توطئة: يعد مسرح الدمى والعرائس من أهم التقنيات الدرامية التي يمكن اللجوء إليها للاستعانة بها في إخراج العروض المسرحية الموجهة إلى الأطفال الصغار، وتحبيك مشاهدها الدرامية ، وتأزيم أحداثها بطريقة حركية ديناميكية. وهذا المسرح قريب جدا من اهتمامات الأطفال من الناحية الذهنية والوجدانية والحسية الحركية، مادام هذا المسرح يستخدم الحيوانات المقزمة في صيغ دراماتورجية مختلفة تتأرجح بين التراجيدي والكوميدي، وترد في أوضاع درامية متنوعة تجمع بين الجمال و القبح ، والجد والهزل. كما يشغل هذا المسرح الطفولي الكائنات البشرية الصغيرة التي تهتز جسديا وموسيقيا وكوريغرافيا بطريقة لافتة للانتباه، فتثير الضحك، ثم تمتع الأطفال تسلية وترفيها وفائدة. إذا، ماهو مسرح الدمى والعرائس؟ وما أنواعه؟ وما تاريخه؟ وماهي وظائفه الفنية والجمالية؟ وكيف نشغله في مسرح الطفل؟ تلكم هي الأسئلة التي سوف نحاول الإجابة عنها في موضوعنا هذا. 1- تعريف مسرح الدمى والعرائس: من المعروف أن مسرح العرائس له عدة مصطلحات ومفاهيم مترادفة أو شبه مترادفة، منها: مسرح الدمى، ومسرح الماريونيت، ومسرح الكراكيز، ومسرح الأراجوز، ومسرح قره قوز، ومسرح قرقوش... فإذا كانت الدمى والعرائس والماريونيت كائنات جامدة مصنوعة بأدوات ومواد مختلفة يحركها اللاعب أو الممثل فوق الخشبة الركحية لأداء مجموعة من الأدوار التشخيصية الدرامية، فإن كلمة الكراكيز أو قره قوز تركية الأصل " مؤلفة من لفظتين: قره، ومعناها أسود، وقوز ومعناها عين، فالمعنى الكامل(العين السوداء)، وسمي بذلك أن الغجر السود العيون هم الذين يؤدونه، أو لأنه ينظر إلى الحياة بعين سوداء أو من خلال منظار أسود، لأن القره قوز يقوم على الشكوى من الحياة ومحنها ومفاجآتها وتقلب أحوالها ونقدها. وزعم المستشرق (ليتمان) أن لفظة قره قوز تحريف لاسم (قرقوش) الذي كان وزيرا في عصر الأيوبيين وقد اشتهر بالظلم إن حقا وإن باطلا." وعليه، فمسرح العرائس والدمى هو مسرح يعتمد على تشغيل الدمى أو الكراكيز والماريونيت بطريقة دراماتورجية فنية للتثقيف تارة وللترفيه تارة أخرى. وهو أيضا مسرح مكشوف يعرض قصصه في الهواء الطلق، وله ستارة تنزل على الدمى أو ترتفع عنها. أما الممثلون فشخص واحد أو أكثر وقد يصلون إلى خمسة، وهم على شكل دمى محركة بواسطة أيدي اللاعبين من تحت المنصة أو بواسطة الخيوط. من هنا ، نستنتج بأن مسرح العرائس هو مسرح الدمى والكراكيز والعرائس المتحركة. ومن المعلوم، أن لهذا المسرح تأثيرا كبيرا على الأطفال الصغار، حيث يبهرهم ويدهشهم بقصصه الهادفة التي تسعى إلى إيصال القيم الفاضلة والأخلاق النبيلة لغرسها في نفوس هؤلاء الأبرياء الصغار. وعلى العموم، فهذا المسرح يعتمد على الدمى باعتبارها شخصيات فاعلة فوق الركح، تحركها أيد بشرية من الخلف أو من فوق أو من تحت . ويمكن أن تكون هذه الدمى كائنات بشرية أو حيوانات أو كائنات نباتية أو أشياء جامدة. ويتحكم فيها المخرج أو الممثل أو اللاعب بكل مرونة وطواعية، فتؤدي كل مايريد المخرج أن يوصله إلى الطفل من أفكار ومشاعر وأحاسيس ورؤى. ومن حيث الفضاء الدرامي الذي تشغله هذه الدمى والعرائس، فإن اللاعبين يقدمون عروضهم داخل علب مغلقة، ينفتح وسطها على الجمهور في شكل شاشة سينمائية. وفي هذا الوسط الركحي، تتراقص الدمى والعرائس من قبل لاعبين مختفين خلف العلبة. وهناك من يقدم عروضه المسرحية بواسطة الدمى والعرائس فوق خشبة المسرح، ويحركها بشكل مباشر أمام الجمهور. ولكنه لايرى من قبل المشاهدين؛ لكونه يلبس زيا أسود ، فتنعكس عليه إضاءة خاصة، لاتظهره جيدا أمام المتفرجين الراصدين. 