حفل توقيع كتاب اسبانيا في مواجهة التاريخ ...فك العقد كما سبق وأن اشرنا من قبل نظم نادي رياض الأدب والفكر حفل توقيع كتاب إسبانيا في مواجهة التاريخ ...فك العقد المترجم عن اللغة الإسبانية لصاحبه Juan Goytisolo والمترجم هو الدكتور عبد العالي باروكي .واحتفاء بالدكتور تم استدعاء كل من بدر جميل الطالب الباحث بكلية الأداب ببني ملال ومحمد ابحير أستاذ اللغة العربية بالثانوية التأهيلية بمدينة دمنات. حيث قدمالأستاذ بدر جميل ورقة تعريفية حول الترجمة هذا نصها : على أن نعود لعرض مداخلة الأستاذ محمد أبحير ولا تفوتنا الإشارة أن الحفل نشطه الأستاذ المبدع والفنان سعيد الدليمي وحضره العديد من أصدقاء المحتفى به والعديد من المهتمين والمثقفين وأفراد عائلته ورئيس المجلس البلدي السيد حسن أكرام والسيد النمذوب الإقليمي للشبيبة والرياضة بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. أيها الحضور الكريم، احتفاء بإصدار الأستاذ عبد العالي بروكي ترجمة كتاب "إسبانيا في مواجهة التاريخ... فك العقد" لمؤلفه خوان غويتيصولو، وتلبية لدعوة نادي رياض الأدب والفكر يسعدني أن أقدم بين أيديكم هذه الورقة التعريفية حول الترجمة. فلا يخفى على الجميع أن اللغة هي أداة من أدوات التواصل كما يرى الجرجاني في التعريفات، أي أنها الوسيلة التي "يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" . أما ابن جني في كتاب الخصائص، فيرى أنها "أصوات يعبِّر بها كل قوم عن أغراضهم" . ويتبين من خلال التعريفين السابقين أن الباحثين العرب القدامى يؤكدون على الوظيفة التواصلية للغة. غير أن أغلب الباحثين والدارسين المعاصرين يرون أن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل بين أفراد الإنسانية من جهة، لكنها، في واقع الحال، تسمو عن هذا التحديد كل السمو، فهي "تتراوح من مجرد الإفادة عند التخاطب إلى نقل واكتساب المعرفة المتخصصة، ومن أهم وظائفها أنها تساعد في تبليغ الأفكار والتأثير في النفس واحتواء المخزون الثقافي-التراثي لمتكلِّميها" . وهنا تكمن أهمية اللغة بالنسبة للترجمة بحكم أنها من أهم وسائل العملية الترجمية، وأداة للتخاطب والتفاهم ولتناقل المعارف وتداولها بين الأفراد والجماعات البشرية، من جهة، ووسيلة لتحديد الفكر وصياغته حتى يصبح واضحا وملموسا من جهة أخرى. وما اختلاف اللغات وتنوعها وتعددها، إلا دليل قاطع على اختلاف الأفكار ووجهات النظر، بالإضافة إلى الرؤى والمفاهيم والتصورات. فاللغة بما هي كذلك، هي الذاكرة الحية التي تسجل بكل دقة وأمانة فكر وتاريخ الجماعة التي تتكلمها وتحفظ كل ما تتسم به من ملامح وتقاليد وعادات، لذلك يمكننا أن نقول إن اللغة هي أساس هوية الأمة وجوهر شخصيتها، ومن خصائصها أنها ساهمت، وما تزال، في حفظ أواصر الترابط قويا متينا بين أفراد وأجيال الأمة الواحدة. ونحن باعتبارنا متكلمين للسان العربي نعتز بلغتنا العربية، ونفتخر بماضيها الزاخر والزاهر بالمحافل، ولما أسدته لأمتنا الإسلامية، ولوطننا العربي وفي مقدمته، أنها حافظت على وحدتنا وصانت كياننا من الضياع، واستوعبت حضارتنا وثقافتنا، وضمنت استمرار التواصل بين أجيالنا طوال قرون ودون انقطاع، كما ميزت شخصيتنا وفكرنا عن شخصيات وفكر الأمم الأخرى. لكننا لا نريد أن نقف عند مجرد الفخر والاعتزاز، لأننا لا نريد أن نكتفي بماضي العربية، وما حققته سلفا، وإنما نحرص إلى جانب ذلك على أن تظل لها مكانتها المرموقة والمحفوظة في الحاضر والمستقبل. ومن باب الحرص على تأمين مستقبل اللغة العربية والاطمئنان على غدها، وجب التفكير في طرق ووسائل تنميتها وتطويرها وإثرائها بعلوم وثقافات الأمم الأخرى. لهذا حرص أستاذي الدكتور عبد العالي بروكي على أن يكون موضوع كتابه في هذا الجانب بالتحديد، أي نقل معارف وعلوم الأمم الأخرى إلى العربية، حتى يكون جسرا للتواصل والتفاعل والتلاقح بين اللغات، ورحلة في الثقافات والحضارات المغايرة، وسعيا نحو ارتياد آفاق جديدة وأسئلة وجود وهويات متنوعة ومختلفة... وحتى يتسنى لنا أيضا باعتبارنا متكلمين للسان العربي، وباعتبارنا قراء باللغة العربية، استيعاب وفهم المعارف المكتوبة بلغة أخرى، غير العربية، أي الإسبانية، ما قد يُعفينا من قراءتها بلغتها الأصل. وفي هذا السياق بالتحديد تندرج ترجمة كتاب خوان غويتيصولو تحت عنوان "إسبانيا في مواجهة التاريخ... فك العقد" للأستاذ عبد العالي بروكي. عملية الترجمة كما يعلم الباحثون المهتمون بالمجال لها مَطبَّات ولها مُتطلبات، فالترجمة نشاط إنساني، يضرب بجذوره في أعماق تاريخ الإنسانية، فلغة هي "التفسير والبيان" ، ويقال "ترجمت له الأمر أي أوضحته له" ، و"أصل هذه المفردة فارسي" . واصطلاحا هي "انتقال نص من سياق إلى سياق آخر مختلف عنه، أي من لغة الانطلاق إلى لغة الوصول" ، عن طريق تحويل لغته. وبذلك فالترجمة من هذه المنطلقات هي: - "عملية استبدال محتويات نص في لغة بما يقابلها من محتويات نص في لغة أخرى" . - "وتركز الترجمة أيضا على عملية تحويل نص رسالة من لغة الانطلاق (اللغة المنبع) إلى لغة الوصول (اللغة المستهدفة)" . ويقول كاتفورد [Catford] إن الترجمة هي "عملية إحلال النص المكتوب بإحدى اللغات (ويسميها اللغة المصدر source language "SL" إلى نص يعادله مكتوب بلغة أخرى (ويسميها اللغة المُستهدفِ النقل إليها – أو باختصار اللغة المنقول إليها – target language "TL" " . وبذلك فهذا التعريف يركز على نقل الأثر الذي ينتج عن النص المكتوب، وليس مجرد نقل المكونات اللغوية على مستوى المفردات أو القواعد. ويجادل نيومارك [Newmark] ويقول بأن " الترجمة هي مهارة تتمثل في محاولة إحلال رسالة و/أو بيان مكتوب بإحدى اللغات برسالة و/أو بيان مكتوب بلغة أخرى " . من هنا أمكننا القول إن الترجمة بصفة عامة هي نقل نص من سياق ثقافي معين إلى سياق ثقافي يختلف عنه وذلك عبر تحويل لغته الأصلية إلى لغة الوصول، أو بعبارة أبسط هي محاولة نقل رسالة في اللغة المصدر SL إلى رسالة معادلة لها في اللغة المنقول إليها TL. فالترجمة بمعناها العام والواسع والمتداول عند العديد من الدارسين، وكما سبق أن