خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    قلق متزايد بشأن مصير بوعلام صنصال    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    موتسيبي: "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية        طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية أزمة العلوم الإسلامية لن تكون في أكادير المغربية
نشر في مرايا برس يوم 31 - 03 - 2010

اختتمت بمدينة أكادير، يوم الأربعاء 31 مارس الماضي، أشغال ندوة دولية نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء، في موضوع "العلوم الإسلامية.. أزمة منهج أم أزمة تنزيل"، حيث اعتبر الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في كلمته الافتتاحية للندوة أن مدار العلوم الإسلامية منذ مبتداها كان على النص المؤسس القرآن المجيد والسنة النبوية المطهرة، نشأة وتداولا، مما جعلها تنفتح على الكون وعلومه وعلى الإنسان ومعارفه.. وتجلت فيها كثير من القيم العليا المركزية للإنسان والبانية للعمران، مضيفا على أننا نجد في هذه العلوم مجموعة من العوائق الذاتية تحول دون استئناف العمل البنائي والتجديدي فيها، قد يكون أخطرها، انفكاك هذه العلوم من مصدرها الكوني الذي هو القرآن المجيد، إضافة إلى أن هذه العلوم قد دلفت لجملة من الأسباب والعوامل نحو قطب التقليد، وتوزعتها نزاعات مذهبية في فترات من تاريخها، كما تسربت إلى بعض مباحثها مناهج دخيلة، مؤكدا على أن هذه التطورات فرضت حتمية تحرير وتجريد الباراديغمات الكامنة وراء هذه العلوم حتى نتأكد من قرآنيتها، واتصالها الكلي والمنهجي مع المعطيات المبثوثة في الكتابين المسطور والمنظور.
وأضاف عبادي أن المسلمين اليوم في أمس الحاجة إلى علوم الدين تربي على حاجتنا إلى العلوم الكونية؛ لأنه إذا كانت الثانية هي التي تجسر بين الكون وبيننا، وتجعلنا نستكشف كنوزه ونستكشف القدرة على الحركة، فالأولى هي سبيلنا إلى استكشاف القدرة على تبيّن الوجهة، وتبيّن قبلة الفعل، ومعنى أفعالنا ومناشطنا نحن بني آدم، محيلا الحضور على إشارات قرآنية في هذا الصدد، منها تلك المقابلة البديعة حين يسمي العلوم الكونية علوم التسخير، كما نقرأ في الآية القرآنية: "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ" [الجاثية:13] وأن يسمي علوم الوحي: علوم التيسير "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ." [القمر:17] العلوم الكونية عن طريق التفكر "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ." [آل عمران:191] وسبيل الإنسان إلى العلوم المتصلة بالوحي يكون عن طريق التدبر"َفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن" [النساء:82]، "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ" [ص:29].
واعتبر المحاضر في ختام مداخلته، على هامش افتتاح أشغال هذه الندوة أنه تأسيسا على اعتبار الوحي مصدرا لعلوم التيسير، فقد أصبح لزاما الرجوع إلى أصولها، والنظر في الوظيفية التي كانت وراء إبداعها، والتأكد من مدى ارتباطها بهذه الأصول من جهة أولى، ومن مدى أدائها لوظائفها من جهة ثانية في استلهام لقول نبي الختم عليه الصلاة والسلام حين قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين".. وإذا غابت هذه الجسور الواصلة بين الإنسان وبين الوحي، فإن الإنسان لن يستطيع أن يصل إلى الانتفاع من هذا المصدر، تماما كما لن يصل إلى الانتفاع من الكون في حالة غياب العلوم البحتة والعلوم الكونية من واقعنا اليوم.
وارتأت مداخلة الدكتور رضوان السيد الترحال مع شخصية الحارث المحاسبي (توفي سنة 243 ه)، العالم الصوفي، معتبرا أن كتابيه "ماهية العقل" و"فهم القرآن"، منطلقان لتأسيس خطاب تأويلي جديد للمعرفة الإسلامية، يمكن أن يساءل النموذج التنزيلي الذي ساد لقرون.
وبحكم وعكته الصحية التي حالت دون حضوره إلى الندوة العلمية، ارتأى الدكتور طه جابر العلواني، رئيس جامعة قرطبة، بواشنطن، أن يبعث بشريط مرئي يستعرض من خلاله مضامين مشاركته في أشغال الندوة، حيث اعتبر بداية أن قضايا الإصلاح والتجديد والتنميَّة والتقدُّم، وتجاوز حالات التخلف، رُبطَت بأمورٍ كثيرة لا تشكّل للمسلم بؤرة لتوليد الدواعي والدوافع الخيّرة ولا تقود حركته، ولا تزكّي فعله، ولا تعينه العون السليم على إصلاح فعله ووضعه في مجال التأثير والفاعليَّة وما إلى ذلك.