2- أنواع مسرح الدمى والعرائس: مسرح العرائس والدمى أنواع متنوعة. فعلى مستوى التحريك، هناك أنواع عدة: نوع يحرك أمام الجمهور مباشرة بواسطة خيوط، ونوع يحرك بأيدي اللاعبين أنفسهم، ونوع آخر يدخل في داخله الممثلون وأقصد هنا الدمى الكبيرة والضخمة التي تتجاوز المتر والمترين وثلاثة أمتار. ويمكن اعتماد تصنيف آخر: الدمى المحركة بعصا، حيث تثبت الدمى والعرائس على عصا، فتحرك بواسطة قضبان حديدية أو خشبية. والدمى القفازية التي تحرك بواسطة اليد عن طريق إدخال اليد والأصابع داخل الدمية. ودمى الخيوط التي تحرك بواسطة خيوط مشدودة إلى أطراف الدمية، يحركها اللاعبون من أعلى الخشبة. لكن اليوم تحرك الدمى والعرائس عن بعد بواسطة وسائل إلكترونية متطورة جدا. ومن حيث الشكل، فهناك دمى ضخمة ودمى صغيرة ونصف دمى، وهناك أيضا دمى محشوة وغير محشوة. ومن حيث الصورة، يمكن الحديث عن دمى بشرية، ودمى نباتية، ودمى حيوانية، ودمى الجماد، ودمى الخارق التي تتشكل من الجن والعفاريت وغيرها من الكائنات الميتافيزيقية والمخلوقات الفانطاستيكية. ومن حيث المادة التي تصنع بها العرائس، فهناك أيضا أنواع : العرائس الخيطية، والعرائس الخشبية، والعرائس الورقية، والعرائس الكارتونية، والعرائس البلاستيكية، والعرائس البوليستيرية ، والعرائس القطنية، والعرائس الكتانية ( عرائس القماش). 3- تاريخ مسرح الدمى والعرائس: ظهر مسرح العرائس قديما عند المصريين القدامى (الفراعنة)، والصينيين، واليابانيين( مسرح بونراكو) ، وبلاد ما بين النهرين وتركيا. بيد أن اليابانيين تفننوا فيه حتى أصبح مسرح العرائس إحدى أدوات التعليم والتلقين، فهم من الأوائل الذين أتقنوا هذا النوع من المسرح ، حيث يتهافت عليه الصغار والكبار بدون استثناء. وهناك من يعتبر أن مسرح الدمى كان بمثابة تماثيل وأوثان وأصنام، تحمل أقنعة دينية وروحية وصوفية، فتحيل على الديانة البوذية والطقوس الآسيوية. ومن ثم، فإن هذه الدمى:" تنحدر من عائلة تماثيل الفيلة المقدسة، التي كانوا يصنعونها" تشبها بالإله" في ظنهم؛ وأنها كان لها قبل قرون عديدة حركات منتظمة موسيقية، لاحركات متقلصة، ولم يكن بها حاجة إلى الحبال التي تسندها، ولم تكن تتكلم من خلال أنف العامل المستخفي الذي يحركها". أما في الغرب، فلم يعرف الناس مسرح الطفل، إلا بعد أن تعرفوا مسرح العرائس والماريونيت. فكان اللاعبون ينتقلون باللعبة ويتجولون بها من مكان إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، وكانوا يرتادون المدن والقرى النائية لإسعاد الصغار والكبار على حد سواء. ومازال الاهتمام بالماريونيت في الغرب ساري المفعول إلى يومنا هذا. أما إذا انتقلنا إلى العالم العربي والإسلامي في العصور الوسطى، فلم يظهر مسرح الدمى والعرائس والكراكيز إلا في القرن الرابع عشر الميلادي في تركيا والعراق. وانتقل بعد ذلك إلى الشام ومصر وباقي الدول العربية والإسلامية. " ويبدو أن مسرح العرائس المعروف حاليا في كثير من دول العالم- يقول الباحث العراقي عمر محمد الطالب- هو امتداد للقره قوز لوجود تشابه كبير بين عرائسهما، مع الاختلاف الموجود بينهما من حيث التوجيه والإحساس بالشكل الشعبي. ونوع النصوص المستخدمة فيهما. والقره قوز على أنواع: قره قوز يسافر، وقره قوز اللصوص، وقره قوز القاضي، وقره قوز التاجر، وقره قوز المريض، وقره قوز الضارب لزوجته. ومن خلال كل قصة تظهر أحداث مضحكة وتقليدية مثيرة للضحك، ولم تحتو مشاهده القصيرة على أي وعظ أخلاقي. فالشخصية الرئيسية لاتكف عن الكذب والسرقة والاحتيال وتنجو مع ذلك من كل عقاب. فالقره قوز لايمكن أن يمثل في نظر الناس الضعيف الذي يلعب على الأكثر قوة أو على الأذكى، وإنما المحتال الذي يستطيع بمهارته الزائدة أن ينجو من العقاب. فالقره قوز مسرحية من نوع ( الفارس) ثقيلة وممتدة تتوالى فيها الصفات والشتائم والمواقف المربكة. وقد يرتفع القره قوز عن مستوى الإضحاك الفج وتصوير بعض مايجري في الحياة اليومية من علاقات بين الناس تصويرا يرتفع أحيانا إلى مستوى النقد كالعلاقة بين الزوج والزوجة، أو ينقد الصفيق الذي يستغل كرم المحسن إليه بثقل الطلبات عليه حتى يضيق الصدر وترتفع اليد بالعصا أو المدلس الذي يظن أن بوسعه أن يخدع القره قوز ويسلبه بعضا من ماله، أو الغبي الذي يحاول القره قوز أن يلقنه شيئا المرة بعد