في تفاعل فكري وسياسي وإعلامي إيجابي مع بعض الكتابات والتعبيرات هنا وهناك، وتأسيسا وتثمينا للمبادرات التي أطلقت ولم تكتمل منذ مطلع العقد التاسع من القرن العشرين، أواخر حكم الملك الراحل الحسن الثاني، بمقاربات وحسابات مختلفة لدى كل طرف، بل متضاربة في جوهرها وأبعادها أحيانا، مرة من طرف الملكية تجاه اليساريين، 1998، وأخرى تجاه الإسلاميين، 2012، ومن جهة أخرى بين اليساريين والإسلاميين، في تفاعل مع كل هذا، ساهمت بسلسلة من المقالات نشرت على صفحات هذا المنبر المستقل، "لكم2″، تناولت في كل واحد منها جانبا وبعدا لمبادرة اقترحتها لعلها تكون أرضية جديدة تتجاوز ما كان سببا في فشل المبادرات السابقة، من وجهة نظري وبناء على مآل هذه المبادرات على أرض الواقع اليوم، واختبارا لكل النوايا الوطنية الطيبة الداعية لمغرب يسع الجميع، ملكية ونخب وطنية جديدة، وربما قد تكون آخر فرصة لدعوة الجميع، ملكية ونخبا جديدة غير مهيكلة ومستقلة، للجلوس بعيدا عن أي خلفية إيديولوجية أو احتكار ظرفي للسلطة أو اصطفاف تنظيمي، حركي أو حزبي، أو أحكام مسبقة تجاه أي طرف شريك في هذه المبادرة، بهدف الاتفاق حول شكل وطبيعة وهوية المغرب الذي نريده جميعا غدا، مغرب، إما سيكون للجميع أو لن يكون لأحد إذا، لا سمح الله، ساءت الأوضاع الإقليمية والدولية، ولم يتحل الأطراف المحليين ببعد النظر والحصافة وثقافة العيش المشترك في ظل المخاطر المهددة للجميع بلا استثناء. لقد كان المقال الأول بعنوان "الملكية ومخاض ولادة جديدة"، والثاني "الملكية وخيار الممر الثالث الآمن"، فيما عنونت الثالث ب "الملكية والأحزاب، والتعاقد الجديدة"، وأخيرا، وليس آخرا، المقال الرابع بعنوان "رباعيات الملكية واختبار القدرة على التجديد"، وسأقدم في هذا المقال الخامس من السلسلة قراءة لما طرحته في المقالات الأربعة السالفة الذكر انطلاقا من الأحداث التي وقعت بعد نشرها، والوقوف على تشخيص واقعي لحالة جميع الأطراف المعنية بهذه المبادرة، وضعها وإمكاناتها الحقيقية وقدرتها الفعلية على الانخراط فيها بكل مسؤولية، كما سنقف عند الموانع المرئية وغير المرئية أمام خروج هذه المبادرة إلى الوجود، فضلا عن نجاحها وتحقيق أهدافها، سواء كانت هذه الموانع مؤسسية أو بنيوية أو قوى مؤثرة خارج الأطر المؤسسية الفاعلة والمسؤولة عن واقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وتحتاج كثير من المقترحات والتحليلات التي جاءت في المقالات الأربعة السابقة بشأن المبادرة إلى المزيد من التوضيح والمكاشفة والجرأة والتشخيص، والمساهمة أيضا من طرف الجميع، ليتبين لجميع الأطراف المعنية بها حساسية الوضع وثقل المسؤولية وخطورة المرحلة، وأيضا لتكون على وعي تام بتبعات الانخراط في هذه المبادرة، لأن انطلاقها ونجاحها لن تنظر إليه قوى الممانعة بعين الرضا لما فيها من تهديد لمصالحها الشخصية، هذه القوى ترى في العبث السياسي والفساد المالي والاحتقان الاجتماعي فرصتها الوحيدة للحفاظ بقوة على عوائد السلطة كما نشاهد اليوم ومنذ الثامن من سبتمبر 2021 وصولا إلى التعديل الحكومي الذي تحدى كل القواعد الفيزيائية والاجتماعية والسياسية التي تؤكد العلاقة السببية بين الفساد وحتمية التغيير، تعديل أظهر المؤسسة الملكية كأنها ملكية بريطانية، تسود ولا تحكم، وتنحصر صلاحياتها الدستورية في استقبال رئيس الحكومة ومباركة حكومته المعدلة، وهذا ما صرح به بعض المحسوبين عنها، بأن رئيس الحكومة عزيز أخنوش استعمل صلاحياته الدستورية في اختيار أعضاء الحكومة الجدد، بل مارس سلطة رقابية قبلية على مرشحي شركائه في "العدوان الثلاثي" كأول رئيس حكومة يفعل ذلك. وبعيدا عن البروباغندا السياسية والحملة الدعائية حول هذا التعديل، ننتقل إلى الأهم من ذلك لنجري رصدا وتحليلا لما تشهده الساحة السياسية والفاعلين فيها من كل الأطراف، لأن هناك أطرافا غير مرئية ومؤثرة في هندسة هذا المشهد وترتيب الخريطة السياسية لمرحلة كل انتقال سياسي محتمل، وهي حقيقة كانت وراء هذا التعديل الحكومي لصناعة حدث يبعد الناس والمراقبين عن مشاكل المغرب الحقيقية، خاصة مستقبل النظام السياسي وسلطات الجالس على العرش الآن والبيئة العامة لمن سيخلفه غدا بعد عمر طويل، كما أن ظهور الملك خلال الاستقبالات والتعديل وخطاب الولاية البرلمانية الخريفية بحالته الصحية المقلقة ليس أمرا تعود المغاربة، وهذا ما يعزز ما طرحناه في المقالات الأربعة السابقة، وما سنطرحه بعمق ووضوح أكبر في ثنايا هذا المقال، أي ما هو مستقبل الملكية ببلادنا، وما هو الدور المراد لها، وما هو الهدف من الحالة التي تظهر بها الآن في هذه المرحلة الحرجة من العهد الجديد بعد ربع قرن من الأزمات والتقدم والتراجع، بدأ بأحداث 16 ماي 2003 التي أعادت الملكية والبلاد إلى المقاربة الأمنية على طريقة سنوات الرصاص السوداء، وعلى خلفية أحداث نيويورك 2001 بضغط من الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا وجهات محلية، وانتهت بحكومة "العدوان الثلاثي" في نسختيها، الأولى حكومة إغلاق القوس الإسلامي، والثانية، حكومة "دولة العائلة والشلة". وبالرغم من عدم تعبير هذه القوى غير المرئية، حتى الآن، عن مدى استعدادها لمساعدة الملكية على تجاوز هذه المرحلة الحرجة، وإعادة ترتيب وظائفها ودورها ومركزها للتكيف مع المشهد السياسي القادم، وتجاوز خطر وحتمية التغيير القادم الذي ستعرفه جل الأنظمة العربية والعالم، وعدم تجاوبها مع ما تطرحه النخب الوطنية الجديدة وغير المهيكلة من مختلف المواقع والتخصصات المعرفية والمهنية من مبادرات للخروج من حالة الانسداد والاحتقان التي يمر بها الجميع، ملكية ودولة وقوى حزبية واقتراحية، بالرغم من كل هذا، فإنه لن ينفع الملكية الإقرار بهذه الحقيقة وقتئذ عند بداية انهيار النظام الإقليمي والدولي بسرعة وقوة، بل لن ينفع حتى الاستنجاد بهذه النخبة الوطنية الجديدة لإنقاذ الوضع لأسباب ذاتية وموضوعية، كما حصل مع الربيع العربي عام 2011، لذلك، فإن الملكية مطالبة بأن تتحرك بسرعة وتأخذ المبادرة قبل أن تصبح في وضعية ردة فعل متأخرة، وتتدخل جهة أو جهات أجنبية لفرض اتفاق حماية جديد كما حصل ذات يوم في الثلاثين من مارس عام 1912، فتضيع السيادة والاستقلال من جديد. لقد أكد التعديل الحكومي الأخير على عمق الأزمة ببلادنا، مما يقتضي، وبسرعة، خروج الملكية والجالس على عرشها عن خلوته، ويتخطى كل الحواجز التي ربما تحول بينه وبين إجراء حوار مباشر وصريح مع هذه النخبة الوطنية الجديدة بشأن ما يجري، وقد يعيد البلاد، وعلى رأسها الملكية، إلى دار الدبيبغ بفاس، بسبب إصرار حكومة "العدوان الثلاثي" على تبرير التعديل بالعبث السياسي، مرة بالقول إن التعديل عُرف دولي، وأخرى بأن وزراء النسخة الأولى من الحكومة الذين غادروها "تعبوا" من العمل الحكومي الدؤوب، حسب تعبير رئيس الحكومة في حوار أجراه مع إحدى المواقع الرقمية المحسوبة عليه، ومن أجل تنزيل ما تبقى من البرنامج الحكومي، حسب زعمه، وتنفيذا "للتوجيهات الملكية السامية"، يلاحظ دائما يستحضرون الملك في تصريحاتهم وفشلهم. إن هذا التعديل يخفي ما يجري في الغرف المغلقة بعيدا عن أمة تكاد تكون غير ممثلة اليوم شرعيا وشعبيا في البرلمان، فيما الوضع العام في المغرب اليوم يشبه، كما كان مطلع القرن العشرين، حالة من الترنح بين الاستقلال والاحتلال، بين دولة السيادة والاستقلال والوطنية الحقة وبين دولة "حكومة فرنسا". لا يمكن للملكية والنخبة الوطنية الجديدة أن يُفشلا مخططات فرنسا وقوى أجنبية أخرى طامعة في إخضاع المغرب، مرة أخرى، لاتفاقية حماية عبر أدواتها المحلية، إلا بتوحيد جهودهما لضمان استقلال المغرب وحماية سيادته الوطنية، وجعل الملكية، صمام أمان في هذه المرحلة الصعبة، لتجنيب المغرب عريضة أحفاد الباشا التهامي الكلاوي ومحمد المقري، الصدر الأعظم، صهر الكلاوي والسلطانين عبد العزيز وعبد الحفيظ، ورجل فرنسا خلال مرحلة الاستعمار وأحد الموقعين على عريضة عزل السلطان محمد الخامس ونفيه رفقة أسرته عام 1953، بل عارض عودته عام 1955. مهام كبيرة تنتظر الملكية اليوم وتضعها في قلب الجدل حول أحداث كبرى تجري ببلادنا وفي العالم، كان أبرزها التعديل الحكومي الأخير، وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب في هذا التوقيت، وما يتم الإعداد له من مخططات الاستعمار الجديد! لا نبالغ ولا نقلل من حساسية الوضع العام ببلادنا، سواء تعلق الأمر بمؤسسات الدولة أو بالسياسات العمومية، أو بحالة الشعب وقلق النخبة الوطنية الجديدة، ولذلك قد يرى البعض، خاصة المستفيدين من الواضع القائم أو الخائفين من المستقبل، فيما نكتبه ونقدمه في هذه المقالات تهويلا أو مبالغة، ولكن علمنا التاريخ بأن أي شيء وقع في الماضي لابد وحتما سيقع في الحاضر أو المستقبل على وجه من الأوجه، مع اختلاف الفاعلين وترتيب الأحداث وخطورتها ومآلاتها، وقد استخلصنا منه بأن ما وقع مطلع القرن العشرين عقب تردي الأوضاع العامة بالمغرب، من ثورات واحتقان وأطماع أجنبية، ومواجهة الملكية لمخاطر هددت وجودها وأعيان البلد الذين هم كذلك شعروا بالخطر على مصالحهم قبل مصالح الدولة والمجتمع والملكية نفسها، فاستنجدوا بالاستعمار الفرنسي والإسباني، وفي مقدمتهم السلطان عبد الحفيظ، وسقطت الدولة المغربية وسيادتها واستقلالها في براثين احتلال متعدد الجنسيات عام 1906 بتوقيع اتفاقية الجزيرة الخضراء التي مهدت للاحتلال الفرنسي والإسباني عام 1912، وتطبيق نظام الامتيازات في نفس الفترة السوداء وما يسمى بالمحاكم القنصلية، إلى أن أصبح في المغرب (112) جنسية تحملها مختلف عائلات الأعيان لحمايتها من الاستعمار الفرنسي أو الإسباني أو من الخزن والملكية. هذا المشهد هو ما عليه المغرب اليوم إلى حد بعيد، قوى أوروبية وغير أوروبية وعربية تتربص بالمغرب، ولها تحالفات مع عائلات من الطبقة الثرية والمستلبة ثقافيا وقيميا