طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الرقمية    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية بطنجة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون يسعى لتقييد الهجرة    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    إسرائيل تطلق 183 سجينا فلسطينيا    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    تنس المغرب يثبت في كأس ديفيس    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    توضيح رئيس جماعة النكور بخصوص فتح مسلك طرقي بدوار حندون    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    السعودية تتجه لرفع حجم تمويلها الزراعي إلى ملياري دولار هذا العام    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    حركة "إم 23" المدعومة من رواندا تزحف نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعض ملامح الموروت التراثي بآسفي وعلاقته بالبيئة المحلية وأنشطة الساكنة
نشر في أسيف يوم 08 - 11 - 2012

إن الحديث عن مظاهر الفنون الشعبية بآسفي ومنطقة عبدة يتطلب من الباحث الوقوف عند مكونات مختلفة, تتكامل وتتقاطع أحيانا لتحليلها ودراسة مختلف إفرازاتها على المستويات الثقافية والاقتصادية والفنية ,كما يجب البحث في كيفية مساهمتها في تشكيل وتكوين بانوراما الفنون الشعبية بهذه المنطقة وتأتيرها على البيئة المحلية وأنشطة الساكنة, ولعل أول ملاحظة تتبعية في الميدان المحصور طبعا تؤكد لنا ما تقدم.
ثمة مجموعة من العوامل التي ساهمت وساعدت على ظهور ونمو وتطور كل لون من الألوان الفنية الشعبية التي نصادفها حاليا بهذه المنطقة وعلى رأسها الموسيقى الأندلسية , فن الملحون, فن السماع, العيطة , موسيقى الجوقة, حمادشة, عيساوة إلخ .
نحن إذن أمام ملتقى "كارفور" لمجموعة من الفنون الرئيسية ببلادنا تعتبر احدى دعامات الصرح الثقافي والفكري والتي نسجل بخصوصها بعض الملاحظات.:
- كل أنواع هذه الفنون لازالت محفوظة وتمارس على شكل واسع ولكل واحد منها جمهورها الخاص بها.
- هناك بعض العناصر الفنية التي تقلصت إن لم نقل اندثرت من مناطقها الأصلية بينما لازالت منطقة عبدة تحتفظ بها.
-هذه المدينة احتفظت بكل مكوناتها الفنية ولم تشهد هيمنة أي لون آخر حتى في الفترة الحالية , ذلك أنه من الملاحظ أن مجموعة من المدن حاليا أصبحت تعيش في ظل اجتياح وهيمنة ألوان أخرى من الفنون الجديدة المستحدثة أو التي أعيد إنتاجها أو قولبتها كما وقع مع لون اعبيدات الرمى في منطقة ورديغة كاخريبكة, وادي زم وقلعة السراغنة.لكن هذا لم يقع بمدينة الرباط رغم وجودها على مشارف ازعير حيث مجال الغابة ونشاط هذه الفرق بشكل مكثف ,وكذلك بالنسبة لمجال مراكش وآسفي حيث نلاحظ أن الألوان الأصلية لهده المناطق لازالت حاضرة في الساحة ولها مناصروها.
انطلاقا من هذه الملاحظات نتساءل: هل تنفرد المنطقة ببعض الخصوصيات التي أهلتها لاحتضان مختلف أنواع هذا التعبير الكلامي الحركي والمساهمة في قولبته وإعادة نشره و ذيوعه ؟
بالفعل فالمنطقة تشهد الاستقرار منذ القدم نظرا لملاءمة الظروف الطبيعية نسبيا (تربة خصبة, كمية التساقطات متوسطة الخ) والتي كانت حافزا على توسع العمران كما ورد عند الصبيحي في الباكورة وكذلك عند الحسن الوزان في القرن 16, حيث ساهم هذا الاستقرار في ترسيخ ظاهرة العمل الجماعي إضافة إلى مجموعة أعراف وعادات.
ثم إن انفتاح المنطقة على المحيط قد أسهم بدوره في نشر الأنشطة المرتبطة بالبحر مع ما يصاحبها من عادات وطقوس وممارسات.
وإذا رجعنا إلى مكونات ساكنة المنطقة نجد أن المنطقة شهدت استقرار القبائل العربية والتي كان الهدف منها خلق توازن عصبي وأحزمة حول مراكش لكن سرعان ما شهدنا اندماج وانصهار هذه العناصر الأمازيغية المحلية والأخرى العربية القادمة إضافة إلى عناصر ضمن هجرات أخرى بعد سقوط غرناطة.
انطلاقا من هده المؤهلات التي تنفرد بها المنطقة,نعرض لبعض النماذج الفنية من الموروت التراتي التي تجسد مظاهر تلك التأتيرات ان على البيئة المحلية أو على أنشطة الساكنة.
النموذج الأول:
موسيقى العيطة:
هذا اللون تعرف به بادية آسفي وأحوازها أي قبائل عبدة بصفة عامة.ونظرا لمجموعة من ضوابط البحث الميداني نسمي هذا اللون من العيطة الموجودة بمنطقة عبدة بالعيطة الحصباوية أو الحصبة والتي تعني نوعا من التربة الخشنة وتطلق في نفس الوقت كاسم على المنطقة الواقعة في شمال شرق آسفي على بعد حوالي 30 كلم وغير بعيدة عن مقر أحد رموز السلطة المخزنية على مشارف القرن العشرين أي القائد عيسى بنعمر العبدي وزير البحر خلال العهد الحفيظي .
إذا ما حاولت تتبع جذور هذا الفن بالمنطقة لا تسعفني المصادر وحتى المتن ومع ذلك يمكن التقاط بعض العناصر التي تقود مسيرة الباحث انطلاقا من دراسة ما كتبه الإدريسي مثلا بأن العيطة أنواع مختلفة لكن المنطقة التي نشأت فيها هي عبدة و أشير إلى أن هذا الكاتب كان يبحث خلال العشرينات وزار الشاوية ومن ذلك الميدان استقى معلوماته.
وبالرجوع إلى مصدر آخر يعود إلى بداية القرن ويتعلق الأمر بالصبيحي السلاوي الذي كان يتولى نظارة الأحباس بآسفي في الفترة ما بين 1918 و 1920 والذي كان قريبا من فترة حكم القائد عيسى بنعمر العبدي , هذه الفترة التي مثلت تشنجا وشرخا في العلاقة بين القبائل وجهاز الحكم المخزني المحلي والناتجة أساسا عن ارتفاع الكلف وتوسيع دائرة أعمال السخرة .
قلت بالرجوع الى الصبيحي في مخطوطه عيسى بنعمر وفضائعه والذي ينقل فيه أطوار ذلك الصراع الذي دار بين قبيلة أولاد زيد والقائد عيسى بنعمر بتفاصيل كثيرة وضمن مخطوطه يورد أبياتا شعرية باللغة العربية من نظمه يقول أنها تشبه ما كان يغنى من طرف امرأة شاعرة من هذه القبيلة تختلف الروايات حول اسمها الذي غالبا ما يكون هو احويدة والتي تعرف عند العامة تحت اسم خربوشة,
كما نجد في مطلع العيطة الحمرا , خربوشة, زروالة, لكريدة, من ضمن ما جاء في هذه الأبيات : ما أعرضه لتقريبه بالملموس على سبيل المقارنة :
يقول الصبيحي :
طلقا طلقا إلى بوكشور وهجوما احقر بؤسى القدور
ونهوضا نهوضا أولاد زيد يا أسود الوغى وسود النمور
نحو عيسى ومن يجانب عيسى نحو رأس الظلوم أصل الشرور
لا تنم عينكم ولا تغمدوا أسيافكم دون ذا المرام الخضير
أما الأصل العامي :
زيدو أولاد زيد راه الحال مازال بعيد
نوضا نوضا حتى لبوكشور
نوضانوضا حتى لباب السي قدور
مازال او مازال مازال الحق يبان
اخزانة كالو ارشات المخزن يجددها
وخ قتلوني وخ خلوني ماندوز بلادي رانا زيدية

أما بيت عيسى بنعمر قتال خوتو :
راه الوروار اخلا الدوار
فهو من قول شاعر آخر محمد بنهيمة الآسفي شاعر الملحون والذي عاش في نهاية القرن التاسع عشر.
ما يلاحظ على ما ورد عند الصبيحي أنه كان قريبا جدا من الفترة و لو أراد جمع تلك النصوص لتمكن من ذلك, إلا أن الظاهر لم يكن في قضية فهم اللهجة المحلية والكلام بقدر ما هو ناتج عن ذلك الصراع ما بين النخبة الحضرية والقروية.
والخلاصة أن مشكل المصادر يبقى مطروحا, ومن هناك يبقى الميدان هو السبيل الوحيد لالتقاط ما بقي مشتتا بين الترديد والذاكرة .
يتميز هذا النمط الحصباوي بسيطرته وبروزه في كل أنماط العيطة الأخرى , وهذا راجع إلى عامل الجوار مما أدى إلى عملية تلا قح وتبادل وتداخل . والنتيجة هو نقل مجموعة من عيوط الحصبة أو أجزاء من بعض العيوط والعمل على إعادة هيكلتها وتركيبها وإعادة غنائها ضمن نمط آخر وهذه حالة عيطة خربوشة التي نقلت الى نمط المرساوي مثلا و أصبحت تسمى:
خربوشة منانة لكليلة والأمثلة في هذا الباب كثيرة. نذكر كذلك هنا التبادل الذي وقع بين حملة هذا الفن أي الشيوخ الذين كانوا يعملون على محاولة توسيع مجال نفوذ نمطهم كقولهم : خويا والحصبة هي بلادنا
- تنفرد عيوط الحصبة بعدة مميزات منها : حفاظها على الآلة التقليدية حيث لازالت تستعمل آلة السوسدي والكنبري والتعريجة, إلخ.
- تنفرد الحصبة كذلك باحتضانها لمجموعة من العيوط الميتة أي التي أصبحت غير متداولة وقد تدمج منها بعض الأبيات ضمن عيطة أخرى قد لا تنتمي لنمط الحصبة.اضافه الى تتنوع المواضيع وهي ميزة ثالثة لهذا النمط حيث نجد اختلاف الأغراض والتيمات المطروحة مثل المجال والإنسان والبيئة وغير ذلك ,ولايفوتنا القول بأن شيوخ هذا النمط مقتدرون وكثيرا ما تحولوا إلى رواد بارعين في نمط آخر.
إجمالا : إن العيطات الحصبة هي أكثر العيطات ثراء' فلقد أثبتت بشكل واضح العلاقة بين الثقافة الراقية والثقافة الشعبية' وذلك لارتباطها بحياة الإنسان وبالأحداث التي يحياها. وقد وجد فيها أهل عبدة متنفسا لعواطفهم ومشاعرهم, ومعاناتهم تجاه السلطة,
الان هدا النمط هو في طريق الاضمحلال لأنه محصور في مجال عبدة وأحوازها,وعدم انتشاره في مناطق أخرى.وراحت تتلاشى معه كل المركبات الفنية والإيقاعات و الأنغام التي تعتمد على الكلمات والرنات الموسيقية, والأصوات التي توفر مختلف الطبقات والآلات والبنية أو التركيب الموسيقي و غيرها من الخصوصيات الفنية.
لكن هذا لايعني أن هذا الارت الفني الحصباوي في طريقه الى الاندتار,لأنه ومند تلاتة عقود انطلقت مجهودات فعاليات أكاديمية وفنية لأعادة الاعتبار لهدا الفن وجمع متونه عن طريق الميدان والتسجيلات والمقابلات مع المحترفين والمهتمين وبدأت تظهر مجموعة من الكتابات شكلت لحد الان تراكما ساهم في لفت نظر المتتبعين لرعاية هدا اللون واعادة تأهيله.والأمتله في هدا الباب كتيرة جدا كان أخرها كتاب (محمد أبوحميد رائد البحت في الموروت التراتي 2011)
أما على المستوى الفني وهو الأهم لكونه يعيد تداول هده العيوط التي أسميها بالميتة,فبعد رحيل الشيخ امحمد الدعباجى وظاقمه بقيت هده المتون تتداول عند بعض الشيوخ أمتال عبد الرحمان الترين والداهمو ميلود,تم ظهر من بعد الشيخ جمال الزرهوني ومجموعته,هده الأطقمه لها محاولات جادة للنبش في هده المتن وترميمها واعادتها للتداول,وبهده المجهودات سوف يتم اعادة جميع هده العيطات الى التداول ويتم بالتالي اغناء ربرتوار الحصبة الدي لن يموت بفضل التكنلوجيا الحديتة.
النموذج الثاني:
الموسيقى الطرقية :
أو ما اصطلح عليه بموسيقى الطوائف والذي تتعدد مكوناته التركيبية من عيساوة واحمادشة أما اللون الأول فقد تطور وأبدع رواده في مجموع كبير من الذكرات العيساوية وذلك راجع لتطور فن الملحون بالمدينة وعلى يد رواد كبار أمثال الطالب بنسعيد الروداني صاحب قصيدة خدوج ومحمد بنعلي الدمناتي صاحب رائعة الزردة وغيرهم.