كما رُبطَت أيضا بتقديم الزاد الفكري والعقلي والمعرفي والثقافي القادر على تشكيل الدوافع والدواعي الخيِّرة لدى الإنسان المسلم هي أهم ما يحتاجه في الوقت الحاضر ليبدأ خطوة الألف ميل في طريق استئناف دوره في بناء الحضارة، وتصحيح مسار الثقافة، والعمران في هذه المعمورة التي قد يكون تدميرها بأيدي أهلها وشيكًا إذا لم تدركها عناية الله ولم تقم أُمَّتنا المسلمة بدورها شريكًا فاعلًا في تصحيح مسار هذه الحضارة.
وشدّد المحاضر على أن أُمَّتنا لن تستطيع أن تقوم بذلك قبل أن تصحِّح مسيرتها وتعيد بناء عالم أفكارها ودعائم ثقافتها، ومناهج معرفتها، وقواعد علومها؛ بحيث يعاد تشكيل العقل المسلم وتأسيس وعيه بالقرآن المجيد تأسيسًا يجعله قادرًا على أخذ موقعه المطلوب في حماية البشريَّة وحضارته اليوم. ومن هنا فإنَّ معالجة أزمة العلوم الإسلاميَّة، موجزا أهم معالم خذه الأزمة في كونها أزمة منهج، وأزمة تنزيل، وأزمة تفعيل، وأزمة تصحيح مسار، وأزمة في الغائيَّة والمقاصد، مضيفا أنه لن تتمكّن إذا بقيت على حالتها تلك من إعطاء المسلم المعاصر الرؤيَّة المطلوبة لإعادة بناء عقله وتشكيله.
ولنتبيّن هذه الأزمات، ارتحل الدكتور طه جابر العلواني مع عناوين أساسيَّة كان ضروريا للغاية تناولها، وهي الثقافة التي كانت سائدة قبل القرآن والتداول الشفويّ للمعارف، الخطاب ومتلقيه والتفاعل بينهما والفهم ثم التطبيق، التراكم الذي حدث لمعارف المسلمين منذ نزول القرآن المجيد حتى عصر التدوين، نظرة تاريخيَّة على نشأة وتدوين العلوم الإسلاميَّة، نبذة عن العلوم المقاصديَّة والإشكالات المنهجية التي تواجهها، العلوم التي استمدت مسائل العلم منها، من مظاهر الهجر للقرآن المجيد، طبيعة المنهج الإسلاميّ
المنهج في القرآن، المحدّدّات المنهجيَّة القرآنيَّة، أزمات المنهج العلميّ المعاصر، ضرورة المراجعة، أُسس وقواعد المراجعة، مداخل المراجعة، عوائق أمام المراجعة، عدم الربط بين تردي أوضاع الحاضر وكسب الناس، المحافظة على الهويَّة وبراءة الماضي، ضغط التقاليد وحصانة الأشخاص، وأخيرا، الإجماع السكوتي وأخطار مخالفته.
من جهته، توقف المفكر التونسي احميده النيفر، من جامعة الزيتونة، تونس، في محاضرة جاءت تحت عنوان "المفسر الحديث والوحي"، عند طبائع علاقة المفسّرين المعاصرين بالقرآن الكريم، وطبائع تنوّع تساؤلاتهم الفكريّة وهم يعالجون النص المؤسس للحضارة الإسلامية، وردا على هذا السؤال، اعتبر المتدخل أننا نصطدم بأكثر من مقاربة، فمن جهة، لا يتردّد باحث أزهريّ معاصر، هو الشيخ محمد حسين الذهبي (ت 1398/1977) المختصّ في علوم القرآن، من التصريح في سياق معالجته للتفاسير الحديثة إذ يقول ": "لم يترك الأوائل للأواخر كبير جهد في تفسير كتاب الله والكشف عن معانيه ومراميه"، ومقابل هذا نقرأ في مقدمة تفسير الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (ت 1393/1973) رؤية مغايرة إذ يقول: "والتفاسير كثيرة فإنك لا تجد الكثير منها إلا عالة على كلام سابق بحيث لا حظ لمؤلفه إلا الجمع على تفاوت بين اختصار وتطويل"، بما يعتبر مؤشر واضح على أن علم التفسير الذي كان يقال عنه في القرون الثلاثة الهجرية الأولى: إنّه علم من العلوم التي "لا نضجت ولا احترقت" تعبيرا عن قلّة وضوح الغاية من التأليف فيه وعن شدة ارتباطه بعلوم أخرى، يظل بعد مرور القرون وتوالي جهود العلماء في التقعيد له والتصنيف فيه بحاجة إلى مزيد المراجعة والتسديد، مضيفا أننا إزاء إقرار نقدي للتراث التفسيري المدوّن يجمل الاعتراف بالأزمة التي يعرفها علم التفسير والتي تنطلق من ضرورة مراجعة النظر في طبيعة القرآن الكريم من جهة وضرورة الإجابة عن جملة تساؤلات المتداخلة، بعضها معرفي وبعضها منهجي وبعضها موصول بمسألة الإيمان.
بالنسبة للجانب الثاني من الأزمة، فيكمن في وجهها المنهجي، وهو وجه يمكن أن يصاغ في سؤال حسب النيفر: هل غاية مفسّر القرآن الكريم اليوم هي الحفاظ على التراث التفسيري الضامن ل"وحدة الأمة" المتحققة من خلال قدسية مرجعيتها أم أنّ المقصود هو فهم النص المقدّس فهما حيّا يستوعب التراث التفسيري ويتجاوزه مستفيدا من مجالات المعرفة الإنسانية المختلفة على معنى أن تلك القدسية تستلزم الإقرار بتعذّر التوصّل إلى فهم نهائي لنص الوحي؟ معتبرا أنه من خلال هذا السؤال ندرك البعد المنهجي في أزمة علم التفسير الحديثة.
وتفرعت مداخلة الدكتور برهان النفاتي، أستاذ بالمعهد العالي للحضارة الإسلامية/ جامعة الزيتونة، وجاءت تحت عنوان قراءة في علم الأصول، على قسمين رئيسين: حيث تناول الأول قراءة تقويمية معتدلة لعلم أصول الفقه لا تجنح إلى هدم ما أشاده السابقون، ولا تميل إلى تقديسه وقبوله على علاّته. فهي ترمي إلى أمرين أحدهما الكشف عن مقدار تماسك قواعد التفسير قوّة وضعفا، وتفاوت إجرائها في التفريع اطرادا وتخلّفا، فإنّ الأصوليين وإن شعروا بما يحكم النصوص الشرعية من وحدة موضوعية تعرب عن تناسق منطقي بين معانيها وأحكامها، وأيقنوا بخلوها من التناقض والتنافر، فإنهم لم يهتدوا إلى تبيين هذه السّمة بصورة جلية مطّردة. والثاني تمييز ما يصلح أن يعول عليه في الاجتهاد المعاصر عن غيره مما لا تجنى منه ثمرة.
أما القسم الثاني، قد أثار إشكالية العلاقة بين علم الأصول وعلم المقاصد. هل الاشتغال بالثاني قطيعة معرفية مع الأولّ ؟ وهل الفصل بين العلمين منهجي وظيفي أو موضوعي (أي في جوهر موضوع العلم)؟، متناولا أثر المشروع العاشوري في الدراسات الحديثة التي عني أصحابها بقضية تجديد علم الأصول.
تجديد علم الكلام أم علم كلام جديد:إشكاليات وقضايا، هو عنوان محاضرة الباحث المصري هاني نسيره من كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، معتبرا أن العديد من جهود الإصلاحية الإسلامية ألحت على تجديد علم الكلام أو الدعوة لما تسميه بعض هذه الجهود "كلام جديد" هذا التعبير الذي صكه لأول مرة العلامة الهندي الإصلاحي شبلي النعماني (ت سنة 1914)، وإن لم تصرح به أسماء أخرى إلا أن جهودها كانت في اتجاهه منذ وقت مبكر، وهو ما تؤكد عليه عناوين ومضامين عدد من الكتابات مثل "رسالة التوحيد" و"تجديد التفكير الديني" و"تثوير الإيمان" و"تثوير القرآن" و"العقيدة والثورة" وعناوين أخرى أقل وضوحا في منحاها التجديدي وإن تحركت بهمه مثل "تبسيط العقائد" و"المصطلحات الأربعة" و"هذا الدين" وغيرها، حتى وصلنا لجهود أكثر وضوحا وحسما في هذا السبيل مثل "تجديد علم الكلام" و"محاولات في بناء علم كلام جديد" وغيرها من الكتابات المهمة في هذا الاتجاه.
وقد توزعت مداخلة المحاضر على النقاط التالية: إشكالية الدعوى والمفهوم: تجديد علم الكلام أم كلام جديد، مداخل التجديد: عبر استقراء عدد من أبرز الجهود في هذا الاتجاه؛ إشكاليات عملية التجديد؛ رؤية استشرافية ومستقبلية لعلم الكلام.
أما الدكتور مولاي المصطفى الهند، عضو المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء، فقد حاضر في موضوع إبستمولوجية العلوم الإسلامية وتطبيقاتها على نموذج علم الكلام المعاصر، من خلال بيان أن الفكر الإسلامي الحديث يعيد نفس الخلاف الذي كان عليه حال الفكر الإسلامي القديم فيما يخص تسمية (علم الكلام)، إذ كان يطلق عليه آنذاك "علم أصول الدين" وأيضا "علم التوحيد" و"علم التوحيد والصفات" و"علم النظر والاستدلال".. ولكل تسمية معنى يخصها حسب المهمة الموكلة للعلم القائم بها وللعالم القائم عليها، وإن كانت في مجملها تنتمي لحقل معرفي واحد، مضيفا أن هذه النصوص وغيرها مما قيل قديما، ويردد صداها بشكل آخر أكثر حدة حديثا، أدت بالعديد من المشتغلين المعاصرين في حقل العلوم الإسلامية إلى الفرار من علم الكلام فرارهم من المجذوم، خوفا من العدوى العقدية واللوثة الفكرية التي قد تصبهم من جراء تعاملهم مع هذا العلم..! ولا يخفى على أهل العلم الأسباب العديدة التي كانت وراء إشاعة هذا النوع من الفكر، خاصة الجدال والسجال الذي خاضه علماء الكلام قديما حول مجموعة من المسائل الكلامية القديمة، من قبيل "الفعل الإنساني" و"مرتكب الكبيرة" ومسألة "الألوهية" و"الذات والصفات" و"قضية النبوة"..فهذه القضايا وغيرها من تاريخ الجدل بين الفرق الكلامية – المحسوبة على علم الكلام والمنسوبة إليه- صوغت تبريرات كافية لادعاء صدق ما سبقت الإشارة إليه إلى حد ما.
وتحت عنوان "أزمة التقليد في علم التفسير: التشخيص وسبل العلاج"، حاضرة الدكتورة فريدة زمرد، رئيسة لجنة الأبحاث والدراسات بالرابطة المحمدية للعلماء، محاولة التماس بعض مظاهر الأزمة في علم التفسير، مع اقتراح لبعض سبل الخروج منها، يتعلق الأمر بأزمة التقليد، مؤكدة على أن الحديث عن أزمة ما في علم من العلوم الإسلامية، هو حديث عن الإشكالات المنهجية والمعرفية التي يعاني منها هذا العلم، وليس التفسير بدعا من هذا الأمر، ولم يكن يوما في منأى عن الأزمات المنهجية والمعرفية التي عرفها غيره من العلوم الإسلامية.
وحاضر الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة في موضوع "تجديد النظر للنماذج المعرفية وتفعيلها في صياغة العلوم الإسلامية" محاولا تقديم رؤية تتضمن تلك النماذج المعرفية المتعددة والصيغ المعرفية التي يمكن أن تنتجها الرؤية الإسلامية، والتي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على صياغة العلوم الإسلامية تصنيفا ومحتوى وأهدافا بحيث تستحق هذه العلوم مسمى علوم الأمة والعمران، وتسهم فى تأصيل وتفعيل عمليات النهوض الحضاري والعلوم المرتبطة بها.
كما توقف أيضا إلى بعض من هذه النماذج، وما تشير إليه من تصنيف للعلوم الإسلامية ومن موضوعات وقضايا يجب أن تتوفر تلك العلوم على دراستها.
أما معتز الخطيب، عن مؤسسة الملتقى الفكري للإبداع، سورية، فقد حاضر في موضوع مشكلة العلوم عند الإصلاحيين في العصر الحديث، معتبرا أن الإحساس بأزمة التخلف الذي حاق بالمسلمين ومجتمعاتهم، واليقينَ الإيماني بأن الإسلام قادر على تحقيق الشهود الحضاري، كان قدرًا مشتركًا بين رواد الإصلاح ومشاريع التجديد في القرنين الماضيين، وهذا كان دافعَ التجديد ومحرِّكه. لكن إدراك جوهر الأزمة وأسبابها كان مُضْطرَب العقول والأنظار، فكلٌّ نظر إليه من زاويةٍ رآها مَكمنَ العلل، وعليها أقام رؤيته، وحولها دارت همومه وانشغالاته وكتاباته. وكان أبرز تلك الانشغالات وأهمَّها –من وجهة نظري- الانشغالات المعرفية بتجديد العلوم وبحث مشكلاتها والنهوض بعقلية العالم والمتعلم لاستئناف الدور الحضاري من بوابة الإصلاح المعرفي.
وفتحت مداخلة المحاضر باب الجدل حول تلك الأفكار والتشخيصات وأنماط الاستجابات ومآلاتها؛ للوعي بأسباب تعثر الحاضر، أو انحراف الأفكار عن وجهتها الإصلاحية في بعض الأحيان، كما حصل مع فكرة المقاصد مثلاً بحسب رأينا، لأن الباحث يعتبر أن تشخيص ابن عاشور للأزمة هو تشخيص شديد العمق والتميز، ويَفترض أن تشخيصه هو تشخيص لحاضرنا أيضًا.
"القرآن و تجديد العلوم الإسلامية : مداخل منهجية"، هو عنوان محاضر الدكتور عبد الجليل هنوش، عميد كلية الآداب، مراكش، حيث استند مبحثه إلى حقيقتين هامتين هما: أن القرآن هو الأصل الذي انطلقت منه جميع العلوم الإسلامية حيث تأسست على التوجيهات العامة للنص القرآني ومن خلال التحاور الذكي مع آياته، وكون التجديد أمر ثابت في الشرع من خلال الحديث الشريف الذي يؤكد على أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها، مما يعني أن تداول المعارف و الأفكار لا ينبغي أن يتجاوز مئة سنة بدون مراجعة نقدية وتجديد. وليس ثمة أقوى في التوكيد على ضرورة التجديد من هذا النص العظيم.
وبناء على هاتين الحقيقتين فإن تجديد العلوم الإسلامية ينبغي أن يراعي أمرين متلازمين، أولهما: الارتباط بالوحي أي بالقرآن الكريم وذلك بالاستيحاء من أطوار البناء المعرفي التي وضعها القرآن الكريم وهي: التعقل، والتفكر، والتدبر، والتحقق، و هي مراتب يعلو بعضها فوق بعض كما أنها كالبنيان المنهاجي لكل علم إسلامي أصيل. وبالإضافة إلى هذا فإن الارتباط بالنص القرآني هو حد ذاته حافز قوي للتجديد، وهذا أمر ينفرد به النص القرآني، وهو من عجائب القرآن. فإذا كان الارتباط بالنص عموما يقود إلى التقليد، فإن الارتباط بالنص القرآني مدعاة إلى التجديد .
وثانيهما: أن التجديد ينبغي أن يراعي التطور الفكري للأمة وذلك بالتركيز على الأبعاد الثلاثة الأساسية للمعرفة الإسلامية: البعد الآلي البياني، والبعد المقصدي التداولي، والبعد العملي السلوكي، وذلك حتى تتواصل حلقات المعرفة الإسلامية بدون انخرام، و يمتد زخمها بدون انقطاع. و هذا ما يضمن لهذا الدين الاستمرار و التجدد في كل عصر وزمان.
وحاضر الدكتور سعيد شبار، من جامعة السلطان مولاي سليمان كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ببني ملال في موضوع "مظاهر التحيز في العلوم الإسلامية وتأثيرها على ثقافة الأمة وعطائها الكوني"، حيث سعت مداخلته إلى إبراز ظاهرة التحيز في العلوم الإسلامية وتأثيرها السلبي عطاء الأمة الكوني وذلك من خلال توطئة، تبرز الإشكال العام للموضوع وضرورة اتجاه الثقافة الإسلامية نحو الكونية والعالمية تبعا لكونية وعالمية الرسالة التي انبثقت عنها، ثم حديث عن الأصول المؤسسة للتواصل والنافية للتحيز، باعتبارها أصولا كلية مستوعبة وموجهة للمعرفة والعلوم والحضارة وبناء المجتمع وشبكة التواصل والعلائق. وهي أصل التوحيد وأصل العدل وأصل الحرية، وأخيرا، حديث عن بعض مظاهر الانهيار الثقافي والحضاري في الأمة الذي كان سببا في دخولها طور الانكماش والجمود والتحيز، حيث تم تقديم تشخيصات من خلال نماذج من العلوم الشرعية أساسا المكونة للنسيج الثقافي وكيف طرأت عليها آفة التحيز فحدت من وظيفيتها البنائية وقلصت من دائرة اشتغالها، مع رصد لزوايا النظر التاريخية المختلفة التي شكلت كيانات مغلقة لهذه العلوم، ولإمكانات التحرير والتواصل الكامنة فيها من جهة أخرى.
وحاضر الدكتور السيد ولد اباه الخبير بالإسيسكو، في موضوع تجديد علم الكلام من منظور فلسفات التأويل والعلوم الإنسانية المعاصرة، وارتحل مع استكناه سبل تجديد الممارسة الكلامية، من خلال المنظور الجديد للفلسفات التأويلية والعلوم الإنسانية الراهنة.وتنطلق من إبراز الصورة السلبية التي اتسم بها المبحث؛ سواء في الحقل التراثي (لدى الفلاسفة والمدارس السلفية الوسيطة) أو في الحقل الثقافي المعاصر (لدى الحركات الإسلامية والاتجاهات التحديثية معا)، مع الوقوف على المحاولات المحدودة التي ظهرت في الفترة المعاصرة لإعادة تجديد علم الكلام في السياقين السني والشيعي.
كما توقفت مداخلته عند المحاولات التي برزت لدى بعض الباحثين لتطبيق مناهج نقد النص الديني التي طبقت من قبل على النصوص اليهودية – المسيحية على النص الإسلامي، تجديدا للحقل اللاهوتي. ويتعلق الأمر هنا بالمدرسة الأركونية (نسبة إلى محمد أركون وتلامذته) التي نرى أنها أخفقت في هذا الجهد ولم تنجح في تطوير الدراسات الكلامية على الرغم من الترسانة النظرية الواسعة التي استخدمتها.
وجاءت محاضرة الدكتور إدريس نغش، أستاذ الفلسفة وباحث في الإبستمولوجيا وتاريخ العلوم، بالرباط، في الترحال مع مفهوم البراديغم، مفرعا محاضرته على أربع محاور: مفهوم البراديغم في أبحاث فلسفة العلوم، القيم الثقافية الموجهة للبراديغم العلمي الإسلامي، الخصائص الإبستيمية الموجهة للبراديغم، وأخيرا، آفاق تجديد التقاليد العلمية الدارسة.
"علم الأصول، ومبدأ الاقتراض من العلوم المجاورة: تحليل وتعليل: هو عنوان محاضرة الدكتورحميد الوافي، من كلية الآداب بمكناس، مؤكدا بداية أن مداخلته ليست دفاعا عن علم الأصول، وليست تحيزا إلى مقولة من المقولات النقدية الموجهة إليه لوما عبر تاريخه حين مد يده إلى معارف علوم مجاورة؛ ليقتبس من قواعدها قواعد يمهد بها لبناء نسقه المعرفي، ويقيم من مجموعها أصولا حاكمة لمختلف وجوه تدخلاته في المجال التشريعي؛ بدءا من تحديد مفهوم الدليل، ومرورا بالتدقيق في قواعد الفهم وبناء قصد الإفهام، وانتهاء برسم معالم اعتبار الواقع في عمليتي التأويل والتنزيل.
وجامع ما ارتحلت معه مداخلة المحاضرة، في محورين: أحدهما، في بناء المرجعية التشريعية؛ إذ في ثنايا هذا الحوار الذي سنؤسسه بين مختلف الفرقاء عبر مساحات علمية سيظهر مدى الحاجة إلى علم الكلام، ومقدار تلك الحاجة، إن أفلح الإثبات في انتزاع مبدإ القبول به؛ والآخر، في بناء المنهجية التشريعية. وسنرى أن محال اعتبار تلك العلوم بما هي خادمة لبيان أسس المنهجية التشريعية على مستويين أولهما تأصيل مفهوم الدليل وتراتبيته وهو الأمر الذي تولته علوم الحديث. وثانيهما صياغة قواعد الفهم وبيان مسالك الإفهام التي تمت من خلالها عملية البلاغ المبين. والعلم الذي تولى تقديم المعارف اللازمة لذلك هو علم اللغة العربية؛ وثالثهما انبثقت الحاجة إليه من إدراك الأصوليين للفجوة القائمة بين النص في ثباته، وبين الواقع، واقع المكلف بكل متغيراته، سواء كان المكلف فردا، أو جماعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.