رأينا ذلك سلفا، هي عملية نقل محتوى أو مضمون رسالة من لغة (أصل) إلى لغة (هدف) أو هي "عملية تبديل نص في لغة بنصٍّ في لغة أخرى" . كما تعني أيضا التعبير بصيغة أخرى داخل اللغة نفسها. أو التحويل من شكل إلى شكل آخر غير الذي كتبت به الرسالة في الأصل. فعملية النقل، أو التحويل [transformation] على حد تعبير دريدا ، تستدعي مجموعة من الآليات والضوابط والتقنيات لا بد من توفرها وتحققها في المترجم قبل إنجاز عملية الترجمة أو النقل، "فلابد للترجمان أن يكون بيانه في نفس الترجمة في وزن علمه في نفس المعرفة، وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقول منها والمنقول إليها، حتى يكون فيهما سواء وغاية." وقد أضاف محمد حسن يوسف في كتابه كيف تترجم؟! عدة شروط منها: 1. يجب على المترجم الجيد كشرط رئيس أن يكون على معرفة كاملة بقواعد كل من اللغة المنقول منها واللغة المنقول إليها. 2. يجب أن يكون على وعي تام بالخلفية الثقافية للغة المنقول منها واللغة المنقول إليها. 3. يجب على المترجم أن يكون على علم وافٍ بالموضوع الذي يترجمه. 4. يجب أن يقوم بتصحيح ما يبدو له كتعبيرات غير هامة أو غير واضحة تكون موجودة في النص الأصلي. 5. يجب أن يتمتع بوجود حس أدبي لديه، وأن يكون قادرا على نقد النص من الناحية الأدبية طالما سيكون عليه الحكم على مدى صحة الأسلوب وتقييمه. 6. يجب أن يتمتع بقدر كبير من المعلومات، وأن يكون واسع الإطلاع. فمتى ما توفرت هذه الشروط في المترجم أنتج لا محالة ترجمة جيدة، تراعي المقاييس العلمية المعمول بها في هذا المجال. "فمهمة المترجم وقيمته تتجليان في قهره للصعوبات التي يطرحها تعدد اللغات، وتباين الثقافات، وذلك بأن ينتج نصا يكون طبق الأصل. ومهمته هي أن يقهر المسافة التي تفصل النص عن ترجمته، والأصل عن نسخته، وأن يمحو اسمه ليسمح لكاتب النص الأصلي أن يتكلم بلغة أخرى دون أن يفقد هويته. يريد المترجم أن يكتب النص باسم كاتبه، أن يكتبه دون أن يوقعه..." نخلص إذن إلى أن المترجم مدعو دائما إلى أن يكون وفيا للنص الأصل، من أجل تقديم نص مشابه له إلى حد كبير. حيث يتوهم القارئ، قارئ النص المترجم، أنه أمام نص مكتوب بلغته الأصل، وليس أمام ترجمة، أي أنه أمام تعبير تلقائي واضح وخال من أي تعقيد لغوي ويعفي القارئ من قراءة النص الأصل. فكما سلف الذكر، الترجمة هي نشاط إنساني، وعملية قديمة قدم الزمن... ولم يعد هناك شك في أن كل نهضة فكرية أو علمية لابد أن يسبقها حركة ترجمة نشيطة وتبدأ بها. ففي العصور القديمة، قامت حركة ترجمة فاعلة ومؤثرة من اللغة اليونانية إلى اللغة اللاتينية، بعد أن أفل نجم الحضارة الإغريقية. لقد ظلت أوربا قابعة في ظلام العصور الوسطى حتى سقوط القسطنطينية وانتقال كنوزها من آثار الإغريق والرومان إلى مدن الغرب الكبرى آنذاك، فنشطت حركة ترجمة واسعة تنقل تلك الآثار إلى اللغات الأوربية حديثة النشأة: الإنجليزية والفرنسية والأسبانية، والتي تطورت معظمها عن اللاتينية، وعن عناصر من لهجات أو لغات إقليمية تتفاوت في التأثير والقوة من بلد إلى آخر. إن التأريخ لعصر النهضة يبدأ بأعمال الترجمة تلك، واستقرار المنقولات وهضمها وتمثلها، ثم تأثيرها في تكوين العقل الأوربي. وللترجمة في تاريخ الثقافة العربية عدة تجارب لها شأن عظيم، فقد تم نقل أغلب تراث الأمم التي سبقت العرب كالفرس والروم خلال القرنين السابع والثامن وما بعدهما إلى العربية بواسطة الترجمة السريانية، ثم عن اليونانية مباشرة. وأخذ العرب يتعلمون اللغات الأجنبية بعد استقرار الإسلام في البلاد المفتوحة، فاستطاعوا نقل الكثير إلى العربية. وفي العصر العباسي بصفة عامة، مرت الترجمة بحركة انتشار واسعة، ويسر لذلك أن العراق كان يموج بالأطباء والفلاسفة والمنجمين. وقد مرت الترجمة في هذا العصر بعدة مراحل، بدأت بترجمة الطب والفلك والرياضيات والفلسفة والمنطق، وانتهت بترجمة الكتب في مختلف العلوم والآداب. وأدى ذلك إلى اتساع في المعارف وتطور في أساليب التفكير وتعاظم في شأن الفرق الإسلامية التي تقوم مناهجها على الجدل، ثم أدى ذلك إلى ازدهار النحو وظهور البلاغة، كما يسر ولوج المسلمين إلى العلوم الفلسفية كاللاهوت والمنطق. وما يقال عن التجربتين السابقتين يقال أيضا عن التجربة الأخيرة التي بدأت منذ أواسط القرن التاسع عشر، حين أنشأ رفاعة الطهطاوي " مدرسة الألسن " في مصر للترجمة عن اللغات الأوربية، فشملت كافة العلوم. ومنذ ذلك الحين أصبحت الترجمة تتجه لتصبح علما له قواعده وأسسه، بعد أن كانت فنا يعتمد على قدرات المترجم ونبوغه. إن دور الترجمة هو دور خطير وبخاصة في الآونة الأخيرة، حيث يجب أن تتواكب الحركة الفكرية في أي بلد مع التطورات السريعة التي تطرأ في العلوم الاجتماعية المختلفة، ولن يكون ذلك إلا عن طريق نقل أفكار الدول المتقدمة لتسترشد بها الدول السائرة في طريقها نحو التنمية الشاملة، وحتى تستطيع هذه الدول مسايرة التقدم العلمي الحادث حولها فتزدهر وتحتل موقعها الحضاري المناسب. فالترجمة تساهم بشكل أساس وفعلي في التواصل بين الحضارات، وإغناء وإثراء الفكر المنقول إليه، وكذلك في خلق التلاقح الحضاري بين الأمم والشعوب من خلال منطق الأخذ والعطاء، والتقريب بين الشعوب، ثم نشر علوم وفكر الأمم الأخرى... إلخ. ولعل الأمر المحبط للنفس هو تلك النظرة إلى الترجمة على أنها مجرد نقل لأعمال الغير الذين تتجه الأضواء لإبراز أعمالهم دون إضفاء الأهمية المؤكدة على ترجمتها، فلا تتسع بذلك دائرة فهمها والانتفاع بها إلى المنتمين إلى لغات أخرى. وهذه نظرة قاصرة لما فيها من إغفال لدور المترجم وتقليل من قدره، نرجو أن تتغير سريعا. وفي الختام أرجو أن أكون قد وفقت في إلقاء الضوء في بيان أهمية الترجمة وبيان الحاجة الماسة إلى مواصلة الاهتمام بالترجمة علماً وفناً في سبيل تواصل المعرفة وتلاقح الثقافات. كما يجب أن نتذكر دوماً أن نسبة ما يترجمه العرب في الزمن الحاضر لا يتجاوز ثلاثة في المائة من الإنتاج الفكري والثقافي العالمي. فما ترجم إلى العربية من عهد المأمون وحتى الآن لا يتجاوز ما تترجمه أسبانيا كل عام". بقلم : بدر جميل