ترك الدكتور مصطفى بنحمزة في نفوس الجمهور أسئلة كثيرة تجول في واقع الناس، حين عبر عن أمنيته في أن يكون الحديث "فيما يتحدث فيه الناس، وفيما يصمم وما يعد وما سيواجه المجتمع". داعيا في محاضرة حول "تأملات في فكر الغلو والتطرف" ألقاها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق – الدارالبيضاء صباح يوم الثلاثاء 4 دجنبر 2012 ،إلى انخراط العلماء والفقهاء في هذا الورش الكبير، وهو يثير بعضا من أسئلته المفتوحة للنقاش والمدارسة بالقول: "كيف نفهم الديمقراطية وما وقع فيها من إشكال بسبب عدم وضوح الرؤيا؟ كيف نتصور الحرية، وكيف هي في الواقع؟ كيف نتحدث عن المساواة التي يجب أن نضبطها كما يضبطها العالم، المساواة التي تراعي الخصوصية الدينية، كما أنها تراعي الخصوصيات الدينية في كل العالم، فهم يدافعون عن المساواة ويسوقون لها لكن فيما لا يمس حقيقة دينهم". عزيزة الزعلي وفي أعقاب ذلك، أعرب رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة، على أن همه هو مناقشة الأفكار لا الأشخاص، وهو يعلن بأنه بالنقاش يمكن أن تغير أشياء كثيرة، قبل أن يوضح "لا أسمي أحدا باسمه، ولكن أقول بأننا قادرون على أن نغير فهومنا وآرائنا ونفتح فيها النقاشات، فنرجو أن نكون في مستوى مناقشة هذه الأشياء". وعطفا على ذلك، افتتح محاضرته، بالتأكيد على أن العالم الإسلامي يعيش أحداثا مفصلية وتحولات عميقة على عدة أصعدة، تحتاج إلى وضوح الرؤيا وإلى اتخاذ القرارات المناسبة، لأنه من العجز فعلا –بحسبه- عدم استيعابها واستخلاص العبر منها. قبل أن يؤطر حديثه بسؤال مفتوح حول مدى امتلاك شجاعة طرح الأسئلة في مناهجنا وفي اختياراتنا، والدفاع عنها بالمنطق والشريعة. معقبا "هناك أناس ليسوا قادرين على أن يسمعوا لأنهم ليسوا قادرين على أن يدافعوا عن أفكارهم، أفكارهم جاهزة معلبة صدرت إليهم وانطوت عليها قلوبهم، وهم غير قادرين على أن يسمعوا من أحد، هم على الحق بالإطلاق والآخرون في ضلال بإطلاق وانتهى الأمر. هذا فهم انتهى، ولن يفيد الأمة خصوصا عندما تجد نفسها أمام تحديات وتشكلات جديدة لقوى أخرى ذات المشاريع المختلفة". وكان بنحمزة يتحدث في موضوع "الجذور الثقافية للغلو والتطرف"، بندوة "تأملات في فكر الغلو والتطرف" التي نظمها المجلس العلمي المحلي بالفداء مرس السلطان بشراكة مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدارالبيضاء. حيث وضح جانبا من ضفتي التطرف وسماته ومداخله، بلغة فقهية أصيلة ومنهجية دقيقة وواضحة، اعتمدت أسلوب الإقناع المؤسس على النصوص الدينية (القرآن والحديث)، والحجج المنطقية والشواهد التاريخية. وذلك من خلال تناول التطرف المرتبط بأطروحة عدم قبول الدين إلا بصيغة واحدة، وهي التي تضبط العلاقة بين الخالق والمخلوق دون أن يكون له أي صلة بشيء آخر، لا في الاقتصاد ولا في المجتمع ولا في السياسة...، وكذا عبر التطرق إلى الجزء الثاني المتعلق بالتطرف الديني، حيث أضاء طريق التدين الصحيح من جهة، وقطع الطريق أمام الانحرافات الفكرية والمنهجية المرتبطة بالفرق التكفيرية وغيرها من السبل المؤدية إلى الغلو والتطرف. وفي تفاصيل ذلك، أثار العلامة بنحمزة مواضيع متعددة ذات صلة بالموضوع، وأكد بداية على أن التطرف الذي يجري الحديث حوله كثيرا هو سمة المجتمعات المتخلفة أساسا، وليس سمة المجتمعات المتدينة كما يظن البعض. مشيرا إلى أنه بتتبع التطرف عبر التاريخ، كان دائما قد انتهى إلى الفشل ولم ينشأ حضارة أبدا، قبل أن يجزم بأن العالم لا يتسع للعنف والتشدد بل للحوار والانسجام والتقارب والمشاركة. وقال بأن الحديث عن الأمة الوسط ليس بالضرورة أن تعتبر المسألة بقياس المسافات، لأن الأخذ بالوسط –بحسبه- لا يكون موقفا، اعتبارا من كون بعض الأشياء ليس فيها وسط أصلا، من قبيل المتناقضات والمتضادات الحركة والسكون، الموت والحياة... وإنما الوسط في النسبة للشريعة الإسلامية هو العدل. وحين حديثه ما سماه ب "التطرفات"، أشار الدكتور بنحمزة إلى أن هناك تطرفات عليها أناس لم يستطيعوا بحكم تكوينهم أن تكون صورة عن الدين مطلقة، أي ليس لها دليل ولا مرجع ولا قراءة جديدة، وإنما كونت فكرة ليست وليدة بحث وإنما هي فكرة مستنسخة عن الدين، لم تستطع أن تتركها أو تقبل فيها نقاشا. لأنها لا تقبل إلا صبغة واحدة للدين، وهي تلك التي تضبط العلاقة الروحية بين الخالق والمخلوق ولا يجوز أن تكون له الصلة بشيء لا في الاقتصاد ولا في المجتمع ولا في السياسة ولذلك يتحدثون هنا عن الإسلام السياسي يقول بنحمزة مضيفا "هذه الكلمة بدعة، هناك الإسلام وكفى، وإلا سيكون بهذا المنطق الإسلام الاقتصادي، والإسلام الاجتماعي...، هل ما يقوله الناس مما يسمى سياسة له سند ومرجع أم لا؟، فيجب أن ندخل في عمق الدعوى لنرى إن كان صحيحا، أما العناوين الكبرى فلا تفيد في هذا المجال". وشدد بنحمزة على أن سمة الدين بهذه الوظيفة الوحيدة، أمر متجاوز لأنه من الناحية العلمية محسوم فيه، بحيث لا يوجد في التاريخ هذا الدين أصلا، فعبر تاريخ الحضارة الإنسانية كان الدين هو الفاعل الأساسي فيها. قبل أن يحسم بعمق تحليلاته بأن هذه الأطروحة تطرف ينبغي مراجعته ومناقشة الأسس التي قام عليها. وعن الجزء الآخر المتعلق بما يسمى بالتطرف الديني، أكد عضو المجلس العلمي الأعلى، أن هذا الوضع يشهد أو يوصف بأنه تفريغ للساحة الإسلامية من العلم حينما كان مراد وعمل المناوئين للمشروع الإسلامي دائما على مستوى إيقاف المؤسسات المنتجة للعلماء. مشيرا إلى أن "الأمة الإسلامية فيما بعد من الخلل ستؤول إلى تفريغ الساحة من العلماء وإيقاف حركة العلم بهذه المؤسسات العتيدة، وبالتالي فحينما يكون الفراغ نرى الإشكالات الكثيرة". وتحدث بنحمزة عن ما يسمى ب "المراجعات" لأشخاص دخلوا في هذا المشروع، ثم اكتشفوا في نهاية المطاف أنهم أخطئوا واعترفوا بذلك، داعيا إلى أن يدرس هذا التخصص بالجامعات. مطالبا برد كل الدعوات التكفيرية إلى أصولها العلمية. وموجها بأن يكون للطالب الجامعي جرأة بأن يقرأ كل شيء ويصل إلى الحقيقة بنفسه. وعرج رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة، على موضوع أحداث 16 ماي بالدارالبيضاء، مشيرا إلى أن ما كتب حولها لا يعد ولا يحصى، وإذا أحسن الظن فإن أغلب ما كتب كان أجوبة جاهزة وضعت في مراكز معينة ووضع عليها طابع مغربي. مؤكدا بأن التطرف لا يفسر بعامل واحد. وشدد الدكتور بنحمزة على أن الذي كان بالإمكان أن يكون هو كلام علمي، بأن يتحدث العلماء عن منشأ التطرف في المنهج وفي الدراسة من أجل تفسير الظاهرة، لأن ما قيل في تفسيرها بالعالم الإسلامي، كان إما نقاشا أمنيا أو كلاما سياسيا أو كلاما لتسويق الظاهرة أو المتاجرة فيها.. وإلى ذلك قال "أنا أقول أن كل أفراد المجتمع يجب أن يحتضنوا فهؤلاء هم ضحية تربية وتعليم فرغ من مضمونه".