إذا كان القدماء يوصلون ترجمة النص القرآني إلى درجة الاستحالة تبعا لرؤيتهم القدسية للنص ولصاحبه ولآليته اللسنية، فإن طرح الموضوع في الأدبيات الحديثة قد اتخذ مسارات فرضت الانتقال من مستوى الرفض النظري إلى تقديم النص المفارق بلغات طبيعية مختلفة. وقد فرض توسع المجال الجغرافي للدعوة الإسلامية ودخول إثنيات عديدة في رحاب الانتماء الإسلامي، إضافة إلى انكباب المستشرقين والخصوم على تقديم ترجمات محرفة على البدء بتقديم القرآن بلغات مختلفة دون أن يعني ذلك نقله بنفس جمالية وبلاغة الأصل المفارق. يتفق الدارسون على أن " الترجمة هي مهارة تتمثل في محاولة إحلال رسالة و/أو بيان مكتوب بإحدى اللغات برسالة و/أو بيان مكتوب بلغة أخرى ". ويقول كاتفورد إن الترجمة هي " عملية إحلال النص المكتوب بإحدى اللغات ( ويسميها اللغة المصدر) إلى نص يعادله مكتوب بلغة أخرى ( ويسميها اللغة المستهدف النقل إليها) ". وبذلك التعريف فهو يركز على نقل الأثر الذي ينتج عن النص المكتوب، وليس مجرد نقل المكونات اللغوية على مستوى المفردات أو القواعد. ومن ثمة فالمترجم يبحث عن المعادل المعنوي بين اللغتين : المصدر والهدف. لكن هل يمكن تحقق ذلك على مستوى اللغة الطبيعية قبل المقدسة؟ في أبجديات الترجميات، من المعروف أن من الاستحالة تقديم مقابل نصي على سبيل الإطلاق ولذلك تتكرر ترجمات نفس النص. كما أن الترجمة هي نقل ليس بين لغتين فحسب بل بين عالمين شعوريين ومنظومتين معرفيتين مما يعسر معه التطابق. لذا يمكن القول أن الترجمة في حد ذاتها تأويل ، ومما يلفت النظر في تراثنا أن الترجمة تشير إلي ان من يترجم الكلام يعني انه ينقله من لغة الي أخري والشخص يسمي الترجمان، وهو الذي ينسق الكلام، فإذا أشرنا إلي ترجمة معاني القرآن هنا لعبرنا مفهوم القراءة إلي مفهوم التأويل Intepretation وهنا تلتقي القراءة بالتفسير في وقت واحد. إن الترجمة تحمل نوعا من أنواع التأويل، والترجمة نفسها تعني فهم تفسيرها فلا فارق بين الترجمة والتفسير. ويعترف(جاك بيرك) في مقدمة ترجمته أنه:"أن الترجمة هي بنفسها نوع من التأويل". ومن ثمة فجل ما يقدمه المترجمون في تناولهم للنص القرآني هو ترجمة تأويلية المقصود بها شرح الكلام وبيان معناه بلغة أخري, والمؤول في هذه الحالة يتكلم بلغة المبين لمعني الكلام علي حسن فهمه, وكأنه يقول للناس: هذا ما أفهم به الآية وبعبارة أخري, الترجمة التأويلية هي ترجمة لفهم شخصي, ولا تتضمن وجوه التأويل المحتملة لمعاني القرآن, وإنما تتضمن ما أدركه المؤول منها, ولذلك فهي ترجمة للعقيدة الإسلامية ومبادئ الشريعة كما تفهم من القرآن . نخرج من هذا كله أن محاولات المترجمين المختلفة ليست سوى محاولة لتفسير معاني القرآن الكريم, لأن الترجمة الحقيقية للنص القرآني مستحيلة, فألفاظ وعبارات القرآن الكريم, لها مدلولات ومؤشرات عميقة, لا تستطيع اللغة (القابلة) أن تنقلها بكل ما تحتويهما من معان ظاهرة وخافية. ومع ما يحتوي ذلك من دلالة صعوبة التفسير, فإنه تبرز أمامنا حقيقة أخري, هي أنه مادامت قضية الترجمة أو التفسير قضية غير سهلة, وتتداخل في مناطق أخري, فإن الأقرب إلي فهم النص هنا هو ان صاحبه لا يستطيع ولو أراد أن يكون أمينا, ومن ثم, فإنه يكون اقرب إلي ذاته في تفسير النص من أي مؤثر آخر. ولغة القرآن ومعانيه تحمل قدراً لا نهاية له من الفهم والتدبر وتوليد المعاني والاسترسال في النظر دون شطط أو اعتداء على الحدود ولأن هذا القرآن معجز أن يؤتى بمثله لأن المرسل هو الأحد العالم بكل أسرار اللغة وما فيها وبكل أسرار الكون وما فيه وبكل ما لدى الإنسان وما فيه " كتاب أحكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير ". ولذا فإن محاولات ترجمات القرآن ليست حتماً بقرآن وإنما يمكن تسميتها ترجمة لتفسير معاني القرآن.