توطئة: من المعلوم أن المسرح الأمازيغي في المغرب قد تأثر بدوره كباقي المسارح في العالم بالاتجاهات الدرامية المعروفة في أوروبا، والتي تتمثل في الكلاسيكية، والواقعية، والطبيعية، والرومانسية ، والرمزية، والتكعيبية، والتعبيرية ، والمستقبلية، والسريالية ، والوجودية، والعبثية ، الخ... بيد أن المسرح الأمازيغي بقي لوقت طويل يحاكي الاتجاه الكلاسيكي، والاتجاه الواقعي ، والاتجاه الطبيعي، محافظا على الوحدات الأرسطية المثبتة في كتاب " فن الشعر"، والمتمثلة في وحدة الحدث، ووحدة المكان، ووحدة الزمان. إلا أن المسرح الأمازيغي في العقود الأخيرة من القرن العشرين وبداية سنوات الألفية الثالثة، قد انتقل من مرحلة المحاكاة والتقليد إلى مرحلة التجريب والتجريد والتأصيل باحثا عن أشكال درامية وطرائق مسرحية جديدة، تكسبه الحداثة والطليعية والانزياح عن الطرائق الفنية والجمالية التقليدية. وكل ذلك مسايرة لما عرفه المسرح الغربي والعربي على حد سواء في فترتنا المعاصرة من تجديد وتأسيس حداثي على مستوى البيانات والكتابات التنظيرية والتطبيقات المسرحية الميزانسينية. إذن، ماهي مظاهر التجريب وتجلياته الدلالية وآلياته الفنية في المسرح الأمازيغي المغربي؟ وماهي أهم الاتجاهات والمدارس التجديدية التي تأثر بها المسرح الأمازيغي ؟ وهل حقق هذا المسرح إضافات حقيقية لتأكيد خصوصياته وإبراز هويته الحقيقية وأصالته الفطرية؟ هذا ما سندرسه في ورقتنا التي بين أيديكم. مرحلة التجريب في المسرح الأمازيغي: عندما كان مسرح الهواة في سنوات السبعين والثمانين من القرن العشرين يخوض في مجال التنظير المسرحي، وإصدار البيانات الدرامية، ويجرب طرائق جديدة في الإخراج الميزانسيني والتشكيل السينوغرافي والتمثيل المسرحي مع المسرح الاحتفالي، والمسرح الثالث، والمسرح الفردي، ومسرح النقد والشهادة، ومسرح الكوميديا الصادمة، ومسرح المرحلة. فإن المسرح الأمازيغي كان يبحث عن نفسه، ويبحث عن الاعتراف الذاتي والغيري، ويفتش عن هويته في ظروف سياسية وإيديولوجية صعبة، وكان يحاول أن يؤسس لنفسه تاريخ ميلاده الجديد على الرغم من قدم هذا المسرح الذي ظهر مع المرحلة اللاتينية. وفي هذه الفترة بالذات، سينطلق المسرح الأمازيغي في تقديم عروضه الدرامية بشكل متعثر وساذج بسبب نقص في الثقافة المسرحية لدى المشرفين على هذا المسرح تمثيلا وإخراجا وكتابة وتأثيثا، وانعدام التكوين والتأطير ، وغياب الورشات المسرحية التي يمكن الاستفادة منها كما هو حال " فرقة المعمورة" التي استفادت كثيرا من الدروس التي كانت تسهر عليها وزارة الشبيبة والرياضة بعد الاستقلال مباشرة. ناهيك عن كون الأمازيغية كانت في ذلك الوقت تثير قلق السلطات الحاكمة في عهد المرحوم الحسن الثاني؛ لما لهذه اللغة من حمولات تاريخية وسياسية واجتماعية وثقافية وإيديولوجية. لذا، حوصرت اللغة الأمازيغية رسميا ومؤسساتيا ، كما حوصرت ثقافيا وفنيا وجماليا. وبناء على ما سبق، سيعرف المسرح الأمازيغي بداياته الأولى بعد الاستقلال، وسينطلق بشكل طبيعي مع سنوات السبعين والثمانين من القرن الماضي ليقدم مجموعة من العروض المسرحية ذات الطابع الكلاسيكي والواقعي والطبيعي والتاريخي مع احترام الوحدات الأرسطية الثلاث. هذا، وقد تناول هذا المسرح مجموعة من المواضيع التي تناولها المسرح المغربي في عمومه كالمواضيع الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية والوطنية والقومية والإنسانية مع التركيز على الخصوصيات الثقافية الأمازيغية المحلية التي لها علاقة بالهوية والعادات والتقاليد والأعراف. بيد أن التجريب المسرحي الأمازيغي في الحقيقة لم يتم إلا في سنوات التسعين من القرن العشرين وسنوات الألفية الثالثة ، بعد أن دخل مسرح الهواة في مرحلة النسيان والتراجع والركود والكساد واجترار نفس المواضيع بنفس القوالب الميزانسينية، وإعادتها ركحيا بنفس الرؤى السينوغرافية.