نستمتع كثيراً بمتابعة تصريحات وزير الخارجية العراقي "المؤقت" السيد هوشيار زيباري حول هيبة الدولة وسيادتها ومرجعية القانون، إلى غير ذلك من المصطلحات المشابهة، كما نستمتع أيضاً بتصريحات وزير الدفاع المؤقت ومعه وزير الداخلية حول سحق تيار الصدر والتهديد باجتياح الفلوجة وسامراء وبعقوبة لإنهاء ظاهرة التمرد على سيادة القانون. هكذا يبشرنا سادة الحكومة المؤقتة في العراق بأنهم القادة الأشاوس الذين سيتمكنون من فرض سيادة القانون، وهم لن يخبرونا بالطبع عن نسبة العاملين معهم في جهاز الشرطة والحرس الوطني ممن فروا من معركة النجف تبعاً لرفضهم إطلاق الرصاص على أبناء ملتهم استجابة لأوامر المحتلين. والحال أن من تابع تحولات الحكومة المؤقتة في العراق لا يمكن أن يصاب بالكثير من الدهشة من سلوكها على مختلف الأصعدة، فقد تبينت مهمتها الحقيقية منذ الأيام الأولى لتعيينها حين أعلن رئيسها أن مهمته أمنية، وأنه سيضع جميع الأجهزة الأمنية تحت إمرته لفرض سيادة القانون ومحاربة الإرهاب. من هنا لم يكن أمام علاوي إلا الانسجام مع المهمة التي جيء به من أجل تنفيذها، وإلا فقد كان كمن يكتب نهايته بيده، إذ من الطبيعي أن يبحث الأمريكان عن عنوان جديد لتنفيذ المهة، ولا شك أن في العراق الكثير من المرتزقة الذي لن يترددوا في الاحتماء بالمنطقة الخضراء ومن ثم إصدار الأوامر بقتل أي عراقي يعارض الاحتلال، سيما حين يدرك أن من ورائه جحافل من القوى السياسية والمراجع الذين لن يترددوا في الانسجام معه ما دام نظام المحاصصة الطائفية قائماً، فالشيعي هو الشيعي والكردي هو الكردي والسني هو السني، أكان عميلاً أم وطنياً، علمانياً أم شيوعياً أم من أصحاب العمائم واللحى. تلك هي المعادلة البائسة التي تحكم اللعبة في العراق هذه الأيام، ولما كان علاوي حريصاً كل الحرص على النجاح في مهمته والبقاء تبعاً لذلك في منصبه وهو الذي يعرفه الكثيرون دكتاتوراً صغيراً منذ كان طالباً في كلية الطب يعمل لحساب الجهاز الأمني في حزب البعث قبل أن يتحول إلى معارض يضع يده في يد الشياطين من أجل محاربة صدام حسين وبلاده أيضاً. لما كان الأمر كذلك فإننا لن نستغرب منه لو دمّر الفلوجة وسامراء وبعقوبة على رؤوس أهلها، أو لو أباد جيش المهدي يالكيماوي بشرط ألا يصيب الصحن الحيدري الذي يشكل خطاً أحمر عند المراجع إياها، لكأن المباني أكثر حرمة عند الله وعند الإمام علي كرّم الله وجهه من أرواح خيرة الشبان الذين يدافعون عن القيم التي بشر بها الإمام ونجله الحسين الشهيد!! على أن ذلك كله لن يؤدي إلى شطب المقاومة، بقدر ما سيؤدي إلى دفعها قدماً إلى الأمام عبر تأكيد الارتباط العضوي بين الحكومة المؤقتة وسلطات الاحتلال، وذلك لمن لا زال لديه شك في هذه المعادلة. ولا حاجة للتذكير هنا بأنه لو كانت غطرسة القوة قادرة على ضرب المقاومة الباسلة التي يحركها الإيمان العميق بالحق لنجح شارون من قبل ولما خرج الأمريكان أذلاء من فيتنام. هي مهمة قذرة لصالح الاحتلال تلك التي تتطوع حكومة علاوي بالقيام بها. ومن هنا فإن نجاحها لن يكون متاحاً حتى لو قتلت نصف الشعب العراقي ودمرت مدناً بكاملها، بل إن المزيد من منهجية القمع في سلوكها إنما يبشر بفشلها الأكيد، ومعها بشائر فشل مشروع الاحتلال حتى لو جرّب دمية أخرى من ذلك اللون المتاح في الساحة العراقية. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني