبهم من الفلاسفة العلمانيين، والمسيحيين واليهود والمنافقين، كان هدفهم منح "الفكر العربي" محتوى "إديولوجيا ماركسيا فلسفيا ثوريا" يستطيع بطاقته المعبأة شكليا، أن يحل محل "الفكر الإسلامي" ؟!. - كيف، ومتى، وأين، نشأ هذا الفكر ؟ تجيب عن هذه الأسئلة "وثائق المؤتمر العربي الأول المنعقد في باريس سنة 1913 مع المراسلات الدبلوماسية الفرنسية السرية المتعلقة به، والذي يعود بنا إلى جذور نشأة هذا الفكر كحركة إصلاحية عربية انفصالية عن الدولة العثمانية سنة 1912، لعبت فيه القنصليات الفرنسية والبريطانية في البلدان العربية دورا حاسما لإنجاز مشروعين كبيرين : أحدهما فرنسي يقضي بجعل بلاد الشام منطقة نفوذ فرنسي، وثانيهما إنجليزي يقضي بإنشاء منطقة نفوذ إنجليزي : العراق الأردن، فلسطين، ساهمت فيهما المخابرات والأموال بدور كبير في شراء العملاء الأعوان، وإقناع الكتاب والسياسيين ورجال الأعمال، بحقيقة واضحة هي "أن المدنية الأوروبية العصرية" هي التي انتشلتنا من سباتنا العميق"؟!. والغريب في الأمر أن القنصلية الفرنسية بعاصمة المغرب المستقل يومئذ (فاس) لعبت نفس الدور، وفي نفس السنة 1912، الذي لعبته القنصليات الفرنسية في بيروت ودمشق وغيرهما، وذلك بإقناع القواد ورجال "المخزن" بأهمية وضرورة عقد الحماية الفرنسية" الذي وقعه السلطان عبد الحفيظ في السنة المذكورة، ودافع عن نفسه بعد ذلك بقصيدة يقول فيها : أءامر بالجهاد وجل قومي يرى أن "الحماية (فرض عين)؟! ومنذ ذلك التاريخ، وحتى اليوم، نجح "الفكر العربي القومي العلماني- برعاية قوية ومستمرة شرقا ومغربا من الاستعمار الغربي في السيطرة على أنظمة التعليم والثقافة والإعلام، ونشر ثقافة الجنس والعنف والإجرام، بكل صورها المدمرة للأخلاق، ولنظام الأسرة الإسلامية، ولأن الأمية ضاربة أطنابها في العالم العربي، أصبحت أغلب الفضائيات العلمانية العربية، هي (المدرسة المرشدة والمربية) للأجيال العربية التي فقدت هويتها الإسلامية. هذا الفكر القومي لم يسيء إلى أصحابه، بقدرما أساء إلى أمته العربية نفسها، ولم يسيء إلى قضية، بقدرما أساء إلى القضية الفلسطينية، وبإلقاء نظرة على العناوين السابقة، التي يحتاج كل منها إلى شرح وعرض تاريخي، يمكن فهم الأسباب والظروف التي شجعت مجرمي بني إسرائيل السابقين، وكبيرهم السفاح شارون، على اجتياح مدن وقرى الضفة الغربية وغزة، خاصة مخيم جنين ورام الله ونابلس والخليل، بمئات الدبابات من فوقها الطائرات، تدمر الدور على ساكنيها من النساء والأطفال، ءامنا مطمئنا إلى أن أكبر قوة في العالم تسنده وتحميه، وأن أضعف قوة لأعدائه العرب لا تجرؤ على مجابهته، بل ومعلنا باسم حزبه الليكود معارضته لقيام (دولة فلسطينية)، غافلا عن أن هذه الظروف لن تدوم، وأن (دوام الحال من المحال). الإسلام قاهر الأمبراطوريات الاستعمارية والصليبية : هذا مع العلم بأن كل التغيرات السياسية العالمية، تنذر بأن (الأمبراطورية الأمريكية) المتسلطة على العالم شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، الذي ضاق ذرعا بها، ستواجه حتما مصير سابقاتها : الأمبراطوريات الفرنسية والبريطانية والسوفياتية، ولا يمكن لمؤرخي هذه الأمبراطوريات أن ينكروا أن "الجهاد الصادق" للشعوب الإسلامية كان دائما العامل الأساسي والحاسم في سقوطها بعد حروب طاحنة واحدة بعد أخرى. هذه الحقائق التاريخية والحضارية، تجعلنا نومن بأن هذه (الإمبراطورية الأمريكية) ءاخر وأعظم الأمبراطوريات التي عرفها تاريخ الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي، خلال القرون الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين ستسقط بنفس السرعة التي سقط بها الاتحاد السوفياتي، رغم امتلاكهما لأسلحة (الدمار الشامل). لكن يجب أن لا يغيب عن ذهن أي مسلم مسؤول في القمم العربية أو الإسلامية، أو في القواعد الشعبية، وخاصة "أجيال الجهاد الصاعدة" أن القرآن الكريم وضع ثلاثة قوانين خاصة بالمجتمع الإسلامي : 1 قانون "النصر" : إن انتصار أي جيش أو مقاومة إسلامية على العدو، مشروط بعقيدة الدفاع عن دين الله لقوله تعالى : "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" (محمد7) فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، ويؤكد الله تعالى ذلك بقوله : "ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز" (الحج40). 2 قانون "الابتلاء" : كل تصرفات المسلم من البلوغ حتى الوفاة، تخضع ل "امتحان مستمر" يسجل في "كتابه" ويحاسب بمقتضاه يوم القيامة لقوله تعالى : "ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم" (محمد31) "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والتمرات" (البقرة154). "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" (الملك2) " إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" (الإسراء14). 3 قانون "إحباط الأعمال" : قلما ينتبه الناس، وخاصة المجتمعات والمنظمات والحكومات، إلى أن النكبة التي تحل بهم أو بأوطانهم، في أي زمان أو مكان، هي (عقوبة إلهية) لما ارتكبوه من ظلم أو منكرات، لقوله تعالى : "والذين كذبوا بئاياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم، هل يجزون إلا ما كانوا يعملون" (الأعراف147). "ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله" (المائدة5). "المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويقبضون أيديهم، نسوا الله فنسيهم...أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك هم الخاسرون" (التوبة67-69). "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" (الأنفال25). فهل يستطيع أي باحث أو مفكر اليوم، أن ينكر أن "قانون إحباط الأعمال" القرآني يتجلى ك "ظاهرة اجتماعية" في العالم العربي الذي باءت ب (الفشل والإحباط) جميع نظرياته المذهبية التي تبناها وحاول تطبيقها ميدانيا، لتحقيق مطامح شعوبه في الوحدة والحرية والشورى والعدالة والتنمية البشرية والتصنيع والقوة العسكرية، منذ سقوط الدولة العثمانية حتى اليوم (79سنة)؟!. عندما اجتاحت إسرائيل لبنان سنة 1982، نشرنا في ظهر الدفتر الذي أصدره (نادي الفكر الإسلامي) بعنوان : "العرب تحت وطأة الإفساد الأول لبني إسرائيل" دائرة مستديرة جاء فيها : "كان العرب قبائل متصارعة تعبد الأصنام، فجاء الإسلام ومنحهم الإيمان والأخوة والوحدة والعلم والقوة، وكلما ابتعدوا عن الإسلام عادوا لعاداتهم القديمة * بعد أندلس القرن الخامس عشر، جاء دور فلسطين القرن العشرين، هل تغير العرب بعد خمسة قرون؟! أم هم في حاجة دائما إلى صلاح الدين ويوسف بن تاشفين"؟!. بقلم : الكاتب العام للنادي د. إدريس الكتاني