ما تعرض له السيد مقتدى الصدر في الأزمة الأخيرة هو شكل من أكثر أشكال السلوك السياسي والأخلاقي خسة ونذالة، ليس من قبل الحكومة التابعة للاحتلال، والتي جاءت بشعارات المحافظة على أمنه بمسمى محاربة الإرهاب فحسب، وإنما من قبل جيش المراجع والقوى الشيعية المحسوبة زوراً وبهتاناً على اللون الإسلامي. المراجع الأربعة الكبار كانوا هناك في النجف، وإن سافر أحدهم إلى لندن للعلاج، لكن أحداً منهم لم يقل خيراً في الأزمة. أما الآخرون الذين تحدثوا فليتهم سكتوا من أمثال "آية الله العظمى"!! حسين الصدر الذي توسط في الأزمة لصالح خطاب الحكومة التابعة للاحتلال. وقد سمعناه أول أمس يتحدث عن تنفيذ السيد مقتدى لمطالب الشعب العراقي من أجل حل الأزمة، لكأن الشعب العراقي قد عينه ناطقاً باسمه، فيما السيد مقتدى هو الخارج على الإجماع. هل ثمة هراء أسوأ من هذا؟ أما قادة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (عن أي ثورة يتحدثون؟!) فلم نسمع لهم صوتاً في رفض ما يجري، وكذلك حال ابراهيم الجعفري، زعيم حزب الدعوة ونائب رئيس العراق الفخري!!، والذي صمت هو الآخر على المجازر، وحين تحدث لم يجد غير حكاية الوساطة والسياسة ومنطقية عدم سماح الدولة بوجود مليشيات مسلحة. وبالطبع فقد تجاهل الجعفري مليشيات البشمركة التابعة للبرزاني والطالباني، وقوات بدر التابعة للمجلس الأعلى، فضلاً عن مليشيات الإجرام والتصفيات والابتزاز التابعة لأحمد الجلبي وإياد علاوي نفسه. هكذا تواطئوا جميعاً عليه، من أصحاب العمائم وحتى ثوار الأمس الذين لا يعرفون طاغية في الأرض سوى صدام حسين، أما بوش ومن معه فهم الأحرار العدول الذي يجوز حسب شريعة الحكيم والجعفري وحسين الصدر والنجفي وسواهم، يجوز العيش تحت ظلهم والتمتع بعدلهم!! هكذا تواطئوا جميعاً عليه لسبب بسيط، هو أنه يفضح تبعيتهم للاحتلال، كما يفضح لغتهم الإسلامية التي لا تمت للإسلام بصلة، سيما حين تدعي الانتماء للحسين بن علي سيد الشهداء، ولا ندري كيف يكون يزيد هو الشيطان ومعه صدام حسين تالياً فيما يتحول جورج بوش وعميل السي آي إيه الذي نصبه على العراقيين إلى عناوين للحرية والكرامة؟! نعم، كان لا بد أن يطردوه من بينهم، شعارهم في ذلك هو شعار قوم لوط عليه السلام: "أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون". نعم أخرجوه من قريتكم لأنه يفضح عمالتكم وتبعيتكم للاحتلال. أخرجوه من قريتكم لأنه يجعل من سلوككم السياسي شكلاً مفضوحاً من أشكال الخيانة للوطن والأمة. أخرجوه من قريتكم لأنه يسرق نضالكم السابق ضد الطاغية ويترككم على هامش الشارع لا تلوون على شيء إلا ما تلتقطونه من فتات على مائدة الاحتلال. يظن البعض أن ذلك كله سيقضي على التيار الصدري. وهؤلاء جهلة لا يقرؤون التاريخ ولا يفقهون حقائق الواقع، فالتيارات المجاهدة لا تشطبها غطرسة القوة، حتى لو ضربت مخالبها العسكرية في لحظة من اللحظات، لأن السؤال الحقيقي هو سؤال المدد الشبابي الذي يتدفق عليها كلما قدمت نموذجاً رائعاً يلامس قلوب الأمة. ما يمكن أن يضرب التيار الصدري هو ركونه لخيارات وسطاء الذل وقبوله التحول إلى رقم في لعبة السياسة التابعة للاحتلال، كما هو حال المجلس الأعلى وحزب الدعوة. أما مواصلة الصبر والصمود، حتى لو تراجع الفعل العسكري إلى مستوى الكمائن والعمليات السريعة كما يحدث في المثلث السني، فإن ذلك سيؤكد المسيرة ويجذر العطاء ويكرس الظاهرة ، ليس لأن مقاومة الاحتلال بعيداً عن معادلة جيش لجيش هي الأفضل فقط، بل لأن فضائح المتعاونين مع الاحتلال ستزداد وضوحاً يوماً إثر آخر. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني