حين يصل الحال بالقوى والتجمعات العربية السنية وعلى رأسها هيئة علماء المسلمين حد إعلان اسم المنظمة المتهمة بتصفية رموزهم واستهداف مساجدهم، وتكون تلك المنظمة هي ذاتها الجناح العسكري لحزب أساسي في العملية السياسية، حين يحدث ذلك فإن له دلالتان على درجة من الأهمية؛ أولاهما أن أدلة قاطعة قد توفرت على صحة الاتهام. والحال أن هيئة علماء المسلمين والعديد من القوى المشتغلة بالمقاومة قد امتلكت العشرات من تلك الأدلة منذ عامين إلى الآن. وفيما كان لبعض قوى المقاومة ردودها المباشرة على تلك التصفيات التي تنفذها منظمة بدر، فإن الهيئة والقوى السياسية قد حرصت على عدم التحديد في سياق الاتهام طمعاً في توقف تلك "الجهة" عن ممارساتها خوفاً على الوحدة الوطنية وحتى لا يقال إن الشيعة والسنة يقتلون بعضهم بعضاً وأن الحرب الأهلية صارت حقيقة واقعة. الدلالة الثانية لجهر القوى العربية السنية بشكواها تتعلق بمخاوفها من اتساع دائرة العنف والاغتيالات بحقها بعد تصعيد الأسابيع الأخيرة، وهو تصعيد لم يعد محصوراً في ذات الأسلوب القديم القديم، أي الاغتيالات الفردية والسرية فحسب، وإنما بأساليب علنية من خلال المداهمة والاعتقال ومن ثم القتل، والسبب هو أن من كانوا مليشيا بدر قد تحولوا بعد أن أمسك المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بوزارة الداخلية إلى شرطة وعناصر أمنية وحرس وطني، وصار بوسعهم تنفيذ أعمالهم القذرة بحق العرب السنة ومساجدهم من خلال عنوان رسمي معترف به، وبالطبع تحت لافتة مكافحة الإرهاب والإرهابيين!! سيقول البعض إن الاستهداف يجري للشيعة أكثر من العرب السنة، وهو قول صحيح إلى حد ما، مع أن الموقف لم يعد كذلك خلال الأسابيع الأخيرة، إذ بدا الاستهداف في حق السنة أكثر، رغم استحواذ السيارات المفخخة على اهتمام وسائل الإعلام، وهي ولا شك أعمال عبثية من مختلف الزوايا الدينية والأخلاقية والسياسية. لكن الجانب الذي لا ينبغي إغفاله هو أن من يفعلون ذلك في الوسط السني لا يلبسون ثوب الاعتدال والتسامح، بل إنهم لا يتورعون عن قتل السني الذي يساعد قوات الاحتلال أو يشارك في مؤسسات الحكومة. في هذا السياق يبدو من الضروري أن نذكّر هؤلاء جميعاً أن نهج "التكفير والتفجير" ليس حكراً على العرب السنة، بل هو موجود في الطرف الآخر أيضاً. هل يذكر الدكتور إبراهيم الجعفري كيف أمر في العام 1981 بتفجير السفارة العراقية في بيروت بعملية "استشهادية"، فيما هو يعلم أن من بين موظفيها سنة وشيعة؛ بل وآخرين من غير العراقيين، من بينهم "بلقيس" زوجة الشاعر نزار قباني؟ هل نذكّر هؤلاء بأن "سادة" ومراجع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية قد أفتوا بتنفيذ تفجيرات بلا عدد في مواقع كثيرة في العراق، ذهب ضحيتها بلا شك شيعة وسنة وعراقيون آخرون، والحجة هي أنهم من أعوان نظام صدام حسين؟ ثم هل نذكّرهم أيضاً بتعذيبهم لجنود الجيش العراقي الأسرى لدى الإيرانيين لانتزاع الاعترافات منهم؟!! إذا فتحنا الملف فسنقول الكثير، لكننا اليوم إزاء موقف بالغ الحساسية، ذلك أن عاقلاً لن يقتنع بأن السنة سوف يبيدون الشيعة بالسيارات المفخخة، أو أن الشيعة سوف يبيدون السنة من خلال مليشيا بدر، لاسيما بعد اندماجها في سلك الأمن وتولي قيادته، والنتيجة هي أن التعايش هو قدر الجميع، لكن ذلك لن يتم بلغة الاستقواء، وإذا قيل إن الإرهابيين السنة يفعلون ويفعلون، فسيرد الطرف الآخر قائلاً إن هؤلاء يشكلون عبئاً على المقاومة، ولو ملك العرب السنة طريقة لإسكاتهم لما وفروها بحال من الأحوال. لا شك أم مبادرة السيد مقتدى الصدر لإجراء مصالحة بين هيئة العلماء ومنظمة بدر أو المجلس الأعلى تبدو ضرورية، لكن تأكيد الرجل على أن المقاومة شيء والإرهاب شيء آخر كان ضرورياً ويحسب له، وهو صاحب الخطاب الرافض للاحتلال. بقي أن نقول إن ما فعلته القوى والهيئات العربية السنية بإعلان الاتهام لمنظمة بدر كان ضرورياً، فما يجري لا يمكن السكوت عليه، ولا بد من وضع حد له، وإذا كان تحميل المسؤولية للاحتلال هو من باب تحصيل الحاصل، فإن قدراً من المسؤولية تتحمله حكومة الجعفري، إضافة إلى إيران تبعاً لعلاقاتها الخاصة بالمجلس الأعلى ومجموعة الائتلاف الشيعي، أما الدول العربية فتتحمل هي الأخرى قدراً أكبر من المسؤولية بعجزها عن التدخل لنصرة فئة ليست هي الأكثر حرصاً على عروبة العراق وانسجامه مع أمته فحسب، بل هي أيضاً من أنقذ العالم العربي، ولو مؤقتاً، من وطأة مخطط أمريكي بشع ليس لجشعه السياسي حدود. ياسر الزعاترة