نظمت جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس والفريق المتداخل الاختصاصات للبحث في الترجمة والتأويل ومركز الدراسات الرشدية ومختبر مقارنة الأديان وحوار الحضارات مؤخرا، ندوة حول «الترجمة والنص المقدس»، بكلية الآداب ظهر المهراز. لقد كان الدين والترجمة ينتظمان في علاقات تميل أحيانا إلى الملازمة والمجاورة، وتجنح أحيانا أخرى إلى التعارض والتنافر -كما يقول بذلك الدكتور توفيق سخان الأستاذ بكلية سايس للآداب- لكن ذلك لا يخلو من التخوين والرجم والتحريف عند بعض المترجمين، وأيضا الأمانة والحفاظ على الأصل عند آخرين. وظلت الإطارات التنظيمية والمرجعية المتحكمة في علاقة الترجمة بالنصوص تتأرجح مدا وجزرا دينيا ودنيويا، كما بقيت الحاجة إلى الترجمة ضرورية باعتبارها عنصرا مهما ونشاطا إنسانيا يسعى إلى «وصل ما انفصل ورتق ما تفتق وجمع أشتات الرسائل التي أراد لها التدبير الإلهي أن تكون واحدة» كما يقول الدكتور توفيق سخان دائما. وركز الدكتور رشيد ابن السيد من كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس، على أن تأويل النصوص المقدسة وترجمتها، كان له اهتمام بالغ، على اعتبار أن هذه النصوص لها دور كبير في تنظيم حياة الناس وضبط العلاقات فيما بينهم. كما أن ترجمة النصوص الدينية التي ليست»فتحا مبينا أو اخترعا جديدا» رغم ما تكتسيه من مصاعب كبيرة، بالنظر إلى غموضها والتباساتها، الشيء الذي يدفع المترجمين أحيانا للرجوع 20 أو 30 قرنا إلى الوراء، اعتمادا على مناهج علمية دقيقة، كان المنهج النقدي التاريخي أحد هذه المناهج. ويعتبر الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا أحد رواد هذا المنهج، الذي حاول إنقاذ جوهر الدين من التحريف والعبث الذي لحق بالكتب المقدسة. وتطرق الدكتور سعيد كفايتي الأستاذ بكلية سايس إلى أنه مهما «بلغت درجة الكمال في ترجمة النص الديني وهو أمر يكاد يكون مستحيلا، فإنها لا تخلو من مزالق». متسائلا: «إلى أي حد كان الدافع العقدي مؤثرا في ترجمة التوراة؟ وما هي حدود التداخل بين الترجمة والشرح من جهة، والتأويل من جهة أخرى؟». أما الدكتور زهير محمد زهير من نفس الكلية فقد تطرق إلى أهمية ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغات أخرى في التعريف بالإسلام، إلا أن هذه الترجمة لا تخلو من صعوبات وعوائق أرجعها إلى ثلاث عوامل هي: الجانب الدلالي للألفاظ، الجانب البلاغي، الجانب التركيبي. وركز الدكتور محمد لعضمات من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط في مداخلته على أن ترجمة القرآن والإنجيل إلى اللغة الأمازيغية تثير العديد من التحديات والصعوبات، لما يتميز به هذان الكتابان من خصائص بيانية وبلاغية وأسلوبية وثقافية ودينية ومن هالة القداسة كذلك، حتى وإن اختلفت درجاتها. واضعا رزمة من الأسئلة من قبيل: ما هي إمكانية نقل المقدس إلى لغة أخرى؟ وما السبيل لتجاوز الإشكال اللساني في ظل التباينات الثقافية والدينية بين اللغة المرسلة واللغة المستقبلة؟ وهل تكفي اللغة وحدها لترجمة القرآن والإنجيل؟ أم يتطلب الإلمام بعلوم أخرى؟ وأين تتموقع الترجمة الدينية في مجمل نظريات الترجمة؟ وكيف يمكن الوصول إلى معنى النص الديني بشكل موضوعي؟. مشيرا في الأخير إلى أن فعل الترجمة إلى الأمازيغية يطرح تحديات أخرى، كون اللغة الأمازيغية تعيش مرحلة الانتقال من الشفاهة إلى لغة الكتابة، مع ما يصاحب هذا الانتقال من إشكالات. وتطرق احمد فرحان من مركز الدراسات الرشدية من جهته إلى محور «مكانة الترجمة في فهم القرآن: الجابري نموذجا»، مشيرا إلى أن لفظ الترجمة استعمل على لسان النبي محمد لأول مرة، حين لقب الصحابي الجليل ابن عباس بترجمان القرآن. وقد كان الجابري يعتمد على مفردات القرآن لفهمه كاشفا المعرب منها، ومؤكدا لأطروحة غريب الألفاظ بمعنى الدخيل على اللسان العربي كلفظ «الأمي» وتفسيره له، الشيء الذي اتخذه البعض مدخلا للتهجم على الجابري في تفسيره. وتحدث الدكتور عدنان أصلان عن القرآن كقناة للتعليم الديني بالأقسام الأوروبية متعددة الثقافات، مع تنامي نسبة الأطفال المسلمين في البلدان الأوروبية. فقد أخذ القرآن يحتل مكانة مركزية في المدارس العمومية الأوروبية، باعتباره أداة أساسية في التعليم الديني. وتعتبر أقسام المدارس التعليمية أهم مزود للتلاميذ بخلفيات دينية متباينة، لفهم القرآن انطلاقا من مرجعيات مختلفة. وبذلك تطرح بيداغوجية التعليم الديني مسألة ترجمة القرآن وفهمه داخل العالم الذهني، الذي يميز الأطفال والمراهقين في سياق أوروبي محض. وتناول الدكتور اعبيزة إدريس من جامعة محمد الخامس بالرباط «مشاكل ترجمة النصوص الدينية: نموذج الترجمة العربية للتوراة -العهد القديم- والترجمة العبرية للقرآن»، وسعى من خلال ذلك الوقوف على المشاكل التي اعترضت مترجمي نص التوراة إلى اللغة العربية، في الوقت الذي تخلى فيه اليهود عن التخاطب والتعامل باللغة العبرية، واتخذوا من اللغة العربية وسيلة للتعبير والتواصل اليومي أمام طغيان اللغة العربية على مجموع اللغات السامية، التي كانت متداولة في الشرق خلال الفترة الممتدة فيما يعرف بالفترة الجاهلية إلى حدود القرن الثالث عشر الميلادي. أما ترجمة القرآن الكريم إلى العبرية فقد كانت بداياتها الأولى خلال الفترة الأندلسية، حاول فيها اليهود تشويه النص القرآني، بقلب معانيه أو تحريفها حتى إن لم يترجموا القرآن كاملا. واقتصرت الترجمة حينها على بعض الآيات والسور فقط. وقد كانت الترجمات اليهودية للقرآن كلها مخالفة للنص القرآني، باستثناء ترجمة يوسف رفلين أحد كبار اليهود المتخصصين في الدراسات العربية والإسلامية. داعيا في الأخير إلى ضرورة إنشاء هيأة تسهر على ترجمة النص القرآني إلى اللغة العبرية، لتصحيح وتقويم ما تعمده المترجم اليهودي. * باحث