قدمت التجديد البيان التحليلي الكامل لنادي الفكر الرسلامي بالرباط في الأعداد 371و372و373. غير أن بعض الفقرات سقطت من البيان عن غير قصد. التجديد إذ تعتذر للقراء ولنادي الفكر الإسلامي في شخص الدكتور إدريس الكتاني، تنشر المقطع الذي سقط وترجو من المعنيين بالأمر أن يقبلوا اعتذارها. لقد حذرنا القرآن الكريم بوقوع "حدث خطير ومعجز" منذ أربعة عشر قرنا، لم يتخيل المفسرون أنه سيحدث بعد كل هذه القرون، لنكتشف نحن اليوم أننا فعلا نعيش واقع هذا "الحدث الخطير" ومشاهده المأساوية يوميا في عالمنا العربي والإسلامي منذ سنة 1948، وطبق ما جاء في قوله تعالى : "وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا..." (الآيات الأربعة الأوائل : 4-5-6-7 من سورة الإسراء)، واضطر المفسرون القدماء لاستحالة أن تكون لليهود دولة أو علو كبير في الأرض، في نظرهم يومئذ أن يبحثوا في تاريخ بني إسرائيل عن فترات إفسادهم بالمعاصي وقتل الأنبياء، فسلط الله عليهم الآشوريين والبابليين أو جالوت وقومه فدمرهم، وهي أحداث لا يمكن أن تنطبق عليها الأوصاف الواردة في هذه الآيات، التي تبلغ دقة مطابقتها لواقعنا السياسي حد "الإعجاز" المعروف في إخبار القرآن بالغيبيات، فضلا عن الأدلة التاريخية واللغوية والمنهجية التي أوردناها بتفصيل في دفتر لنادي الفكر الإسلامي بعنوان : "العرب تحت وطأة الإفساد الأول لبني إسرائيل" صدر سنة 1983، وفي كتابنا : "بنوا إسرائيل في عصر الانحطاط العربي" صدر سنة 1992، وفضلا عن الحديث النبوي الوارد في صحيحي البخاري ومسلم : "تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم، حتى يقول الحجر : يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله". إن إفساد بني إسرائيل في أرض فلسطين ومصر ولبنان وسوريا، المتمثل في عمليات التخريب والتدمير والتقتيل والتعذيب والتآمر والتحالف ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة، بمساندة كاملة من أمريكا وبريطانيا، أعطى لليهود شعورا قويا بالاستعلاء والغطرسة والتحكم السياسي والاقتصادي والإعلامي الفعلي، الشيء الذي لم يسبق له نظير في تاريخ اليهود، إنهم يتحكمون في أمريكا التي تتحكم بدورها، ليس فقط في مجلس الأمن الدولي، ولكن في العالم العربي من موريطانيا حتى اليمن، ولكي نزداد يقينا بأن "الكفر ملة واحدة" وموحدة ضد الإسلام والمسلمين، فإن البيان الرباعي للكتل العالمية القوية في العالم التي اجتمع ممثلوها في مدريد باسم الاتحاد الأوروبي، والولاياتالمتحدةالأمريكية، والأمم المتحدة، وروسيا يوم 11/04/2002 لاتخاذ قرار حاسم بالدفاع عن وجود وأمن إسرائيل، ضد من سماهم بالإرهابيين الفلسطينيين، لم يعبر أصحابه عن وجهة نظر شارون في تبرير حربه الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني، وإنما كرر بالحرف تصريحاته الرسمية في "القضاء على البنية الأساسية للإرهابيين الفلسطينيين، وإيقاف التحريض على العنف، وقطع المساعدات المالية عنهم ؟! كما طالب بدوره أن يقوم عرفات بتنفيذ الشروط الأمنية التي فرضها شارون على الشعب الفلسطيني" ؟!. فشل الأطروحات الفكرية، والتجارب الميدانية للدول والأحزاب العربية : بناء على كل هذه المواقف، لا شك أن هذه التطورات المفاجئة، سواء من جانب ظهور الرئيسين اليهودي أرييل شارون والصليبي جورج بوش على المسرح الدولي، كحليفين وزعيمين دوليين للمعسكر المعادي علنا للإسلام والمسلمين، أو من جانب العالم العربي والإسلامي الذي انهارت جميع أطروحاته الفكرية، وتجاربه