الأخرى ولكن ذكاءه المحدود يعجزه عن الفهم فيكون الضرب جزاء وفاقا له. كما قدم القره قوز بعضا من القصص الشعبي إلى جوار إشارات إلى بطولات شعبية يطبعها بطابع الفكاهة والمرح." وامتد هذا المسرح في العالم العربي والإسلامي، إلى أن تحقق لشعوبه الاستقلال والسيادة الوطنية بعد عهد الحجر والاستعمار، فتم تنظيم هذا المسرح بطريقة رسمية وغير رسمية، فأصبحت له مهرجانات وملتقيات وندوات للتعريف بمسرح الدمى والعرائس ، بعد أن استفاد هذا المسرح من تجارب الغرب والشرق في هذا الميدان نظريا وتطبيقيا. بيد أن مسرح العرائس بصفة خاصة ومسرح الطفل بصفة عامة في العالم العربي تراجع كثيرا، وغيب إعلاميا وتربويا وفنيا. هذا ما جعل الباحث المغربي حسن المنيعي يقول:" إن ظهور حركة مسرح العرائس قد حظيت بتقدير الآباء؛لأنها ملأت فراغا هائلا يتمثل في غياب مسرح للأطفال كان موجودا من قبل في كثير من دول أوربا. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يجب الاعتراف بأن أزمة المسرح في مجموع الدول العربية لها علاقة بانعدام فرجات خاصة بالأطفال؛ لأن هذه المخلوقات الصغيرة- في حالة إبعادها عن المشاركة في سن معين من طرف خبراء التربية- لاتهتم أبدا بالمسرحيات التي تقدم لها يوم تكبر، مما يفسر عندها وجود رغبة تكوين تام قابل لمساعدتها على إدراك مفهوم الدراما، واكتشاف الجلال والسحر فيها." تلكم – إذا- نظرة مقتضبة وموجزة حول مسرح الدمى والعرائس في تطوره التاريخي، والذي ينبئنا بأن هذا المسرح لقي ترحيبا كبيرا في الغرب والشرق على حد سواء. في حين، عرف تعثرا مستمرا واستهجانا كبيرا في عالمنا العربي والإسلامي؛ نظرا لاحتقارنا للفن والجمال بسبب فهمنا الخاطئ وتأويلنا السيئ لنصوص الدين الإسلامي. زد على ذلك، عدم تربية أطفالنا منذ الصغر وتعويدهم على الفنون الجميلة من تشكيل وموسيقى ومسرح وسينما كما هو الشأن في الدول الغربية التي ارتفع فيها الذوق الجمالي ارتفاعا ملحوظا ومشهودا. 4- مسرح الدمى والعرائس بالمغرب: بعد أن اختلط مسرح الكبار بمسرح الصغار في مرحلة الاستعمار، إلا أنه في مرحلة الاستقلال ، سيكون للأطفال المغاربة مسرحا خاصا يستلهم مجموعة من الأشكال الفطرية الماقبل مسرحية كظاهرة" تاغانجا/ مغرفة الشتاء"، وظاهرة" تاسليت نءوزرو/عروس الحجر"، وظاهرة" تاسليت ءوكشوظ/ عروس الخشب"، وصندوق العجب، وخيال الظل. ولم يعتمد المسرح المغربي على لعبة الدمى والعرائس إلا في سنة 1959م، إذ قررت " فرقة المسرح المغربي خلق شعبة لمسرح العرائس خاصة بجمهورنا الصغير الذي لم يتأخر في تخصيص استقبال حار لها. وبعث خلقها في الحال قسم الصحة العمومية على أن يجعل منها أداة للتكوين، وذلك أثناء حملات منظمة قام بها في الأحياء الشعبية بالدار البيضاء. وكانت هذه المشاركة قد مكنت العرائس آنذاك من جمع ثلاث وعشرين ألف متفرج في أقل من عشرة أيام. ومنذ ذاك، كثرت العروض في المدن الكبرى، بل وحتى في القرى والنواحي الأكثر بعدا. وإذا كانت العروض المنظمة قد انتهت إلى مس آلاف الأطفال المتحمسين، فإن ذلك لايرجع إلى جدتها أو ظهورها القريب، وإنما يرجع على الأخص إلى العامل الشعبي لهذا التقليد القديم الذي عرفت ممارسته منذ عدة قرون." وقد استطاع مسرح الدمى والعرائس أن يستقطب كثيرا من أطفال الحضانة والتعليم الأولي والفتيان الشباب، بل استطاع أن يجذب إليه حتى الكبار الذين انبهروا بهذا المسرح الطفولي . مما جعل وزارة الشبيبة والرياضة تضطر إلى "الاهتمام به، حيث نظمت في سنة 1962م أول مهرجان لمسرح العرائس بالحديقة العمومية بالرباط، ثم اتبعته بتنظيم ندوة سنة 1964 عن مسرح العرائس أو الكراكيز، وعلى إثرها كونت الوزارة ثلاث فرق في كل من الرباط، وفاس، والبيضاء، ومراكش، وكونت مجموعة من الشباب منهم: محمد الصفدي، وله مجموعة من المسرحيات: عروس فاس، ورقصة الكدرة، وأحواش، وكناوة، ومغامرات قراقوش، وحديدان في السيرك، وتاجر بغداد، وجزيرة العجائب، والولد الشجاع، وعلي كوجا، وعلي بابا، والجرادة والبوم، والنمر المسجون، وكيكي وسامي، ومعزة جحا، والشيطان." ويمكن الحديث عن شخصيات فنية أخرى اهتمت بمسرح العرائس كمحمد الجباري، وإدريس التيال، ومحمد السملالي ، والأخوين الفاضلي ، وغيرهم... وبعد ذلك، انتقل مسرح العرائس والدمى إلى القناة التلفزية المغربية الأولى والقناة الثانية بعد ذلك، ولكن بإنتاج قليل ومحتشم بالمقارنة مع الإنتاجات المستوردة من الدول الغربية والآسيوية. وقد انتعش مسرح العرائس بين السبعينيات والثمانينيات، فقد نظمت مثلا وزارة الشؤون الثقافية بمدينة طنجة في 13-14-15 يناير من سنة 1984م اللقاء الثاني لمسرح الطفل تحت شعار" المسرح ترسيخ للقيم الدينية والوطنية"، وقد عرضت في هذا الملتقى أربع مسرحيات مندرجة ضمن مسرح العرائس. ونفهم من كل هذا أن وزارة الشبيبة والرياضة ووزارة الثقافة هما الراعيتان بشكل رسمي لمسرح الطفل بصفة عامة ولمسرح الدمى والعرائس بصفة خاصة. بيد أن مسرح العرائس والكراكيز سيتراجع نسبيا في سنوات التسعين من القرن العشرين وسنوات العقد الأول من الألفية الثالثة على الرغم من كون مسرح الدمى والعرائس حاضرا في مقررات ومناهج المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط. 5- وظائف مسرح الدمى والعرائس: لمسرح العرائس والدمى وظائف عديدة تتمثل في الوظائف التربوية والديداكتيكية والاجتماعية والنفسية والتثقيفية علاوة على وظائف التسلية والترفيه والإمتاع. كما يعد قناة أخلاقية تنقل مجموعة من القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة إلى الطفل من أجل تغيير سلوكه بما بماهو أفضل وأحسن. ويمكن" للأطفال – حسب الباحث المغربي سالم كويندي- ممارسة اللعب التمثيلي بالعرائس، وهذا راجع لحبهم للدمى، كما أن مسرح الدمى يعتبر من أقدم الأنواع المسرحية والتي كانت تستهوي الكبار والصغار على السواء، إلا أن التوجه الحالي لها يكاد يجعلها مقتصرة على الأطفال، وذلك لتعلق الأطفال بها لما تقدمه لهم من متعة وتسلية وكذا تربوية وتعليمية. كما أن فكرة التمثيل بالعرائس من شأنها أن تعوض العمل باللوحة الوبرية المتبعة في السنوات التعليمية الأولى كوسيلة تعليمية." ومن هنا، فإن مسرح العرائس يلبي رغبات الطفل الشعورية واللاشعورية، ويحقق له توازنا نفسيا من خلال تخليصه من مكبوتاته الدفينة والمترسبة في عالمه الجواني وجدانيا وعضويا. كما يحرره من قيود الذات المنكمشة، ومن ضغوطات الأسرة والشارع والمدرسة والمجتمع على حد سواء عبر ممارسة اللعب والمشاركة في الفرجة الدرامية التي تقدم له بطريقة كوميدية فنية وجمالية تقوم على الإضحاك والتسلية والترفيه. 6- المخرج المعاصر ومسرح الدمى: هناك مجموعة من المنظرين و المخرجين المعاصرين الذين وظفوا مسرح الدمى والعرائس في مسرحياتهم سواء أكانت موجهة إلى الصغار أم إلى الكبار من أجل تأدية عدة أغراض تتجاوز ماهو تثقيفي وترفيهي إلى ماهو فلسفي وروحاني وديني وصوفي وطقوسي. ومن أهم هؤلاء المنظرين والمخرجين ، نذكر على سبيل التمثيل: ديدرو، وماييرخولد، وإدوارد كوردون كريك ، وبيتر شومان... ديدرو: نظرا لما تمتاز به الدمية من حركة ديناميكية، وسرعة في التغير مع المواقف والمشاهد الدرامية، ومرونة في التصرف والتكيف، وقدرتها الكبيرة على الاستجابة لماهو صوتي وحركي وحدثي ، فقد نظر ديدرو Diderot إلى الممثل باعتباره يشبه" دمية أخرى عجيبة، حيث يمسك الشاعر بالخيط الذي يشير في كل سطر إلى الشكل الحقيقي الذي يجب أن تأخذه". أي إن الممثل الحقيقي حسب ديدرو ينبغي أن يكون في حركاته وقوامه مثل دمية عجيبة خارقة تثير إدهاش الآخرين، وتستجيب للمخرج بكل مرونة وطواعية كبيرة. فيسفولد ماييرخولد: يعد ماييرخولد من المخرجين السباقين الذين تعاملوا مع الممثل على ضوء نظرة بنيوية شكلانية وآلية ميكانيكية ديناميكية ، حينما اعتبر الممثل مجرد دمية وماريونيت ، يمكن تطويعها بطرائق مختلفة من أجل أداء ما يريد المخرج أداءه في عرضه المسرحي. وكل هذا من أجل تجاوز الواقعية الباطنية لدى أستاذه قسطنطين ستانسلافسكي ، وتعويضها بنظريته البيوميكانيك. كوردون كريك: يعد كوردون كريك Gordon Graik من أهم المخرجين المعاصرين الذين دافعوا عن مسرح الدمى باعتباره رمزا دينيا مقدسا يحيل على المعتقدات الروحانية لبلدان الشرق الأقصى. إذ يقول في كتابه" في الفن المسرحي":" إني لأبتهل إلى الله أن تعود الدمى سيرتها الأولى؛ أعني الدمى المسرحية العليا، لتعمر مسارحنا؛ لأنها حينما تعود، وتقع عليها أنظار الناس، لا أكثر من وقوع، فإنهم سوف يعشقونها عشقا يجعل من اليسير عودة البشر مرة ثانية إلى متعتهم القديمة في الاحتفالات الدينية ذات الطقوس- ومرة ثانية سوف يحتفل الناس بعيد الخلق، ويعود إجلالهم لعيد البقاء، كما يعود تشوفهم الديني السعيد إلى الموت من جديد!". هذا، وقد تأثر گريگ ( 1872-1966) كثيرا بمسرح أنطونين أرتو ألا وهو مسرح القسوة ، وطبقه في الكثير من مسرحياته المثيرة للإعجاب . وإذا كان ستانسلافسكي وگروتوفسكي قد أشادا بدور الممثل باعتباره الركن في العملية الدرامية والسينوغرافية ، إلا أن گريگ اعتبر الممثل دمية خارقة - متأثرا في ذلك بالمسرحي الرمزي ماترلنك M.Maeterlink (1862-1949)- يمكن أن يتحكم فيها المخرج كيفما يشاء ويطوعها بالطريقة الفنية التي يريدها بعيدا عن كل مظهر واقعي احترافي. وبهذا يتبنى گريگ المذهب الرمزي في تشكيل الممثل باعتباره دالا رمزيا، أي إن الممثل يصبح رمزا وقناعا يمكن تشكيله بطريقة تتجاوز الشخصية الواقعية. وبهذا ثار گريگ على المسرح، وحاول تدميره وتعريته من كواليسه وزخارفه، وحد من نجومية الممثل ، واعتبره مجرد لعبة في يد المخرج" محرومة من كل مبادرة خلاقة تعتمد على الإمكانات والطاقات الذاتية. لقد أصبح الممثل أشبه بالدمية، إنه بالنسبة إلى كريج " عبء وصعوبة. إذا استخدم الممثلون فيجب أن يكفوا عن الكلام ويتحركوا فقط...وإذا أرادوا أن يرجعوا إلى الفن في صورته الأصلية فالتمثيل هو الفعل، والرقص هو الشعر في هذا الفعل" . وهنا ، يتأثر هذا المخرج البريطاني الكبير بالروسي ماييرخولد الذي اعتبر بدوره الممثل دمية في يد المخرج ، يؤطرها بالطريقة التي يرتضيها ، وعلى ضوء الفلسفة التي يتبناها.
بيتر شومان: أسس النحات الألماني بيتر شومان P.Schumann مسرح الدمى والخبز بالولايات المتحدةالأمريكية سنة 1962م. وقد قدمت عروض هذا النوع من الدراما في المقاهي والمطاعم والكنائس والمسارح والشوارع والأماكن العامرة. وعرضت أيضا في الهواء الطلق. وبهذا يتجاوز هذا المسرح فضاء القاعة لينقل عروضه إلى الفضاءات المفتوحة. وتركز هذه النظرية على تشغيل الدمى على غرار تجربة الدمى اليابانية. ويعتمد العرض في هذا النوع من المسرح الجديد والطليعي على توظيف الأقاصيص والخرافات والفولكلور والحكايات الرمزية التعليمية وأدب الأطفال. وتتسم لغة بيتر شومان في عروضه المسرحية بالوضوح والمباشرة المختلطة بشعرية رفيعة المستوى. وكان يخاطب بمسرحه كل فئات الجمهور، ويراعي مستوى تلقيها للعمل المسرحي. أما الممثلون فإنهم " لاينتمون إلى مدرسة احترافية، وإنما يصنعون الأقنعة بأنفسهم، كما يرقعون أكسيسواراتهم، وآلاتهم الموسيقية انطلاقا من الأشياء التي يعثرون عليها في القمامات، إذ نجدهم يستعملون تلقائيا العرائس الضخمة التي يصل طولها ثلاثة أمتار، كما يستعملون عرائس محشوة، ونصف عرائس، وممثلين مقنعين، وآخرين تطلى وجوههم بالمساحيق. ومن ثم فإن كل فرجة تأخذ شكلا طقوسيا وتشوبها أحيانا حركة بطيئة جدا يسودها صمت شامل." هذا، وقد تأثرت فرقة إيرلندية بهذا المسرح حيث قدمت في المسرح الجامعي بالدار البيضاء ما بين4 و18 شتنبر 1992م مسرحية، يقوم فيها الممثلون بتشغيل الدمى المتفاوتة الأحجام على الركح لتقديم العرض عن طريق تشخيص الأدوار عبر إصدار أصوات رمزية دالة، والدخول في حوار سيميائي تواصلي مع الدمى. 7- كيف نقدم عرضا مسرحيا بواسطة تقنية الدمى والعرائس؟ عندما نريد أن نقدم عرضا مسرحيا للأطفال الصغار سواء في مرحلة الحضانة أو مرحلة التعليم الأولي، علينا أولا وقبل كل شيء صنع الدمى والعرائس والكراكيز التي تتناسب مع بيئة الأطفال الاجتماعية والنفسية والأخلاقية ، وكذلك التي تتلاءم مع عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم داخل مجتمعاتهم التي يعيشون فيها. إذ نرفض بشكل مطلق أي تغريب مدجن للأطفال الصغار بأي شكل من الأشكال، ونرفض كذلك أي استلاب إيديولوجي وقيمي وحضاري تحت أي شعار أو غطاء. ولكن لايمكن في الحقيقة صنع الدمى والعرائس حتى يتم إعداد القصة الطفلية وتحضيرها فنيا وجماليا من البداية حتى النهاية، باحترام خطوات التحبيك الدرامي التي تتمثل في العناصر التالية: الاستهلال- العقدة- الصراع- الحل- النهاية. ويعني هذا أن اللاعب أو المخرج أو المؤلف عليه أن ينسج مسرحية تتوافق مع خيال الطفل المخاطب، فيختار اللاعب مسرحية تتناسب مع عمر الطفل وسنه وميولاته الوجدانية والنفسية والشعورية والذهنية. وبعد ذلك، يختار الشخصيات التي ستنجز الأحداث داخل فصل مسرحي واحد، وينتقي الفضاء الزمكاني الذي ستدور فيه الأحداث المقدمة. وبعد تصور مضامين المسرحية وأجوائها التخييلية، يستحضر اللاعب الأدوات والوسائل التي يصنع بها العرائس والدمى، فيختار بين مجموعة من المكونات كالورق والقماش والبلاستيك والخشب والبوليستر، فيرسم الوجوه والأشكال والأجساد على السبورة أو يخطها في شكل بورتريهات على الأوراق، فيلونها بشكل مسبق، ويحدد ملامحها بدقة مضبوطة. وبعد ذلك، ينتقل اللاعب إلى الممارسة العملية، فيبدأ في صنع الدمى والعرائس اعتمادا على تقاسيمها وتفاصيلها المرسومة على السبورة أو الورق. فلو قررنا أن نصنع دمى بالقماش، نخيط مجموعة من الموديلات البشرية أو الحيوانية أو النباتية، فنحشوها بالقطن أو ورق الجرائد أو بالإسفنج أو بمواد أخرى لينة ومرنة. وإذا فكرنا مثلا أن نرسم شجرة كما وردت في مسرحيتنا التطبيقية" الشجرة والحطاب" ، والتي سنقدمها للقراء الأفاضل نموذجا إجرائيا لتقديم مسرحية من نوع مسرح الدمى والعرائس، فإنه من الأحسن سينوغرافيا وإخراجيا أن نصنع دمية فرعاء جميلة بضفائر طويلة خضراء ، تحمل عينين حمراوين للتعبير عن الحزن والبكاء ؛ بسبب ما تتلقاه من ضربات الحطاب الموجعة . ونضع لها فما واسعا للتعبير عن أحاسيسها وأفكارها بطريقة إحيائية قائمة على التشخيص والاستعارة والأنسنة. وبعد ذلك، نصنع الحطاب الراغب في تكسير الشجرة لحطبها في صورة دمية شريرة وقبيحة الوجه، تحمل في يدها إكسسوار الفأس الخشبي أو الورقي أو الكارتوني. ونصنع، في المقابل، دمية أخرى طيبة تمثل ابنه الذي كان يمنع أباه من تحطيم الشجرة، ونلونه بلون يدل على وسامة هذا الطفل المتخلق النبيل. أي نرسم دميتين مختلفتين بلونين مغايرين لمراعاة عمري الشخصيتين وملامحهما الجسدية والنفسية خيرا وشرا. ونستعين كذلك برسم آخر لصنع دمية تمثل حكيم القرية الذي ينصح الحطاب لكي يبتعد عن سلوكه العدواني الشائن ضد البيئة بصفة عامة والشجرة بصفة خاصة. ونضع للحكيم الدمية لحية بيضاء للدلالة على الرزانة والحكمة والوقار، ونلبسه لباسا يدل على حكمته البالغة. وأثناء العرض المسرحي، نربط أطراف الدمى بخيوط، فنحركها من فوق ، داخل علبة مغلقة ومغلفة بالسواد، لايظهر منها سوى إطار يشبه شاشة السينما مغطاة بستارة، فنقدم الشخصيات، فيبدأ الراوي في تقديم الحكاية بصوت واضح وجهوري. وتدخل الشخصيات في اللعبة الدرامية من البداية حتى النهاية. ولابد للمسرحية أن تقدم العبر والمقاصد والدروس التعليمية للصغار عبر مساءلة الأطفال الحاضرين أثناء لحظة تكسير الجدار الرابع. ولابد للمخرج أو اللاعب أن يزين المسرحية بخلفية الفنوندو أو لوحة سينوغرافية أنيقة وجميلة تحمل دلالات سيميائية معبرة وموحية لها علاقة بالمسرحية. فإذا كانت المسرحية موضوعها" الشجرة والحطاب" ، فمن الأفضل أن تكون الجدارية أو اللوحة الخلفية عبارة عن غابة شاسعة الأطراف مزينة بالأزهار والورود والأشجار والحيوانات ، تتخللها إضاءة تحتية خفيفة وعامة. ولابد أيضا أن تتخلل المسرحية حوارات ثنائية أو منولوجات وظيفية أو لحظات غنائية ومشاهد لعبية كوريغرافية راقصة ، وتعقبها سخرية صوتية مفارقة مضحكة باستعمال أصوات في غاية الفخامة والجهر والشدة والضخامة ، وأصوات أخرى مقابلة تميل إلى الليونة والسلاسة والهمس والرخاوة حسب تلون المواقف والمشاهد الدرامية. وسنترك لقارئنا العزيز فرصة للتعلم الذاتي لتطبيق تصوراتنا النظرية قصد تجريب تقنيات مسرح الدمى والعرائس اعتمادا على مسرحيتنا الطفلية: " الحطاب والشجرة". نموذج تطبيقي: الحطاب والشجرة: الحطاب: ما أجمل هذه الشجرة الخضراء في وسط هذه الغابة؟ سأقطعها وأحولها إلى حطب للتدفئة في هذا الفصل الشتوي القارس. ابن الحطاب: لا يا أبي؟ لا يا أبي؟ أرجوك ألا تقطعها؟ أتوسل إليك ألا تفعل بها ذلك؟ إنها بريئة يا أبي ، لم تقترف أي ذنب لكي تعدمها بهذه الطريقة القاسية؟ الحطاب: اسكت يا بني؟ إن الشجرة جماد لايحس، وخلقت بأغصانها وفروعها لتنفع الإنسان، يحتطبها المرء لتكون وقودا أو مصدرا للعيش. وكفاك من العواطف الزائدة التي تلقيتها في مدرستك الفارغة تجاه الشجرة البائسة؟ ابن الحطاب: وماذا ستفعل يا أبي الآن بهذه الشجرة المسكينة الطيبة؟ الحطاب: سترى الآن يا بني ما أنا فاعل بها؟ ) يأخذ الحطاب الفأس ، ثم يبدأ بكل قسوة في ضرب شجرة عبارة عن جذع على شكل إنسان لها فم وعينان ويدان ضربا متواصلا (. ابن الحطاب: أرجوك يا أبي لاتفعل ذلك ! أرجوك يا أبي، إنه عمل غير صالح! إنك تقسو كثيرا على الشجرة المسكينة التي لاحول لها ولا قوة! الحطاب: (يضرب الشجرة بالفأس): طراخ !طراخ! طراخ! طراخ! الشجرة: (تئن الشجرة من شدة الضرب): آي!آي ! آي! آي! من يفعل بي هذا الألم الموجع؟ من يضربني بهذا الفأس الحاد على جسمي المنهوك هذا؟ ابن الحطاب: ارحمها يا أبي! ارحمها بالله عليك! لاتكن قاسيا! ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء! اسمع إلى بكائها وأنينها! إنها تعاني من جروحها! يا لقسوتك يا أبي! يا لقسوتك يا أبي!
الشجرة: آه! آه! آه! آه! ما أشد آلامي من شدة ضربات الفأس الدامية على رأسي وجذوعي وأغصاني! ارحمني ياهذا! ولاتكن قاسي القلب! الحطاب: اسكتي أيتها الرخيصة اللعينة، ولا تنبسي ببنت شفة! أنت هنا لخدمة أغراض الناس في هذه الغابة الفيحاء! فأنا سيدك الذي يجب عليك أن تستسلمي له ، وإلا تعرضت للضرب والحرق! الحطاب: (يواصل الحطاب ضرباته الموجعة بالفأس): طراخ!طراخ!طراخ! الحكيم: ( يظهر حكيم القرية فجأة، وهو يتوكأ على العصا ، ولحيته بيضاء لكثرة تجاربه في الحياة): ماذا تفعل يا أيها الإنسان القاسي! ألا تحس بهذه الشجرة الخضراء! إنها تحس مثلما يحس أي إنسان، وتتألم مثلنا ، وتفرح كما يفرح الكثير من الناس! الحطاب: أهلا بك يا حكيم القرية! إني أحطب هذه الشجرة الحمقاء التي لا جدوى منها في هذه الحياة ؛ لأجعلها حطبا له قيمة كبرى ينفعني وينفع أهل البلد. الحكيم: يبدو أن ابنك المتعلم من خلال حواركما أكثر منك حكمة ورزانة! إن لهذه الشجرة أيها الجاهل المغرور فوائد كثيرة، لايمكن أن يستغني عنها أي إنسان فوق هذا الكوكب البشري. الحطاب: وأية فوائد للشجرة ماعدا حطبها يا حكيم القرية الفاضل؟ أفدنا بذلك ونورنا بما أعطاك الله من حكمة سديدة! الحكيم: اسمع ياهذا! إن الشجرة هي الرئة الحقيقية للحياة في الكرة الأرضية! إنها تحافظ على التوازن البيئي لكوكبنا الأخضر! وهي الأمل والتفاؤل للبشرية ، والتي لاتهتم سوى بالتوسع العمراني، وترجيح كفة الإسمنت على حساب البيئة والمجال الخضر. وفي المستقبل، ستنهار حياتنا إذا فرطنا في كل شجرة وشبر أخضر. ولن نجد ما سنأكله وما نستنشقه، وسيفنى الإنسان وسينقرض كما انقرضت الديناصورات العملاقة التي لم تجد ماتقتاته من أعشاب كافية! ابن الحطاب: وتمنح هذه الشجرة يا أبي كذلك للإنسان أكسجين العيش والبقاء كما حدثنا بذلك أستاذنا، ولايمكن أن نحافظ على وجودنا في هذه البسيطة بدون هذه الشجرة، وإلا تحولنا إلى كائنات إسمنتية بلا روح ولا قلب كما قال شيخنا الحكيم! الحكيم: أحسنت يا بني! إن فوائد الشجرة كثيرة لاتعد ولا تحصى! لذلك، علينا أن نحافظ عليها؛لأنها ثروتنا الباقية. وأن نحميها من التلوث والإتلاف والتبذير والقلع والتحطيب! الحطاب: سامحني يا أيها الحكيم الجليل! وسامحني يا ولدي العزيز، يافلذة كبدي! لقد قررت ألا اقطع الأشجار، وألا أحطبها أبدا. وسأبحث عن مورد للعيش دون أن أضر ببيئتي أو أدمر شجرة الحياة وإكسير البقاء! ابن الحطاب: ما رأيك يا أبي أن نزرع كل يوم شتائل وأشجارا خضراء لنعوض ما تم قطعه واحتطابه، ثم نثري الغابة بأشجار أخرى جديدة ، حتى تصبح غابة كثيفة وأنيقة في سربالها الأخضر يقصدها أهل البادية والمدينة للاستجمام واستنشاق الهواء العليل؟ الحطاب: فكرة جيدة ورائعة يا بني، تستحق التنفيذ الآن وبكل سرعة. ولكن قبل ذلك سأعتذر لأختي، تلك الشجرة الجريحة الطيبة والكريمة في أعماقها. الحطاب: سامحني أيتها الشجرة الخضراء الكريمة! لقد آذيتك بفأسي وآلمتك كثيرا. وإني أحلف بالله : أن أكون فداك وأحميك من كل اعتداء وتلوث! وسأحميك بكل نفس ونفيس! ومن الآن فصاعدا جعلتك أختا لي لا يمكن أن أتخلى عنك! الشجرة: لقد سامحتك أيها الحطاب الطيب، وأثني كذلك ثناء جزيلا على ابنك الوفي المتعلم الذي أحبني حبا جما! وأشكرك كثيرا على إحساسك الصادق أيها الحطاب! وكم أتمنى أن نبقى أوفياء للطبيعة ولأشجارها الخضراء، وأن نجعل شعارنا الدائم: " ليحيا البقاء بطبيعة النماء!" يذيل هذا النص المسرحي بنشيد يردده الأطفال جميعا: أحبوا الشجيره ! أحبوا الخضيره! صغاري صغار، كباري كبار! أحبوا الورود بحمر الخدود أحبوا العيون وكل الغصون فهاتي الفروع فنون البديع تعالوا نغرد تعالوا نردد نشيد الطيور ولحن الهدير نجاري الرياح وشمس الصباح نحاكي الخرير وشعر الغدير نناجي الشموس بطيب النفوس صغار السلام أحبوا الحمام صغار السلام أحبوا الحمام صغار السلام أحبوا اليمام أحبوا الشجيره! أحبوا الخضيره! ليحيا النماء بخضر البهاء وغصن الجمال وحسن الخيال صغاري صغار أحبوا البحار وأحيوا القفار بخصب الثمار وقولوا جميعا: ليحيا السلام وشعر الوئام أحبوا الشجيره وزهر الخضيره أحبوا الشجيره وماء البحيره! خاتمة: ويتبين لنا بأن مسرح الدمى والعرائس من التقنيات الدرامية المهمة لتحضير عرض دراماتورجي مسرحي موجه إلى أطفال الحضانة أو أطفال التعليم الأولي، بل يمكن توجيهه أيضا إلى جمهور الفتيان والشباب والكبار تثقيفا وتسلية وترفيها . بيد أن مسرح الدمى والعرائس له بعض السلبيات، فشخصياته كائنات بسيطة وجامدة ، لايمكن أن تدخل في علاقات تفاعلية مباشرة مع الجمهور. وبالتالي، لايمكن أن نتصورها خارج الإطار المحدد لها ركحيا. فلا يمكن أن تحقق التواصل الحميمي بينها وبين الجمهور لصعوبة تكسير الجدار الرابع بشكل جيد. كما أن هذه الشخصيات الجامدة لايمكن أن تعبر عن أفكارها ومشاعرها الروحية وأحاسيسها الوجدانية بطريقة عميقة، تنكشف بجلاء على ملامحها الخارجية وقسماتها الفزيولوجية. وتظهر المفارقة الصارخة في هذا المسرح حينما نختار كائنات جامدة ساذجة لاحياة فيها للتعبير عن الحياة النابضة بالحركة والصراع والتوتر الدرامي، بما في هذه الحياة من فتن وإحن ومشاكل ، يصعب حلها بالحلول البسيطة ، والنقد الاجتماعي الكروتيسكي القائم على التشويه والتقبيح ، عبر كوميديا هزلية ساخرة تتسم بفظاظة التهجين والباروديا ، والبساطة المباشرة. وعلى الرغم من هذه الانتقادات الوجيهة، فإن مسرح الدمى والعرائس هو مسرح قريب من عالم الأطفال، مادام يشغل الحيوانات والكائنات البشرية الصغيرة التي يكبرها الطفل الحقيقي قامة وشكلا وقدا. وبالتالي، لايخاف منها مهما كانت شريرة وقبيحة. ومن ثم ، فهذا المسرح فعلا هو الذي يخدم الطفل الصغير من النواحي: الذهنية والوجدانية والحركية والتربوية والديداكتيكية، ويحقق له رغباته المكبوتة عضويا ونفسيا واجتماعيا، ويلبي له كل رغباته وميولاته شعوريا ولاشعوريا.