أما احمادشة فلهؤلاء مميزات خاصة بالمنطقة وإذا كانت كل طوائف احمادشة بما فيها الدغوغيين و الحمدوشيين تتفق على آلات وسواكن معينة ويتجلى ذلك على مستوى لقاءاتهم الجهوية وخلال موسمهم السنوي بمكناس فان احمادشة بهذه المدينة لها خصوصياتها المحلية , إن مجموع السواكن المؤداة على الصعيد الوطني تدعى اسواكن غرباوية "ربما نسبة إلى منطقة الحركة من سهل الغرب وهذا احتمال" بينما في آسفي نجد إضافة إلى هاته السواكن الغرباوية ما يسمى بسواكن لبلاد وهي عبارة عن سواكن محلية أبدعها مجموعة إخوان أولاد باكاز الدين كانوا في دار المخزن خلال القرن 19 وهي عبارة على شكل وصلات أندلسية محلية تتداخل في تشكيلها المعطيات المحلية على الخصوص.
النموذج الثالث:
أغاني البحر :
إن وقوع المدينة في بيئة بحرية وارتباط مجموعة من أنشطة السكان بالبحر جعله يؤثر على عادات السكان ويحضر ضمن ممارستهم وعاداتهم وطقوسهم.و ارتباطا بالبحر وأنشطته تطور مجموعة أغاني وإشعار.
ولعل هذا النوع من الغناء تكاد مدينة آسفي تنفرد به وهو ما اصطلح عليه بأغاني البحر. يعتبر البحر ومحيطه ذلك العالم المجهول النشاط الأساسي والسائد في هذه المدينة منذ زمن, لهذا نجد فضاءه حاضرا ضمن جميع أشكال التعبير الموسيقي للمنطقة:
مثلا في العيطة نجد :
بو امحمد صالح رايس الرياس اقبالت طنجي فاس
وكبت على اسفي بابوا لمراسي
باب المرسى جامعة الرياسة
داك البابور شاك لبحور غادي للرسول
تسرحو لبابر ما بقى علبحر حبيبي عبد القادر
إذا ما تفحصت البيت الأول : بو امحمد صالح رايس الرياس اقبالت طنجي فاس
يمكنني أن اجزم بسهولة بكون هذا البيت حديث جدا ضمن متون العيطة نظرا لكون كلمة طنجة فاس تعني خط السكة الحديد الأول الذي أنشأ في الحماية وكان يربط ما بين مدينتي طنجة وفاس إدن الأرجح أن هذا البيت قد أضيف خلال الثلاثينيات.
أما عن البيت الرابع فهذا يمكن رده إلى فترة أقدم من بداية الحماية نظرا لأن كلمة البابور متداولة قبل هذه الفترة بكثير وأجدها في عدة مصادر تاريخية ونفس الشيء بالنسبة للأبيات الأخرى.
إذن يمكننا أن نجزم أن فضاء البحر والأنشطة المرتبطة به حاضر ضمن فن العيطة وخصوصا منها متفرقات الزعري الحالية.
هذا الحضور الموضوعاتي للبحر هو موجود ضمن جل أشكال التعبير الموسيقي بالمنطقة مثل عند كناوة في محلاتهم على الطريقة المرساوية القديمة التي تبتدأ بمحلة جيلالة والتي مطلعها : ملك مولاي عبد القادر والبودالي وغيرها إلى محلة البحرية التي نجد بها ملك : سيدي موسى وعيره ثم تنطلق امحلات البنات انطلاقا بمحلة لالة مليكة ولالة عائشة و زوينة .
وإذا كان وجود فضاء البحر ضمن أشكال التعبير التي ذكرناها هو بشكل مقتظب فقد تطور وأصبحت له قصائد وأغاني خاصة به يتسلى بها عمال البحر أثناء عمليات الصيد الساحلي أو صيد أعالي البحار أو حركات الملاحة.
تدخل هذه الأغاني ضمن أغاني وأناشيد العمل والحرف, والتي كان ينشدها العمال أو الحرفيين, لتخفف من متاعبهم ومشا قهم وتجعل أوقاتهم ممتعة وسهلة التحمل ومحتملة المواجهة. وتدعى أغاني البحر في آسفي ب "تاكبالت" وهي كلمة أمازيغية, تطور هذا النوع منذ زمن وساد في أوساط البحر ورجالاته لكن الآن اضمحل هذا النوع ولم يعد له وجود.
ومن خلال تفحص مضامين هذه الأغاني نكشف عن صور من متاعب وصراع هؤلاء البحارة ضد عالم البحار والأمواج العاتية وتطلعاتهم ورغباتهم بعد النجاة.
هذه الأغاني تكاد تكون مرافقة لكل لحظات ومحطات التراقص التي تقوم بها "البركاسات" كما ورد عند بن جلون عبد المجيد : جولات في مغرب أمس ج1 ص 110.بين البواخر الراسية في الأعماق والشاطئ وعمليات التجديف, أو خلال عمليات الصيد أو جمع الشباك أو الغد و والرواح. وكانت تؤدى على شكل إنشاد قد يرافقه الضرب بالأيدي والأقدام فتنتج من تناغمها إيقاعات توحي بحركات السفن وتقلبات البحر.
هذه الأغاني كانت لها مناسبات خاصة لعل أهمها موسم انطلاق الصيد وهو معروف بسيدي "بوزكري" حيث يجتمع الصيادون وعمال البحر لإحياء اليوم بالحفلات والأمداح والدعوات ومن أمثلة القصائد التي ينشدون،أنظرالعطاوي عبد الرحيم: آسفي دراسات تاريخية وحضارية , 1988 ص 130-133.):
سعدي بنسيدي جاني ماصبت مانعطيه
فرشت ليه الزرابي لحبق داير بيه
قوموا يالبحرية قومو لفلايكم
الشان والشاشية لفلايك رومية
سيدي يا بوزكري سلطان الصالحين
الانطلاقة الأولى للسفينة في البحر تقول :
الفاتح باب الله اساعدي مولانا
تساركا تلو اشماتاشكا بارك ربي اينوب الله ينوب مولانا الكريم
الطيور طاروا فالسما عملو دارا حين شافو نبينا جاو عندو بليغارا
ونورد فيما يلي نماذج مختلفة من الأغاني المرتبطة بالبحر (حول هذه النماذج أنظر منير البصكري, الشعر الملحون بآسفي د.د.ع. الرباط 1987).
أعوذ بالله نعلو إبليس اللهم
ولايلاه ولايلاه ولايلاه رجال الله
تساكا بسربية داير اخدادا سيدي بوزيد يالوالي مولى ابلادنا
أشقنا شوق ناس لملاح حرمة باباك داويني
أمولاي بوزكري غير اعلينا عساس المرسى ادخيل ليك برجال الله
عند دخول السفن إلى البحر. تسمع.
باسم الله بها ابدينا وعلى النبي صلينا
أما الراجعون من البحر فيرددون :
يا فتاح اعلى لعباد يا مولانا
يا رزاق لعباد سهل يا مولانا
لنا أدرت اعلى لبحر شميت لعنبر أمولاي بوزكري كابوس معمر
نموذج آخر :
الصلاة عليك أبو الأنوار بولنوار محمد محمد نبينا
في الآخرة يشقع فينا الجيد ياربي
لالة مكة يا لحبية امصاب نكون ليك اقريبة
يصبح ويماسي ويجاور محمد
هذه مجموعة من الأغاني التي كان يرددها رجال البحر ومع الأسف, لم يعد أي منها يروج داخل هذه الأوساط, وذلك راجع إلى تشبيب طاقم البحر وسيطرة وسائل الحداثة. وقد جمع الأستاذ منير البصكري في رسالته هذه القصائد التي حملتها ذاكرة البحارة القدامى.
كما نذكر في هذا السياق تأثير البحر وما يرتبط به على عادات سكان آسفي ونقول هنا على سبيل المثال لا الحصر, أنه في اليوم الثالث من حفل الزفاف يقوم العروسان ببرش سمكة وهو ما يدعى بحفل "تكرات الحوت", تيمنا من هؤلاء بثروة هذه المدينة السمكية, وقد تتعدى المعتقدات المرتبطة بالبحر وما يصاحبها من طقوس و التي نجدها اليوم ضمن حياة السكان اليومية.
خلاصة
تعكس موسيقى آسفي بأنواعها, بشكل عام البيئة المحلية والعقلية السائدة والقيم المحمولة والتطلعات المرتقبة لدى الأفراد. وهذه الأنواع الموسيقية لا تختص بموضوع معين أوحدت منفرد, وإنما تجدها تتناول قضايا مختلفة قومية ووطنية , مسجلة في الوقت ذاته حضور الجانب الاجتماعي والسلوكي والوجداني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.