الميدانية، على اختلاف تياراتها القومية والاشتراكية والديمقراطية والعنصرية والطائفية منذ سقوط الخلافة العثمانية وخلال 79 سنة، ولم يحقق العالم العربي أي مطمح من مطامح شعوبه لا في الوحدة العربية، ولا في العدالة والحرية، ولا في التنمية الاجتماعية، ولا في التسلح والتصنيع وإعداد القوة العسكرية، هو إذن الفشل والعجز والسقوط سياسيا وحضاريا، وهو "إحباط الأعمال" إسلاميا وعقابيا". هذه التطورات التي يقف فيها المعسكران العالميان المتقاتلان في فلسطين منذ 54 سنة وجها لوجه، تعبر عن مسار تاريخي كوني لطبيعة (الصراع الحضاري) التاريخي العالمي، بين الإسلام، كدين وحيد للبشرية جمعاء، وهو دين جميع الأنبياء والرسل السابقين، "إن الدين عند الله الإسلام" (ءال عمران 19) حيث نص القرآن الكريم على تعدد (الشرائع) لا تعدد (الأديان( "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما أوصينا به إبراهيم وموسى وعيسى، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه" (الشورى 13) "ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما" (ءال عمران 67). "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين" (ءال عمران 85). هذا من جهة الإسلام وشريعته الكاملة والشاملة لجميع مجالات الحياة كحضارة إنسانية عالمية خالدة نسخت الشرائع السابقة عليها بما فيها اليهودية والمسيحية، بحكم أنها ءاخر الرسالات السماوية المواكبة لتقدم وتطور الفكر والعقل الإنساني، وتأهله لدخول عصر العلم والمعرفة بحقائق الكون والحياة والإنسان، وهذا ما حققته رسالة الإسلام الخالدة، ولم يحدث قط خلال الأربعة عشر قرنا الماضية، أي صراع بسبب اختلاف الشرائع، طالما أن الإسلام اعترف بحق الشعوب غير الإسلامية في ممارسة شرائعها السابقة بقوله تعالى : "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة 256). حيث تمتع المسيحيون واليهود والصابئة والمجوس في رحاب الدول الإسلامية شرقا وغربا، قديما وحديثا، بكل حقوقهم الإنسانية والدينية. الصراع الجديد بين الحضارتين : الإسلامية والغربية : لكن الصراع نشأ تاريخيا، ولا يزال قائما، بين مكونات وخصائص المجتمعات الحضارية : القومية والثقافية والاقتصادية والسياسية. ولأن "الحضارة الإسلامية" تميزت عن كل الحضارات البشرية، وحتى الشرائع السماوية الأخرى، بأن جميع أنظمتها ومؤسساتها الحياتية لها مرجع ديني أخلاقي ثابت لم يتغير، هو القرآن الكريم والسنة النبوية. ولأن "الحضارة الغربية" المعاصرة آمنت بالمادة وتجاهلت الروح، وانزلقت في طريق الإلحاد، وأنكرت البعث والحساب والعقاب، فقد اتسعت الهوة الفكرية والثقافية والأخلاقية عمليا بين الحضارتين، وتطور الصراع بينهما لدرجة أن (زعيمة الحضارة الغربية) الطاغية المستكبرة بأسلحة (الدمار الشامل)، انطلقت بعد أحداث "11 شتنبر" كالثور المجنون، تضرب أقطار العالم الإسلامي يمينا ويسارا، جوا وبرا وبحرا، تنتقم من هزيمتها في أفغانستان، بتقتيل الشعب الفلسطيني، وتدمير مؤسساته الوطنية، وتتوعد بالانقضاض على العراق وإيران، إنها انتفاضة الجريح الهائج الشاعر بالضعف والإهانة، لكن الولاياتالمتحدةالأمريكية، ستقتنع في نهاية المطاف، كما اقتنع الاتحاد السوفياتي قبلها، بأن "الدولة الإرهابية الكبرى في العالم" المعتزة بامتلاكها (أخطر أسلحة الدمار الشامل)، ستنهار حتما أمام "الأمة الإسلامية الكبرى في العالم" المعتزة بامتلاكها (أعظم طاقة جهادية)، تفتقدها "الحضارة المسيحية الغربية المعاصرة . الدكتور إدريس الكتاني