ودينيا ووطنيا تتواجد في مختلف مواقع المسؤولية في مؤسسات الدولة، وتستعمل هذه المؤسسات لمصالحها، بما فيه الطابور الخامس، إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي و"المناضلين المتحولين" من اليساريين والإسلاميين والليبراليين، واستحكمت قبضة هذه الطبقة الثرية على شرايين الثروات والاقتصاد الوطني والسلطة، والأخطر من ذلك، وقوفها أمام أي محاولة لإصلاح الوضع العام وعرقلة أي مبادرة، سواء بين اليساريين والإسلاميين، أو بين النخبة الوطنية الجديدة بتصور ورؤية لا تقصي من الحوار أحدا وبين الملكية، ووقوفها أمام أي محاولة صدرت عن الملكية نفسها خلال السنوات الأخيرة من حياة الملك الراحل الحسن الثاني وخلال سنوات حكم الملك محمد السادس. وقد يبدو للبعض بأن المبادرات الملكية لفتح نقاش حول الإصلاح الدستوري والسياسي مع القوى الحزبية خلال العقود الأربعة الماضية كانت مجرد مناورة سياسية لتجاوز الأزمات، وهو ما لم يكن ممكنا عند بداية حكم الملك الحسن الثاني مطلع ستينيات القرن الماضي وتجارب الدساتير الممنوحة ما بين 1962 و1996، وكذلك فيما يتعلق بالتنازل المكره عام 1998، وهذا يؤكد حركية وبراجماتية العقل السياسي لدى الملك الراحل، بما يحفظ عرشه وملكه، لا شك في ذلك، ولكن لم يعد ذلك الملك العنيد الغير مكترث للقوى السياسية ولتطلعات المغاربة في العيش الكريم، فاتخذ خطوة جريئة بمعايير تلك المرحلة وبالقياس مع الوضع السياسي العربي، ليفتح اللعبة السياسية لخصمه التاريخي اليسار، إلا أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، للأسف، لم يستفد من تلك اللحظة التاريخية والسياسية التي مرت بها الملكية، خاصة بعد تقرير البنك الدولي بعنوان "السكتة القلبية"، ليحقق ويثبت في الوثيقة الدستورية أو في وثيقة تعاقدية مستقلة قواعد جديدة في العلاقة بين الملكية والقوى السياسية، وإحداث تغيير حقيقي في بنيتها وصلاحياتها الدستورية من أجل نظام سياسي متقدم ومختلف عما كان عليه قبل التقرير وقبل حكومة التناوب. وستتكرر هذه التجربة ليضيع حزب العدالة والتنمية فرصة أخرى كان من الممكن أن تدفع الملكية إلى تطوير بنيتها وتحديد دورها السياسي والدستوري في حياتنا العامة في سياق ثورات الربيع العربية وحراك 20 فبراير 2011 أكثر مما قامت به في دستور 2011، إذ بادرت بهندسة الوثيقة الدستورية والمشهد السياسي بما يحفظ لها مركزيتها في الوثيقة الدستورية وفي السلطة الحاكمة، استباقا للأحداث قبل استفحالها بعقل سياسي استشرافي وحصيف، لكن، للأسف، لم يلق من جانب القوى الحزبية تدافعا سياسيا حقيقيا للوصول إلى صياغات دستورية وسياسية كان من الممكن أن تجعل المغرب اليوم أفضل بكثير مما هو عليه، لافتقار هذه القوى لأي تصور حول الملكية المطلوبة والمشروع المجتمعي المطلوب، وغياب الإرادة لديها لتحقيق إصلاح سياسي ودستوري حقيقي وعميق، فتحولت، في وقت وجيز وبلا مقاومة، إلى معرقلة حتى لما جاء في دستور 2011، بل كانت متخلفة عما قبلت به الملكية، ولم تحفظ لشباب الحراك ونخبتهم الوطنية الجديدة تضحياتهم ونضالهم، والذين كانوا وراء هذه التطورات وأرغموا الجميع، ملكية وأحزابا، على الذهاب إلى التعديل الدستوري والانتخابات المبكرة عامي 2011 و2012. وإذا كان للملكية في الحركة الوطنية، مطلع خمسينيات القرن الماضي، حاجة كبيرة بعد تعرضها للعزل والنفي من قبل الاستعمار الفرنسي وأعوانه من بعض رجالات المخزن وبعض حاشية الملكية، وذلك لاستعادة العرش وإقامة نظام ديمقراطي شوري غداة الاستقلال كما كان الاتفاق بين السلطان محمد الخامس والوطنيين، وهو ما لم يحصل للأسف، بسبب نجاح الاستعمار في تسليم السلطة لمن كان ضابطا في جيشه، وآخرون كانوا من أركان مشروعه الاستعماري ليبقى المغرب تابعا لفرنسا، بل أيضا حتى بعض رجالات الحركة الوطنية البورجوازية الذين ارتبطت مصالحهم بمصالح الاستعمار، وبسبب دور كبير لعبه ولي العهد الملك الراحل الحسن الثاني في حصول ذلك التحالف مع الاستعمار الفرنسي لتوجسه من نوايا الحركة الوطنية وحزب الاستقلال فيما بعد، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد ذلك، فإن حاجة الملكية اليوم لهذه النخبة الوطنية الجديدة، المستقلة حركيا وحزبيا، أكثر ضرورة وأبعد استراتيجيا، ليس لأن هذه النخبة ترى نفسها ملكية أكثر من الملك أو أقل منه، وهذا ليس هو الموضوع اليوم، ولكن لأنها تغلب مصلحة الدولة والمجتمع على أي اعتبار آخر. لقد قرأنا في التاريخ مثل هذه اللحظات المأسوية من عمر ومصير الدول والأمم، منذ منتصف القرن الماضي إلى مطلع الألفية الحالية، مرورا بما حصل عام 2011 مع ثورات الربيع العربي وسقوط رؤساء وأنظمة عربية بسبب عنادها ومكابرتها ورفضها للمبادرات الإصلاحية والقطع مع القمع والفساد، وهو ما وقع أيضا مع أنظمة أخرى من قبل، في العراق مع الملك فيصل الهاشمي بسبب أطماع الجيش وانقلابهم وتصفيتهم للعائلة الهاشمية عام 1958، وفي إيران مع الشاه رضا بهلوي بسبب فساد النخب وتواطؤ الولاياتالمتحدة مع النخبة الحاكمة الجديدة بقيادة الخميني عام 1979، وفي مصر مع فاروق الأول بسبب انقلاب الجيش وتخلي الإنجليز عن الملكية وفساد النخب عام 1952، وفي ليبيا مع الملك إدريس السنوسي عام 1969 بسبب انقلاب الجيش بدعم أمريكي، بل وقبل ذلك مع القيصر نيكولا الثاني في روسيا عام 1917 بسبب عدم اتخاذ فساد النخبة والمقربين من الإمبراطور على محمل الجد، خاصة غريغوري راسبوتين، أو ما وقع مع الملك لويس السادس عشر خلال الثورة الفرنسية عام 1789، بالرغم من تنبيه مستشاره ووزيره في المالية بفساد الحاشية والنخبة الحاكمة والتحذير من غضب وانفجار اجتماعي وشيك بقيادة نخبة بورجوازية وطنية جديدة تحالفت مع الشعب وأطلقت الشرارة الأولى للثورة. قراءة الحاضر واستشراف المستقبل يستدعيان أيضا العودة إلى التاريخ، عام 1953 أصدر الصدر الأعظم، رجل فرنسا والكلاوي والمخزن من قبل، محمد المقري، بيانا، بعد نفي السلطان محمد الخامس، نشر في جريدة "السعادة" 'آنذاك، ومما جاء فيه: "إن إبعاد محمد بن يوسف هو الوسيلة الوحيدة التي تساعد لصون البلاد من خطر الشقاق واسترجاع النفوذ التقليدي للسلطان، وذلك بإعادة الهدوء والطمأنينة في النفوس، وقد اجتمع المخزن يومه تحت رئاستي وتبين له أن سيدي محمد بن يوسف أصبح لا يستطيع القيام بواجبات الملك المسندة إليه، فقرر الاعتراف بتوافق الحكومة الفرنسية بسيدي محمد بن مولاي عرفة سلطانا وحيدا شرعيا على المملكة المغربية الشريفة". دبلوماسي سابق باحث أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية