إن حديث أرسطو في كتابه فن الشعر حول الأداء الميكانيكي والتأثير الدرامي والذي من شأنه أن ينتج لنا ممثلا ضعيفا يقول "ينبغي أن تكون الأفعال في التراجيديا محاكية للأفعال الحقيقية، بحيث تثير الخوف والشفقة، فلا يكون الحدث مستحيلًا، ولا يكون متكررًا بلا ضرورة". فن الشعر الفصل 9. وفي السياق نفسه، يؤكد ستانسلافسكي في مقولته "إذا لعبتَ كثيرًا دون تحليل، ستجد نفسك تكرر نفس الشخصية في كل دور". وحتى جيرزي غروتوفسكي الداعي إلى الاحتفاظ بالممثل فقط في إطار ما نظر له وعرف به "المسرح الفقير" فإنه يقول: "عندما يكرر الممثل نفسه، يفقد جوهر الإبداع، ويصبح مجرد قناع فارغ، خالٍ من الحياة". لا يمكننا أن نحكم على تجربة حديثة انطلاقا مما نعاصره، فكثرة الظهور عند الممثل قد يجعله يصل لدرجة التخمة التي يصل إليها الإنسان عندما يأكل بكل وحشية حتى يأكل بدون أن يعرف ماهية هذا الأكل وما فائدته على صحته، وهل له الحق أن يتعب بطنه إلى أن يصل لدرجة استرجاع ما أكله بإحدى البالوعات. في إطار ما أطلق عليه إعلاميا الدراما الرمضانية، هل يحق لنا أولا أن نقول دراما؟ وما هو تعريف الدراما في الأساس، فالدراما ليس هو ما يروج لنا، فالمفهوم هو يوناني في أصله ويجب علينا البحث في المفهوم لنصل إلى المبتغى، فكيف لنا أن نوهم الممثل ونتصل به ونقول له "آلو بغيناك فعمل درامي" فالدراما هي كلمة شاسعة، فماذا تريد من الدراما في الأصل؟ هل الكوميديا؟ أم التراجيديا؟ هنا يدخل الممثل في صراع بينه وبين أناه ليحاول إنتاج فكرة وينتج لنا هرمون السعادة المفرطة الذي سيجعله يتخيل أنه سيشتغل فعلا بعمل درامي. فمثلا ونحن لا نتحدث عن فراغ فأداء دنيا بوتازوت فيه نوع من المبالغة وهو ما أثاره "مايرهولد" ولكن هل دنيا بوتازوت في شخصية الشيخة أو يزة أو الشعيبية أو غيرها من الأدوار، فلربما قد يكون تغيير على مستوى الشكل ولكن هل هناك تطور على مستوى الإحساس؟ وهل تشتغل على آلياتها من الذاكرة الانفعالية إلى مبدأ الطقوسية أو التغريب عند بريشت، قد يقول قائل "لا يمكننا نقل تقنيات ونظريات مسرح في التلفزة أو السينما" سنجيب أوليس أغلب الممثلين الناجحين في العالم بأسره بداياتهم مسرح فتطبيق خاصية التطهير عند أرسطو والتغريب عند بريشت والطقوسية عند غروتوفسكي والبيوميكانيك عند مايرهولد وشعرية الجسد عند جاك لو كوك هي سبب في نجاح الشخصية. فكثرة الظهور ستجعل الممثل أداة فقط لجني الأموال وهل وظيفة الفن كانت لها هدف تجاري، "إيه نعم" فالإنسان يسعى إلى الرزق وكسب قوته (اليومي) إنني دائما أتحدث عن قولة أثارت ضجة بمواقع التواصل الاجتماعي وهي "حبة ديال اللوز حسن من درهم ديال الزريعة" فالحضور اللافت للفنانة دنيا بوتازوت أكثر من زميلاتها ورفيقاتها في الميدان هو ليس حسدا أو غيرة، فلنا عدة بروفايلات التي يمكنها أن تشتغل والنجاح ليس بكثرة الظهور. إن الوجه أو البروفيل بمفهوم مسؤولي "الكاستينغ" قد يستنزف كثيرا، حتى يصبح كماركة، فبكثرة الظهور الكثير قد أصبح لعلامة "بيبسي" أو "كوكاكولا" حضور عادي جدا وقد يكون من الروتين العادي، ولكن هل هذا يزيد من براعة الممثل أو قيمته السوقية؟ الاستنزاف الكثير الذي تتعرض له دنيا بوتازوت أو مجموعة من الأسماء التي لها ظهور كثير بدون الحاجة لذلك.